إن المسلم الذاكر اسم الجلالة: الله،[2] تشرق في قلبه معرفة ربه فيحس بسر خفي في أعماقه، وكلما ازداد تذوقا بذلك، يشعر بتكاثر النفحات. فيصير ذكره عشق حياته، ويلمس في خباياه قوة قوية تتجلى في كيانه بوجدان يجلبه إلى متابعته بإيمان ومحبة وإخلاص واستحضار، فتضمحل كل الحواجز التي تفصله عن إدراك سر ذلك الوجود حتى يدنو من قاب قوسين أو أدنى من النور الأزلي المنبثق عنه نفحات علوية تربطه بذلك السر، وتفتح له باب الطريق إلى الحق، ونرى هذا واضحا فيما قاله بعض أهل الذوق من تذوق ذلك:
نظرت بعين الفكر في حال حضرتي حـبيبا تجلــــــــى للقـلـوب فجـنـتي
سقـــــاني بكــــأس من مدامـة حبه فكان مـن الساقي الخمار وسكرتي
ينـــــادمـني في كـل يـــــــوم وليلـة ومازال يـرعــــــاني بعـين المـودة
إن إسم الله، إسم لرتبة الألوهية، التي تطلق على الذات العلية واجب الوجود، الشامل لجميع المحامد والحقائق في كل مظهر من المظاهر الكونية، والمهيمن على كل إسم أو صفة من مراتب الوجودية الأزلية، وهو نور الحق يبصر نفسه بنفسه، وبه يصل الذاكر لمعرفته.
لقد اختلف العلماء في اشتقاق اسم الله وجموده، فمنهم من قال إنه مشتق من " لاَهَ يَلوهُ " إذا احتجب، أو من" لاهَ يَلِيهِ" إذا ارتفع، أو من " أَلِهَ يَأٌلَهُ " إذا عشق، بمعنى تعشق الكون لعبوديته. واستدل على إشتقائه بقولهم: " إِلاَهُُ ومَأٌلوهُُ"، فلو كان جامدا لما تصرف، ثم لما كان أصله " إِلاَهُُ " ووضع للمعبود، دخله لام التعريف، فصار" أَلإلاه "، فحذف الألف الأوسط لكثرة استعماله تعبدا فصار " أللٌه "، ومنهم من قال: إنه جامد وهو مذهب البصريين وأهل السنة القائلين: إسم " الله " هو عين الذات المسمى به قبل المشتق والمشتق منه، وقبل وجود الخلق، ولكل مذهبه واصطلاحه ولعلماء التوحيد والعربية كلام كثير فيه. فلنكتف بهذا القدر للتبرك.
أما على مذهب الاشتقاق بمعنى العشق، يتضح جليا أن عشق الكائن الذي لا حصر له على اختلاف أجناسه وأنواعه، هو عبوديته وتسبيحه لخالقه المشار إليه في قوله تعالى " يسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم.[3] ".
إن الكائن البشري العاشق في الله، عندما يكثر من ذكر" يا الله " ويغلب عليه وجدانه يسقط أداة النداء، فيقول " الله " لأنها يؤتى بها للبعيد لا لمن هو أقرب إليه من حبل الوريد، فيحصل له حينئذ أدبان:
1 تنزيه الله عن التنبيه.
2 الشعور بالقرب من الحبيب.
إسم: الله، خماسي الحروف، ولكل حرف اختصاصه. فاختصاص الألف الأولى من إ سم الله هو عبارة عن الأحدية المحضة التي هي أول تجليات الذات العلية الجامعة لبسائط حروف اسم الجلالة كلها، والمبسوط فيها من أ سماء وصفات أزلية ومتعلقاتها وأفعال ومفعولات وتأثيرات وتجليات الحق في ذات الخلق. وذلك لاندماج اختصاصات الحروف الأربعة الباقية في بسائط الأحدية ليترقى إلى اختصاص الجلال المعبر عنه اللام الأول وهو أعلى تجليات الجلال وإلى الجمال المعبر عنه اللام الثاني وهو مطلق كل جمال، وجميع أوصاف الجلال راجع إلى وصفي: العلم واللطف، ثم يصير الجمال والجلال وصفا واحدا لتلازمهما.
إن حرف اللام بسائطه: " لام - ألف - م " و أعداده أحد وسبعون عددا، وهي عدد الحجب التي أسدلها الحق بينه وبين خلقه كما ذكر ذلك علماء التوحيد وأهل السنة وغيرهم من الصوفية استنادا لقول رسول الله (ص) في الحديث النبوي:
" إن لله نيفا وسبعين حجابا من النور لو كشفها لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره "
يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الواصل إلى مقامي " الجمال والجلال " يفنى بعشقه في الله، ولم يبق له عين ولا أثر، وهذه الحالة هي المسماة عند القوم " بالمحق والسحق " بالفناء، وهو عند العلامة الجرجاني فناءان:
- الفناء الأول هو سقوط الأوصاف المذمومة، ووجود الأوصاف المحمودة.
- الفناء الثاني هو عدم الإحساس بعالم الملك والملكوت، والاستغراق في عظمة الباري
ومشاهدة الحق، ومنه ما أ شار إليه سلطان العاشقين في الله ابن الفارض في ديوانه بقوله رضي الله عنه:
تحكٌـَم في جسمي النُّحُولُ فلو أَتَى لِقَبْضي رسولُُُ ُ ضل في موضع خال
وبعد استغراقه في فنائه يمتزج في اختصاص الحرف الرابع معبرا عنه ألف المد الساقط خطا الثابت مدا ولينا إلى رتبة كمال أهل الله في الكمالات، وكل كمال يظهره الحق من نفسه في خلقه إلا وله في الغيب من الكمالات ما هو أعظم وأكمل في تجلياته لنفسه بنفسه.
قال المحققون من علماء التوحيد أن العالم كله في ترق لأنه أثر تجليات الحق في الخلق، وتجلياته تعالى في الترقي مستمرة في كل شيء، فلزم أن يكون الذاكر المشتاق دائما في الترقي، وإلى هذا المعنى قال الشيخ السيد عبد الكريم الجيلي في كتابه " الإنسان الكامل ":
وقد حزتُ أنواع الكمال وإنني جمالُ جلالِ الكل ما أنا إلا هو
ثم بعد تغلغل الذاكر في الفناء الكمالي يترقى لاختصاص الحرف الخامس " ه " المعبر باستدارته عن دوران رحى سر الوجود بإلهام من محبوبه بأنه دوري حلقة بين كونه مخلوقا، له ذل العبودية والعجز والافتقار، وبين أن له كمالا وعزا ورفعة لتعمق عشقه في أنوار الألوهية وتحققه بمعرفة المعاني الربوبية، فله الكمال والعز برفع درجاته عند ربه مدة استمراره ناطقا بذكر مولاه مشبعا صلة الضمير بواو دالة على التكثير المقوى لحرف الضمير " هو " الذي هو من أحرف الهمس الضعيفة المشار إليها عند الشيخ المعروف بابن بري في رجزه عند قوله:
و اعلم بأن صلة الضمير بالواو أو بالياء للتكثير
فكلما أشبع الذاكر صلة الضمير ازداد عشقه في معشوقه عمن سواه، لتذوقه الصمدية كما قال الإمام الغزالي: " افتح باب قلبك بمفتاح لا إله إلا الله وافتح باب روحك بقولك: الله، واستنزل طائر سرك بقولك: هو "
وكقول الشيخ سيدي محمد الحراق:
فصرت إذ ذاك في عين اليقين أرى أن ليس في الكون بالتحقيق إلا هو
ومن أسرار النفحات الإلهية وعمقها في أحشاء الذاكر الذي وصلت نفسه إلى أسمى درجات الكمال وأرقاها فأصبحت تحس قرب الله منها حيث جعلها لا تفكر إلا فيه ومما قيل في ذلك:
قد تحققتك في السر فناجــــاك لسـانــــي
فاجتمعنــــا لمعــــان و افترقنــــــا لمـعان
إن يكن غَيٌـَـبَكَ التعــــــــــــــــــــــــظيمُ عن لَحْظِ عَياني
فلقد صَيَّرَكَ الوَجـْــــــــــــــــــــــــدُ من الأحشاء داني
لقد استمد الذاكرون مبادئ عشقهم وشعلة سراج قلوبهم من حياة رسولهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، منذ أن كان يتعبد بغار حراء، البعيد الصامت، يخلو إلى نفسه، يتأمل في آيات الكون ويتدبرها فأشرق عليه الوحي الإلهي حتى قيل فيه صلى الله عليه وسلم أن محمدا عشق ربه، لعلمهم أن عشق العبودية يصقل ويغسل نفس من أراد معرفة الوجود.
تذلل لمن تهــــــــــــــــــــــــوىفليس الهــوى سهل
إذا رضي المحبـــــــــــــــــــوبُ صح لك الوصل[4]
اللهم عرفنا بكمال أحديتك، واملأ قلوبنا بنور جلالك ولطف جمالك، وهذب أخلاقنا بفضل كمالك، وامنن علينا بنسيم رحى سر وجودك، يا من له الفضل والجود، يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
......................................
[1] درس ألقي بضريح الشيخ المربي سيدي عبد الله الروسي الحسني في ليلة القدر سنة 1997م.
[2] واجب الوجود لذاته، الفرد الواحد الملك القادر، الحي القيوم القديم الأزلي، الدائم الأبدي، الذي هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، تقدس وتعالى عن الشبيه والنظير، وعن الشريك والوزير، لا تحده الأزمان ولا يشغله شأن عن شأن، لا تحيط به الجهات ولا تعتريه الحادثات، له الغنى المطلق عن كل شيء، بكل معنى ومن كل وجه. وكل ما سواه مفتقر إليه فقرأ لا يتصور انفكاكه عنه، خلق الخلق أجمعين، وخلق أعمالهم خيرها وشرها، فتبارك الله أحسن الخالقين، يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون خلقهم ورزقهم، وأنزل الكتب وبعث الرسل لهدايتهم، لطفا بهم وتفضلا عليهم، يجب توحيده وطاعته على عباده، بإيجابه على ألسنة رسله، ولا يجب عليه لأحد شيء، لأنه المالك لكل شيء المستولي على كل شيء، فليس لأحد معه ملك ولا لأحد عنده حق، وعد المحسنين بثوابه فضلا، وتوعد المسيئين بعقابه عدلا.
[3] سورة الإسراء، الآية .44
[4] سلطان العاشقين ابن الفارض.
من كرم الله على عباده القوامين المتهجدين، أن يضاعف لهم الأجر والجزاء، حيث هداهم بقيام الليالي وإزالة وحشة النفوس بأنس العبادة ونور القرآن، جاعلا سبحانه جزاءه على ذلك أفضل رتبة وأعظم مقام، ولا يعرف قيمة جزائه تعالى إلا من تصور هول الناس وضيقهم في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة.
يا له من جزاء خفي مكنون عند الله، فهو أجل من أن يذكره وأوسع من أن تعده الموازين، لأنه عوض من رب كريم، عن عبادة خالصة لوجهه سبحانه، خالية من شوائب الغش، بعيدة عن النفاق، منزهة عن الرياء والسمعة، أقضوا مضاجعهم، وهجروا نساءهم، وأولادهم، وحرموا أنفسهم ليونة الفراش، ولذة الأحلام والتمتع بالسهرات. أرهقوا أجسامهم حين أراحها الناس، واسهروا أعينهم حين أقامها الآخرون، وأزعجوا قلوبهم حين طمأنها غيرهم، أجسامهم متعلقة بربهم، وقلوبهم مليئة بحبه، أرواحهم هائمة بذكره، ونفوسهم متشوقة لرضاه. لا يشعرون بانقضاء الليل، ولا يحسون وحشة الظلام، ولا يجدون في قيامهم بين يديه تعالى ثقلا ولا تكليفا، عيونهم باكية وقلوبهم خاشعة، وبطونهم خاوية، كل ذلك خوفا منه جل علاه، وطمعا فيما أعده لهم من أجر وجزاء. وفي حق هؤلاء وأمثالهم قال الله تعالى: تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون.[2] صدق الله العظيم. و قال الرسول (ص): لا يلج النار أحد بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع.
لو قدر لنا أن نرى أحدا من هذه الطبقة المؤمنة بربها، الصادقة في مجاهدتها له تعالى واقفا بين يدي مولاه جلت قدرته، في ظلام الليل، لوجدناه في مناجاة ربه، متواجدا فانيا عن حواسه في تواضع وذل وانكسار قلب، وهو يكبر تكبيره في الصلاة تقشعر منها قلوب الراكعين والساجدين، وتضطرب لها أحشاء أبدان الخائفين، يقرأ كتاب الله ضابطا ألفاظه وحروفه متفهما معانيه وأسراره وآدابه، متذوقا حلاوة كلام ربه المقدس، مما عليه من جلال ووعد تارة، وجمال وجزاء تارة أخرى، وإنذار وتبشير وبلاغة وإعجاز، فيتأثر بتعمق معانيه، ويذيبه خوفه من سطوته وربوبيته، وبذلك يتطهر قلبه ويزداد نوره، وتشرق روحه، وتصفو نفسه، ويرق حجابه، ويسبح في ملك الله وملكوته، فيسكر في حبه ويغرق في أنسه، ويتيه في عظمته، وينغمس في نوره، ويرتع في رياضه، ويفنى في قربه، فيفوز بسعادة الوصل والمناجاة. بحيث لو زلزلت الأرض زلزالها في تلك اللحظات الربانية النورانية تحت قدميه، أو أشعلت النار بين يديه لتحرقه، أو لتقطع بعض أطرافه، ما تحول ولا تغير عن موقفه قيد شعرة، ولا ما حاد عن وجه ربه قدر أنملة، وقد أنشد في وصف المناجاة ولذة نسيم الوصال خلف الحجاب الرباني بعض من شرح الله صدره للوصال قائلا:
نسيم الوصل هب على النـدامى وأسكرهم وما شـربوا مدامـــا
فمالت منهم الأغصــــان ميـلا لأن قلــــــوبهم ملئت غرامــــا
ولمــــا شاهـدوا المـولى تجـلى وأيقظ في الدجا من كان نامـا
ينــــاديهم عبــــــادي لا تنامـوا ينـال الوصل من هجر المنامـا
ينـال الوصل من سهر الليــالي علـــى الأقدام وأنحله الصيامـا
فمــــا مقصودهم جنــــات عدن ولا الحور الحسان ولا الخيامـا
سوى نظر الجليل فذا منـــــاهم وهذا مقصد القــــوم الكرامــــا
لو قدر ورأينا ذلك في العبد المتهجد لربه، لرأينا وجها يشرق النور في طلعته البهية، وتغبطه الملائكة على عبوديته، وتخر الجبال لورعه وخشيته من مولاه، لوجدناه عبدا ذاق حلاوة الطاعة ولذة العبادة، ومتعة الذكر والتلاوة وسعادة لا توازيها سعادة المال والبنين والجاه.
هذا هو السر في أن الصالحين من عباد الله قد ضربوا لحبهم للدنيا وجه أصحابها، متعجبين تعلقهم بها وانهماكهم في لذاتها، وحبهم لها ضاحكين من بكائهم عليها. هذا هو شأن المؤمنين القوامين، نهارهم فرسان في خشية وتواضع، وليلهم أسد في ركوع وسجود، لا يمنعهم حر ولا برد، فإن كانوا في برد وجدوا أنفسهم في وجدان وفناء، وإن كانوا في حر تنسموا نسيم الروح والريحان، بهداية الله لهم بأنوار التوجه التي أفيضت عليهم من مكابدات ومجاهدات ووصولهم لمعرفته تعالى واستغنائهم به عما سواه، وإلى هذا المعنى أشار ابن عطاء الله رحمه الله بقوله: اهتدى الراحلون إليه والواصلون لهم أنوار المواجهة.
لقد غفلنا عن خشية الله، فساءت الأحوال، لا خلاص لأمة الإسلام، ولا نجاة لها من البلايا التي أصيبت بها إلا بالرجوع إلى خشية الله لتستنير القلوب بنور علام الغيوب. اللهم اجعلنا ممن يسبح في ملكك وملكوتك، ونغوص في نور خشيتك، لنفوز بالمناجاة والوصال.
................................
[1] ميثاق الرابطة 9 مارس 1995م
[2] سورة السجدة، الآيتان 16 و17
الحمد لله الذي جعل ذكره تعالى دواء القلوب والنفوس من الحجب والنسيان، أحمده تعالى وأسأله أن يطلق ألسنتنا بتسبيحه وذكره ويعمر قلوبنا بحمده وشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدا رسول الله القائل فيما ورد عنه صلوات الله عليه وسلم: أفضل الأعمال أن تموت ولسانك رطب بذكر الله وذكر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اتخذوا من ذكر الله أنيسا وجليسا، وجعلوا منه لأنفسهم صديقا ورفيقا ونسيما للوصل اليقيني. كيف لا والله تعالى وتبارك يقول في آيته الكريمة: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور، وكان بالمؤمنين رحيما، تحيتهم يوم يلقونه سلام، وأعد لهم أجرا كريما[2]. فسبحانه تعالى أهل للذكر والثناء وأهل لكل ما يمكن أن يقربنا إليه بما أسبغه علينا من نعم وما أولاه به من جميل ومعروف. فذِكر الله له منزلة عظيمة فهو مفتاح الدخول في الإسلام وفي الصلاة وعند إخراج الزكاة وتَذْكِرَةُ الصائم وسُنَّتُه عند الإمساك والفطور. وهو ما يجب على المحرم في الأماكن المقدسة أن يشغل لسانه وقلبه به. وهو آخر كلمة يتمنى كل مسلم أن يقولها عند فراقه دار الدنيا ليكون دليلا على حسن الختام. ويكفي أنه صلوات الله عليه وسلم كان يذكر الله في غار حراء مدة طويلة قبل أن تشرع الصلاة وغيرها، لذلك كان ذكر الله تعالى من الأحوال أللازمة لرسول الله صلوات الله عليه وسلم ومن أحب الأشياء إليه، ومن أخف العبادات عليه. فكان صلى الله عليه لا يتركه في شدة ولا رخاء ولا صحة ولا مرض. فمن خصائص ذكر الله تعالى أنه يشرح الصدور من آفات الزيغ والغفلة، ويشفي العقول من أمراض الهوى والطغيان. وهذا هو السر في أن الله تعالى أكثر من مطالبة الإنسان بذكره تعالى، وحذره من عواقب الغفلة عنه سبحانه التي تميت القلوب وتعطل العقول وتغرق الجسم في الشهوات وتجعل الإنسان عبدا لهواه فيخسر حينذاك سعادة دينه ودنياه وآخرته، ليسلط على قلبه اليأس والقلق ويتحير في معترك الحياة شقيا بائسا مكدرا، ويصبح ممن قال فيهم تعالى: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم[3]. وقال تعالى: استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون[4].
إن الذكر في الشرع هو قيام جوهر معنى التوحيد في نفس الذاكر حتى يصير معنى اللفظ صفة نفسية ملازمة للسالك لقوله تبارك وتعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[5]. وللذكر مقامات ثلاث:
ذكر مقام الإسلام: مفتاح السلوك.
ذكر مقام الإيمان: تمكين القلب بحب الله.
ذكر مقام الإحسان: استغراق الروح في أسرار توحيد الله تعالى.
روي عن مولانا رسول الله صلوات الله عليه وسلم قال لصحابته يوما: جددوا إيمانكم، قالوا يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لا إله إلا الله. فقول لا إله إلا الله يمكن قلب الذاكر بمعنى التوحيد وينفي كل ما سوى الله بحيث لا يجد الخوف والجزعُ إلى قلب الذاكر سبيلا. وقد روي عن نبي الله داود عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس، أوحـى إليـه الله يا داود: ادخل البيت، فسبحني فيه وقدسني واصنع كما ستصنع الأمة التي اخترتها على هذا العالم. قال: يا رب أخبرني من هذه الأمة التي اخترتها؟ قال تعالى: أمة حبيبي محمد. قال داود عليه السلام: فأخبرني يا رب ما علامتها؟ قال الله تعالى: علامتها إذا أجزعوا كَبَّرُوا، وإذا غضبوا هلَّلُوا، وإذا تنازعوا سَبَّحُوا. لذلك نجد أن الإسلام له موارد عدة للأذكار: من استغفار وصلاة على النبي سيدنا محمد المختار ومن تهليل وتسبيح وتحميد وتكبير وبسملة وحسبلة وحوقلة ولطف ومغفرة ورحمة وغير ذالك من كل ما يتقرب به العبد إلى مولاه تعالى. فبسلوك مقامات الأذكار ومنازلها وآدابها ومقاصدها بطهارة النفس وتصفيتها من هواها ترجع النفس إلى ربها راضية مرضية في الدنيا والآخرة، فتتجلى لها حقائق الأسرار لقوله تبارك وتعالى: ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير.[6] كما أشار إلى ذلك ولدنا البار سيدي عبد الجليل الروسي الحسني رضي الله عنه في ديوانه " زغاريد الفجر[7]" ثمرة سيره وسلوكه واجتهاده بفضل الله عليه وعونه تحت رعايتنا محافظا على منهج الأقطاب شيوخ الطريقة الشاذلية قدس الله روحهم حيث قال:
عَلَيْكِ يَا نَفْسُ بِالتَّأَنيِّ فَالسُّلُوكُ بِالصَّبْرِ وَالتَّأَمُّلِ
عَلَيْكِ بِالْعُبُودِيَةِ الَّتيِ مِحْـــ وَرُهَا الطَّاعَةُ وَالتَّحَلِّي
قَدْ فَازَ بِوُصُولِ وُصُوليِ مَنْ هَامَ بِالْفِكْرِ وَالتَّجَلِّي
إخواني الفقراء إلى الله والأغنياء به، لقنوا لا إله إلا الله أهلكم وأطفالكم وجيرانكم مقتدين بأسلافنا وأجدادنا الكرام، وأديموا على ذكرها في منازلكم وبينوا أسرارها لهم حتى يكونوا ممن شملتهم عنايتها وتربوا في أحضانها. فينشئون مؤمنين بها منغمسين في محبتها. فليس أطهر وأفخم وأعظم وأكرم في الدنيا والآخرة من ذكر الله كما قال تعالى: واذكر ربك كثيرا وسبحه بالعشي والإبكار[8]. كما قال بعض العارفين: لأن مَنْ أَحَبَّ شيئا أكثر من ذكره. إن حبك لله أيها المريد، يستلزم حبك لأحبائه، وأحب الخلق إلى الله تعالى سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلم ابن عبد الله المنزل عليه قوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوه يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم[9]. ومن سكن حب الله ورسوله في قلبه أحبه الله وجعل محبته في قلوب عباده كما قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا[10]. بحيث يحبهم الله ويحببهم إلى الناس. وجاء في الحديث القدسي عن رب العزة: إذا أحب الله عبدا قال لجبريل إني أحب فلانا فأحبه. فيحبه جبريل. ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في أهل الأرض فلا يسمع به أحد أو يراه أحد من أهل الإيمان والكمال إلا أحبه. والمحبة التي وعد الله بها المؤمنين إنما تكون في قلوب المتقين والملائكة المقربين. وروي عن مولانا رسول الله صلوات الله عليه وسلم أنه قال: ما أقبل عبد على الله تعالى بقلبه إلا جعل قلوب المؤمنين تنقاد إليه بالود والرحمة. وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من أحب الله تعالى أكثر من ذكره، وثمرته أن يذكره الله برحمته وغفرانه في هذه الدار، ويدخله الجنة مع أنبيائه وأوليائه ويكرمه برؤية جماله في تلك الدار.
فمن أجل ذلك، نجد أن العارفين بالله طعموا تراثنا الهائل بقصائد في الحب الإلهي منبعها النور الإلهي إشارة لوصالهم الذوقي بعد غوصهم في بحر حقائق الطريق محلقين بأجنحة صادقة للتجرد في منازل المقامات طامعين القرب والرضا. فقد ترجموا ذوقهم الرفيع بلغة عذبة مستعملين كتابة نثرية وقصصا رمزية أحيانا وشعرية أحيانا أخرى. إلا أن قصائدهم بعمقها الروحي وطبيعتها الرحبة تميزت عن الأشكال الأخرى. فالعارف بالله قد يعبر عن حبه المتفاني بإيجاز لفظي ممتع، مستعملا اصطلاحات وكنايات أو رموزا وأمثالا مما لم يعبر عنه الآخرون من قبل أو من بعد.
فعند كل مقام ينغمس فيه السالك تقتبس اللغة نور استشراق روحه لتتربع منزلة من منازل فيض أشواقه
إنَّ هذه الرموز لا تقف عند حدها ولفضها، فالعارف ليس له توقف في حبه وشوقه واشتياقه، لما يرى من كمال وجمال أسماء وصفات وأفعال الله تعالى. فأي مقام يُدركه المحب العابد ما هو إلا ثمرة من ثمرات الحب الإلهي لذاته العليّـه لا لطلب يعمل على نيله أكان حظا من حظوظ الدنيا أو حتى الآخرة، لأنه يرى سوى حبيبه المتعالي الذي بيده مقاليد كل شيء. قال يحيى بن معاذ رحمه الله يصف الله تعـالى:’’ عفوه يستغرق الذنوب فكيف رضوانه، ورضوانه يستغرق الآمال فكيف حبه، وحبه يدهش العقول فكيف وُده، وَوُده ينسي ما دونه فكيف لطفه ‘‘.
وعندما يشد الصوفي الرحال، مهاجرا كيف؟ وماذا؟ ولماذا؟ ومتى؟ وغيرهما، يمتطي جواد الشوق وهيامه ويرحل في عالم الأنوار متشبعا بالإمدادات النورانية ليرتقي في عالم القرب المشاهد فانيا عن كل ما يدور حوله فيجد الله باقيا به رحيما لطيفا يمده من الوجد والشوق ومن رحيق نسيم الوصال. قال الإمام الغزالي رحمه الله: 'فمقصد العارفين كلهم وصله ولقاؤه فقط، فهي قرة العين التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم منها، وإذا حصلت انمحقت الهموم والشهوات كلها، وصار القلب مستغرقاً بنعيمها، فلو ألقي في النار لم يحس بها لاستغراقه، ولو عرض عليه نعيم الجنة لم يلتفت إليه لكمال نعيمه وبلوغه الغاية التي ليس فوقها غاية. وليت شعري من لم يفهم إلا حب المحسوسات كيف يؤمن بلذة النظر إلى وجه الله تعالى'[11].
كما أفصح به ولدنا البار سيدي عبد الجليل الروسي الحسني[13] رضي الله عنه في إحدى قصائده حيث جعل بقاءه حب عشقه:
لاَ تَلمْنــــيِ عَلـــَى وَجْدِي فَحَيـَــاتِي وَمَمَــــــاتيِ وَاحِدُ
إِنْ كُنْتُ قَدْ لاَ أُبـَـــــــــالِي فَعْشْقِــــــي فيِ سَيْرِي عَامِدُ
وَإِنـِّـــــي وَإِنْ فَنَيْتُ وَلَهاً فَبَقَائِــــــــــــــي بِهِ لَهُ حَامِدُ
مَنْ أَرَادَ الْــــوَجْدَ مِثْلِـــي فَحُبُّه ُ بِالطَّبْعِ سِرُّهُ الْـوَاجِدُ
أو كما ورد عن شيخنا الجنيد رضي الله عنه في مجالس الذكر[14]:
فَلَوْ أَنَّ لــــــي فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةِ ثَمَانِيــنَ بَحْـراً مِنْ دُمُـــوعٍ تُدَفَّقُ
لأَفْنَيْتُهَا حَتَّـــــى ابْتَـدَأْتُ بِغَيْرِهَــــا وَهَذَا قَلِيـــلٌ لِلْفَتَـــى حِينَ يَعْشَقُ
أُهِيمُ بِهِ حَتَّى الْمَمَاتِ لِشَقْوَتِـــــــي وَحَـوْلِي مِنَ الْحُبِّ المبَرِّحِ خَنْدَقُ
وَفَوْقِي سَحَابٌ يُمْطِرُ الشَّوْقَ والْهَوَى وَتَحْـتِـي عُيُــــونٌ لِلْهَوَى تَتَدفَّقُ
ولم تخل من إنتاج العارفين بالله أذكار تشير على السالك بوعي مفهوم الأحدية والتزام باليقظة والصحو والزهد فيما سوى الله كما جاء في حكم[15] ابن عطاء الله السكندري رضي الله عنه وأرضاه حيث قال: " ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضاً أو يطلب منه غرضاً، فإن المحب من يبذل لك ليس المحب من تبذل له. لولا ميادين النفوس ما تحقق سير السائرين، لا مسافة بينك وبينه حتى تطويها رحلتك، ولا قطيعة بينك وبينه حتى تمحوها وصلتك. جعلك في العالم المتوسط بين ملكه وملكوته ليعلمك جلالة قدرك بين مخلوقاته، وأنك جوهرة تنطوي عليك أصداف مكنوناته. وسعك الكون من حيث جثمانك، ولم يسعك من حيث ثبوت روحانيتك. الكائن في الكون، ولم يفتح له ميادين الغيوب، مسجون بمحيطاته ومحصور في هيكل ذاته. أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكنون، فإذا شهدته كانت الأكوان معك".
ونجد نفس المعنى عند العابدة رابعة العدوية[16] رضي الله عنها حين قالت:
أحبك حبين حب الهـــــــــوى وحبــــا لأنـك أهــــــــل لـذاك
فأمـا الذي هو حب الهــــوى فشغلـــي بذكرك عمن سواك
أمـــــا الذي أنت أهــل لــــــه فكشفك لي الحجب حتى أراك
فلا الحمد في ذا ولا ذاك لـــي ولكن لك الحمــد فـي ذا وذاك
يا حبيب القلب مالـــي سواكا فارحــــم اليوم مذنبا قد أتـاك
يــا رجائي وراحتي وسروري قد أبى القلب أن يحب سـواك
وفي ديوان الشيخ سيدي أبو مدين الغوث رضي الله عنه[17]:
أَلله قُلْ وَذَرِ الْوُجودَ وَما حَوَى إِنْ كُنْتَ مُرْتَدًا بُلُـــــــــــوغَ كَمَــالِ
فَالْكُـــــــلُّ دَونَ اللَّهِ إنْ حَقَّقْتَهُ عَدَمٌ عَلَــــــــى التَّفْصِيلِ والْإِجْمَالِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ والْعَوَالِـــــــمَ كُلِّهَا لَـــــوْلاَهُ فيِ مَحْوٍ وَفيِ اضْمِحْلاَلِ
مَنْ لاَ وُجُـــــودَ لِذاتِهِ مِنْ ذَاتِهِ فَوُجُـودُهُ لَــــوْلاَهُ عَيْنُ مُحَــــــالِ
والْعَـارِفُونَ فَنُوا به لَمْ يَشْهَدُوا شَيْئًا سِوَى الْمُتَكَبِّرِ الْمُتَعَـــــــالِ
وَرَأَوْا سِواهُ على الحقيقةِ هالِكًا في الحَالِ والمَاضي والاسْتِقْبالِ
ومن كلام الشيخ الرفاعي رحمه الله:
يا مَـنْ تَعاظَمَ حتى رَقَّ مَعْنـــاهُ ولا تَرَدّى رِداءَ الكِبَرِ إلا هُـــو
ما غابَ عَني ولَكنْ لَسْتُ أَُبْصِرُهُ إِلاَّ وَقُلْتُ جِهارََا قُلْ هُــوَ اللهُ
إلى أن قال:
قالُوا أَتَنْسَى الَّذي تَهْوى فَقُلْتُ لَهُمْ يا قَوْمِ مَنْ هُوَ رُوحِـــي كَيْفَ أَنْسَاهُ
فَكَيْفَ أنْسَــــاهُ والأشيـا بهِ حَسُنَتْ مِنَ العجائِبِ يَنْســــى العَبْدُ مَوْلاهُ
تـــاهَ بِحُبِّكَ أَقْــوامُُ وأَنْتَ لهــــــــم نِعْمَ الحبيبُ وَإِنْ هاموا وإِنْ تاهوا
أسْتغفــرُ اللهَ إلا مـِــــــــــنْ مَحَبَّتـِـهِ فـإنها حَسَنــاتــي يـــومَ أَلْقــــــاهُ
ومن يقــــــولُ بِأنَّ الحُــبَّ مَعْصِيَةُُُ ُ فالحُبُّ أَحْسّنُ ما يُلقــــــى بــهِ اللهُ
ونجد هناك أيضا قصائد قيمة في التوسل والتضرع إلى الله تعالى يلجأ السالك مرارا إليها لغزارة معانيها التي تعبر بالفعل عن عبوديته والتمسك بحبل الله الذي لا يقطع بشدة أو محنة أو غيرهما. فمن القصائد المتداولة كثيرا عند أهل الله نذكر منها القصيدة المنسوبة للإمام العارف بالله سيدي محمد ابن ناصر الدرعي رضي الله عنه المسماة بالاستغاثة وهذا مطلعها[18].
يــَا مَنْ إلَى رَحْمَتِهِ الْمَفَــرُّ وَمَنْ إِلَيْهِ يَلْجَـأُ الْمًضْطَرُّ
ويَا قَرِيـبَ الْعَفْـوِ يَـــا مَوْلاَهُ وَيَا مُغِيثَ كُلِّ مِنْ دَعَـــاهُ
بِكَ اسْتَغَثْنَا يَا مُغِيثَ الضُّعَفَا فَحَسْبُنَا يَا رَبِّ أَنْتَ وَكَفَى
ومن توسلات ولدنا البار سيدي عبد الجليل الروسي الحسني رضي الله عنه:
يَـــــا حَبِيبِــــي أَنْتَ بُغْيَتِــــي فَاصْنَعْ مَــا شِئْتَ بِسَرِيرَتِي
إِنْ كُنْتُ قَصَّرْتُ لِغَفْلَتِــــــــي فَفَضْلُكَ أَكْـرَمُ لِرِعَايَتــــــيِ
أَنْتَ رَبــــيِّ مُرَادِي وَقَصْدِي أَنْتَ إِلَهِــي ذِكْرِي وَغَايَتِي
شَـوْقِـــــــي لِلِقائِكَ مُهْجَتِـي وَعذيِبُ أُنْسِكَ قِبْلَتــــــــــِي
فَيَــا مَنِ الْحُجْبُ مِنْ أَسْرَارِهِ أَسْعِدْنــيِ يَوْمَ اللِّقَاء الآتـيِ
كما أن كثيرين من الزهاد والفانين في الله بالله امتطوا جواد الشعر فرسانا ليعبروا عن شوقهم وهيامهم اتجاه رسول الإنسانية صلوات الله عليه وسلم. بحيث نجد هناك قصائد شتى حول أخلاقه الرفيعة وسجاياه الحميدة تسمى بالشمائل المحمدية يرجف منها كل ظمآن محب. وكذلك هناك قصائد الاشتياق لرؤيته والتوسل والاستشفاع به يوم اللقاء. لأنه من أحب النبي صلوات الله عليه وسلم أكثر من الصلاة عليه وثمرته الوصول إلى شفاعته وصحبته في الجنة. فمن شاء أن يكون حبيب الله ورسوله وأن يكون منزلا منزلة الأولياء والصديقين فلينظر إلى ما كان عليه الرسول صلوات الله عليه وسلم في قوله وفعله وكرمه ووفائه وزهده وقناعته ومروءته وشجاعته. وهذا سيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه شاعر رسول الله صلوات الله عليه وسلم في وصفه يتحفنا:
لَمَّا نَظَرْتُ إِلَــــى أَنْـــــوَارِهِ سَطَعَتْ وَضَعْتُ مِنْ خيِفَتِي كَفِّي عَلَى بَصَرِي
خَوْفًا عَلَـى بَصَرِي مِنْ حُسْنِ صُورَتِهِ فَلَسْتُ أَنْظُــرُهُ إَلاَّ عَلَــــــــــــــى قَدَرِ
لا نــور مِـنْ نـــوره فــي نوره غَـرَفَتْ وَالْوَجْهُ مِثْلَ طُلُــوعِ الشَّمْسِ والْقَمَرِ
رُوحٌ مِن النُّــــورِ فِـي جِسْمٍٍ مِنَ الْقَمَرِ كُحْلَةٍ نُسِجَتْ فِـــــــــــي الأَنجُمِ الزُّهُرِ
ويقول الإمام البصيري رضي الله عنه في بردته[19]:
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته قوم نيام تسلوا عنه بالحلم
فَمَبْلَغُ الْعِلْـــــــــمِ فِيهِ أنَّهُ بَشَرٌ وَأَنَّـهُ خَيْرُ الْخَلْقِ كُلِّـــــــهِمِ
ويقول ابن الجزري رضي الله عنه:
فَـاقَ النبيين النَّبِيُّ مُحَمَّدِ شَرَفًا يَزِيدُ وَزادَهُمْ تَعْظِيمَا
دُرٌّ يَتِيمٌ فِـي الفخَارِ وَإِنَّمَا خَيْرٌ اللآلئ ِ مَنْ يَكُـونُ يَتِيمَا
سَادَ النبيين الكِراَم وَكُلُّهُمُ صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلَّمُوا تَسْلِيمَا
فحب النبي صلى الله عليه وسلم ملازم حب الله كتلازم الشهادتين. حرارة نورانية في القلب تدفع حاضنها إلى الإقتداء بسنته (ص) وإتباع أقواله وأفعاله المنطوية في سجلات التاريخ على يد الصحابة الأجلاء والتابعين من كان هواهم في هوى النبي صلى الله عليه وسلم وحبهم في حب مرشدهم عليه السلام. فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم محبة عملية توصل السائر في رضوانها إلى محبة الله تعالى، لذلك فهي عينها ولا يمكن أن نتصور محبة الله تعالى منفردة عن محبة رسول الله البتة. لقوله تعالى : قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين[20]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي[21]. وقال ابن القيم: المحبة قوت القلوب وغذاء الأرواح، وهي روح الإيمان والأعمال التي متى خلت منها فهي كالجسد بلا روح. ولقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من محبوبهم أوفر نصيب، فإذا غرست شجرة المحبة في القلب وسقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار[22].
يَا سَيِّدِي يـَا عِمَـادِي يَـــــا قُطْبَ كُلِّ كَمَـــــــالِ
يَا بُغْيَتِي يَــا مُرَادِي يَـــا شَمْسَ كُلِّ هِلاَلِــــــي
يَـا مَـنْ هَوَاهُ فُؤَادِي أَشْكُوا إِلَيْكَ بِحَالِـــــــــي
ذِكْرُكَ عِنـْدِي مُرَادِي يَـــــــا خَـــــاتِمَ الأَنْبِياَءِ
أَنْتَ النَّعيِمُ لَقَلْبِـــــي وَفِي لِقَاكَ شفائـي[23]
إن مدار المحبة الخالصة لله ركيزتها وأسسها حجر محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالتصديق به والإيمان بكل ما جاء عنه (ص). فمتى أحب السالك رسول الله بمحبة سننه فإنه يحب القرآن ثم يحبه الله وذلك هو المراد. لقول بعض محبيه (ًص) رضوان الله عليهم:
ألا يا محب المصطفى زد صبـابة وضمّخ لسان الذكر منك بطيبه
ولا تعبـأنّ بالمبطـليـن فإنمــــــــا علامة حب الله: حـب حبيـبـه
دوافع حب الرسول عليه السلام كثيرة وعديدة نذكر منها:
· مكانته بين العالمين:
محمّدٌ سـيّدُ الكـونينِ والثقَلَـيْنِ والفريقـين مِن عُربٍ ومِن عَجَـمِ
· جمال أخلاقه الذي تفوق على غيره من الخَلق[24]ً:
فاقَ النَّبيينَ في خَلْقٍ وفي خُلُـقٍ ولم يُدَانُوهُ في عِلـمٍ ولا كَـرَمِ[25]
· حبه الشديد لأمته المتمثلة في شفاعته لها يوم الميعاد كما سبق الذكر عنها:
هُو الحبيبُ الذي تُرجَى شـفاعَتُهُ لكُلِّ هَوْلٍ مِن الأهـوالِ مُقتَحَمِ[26]
· سيرته العطرة الخالدة. ونكتفي بالقول بأن شهادة الإسلام لا تقبل إلا واسمه حاصل.
فمحبته مطية لأهل السلوك إلى أعلى المقامات. ولذلك تسول به الأحبة لا غلوا ولكن لمقامه العالي عند ألعلي المقتدر سبحانه وتعالى:
يــــا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به سِـوَاكَ عِندَ حُلــــــولِ الحــــادِثِ العَمِمِ
ولَن يَضِيقَ رســولَ اللهِ جاهُكَ بـي إذا الكريمُ تَجَلَّـــــــى بـاسمِ مُنتَقِــــــــمِ
يـــا نَفْـسُ لا تَقنَطِي مِن زَلَّةٍ عَظُمَتْ إِنَّ الكَبَائِــرَ فــــــــي الغُفرَانِ كـالَّلمَـــمِ
لعَـلَّ رَحمَةَ رَبِّــــــي حينَ يَقسِــمُهَا تَأتِي علـــى حَسَبِ العِصيَانِ في القِسَمِ
يـــا رَبِّ واجعَلْ رجائِي غيرَ مُنعَكِسٍ لَدَيْكَ واجعلْ حِسَابِـي غيرَ مُنخَرِمِ[27]
كما أن هناك العديد من الأذكار التربوية التي تبرز المحبة الخالصة لوجه الله بين المريدين فيما بعضهم وبين شيخهم. وفي ما يلي بعض ما كتبه العارف بالله أبو مدين الغوث رضي الله عنه:
أَهْلُ المحبةِ بالمحبـــــــوب قد شُغِلـــوا وفـــــي مَحَبَّتِهِ أرواحَهُم بَدَلــــــــوا
وَخَرَّبُوا كُلَّ مــــا يَفْنـــــــى وقد عَمَّروا كلَّ ما يبقى فيا حُسْنَ الذي عَمِلـــوا
لم تلههم زينة الدنيـا وزُخْــــــــــــــــــــ رُفُهـا ولا جُناحَ ولا حِلْـيُُ ولا حُلَـلُ
هامــوا على الكون مِن وَجْدِ ومن طَرَبِِ فمــــــــا استقرَّ بهــــم رَبْعُُ ولا طَلَلُُُ
هــــمُ الأَحِــــــبَّةِ أَدْنـــــــــــــــاهُمْ لأنهم عن خِدمةِ الصَّمدِ القيُّومِ ما غَفَلــوا
ومن ديوان ولدنا البار سيدي عبد الجليل الروسي الحسني رضي الله عنه نذكر:
أَنْتُمْ مَلَكْتُمْ فُـــــــؤَادِي فَنِلْتُ قَصْدَ مُــــــرَادِي
سَرَّنيِ هَوَاكُمْ الْبَــادِي فَصِرْتُ عُبَيْدَ الْــــوِدَادِ
صَيَّرَنيِ حُبُّكُمْ النَّــادِي فَكُنْتُ مَـــــــعَ الأَعْدَادِ
أَنَـــا عَبْدُكُمْ الرَّاضِــي بِكُمْ أَكْسِبُ اعْتِمَــــادِي
أَنَـــــا فَقِيرُكُمْ الْفــَانِي وِصَالُكُمْ أَصْلُ أَجْدَادِي
رُدُّوا عَلَيَّ أَحِبَّائِـــــي بِخِطَابِكُمْ تَكْمُلُ أَوْرَادِي
فلنحمد الله أيها السالك الذي ابتلاه الله بطاعته ليذيقه حبه ويجعله في حظيرة رضوانه ورحمته. فبالذكر يفتح الله علينا باب حبه ويرسم لنا طريق قربنا إليه ويرشدنا إلى السعادة في الدنيا حيث يوجد النعيم الشامل والسعادة في الآخرة حيث المغفرة التامة، والرحمة الواسعة، ورضوان الله العظيم.
محبة مـــن جمـاله أكرمتـني لعبـــــــــــادتـه
طلبتنــــــي لـقربـه أملا فـــــــي رجــــــــائـه
جاد لي بما رغبته فــــــي الدجى مــــن يومه
فاستبـــــان البراق فـي أرضه وسمائه[28]
بالذكر المتواصل كما سبق ذكره يتولى الله المؤمن بدون شك ولا ريب. ومن تولاه الله أقره منزلة عالية ومكانة سامية ومقاما محمودا. فيقول عز وجل: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك هو الفوز العظيم[29]. فيخبرنا جل وعلى أن أولياء الله لا يخيفهم ما يخيف الناس ولا يحزنهم ما يحزن الناس، بل هم مَشْمُولُونَ بعنايته ورعايته محاطون بحفظه وصيانته، آمِنون عندما يخاف الناس. فهم أولياؤه المقربون وعباده المخلصون الذين أقاموا نفوسهم قربانا لله واتخذوا ربهم إلها عندما اتخذ غيرهم آلهتهم من الملذات والشهوات، وزهدوا في الحلال المباح حينما تسابق غيرهم على الحرام الممنوع، وأدوا النوافل والسنن حين ترك غيرهم الفرائض والواجبات، وتحلوا بالصبر والرضا حين تحلى غيرهم باليأس والقنوط، وتجملوا بالإيمان واليقين حين تجمل غيرهم بالكفر والإلحاد وجعلوا الدنيا وسيلة للآخرة. إِنْ أكل الناس صاموا، وإن نام الناس قاموا، وإن ضحك غيرهم بكوا خشوعا لله، وهذا هو السر في أن الله تعالى أباح لهم جنته وجعل لهم فيها ما يشاءون. لهم ما يشاءون عند ربهم، ذلك جزاء المحسنين[30]. أيها السالك: إن ولاية الله في الإسلام هي عبارة عن الإيمان الذي أساسه اليقين والعمل، الذي دعامته الإخلاص والجهاد، الذي قوامه التضحية وإنكار الذات، فبقدر ما يكون الإنسان مؤمنا بربه، مخلصا في عمله متفانيا في واجبه، بقدر ما يكون وليا. فليست الولاية هبة ولا منحة من أي كان، ولكنها ثمرة نتيجة عمل شخصي، وثمرة لمجهود ذاتي، يصنعه المؤمن بنفسه بفضل الله عليه ويحصل عليه بالصلاح والتقوى. إن الولاية شجرة طيبة أصلها في السماء وجذورها في القلب السليم للمسلم. التوحيد هو بذورها، والإخلاص ساقها، وماؤها والعبودية لله تعالى التي هي المحبة لوجهه سقيها، والأعمال فروعها، وأوراقها مراقبة وخشية الله، وثمارها نسيم الوصل بين المحب والمحبوب[31]. فكما نرى إن المصدر القوي المتين للولاية هو كتاب الله الكريم وسنة رسوله صلوات الله عليه. يقول تبارك وتعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم[32].
................................
[1] كتاب مفتاح السالكين للفقيه العلامة الشيخ سيدي الأمين الروسي الحسني قدس الله روحه.
[2] سورة الأحزاب، الآية 41،42،43،44.
[3] سورة الحشر الآية 19
[4] سورة المجادلة الآية 19.
[5] سورة الداريات الآية 56.
[6] سورة فاطر الآية 18.
[7] زغاريد الفجر الإيداع القانوني 0091/2008 والرقم الدولي:4-1-8567 9954 طبعة 2008
[8] سورة آل عمران الآية 41.
[9] سورة آل عمران الآية 31.
[10] سورة مريم الآية 97.
[11] كتاب الإحياء للغزالي، ربع المنجيات فصل الحب والشوق.
[13]زغاريد الفجر طبعة 2008. الإيداع القانوني: /00912008. الترقيم الدولي: 9954-8567-1-4.
[14] هو أبو القاسم الجنيد بن محمد الزجّاج . أصله من نهاوند ، مولده ومنشؤه بالعراق ، وقد تفقه على مذهب أبي ثور من أصحاب الإمام الشافعي رضي الله . كان رحمه الله يفتي بحضرت إمامه الشافعي وهو في العشرين من عمره ، فذاعت شهرته في مختلف الأوساط العلمية ببغداد . والجنيد رحمه الله كان يسمى "سيد الطائفة "وإمامهم صاحب خاله السري السقطي ، والحارث المحاسبي ، ومحمد ابن القصاب . توفي رحمه الله تعالى سنة سبع وستين ومائتين.
[15] من الحكم العطائية لابن عطاء الله الإسكندري. قال الحافظ ابن حجر في ترجمته له في الدرر الكامنة): أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله تاج الدين أبو الفضل الإسكندراني الشاذلي صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه ... ومات في نصف جمادى الآخرة سنة 709 هـ بالمدرسة المنصورية كهلاً، رحمه الله تعالى.
[16] هي الابنة الرابعة لوالدها بعد ثلاث بنات لذلك سميت (رابعة) وهي تنحدر من آلـ عتيك من بني عدوة لذلك أطلق عليها(العدوية). ولدت في مدينة البصرة عام 105 هجرية وعاشت حتى 185 هجرية. يجمع كل الباحثين أن رابعة العدوية رحمها الله كانت من العباد والزهاد وأنها أثرت في الفكر الإسلامي الصوفي وهي المؤسسة للمذهب الصوفي: العشق الإلهي.
[17] عالم من أعلام الصوفية وقطب من كبار الأقطاب شيخ المشايخ سيدي أبو مدين الغوث شعيب بن الحسن الأندلسي الفاسي البجائي من كبار تلامذة أبي يعزى وعلي بن حرازم وعلي بوغالب ومن شيوخ أبي محمد عبد الرزاق الجزولي وأبي محمد صالح واللافاطمة الأندلسية القصرية ومن معاصري القطب بن مشيش والشيخ الأكبر بن عربي الحاتمي وأبي العباس السبتي دفين مراكش . ولد بقطنيانة من عمالة إشبيلية وتوفي بتلمسان وبها دفن سنة 544هـ في عهد الأمير يعقوب المنصور الموحدي (من كتاب مشاهير أولياء المغرب).
[18] العَلاَّمة الفقيه الْمُحدِّث المؤرخ سيدي محمد بن محمد بن أحمد بن الحسين بن ناصر الدرعي الشاذلي المغربي أشهر صوفية عصره وأبركهم، كان شديد الاتباع للسنة في سائر أحواله وعاداته، أخذ عنه وتتلمذ على يديه خلق كثير ، وله أدعية أخرى وصلوات غير هذا التوسل، توفي سنة (1085هـ) . انظر إلى باقي القصيدة في مقتطفات من ذكر العارفين بالله.
[19] انظر إلى باقي القصيدة في مقتطفات من ذكر العارفين بالله آخر الكتاب.
[20] سورة التوبة / 24
[21] رواه الترمذي في سننه والحاكم في المستدرك.
[22] مدارج السالكين ج3 الصفحة 6.
[23] الموروث الشفوي في قصائد المديح النبوي.أ. د. عبد العزيز العيادي العروسي.
[24] البردة للإمام البصيري رحمه الله. ولد البوصيري بقرية "دلاص" إحدى قرى بني سويف من صعيد مصر، في (أول شوال608هـ لأسرة ترجع جذورها إلى قبيلة "صنهاجة"من قبائل البربر بالمغرب، ونشأ بقرية "بوصير". اشتهر البصيري رحمه الله بمدائحه النبوية التي أجاد استعمال البديع واستخدام البيان فيها.
[25] البردة للإمام البصيري رحمه الله
[26] البردة للإمام البصيري رحمه الله
[27] البردة للإمام البصيري رحمه الله
[28] من ديوان ولدنا البار سيدي عبد الجليل الروسي الحسني رضي الله عنه وأرضاه.
[29] سورة يونس الآية: 62،63،64
[30] سورة الزمر الآية 33.
[31] بالتصرف
[32]سورة فصلت الأية: 29،30،31.
موقع الطريقة الشاذلية الدرقاوية الروسية الحسنية.
المملكة المغربية.
2025م - 2004 م