وهيَ ثلاثة مفرداتٍ تحكي البؤسَ والشقاءَ الذي إن لحِق ببني البشرِ فإنَّهم يومها سيُدركون مدى التعاسةِ التي يعيشونها وهو ذات المصب الذي تنتهي إليه آمال الرجرجة من اليساريين والشيوعين والرعاع المخدوعين بزيفِ وعدٍ ورهابِ وعيدٍ من المنسلخة عقولهم عن هوى أوطانهم وأجدادهم. وهي – ذاتها – إن لحقت بشخص فهي قبح ومذمة عليه اسماً وقعت أم صفة.
وأكبر حسنات الانتخابات أنها خلعت ثياب المتدثرين بالشعارات الجوفاء فكان لابد من خروجهم عراة من الشرف والفضيلة ليجدوا لهم نصيراً ولو من شذاذ الآفاق.. والذي يعجب له المراقب للأحداث ذلك التضارب الكبير بين الأطروحات التي يجتهد أصحابها في تزيينها بشتى ألوان الزيف والوعد السراب وبين حقائق الأمور التي لا تزال تجري هنا وهناك.. وكيف بربكم ينادي قاتلٌ مأجورٌ بالعدالة والحرية والحقوق .. وأي حق أكبر من إزهاق الأرواح.
والحركة الشعبية لم تخطيء يوم اختارت عرمان مرشحاً لها للرئاسة فهو على شاكلتها ينام كما تنام على استباحة الدماء والسكر والعهر ولكن أخطأت أحزاب الشمال الموسومة بالإسلام بانصياعها لشرذمة قتلة ظناً منها أن مؤتمر جوبا الأخير سيكون طوق نجاة وأمل حالم خروجاً من خندق الكرامة ولم يكن في خلدها أنه مسمار نعشها الأخير.
كم كان يتمنى العقلاء وأصحاب الفكر الراجح والعقول المستنيرة في هذا البلد الأشم كم كانوا يتمنون أن تقف الأحزاب السودانية موقفاً مشرفاً واحداً يسطر لها في محفل التاريخ المعاصر بأن تغسل يدها من براثن الارتزاق وأذناب العمالة وألا تخط لنفسها قبراً فالأموات لعمري أكثر من الأحياء وكم من مقبور في أضابير هذه العوائل التي قتلت في الشباب المثقف روح الوطنية والأصالة والابتكار وجعلت نصب عينه أحاجي الجدود وتراجيع الذكرى وأننا .. وأننا.
إن الشخوص الانهزامية والنفوس المضمحلة لا تصلح لقيادة هذه الأمة ولا لبناء تاريخها وسيادتها فالتحديات الوطنية أكبر من شعارات خواء من إيمان أصحابها وتصديقهم لها فضلاً عن إقناع غيرهم بذلك الهراء والتاريخ والواقع والتجارب والدول المماثلة خير دليل على ذلك ورغم أن أرضنا هذه تلد الأبطال فهاتوا بربكم فيمن نراه اليوم نظيراً للبشير والذي تتحدث عنه إنجازاته وآثاره في الاقتصاد والسياسة والصحة والتعليم والتنمية والنهضة التي اشتملت البلاد شرقاً وغرباً.
إن الانتخابات هذه أضحت للأحزاب كفرس أبي الطيب المتنبي حيث يقول عنه:
فأُ مسك لا يُطال له فيرعى *** ولا هو في العليق ولا اللجام
فاقترابها المتسارع يجعل الأحزاب في خطر داهم .. فالمشاركة خطر على بقائها إذ هزيمتها أوضح من الشمس وهذا ما جعلها تتهافت نحو أسباب التأجيل الموضوعية والمختلقة. وأما المقاطعة فإنها حكم بالإعدام لأحزاب طال نومها واستطال بياتها ولم يستفق دعاتها إلا حين رحيل عرّابوها ومنظروها فمن يضمن المشاركة في انتخابات أخرى قادمة، وهل ثمة يومئذ وجود لهؤلاء الزعماء.
ويبقى أن يستنسخ المؤتمر الوطني من عمر البشير عمراً آخر وثانٍ وثالث ليتقدموا الصفوف ولتطمئن الأمة أن الصلة ممدودة والمسيرة ماضية والهدف هو إقامة الدولة في الأرض على ما أراد الله تعالى فهو الذي أوجد ونحن المستخلفين ولا بد من ترسيخ إيماننا بربنا وتجديد اليقين في الخالق عز وجل فالملك بيده وحده فلا انتخابات تنزعه ولا هي تعطيه (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير).