تعقيب على وهج الكلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الكريم/ د. حسن التجاني

مقالك عن دارفور ومشكلة المرور واستملاحك بـ (راءات) مطالع الكلمات رمى ورضي ورضخ ورغب ورسم ورسا ورسب أعاد إلى ذاكرتي مقالة قرأتها لابن الجوزي يتحدث فيها بإسهاب عن ضرب من ضروب إعجاز لغتنا العربية الفريد وهو تعلّق البناء اللفظي للكلمة بالمعنى المرادف لها من حيث الشدة واللين والسماحة والقبح والنشوة والامتعاض وهذا واضح جليٌّ في كثير من مفردات اللغة العربية وقد حدثني من تأنس النفس للجلوس إليه أن ارتباط الحرف العربي بالمعني لا يكاد ينفك البتة ويتبين ذلك للملاحظ للقرآن الكريم فنجد (تمرحل) لفظ الاستطاعة في سورة الكهف (قال إنك لن تستطيع معي صبرا)، (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) ، (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) وفي قصة ذي القرنين (فما اسطاعوا أن يظهروا .. وما استطاعوا له نقباً) .. حيث أن محاولتهم إحداث ثقب في الجدار كانت أكبر من محاولتهم تسلقه فجاء اللفظ مزيداً بثلاثة أحرف الألف والسين والتاء وهو بخلاف الأول المزيد بحرفين والله أعلم.

والضاد عند الابتداء بها تتولّد معانٍ انكماشية لا تـدخل في النفس السرور أو البهجة كـ ضيم وضلال وضنى وضمور وضباب وضغينة،  وشذ من ذلك الضوء فإنه نور يهدي السالكين في غياهب الظلمة.

وأما دارفور فقد كنا في زيارة لحاضرة ولاية شمال دارفور في احتفالات مهرجان القرآن الكريم والذي افتتح فيه رئيس الجمهورية عدداً من المنشآت والمشاريع الهامة والتي منها القرية النموذجية ومباني الولاية ومجمع ومسجد السلطان وقد توّجها الصندوق القومي لتطوير الخدمات الطبية بهديته لأبناء شمال دارفور المتمثلة في مستشفى الفاشر العسكري القومي والذي يعد تحفة معمارية ببنائه المشيد وبموقعه المتميزة  وبمعداته وأجهزته الطبية المتقدمة والتي تغني أهل الولاية من عناء ومشقة البحث عن العلاج سواء في الخرطوم أو خارج السودان. وقد كان من قطاف عنقود إنجازات الصندوق القومي قبيل وأد دمغة الجريح الشريان الدافق للخدمات الطبية العسكرية والتي تفجرت من رحمها ثورة تأهيل وتطوير الخدمات الطبية حتى رأينا بأعيننا وبشهادة الأصدقاء والأعداء كيف أن المستشفيات العسكرية في العاصمة والولايات قد ازدانت بها المدن بحسبانها أحد المعالم المميزة بصروحها المشيدة وقد صارت قبلة يؤمها كل محتاج للخدمة الطبية من العسكريين والمدنيين.

ودارفور كثر الحديث عن مأساة أهلها الذين يتاجر بإسمهم من باع هويته ودينه وأهله واتخذ من الغرب مطيّة لتحقيق رغباته الشخصية ومصالح دائرته الضيقة ضارباً بالقيم والأخلاق والوطنية عرض الحائط، والبوابة التي كانت آمنة صارت من مزعجات الليالي وقد وجدت فيها الصهيونية العالمية سبيلاً للإنفاذ خططها التخريبية وتآمرها على السودان في عروبته وإسلامه.

وأما المرور فاعتقد أن مشكلتنا المرورية أوشكت على الحل باختراع السيارات الطائرة والتي سيتم اطلاقها رسميا بعد ثمانية عشر شهراً من الآن بحسب ما جاء في الصحافة العالمية وعندها سنكون قد ودّعنا نهائياً مشكلتنا مع المرور لا سيما الاختناقات المتوالية والحملات المرورية التي لن يجد أصدقاؤنا حين ذاك مكاناً لإقامتها إلا تحت ظل سحابة راحلة يرحلون معها إلى حيث تسقي ماءها. 

وإلى لقاء ..

هذا المقال تعقيباً على مقال ورد بصحيفة الانتباهة في عمود وهج الكلمة بقلم د. حسن التجاني