الكتابة إلى الوراقين

اكتب إليك عزيزي مكي المغربي ولم اعتد الكتابة إلى الوراقين .. لما فيها من فضح  العقول وطرح الفضول.. وما تسلبه من وقت القارئ الثمين..  الذي يمر سريعاً ويمضى كما مضى صديقكم الوفي الذي وقبل أن يجف الدمع بكاءاً عليه .. جفت الصحيفة ومُحيت آثاره .. فلم يُترك له ولو بوصة في بوصتين للترحم والتذكرة .. فالذكرى تنفع المؤمنين..

ويحدوني إلى الكتابة أمران .. أولهما مقالك الوصفى عن ظاهرة الأستاذة روضة الحاج والتي لم تلبس العباءة السودانية أو الثوب البلدي في مجمل ما كتبت من قصائد أو قل منظومات ..

ولستُ هنا بصدد السرد التحليلي وتكرار ما أوردته أنت من مشاهد لكتابات روضة الحاج .. بقدر ما هي محاولة لوضع قالب لمعاني ومدلولات الشعر التقليدي الحر .. ودعني أسمه (التقليدي) فهو كذلك تقليد من لحق لمن سبق .. ولا يخرج كله من إطار ما قاله العلامة زائع الصيت الأستاذ الكبير/ فراج الطيب السراج عليه رحمة الله تعالى وأنزل على قبره شآبيب رحمته .. فكم كان يرسل آهات حرى لأولئك الذين امهتنوا صناعة التفعلية .. وضربوا صفحاً عن القوافي المرصعة والبحور الزاخرة من العروض بفنونه وجماله ومجزوءه وكامله.. يقول فراج:

وللقريض .. ولستم بالأولى شعروا

ولا حسام ولا رمح ولا وتر

رفقاً بأمتكم .. يا أيها النفر

بألسن العجم .. يحـسـُـن عندها الهزر

فكيف يزعمه الرطانة الحصر

مهلاً بنا أدعياء الشعر مالكمو

إني لأعجب من غادٍ لمعركة

أ بالركاكات .. ينقاد البيان لكم؟

وإن أبيتم .. فصغوا فضل هزركم

الشعر في العرب.. لا في العـُـجم منبته

 

وقد تخْرُجُ من قاع التفعيلة ألوان من الإبداع .. وهي التي تتمثل في كتابات المعاصرين .. ولك أن تـُلبس أحمد مطر وشاح الزعامة في ذلك فكلماته تنم عن قريحة وقادة .. وانتقاء سليقي للتراكيب والمعاني فتخرج قصيدته كأنه رصاصة في جسد العربي المتهالك. وما أجمل ما قاله حين سطر مأساته مع الصحيفة العربية المعروفة فيخاطب قصيدته بكل نرجسية ..

 

هيا بنا ..

لفي ذراعك حول نحري ..

و البدي في دفء صدري ..

كي نعود إلى المسير .. فإن غايتنا بعيدة ..

ودعي التلفت للوراء ..

فقد هوى .. عما هوت .. وصف الفقيدة ..

هي لم تذق طعم المنية حرة معنا ..

ولا عاشت شهيدة ..

لا تحزني يوماً عليها ..

واحزني دوماً لها ..

لم نـُـنف عنها .. إنما نُـفيتْ .. لقلة حظها .. عنا الجريدة ..

 

 

غير أن مثل هذا الفن .. تجيده (الحبوبات) .. وجدتي – وهذه حقيقة -  لها مقدرة عجيب على صياغة الأوزان .. فما تجد كلامها إلا منغماً تنغيماً رائعاً .. حتى تكاد تخاله مقطوعة لأحد عباقرة السودان في شعر التفعيلة .. غير أنها لا تلبث أن تبتسم قائلة (يا ولدي الفاضي.. بعمل قاضي).

 

هذا جانب .. الجانب الآخر..

ساءني مشهد طالعته في صحيفتكم الغراء .. كاريكاتير الهجرة من بني قينوقاع إلى بني قريظة ..

ولا يحتاج إلى تعليق .. ولكنها حرقة في النفس ..

إذ يكفى أن اسمه (الهجرة) .. ولم يسمى (السفر) .. أو اللجوء السياسي أو الاقتصادي .. أو النزوح أو التهريب ..  فإسرائيل لا يدخلها بنو جلدتنا إلا عن طريق التهريب..

ولماذا نعتب على الرسومات المسيئة للإسلام .. ونحن نرسم كما يرسمون؟ ونستهزئ كما يستهزؤون؟

 

طبعاً في أغلب الظن .. أن قلم جني لا يقصد الهجرة النبوية .. أو شخص النبي صلى الله عليه وسلم .. أو الصحابة الكرام من مهاجرين وأنصار رضي الله عنهم أجمعين..

 

ولكن يكفى أن (الهجرة) رمز من رموز النبوة .. ومحطة من محطات التاريخ الإسلامي الزاهر..

ثم لا يجتمع شيء مما أورده في لوحته مع الواقع .. فليست مكة بنو قريظة .. وليست السودان بنو قينقاع.. والله جل في علاه يقول (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره .. وإما ينسينك الشيطان .. فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) ..

 

وإلى لقاء آخر ..