الحمد لله، الذي أنبع الوجود بالوحدانية، وأطلع فيه شموس الهداية بجميل الصفات، وشرح صدور أهله بأحسن السلوك وعظيم الأسرار، أحمده حمده لنفسه، وأوحدُه توحيدَ ذاته في صفاته، منور قلوبَ العاشقين بمحبته، والعارفين بنبراس معرفته، فأشهَدَهم جمالَ جلاله لكماله، وحجبَهم عن شهود غيره لقربه، وزين ذواتَهم بحلل شريعته لطاعته، وأصلي على أقربهم إليه مَن خصَّه بذكره لمقام محبته وقربه، سيد الأولين والآخرين، محور دائرةِ المقربين الشهودِ، سيدنا ومولانا رسول الله، محمد، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد،
أخي السالك، إن الإتيان بالذكر من المقامات المتقدمة في الطريق إلى الله في القرآن الكريم جعله الله مسلكا يسلكه العبد حتى ينجوَ من سطو الدائم للنفس المتمثل بالزلل والنسيان وحب الأنا. فالذكر المتواصل خيطه رفيع ومتين يتواصل المحب على الدوام بالألوهية. فمن قام به لوجه الله أنار له الكونُ وصحبه العونُ ولبس من حلي المعارف جواهرالأسرار. فالذكر تفكر وقرب. يؤدَّى خلوة وعلانية مع حضور المعنى وغياب الأنا. فلهذا فهو يوفر ضمان الجمع والفرق عند الوصل باشراقَ الصفات الإلهية في النفس عند الوصل. إنه إحياء القلب بالله ومع الله وفي الله . فتَتَحقق أنوار الصمدية في الإنسان ويصبح أهلا للترقي إلى مقامات التمكين. يُدرِك بها العبدُ على أن سيره في منازل الترقي هو فضل الله الذي لا يتناهى.
يـا جاهلا للأسرار عن قدم هلا حققت معنـــى الإحسان
يـا من كان نطفة من مهين تحلى بالذكر ترى برهانـــي
هذا ذكري وذكر ذكــــري هذا عين حقيقتي وإيمانـــــي
هذه بصائر أهلي وأسيادي ذوي المواهب والإعلان[1]
ومن تم، فالعلاقةُ الحاصلة في الذكر، هي علاقة المحبوب بالحبيب، يظهر آثارُ الحق فيه، ليرتفع اللفظ والمعنى، إلى ما هو أقدس، إلى عين رحى سر الوجود. فيفوز بأسرار ليالي القرب الذي هوغيب الغيب.
هذا كتابـــي فـي كشف أسراري برهانـــــي مشكاةُ مصباحُ الأنوار
وفهمه شراب أحبـــائـــــــــــــي ساداتــــــــي ودواتي زهرُ الجنان
أحبائي صفاء السلسبيل الأحرار يسقـــــــــــــــــون من الفقه الأكبر
بحـر كلمــاتـــــــــــــــــــــــــــي عين مقامات وكرامات الأبرار(1)
لذلك، فإن أعظم الهبات الربانية الإلهية القدسية العظمى التي يرجاها السالك، هي التوفيق الإلهي، بالإعتصام ببابه للدخول إلى حظرته جل وعلا في هذه الدنيا قبل الآخرة. ف.
طوبى لفقير نال بــ ـــ ك السلوكَ والوصــــــالَ
طوبى لحبيب رأى ب ك الحظوظ والخصــــال
يــا جمال كل الجواهر نـــــــور أنت والله جمـالا
أنت عناية جمـال الكل والكــــل منك رام الجلال
بك تصير الأمور كلَها وذكرك أزكــى كمالا(1)
اللهم نسألك بجميع أسمائك وصفاتك أن تجعلنا ممن استقام وأقام، ووُفِّقَ للتقوى ودام، وأحبك ورام، وتخلص من شرك الإشراك ، اللهم صل بجمالك وكمالك على أشرف وأسعد مخلوقاتك سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وجميع الأنبياء والمرسلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا. اللهم جدد رحماتك على شيوخنا واجعل مقامهم مع الذين أنعمت عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقا. اللهم ارحم موتانا وموتى جميع المسلمين. اللهم وفق مشايخ طريقتنا لما تحبه وترضاه واجعلهم من أوليائك الكرام المقربين وارحم أساتذتنا الأحياء منهم والأموات وكل من عليهم الحق علينا من أفراد عائلاتنا وإخواننا وأصدقائنا وأولادنا وذرية ذريتنا إلى يوم الدين وجميع المسلمين والمسلمات والمومنين والمومنات يا أرحم الراحمين يا رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الفقير إلى الله أ.د عبد الجليل الروسي الحسني
[1 ] زغاريد الفجر :أ.د. عبد الجليل الروسي الحسني، الإيداع القانوني 2008/0091 الترقيم الدولي: 9984-8567-1-4 الطبعة الأولى2008 .