قـَصـَصٌ قـَـصـِـيرَة
1 ــ قصص إسلامية واقعية
2 ــ قصة ومثل من الأمثال العربية المشهورة
3 ــ قصص مختلفة
وذلك للترغيب في المطالعة لما فيها من فوائدَ جمّةٍ :
ــ أخذ العبرة من حياة الآخرين ومواقفهم .
ــ تنمية المعارف .
ــ إثراء الزاد اللغوي .
ــ النسج على المنوال باحترام البنية السردية في سرد الأحداث
1 ــ قصص إسلامية واقعية
خلَّوا بیَنْي وبیَْنَ ناقتَي
الرحمةُ عنوانُ الإنسانیة ، والردُّ على المسيءِ بالإحسانِ يُضفي على الإنسانِ بھاءً ولا أروع منه .
ولَنْنََظرُْ إلى ھذه القصةِ المدھشة،ِ والتي جَرَتْ مع رسولنِاَ الكريم،ِ وأصحابِهِ مِنْ حوَلِهِ يرُاَقبونَ أفَعالَهُ وأقَوْاَلَهُ العظیمة :
كانَ الرسولُ الكريمُ جالساً في المسجدِ وحَولْه كبِارُ الصَّحاَبةِ منِْھم أبَو بكر وعُمر وعثمان وعلي،ّ فَدَخَلَ الحلََقَةَ رجلٌ من أھلِ الباديةِ وراحَ يقولُ بِغلِْظَةٍ ودونَ احترام : يا محمَّد ! أعْطنِِي مماّأعطاكَ الله !
يا للغرابة، أيَُخاَطَبُ خیَْرَ البشر بھذا الأسلوبِ الفظ،ِّ لقد ھزَّ أسلوبه ھذا الصحابةَ الكرامَ وظھرَ علیھم الغضب،ُ فأشارَ إليهم رسولُ اللَّهِ أَن اهْدَؤوا ثُمّ دَخَلَ إلى بیَتِْهِ وأَخرَْجَ للساَئِلِ بعضَالمالِ والطعام ،ِ
وقال :ھل أحسنتُ إلیك ؟ فقال الأَعرْابيّ : لا، ولا أَجْملَْتَ !
يا سبحانَ الله، إنّ ھذه الكلمةُ جَعلَتِ الصَّحاَبةَ الكرامَ يقفونَ غاضبینَ وأيَديھم إلى مقابِضِ سُیوُفِھِم، فالأَعرابيّ أھانَ رسولَ اللَّهِ بینَ أَصحابِهِ. فَمنََعَھُمُ الرسولُ الحلیمُ مِنَ القیِاَمِ بأِيِّ عمل،ٍفتفرقّوا، ثم أعطى الرَّجُلَ وقال له:والآنْ ھَلْ أَحسنتُ إلیكَ ؟
فقالَ الرجلُ بهدوء ورِضًى :نعََم ، فجازاكَ اللَّهُ من أھلٍ وعشیرةٍ خیراً.
فقالَ الرسولُ :لقد قلتَ ما قلت، وفي نفوسِ أصحابي منكَ شيء ، فإذا كان الغدُ فتعالَ وقُلْ أمامھم إنكَ قد قنعتَ ورضیت،َ فذلك أحسنُ وأوفق ، وأسلمْ لك ولھم .
وفي الیومِ التالي جاءَ البدويّ إلى المسجد،ِ وجلسَ مع صَحاَبةِ رسولِ اللهِ ، كواحدٍ منھم، يلفُّه الحیاءُ ويكسوهُ الخجل،ُ وينظرُ إلى الأرضِ.فدعاهُ الرسولُ إلى جوارهِ ،ِ ثم قال : لقد زدتُ صاحبناھذا على ما أعطیناهُ من قبل، فزعم أنَّهُ رَضِيَ فطلبتُ إلیهِ أنْ يقولَ ذلكَ أمامَكُم.
ثم التفتَ إلى البدويّ وقال :أليس كذلك ؟ فقال :نعم يا رسول اللَّه،ِ فجازاكَ اللَّهُ من أھل وعشیرة خیراً .
فقال رسول الله : إنّما مثَلَي ومثَلَُكم ومثل ھذا الرجل كَمثََلِ رجل شرَدََتْ له ناقة قطعتْ زِمامَھا ، وانطلقتْ ھاربة ، فَأراد بعضُ الناسِ أن يساعدوه على الإمساكِ بھا ، فقاموا يلاحقونھا منھنا وھناك، فما زادوھا إلا ابتعاداً ونفورا ، فقالَ صاحبُھا للناس :ِيا معشرَ الناس ،ِ كُفوُّا عن الملاحقة،ِ وخلّوا بیني وبین ناقتي فأنا أَدرى بھا منكم وأعلم،ُ فتوقفوا عن المتابعةِوالجري، ثم إنّ الرجلَ جمع بیدهِ شیئاً من نبََاتِ الأرَض،ِ وتقدَّمَ على مھلٍ من الناقة ،ِ يلوِّحُ لھا بما يحمل ، حتى ارتدَّتْ إلیهِ هادئة مستسلمة، فأمسكَ بزِِماَمھا وعادَ بھا.
ثم قال رسولنُا العظیم: فلو ترَكَتُْكُم بالأَمْس تفعلونَ ما تريدون وقتلتمْ الرجل لـبُــُؤْتــُـمْ بإِثِْمِه وتََحَملَّتُْمْ دَمَه .
اَلْمَرأَْةُ العَجُوزُ
وقََعَتْ أَحْداَثُ ھذهِ القِصَّة في عھدِ خِلافةِ أبي بَكْرٍ الصِديّق رضيَ اللَّهُ عنَْهُ وعنِْدھا كان عَمرَُ بْنُ الخَطاَّب رضِيَ اللَّهُ عنَْهُ يراقبُ ما يفعلهُ أبو بَكرْ ويأتي بضِعْفِ ما يفعلُ حتى ينالَ الخیرَ ويسبِقُهُإلى أَعلْى مرَاَتِبِ الجنَّة ..وشَدَّ انتْبِاَهُ عُمر رَضِيَ اللَّهُ عنَْهُ أنَّ أبا بَكْر يخرجُ إلى أَطرْاَفِ المدينةِ بعد صلاةِ الفجرِ ويَمرُّ بكوخٍ صغیرٍ ويَدْخُلُ به لِساَعاَتٍ ثُمّ ينَْصرَِفُ لبِیَتِْه . وَھُوَ لاَ يَعلَْمُ ما بِداَخِلِالبیَْتِ ولا يدرِي ما يَفْعلَُهُ أبو بكر الصِد يِّق داخِلَ ھذا البیتِ لأنَّ عُمرََ يَعرِْفُ كُلَّ ما يَفعْلَُهُ أبو بَكرِْ الصِديِّق مِنْ خیَْرٍ إلا ما كان من أَمْرِ ھذا البیتِ الَّذِي لا يُعلمُ عُمرَ سرِهَُّ!! مرََّتِ الأيَامُ وما زالَالصِديِّقُ يزورُ ھذا البیت، إلِى أنْ قَررََّ عُمَرُ بْنُ الخَطاَّبِ دُخوُلَ البیتِ بَعْدَ خُروج أبي بَكَرٍ منِْهُ لیُِشَاهِدَ بِعیَنِْهِ ما بِداَخلِِهِ ولیِعَرِْفَ ماذا يَفْعَلُ فیهِ الصِدّيق رَضِيَ اللَّهُ عنَهُ بعَْدَ صلاةِ الفَجرِْ!!حیِنَْماَ دَخَلَعُمرَُ في ھذا الكوُخِ الصَّغیِرِ وَجَدَ سیَِّدةً عَجُوزًا لا تَقْوَى على الحرِاَك كما أنََّھا عَمیْاءُ العیَنْیَْنِ. سأََلَ عُمرُ " ماذا يفعلُ ھذا الرَّجُلُ عنِْدَكُمْ؟ " يَقْصِدُ أبَا بَكْرٍ الصِديِّق فأََجاَبَتِ العَجوُزُ وقالت :ْواللَّهِلا أَعلَْمُ يا بنَُي !ّفھذا الرَّجُلُ يأَتِْي كُلَّصبَاَحٍ وينَُظِّفُ لي البیَْتَ ويَكنُْسُهُ وَمِنْ ثُمَّ يُعِدُّ لِي الطَّعَامَ وينَْصَرِفُ دوُنَ أَنْ يُكلَِّمنَي!!؟؟
جثََمَ عُمرَُ بْنُ الخَطاَّبِ علََى ركُبْتَیَْهِ وقََالَ عبِاَرتََهُ المَشْھُورَةُ وَھُوَ يبَْكِي » لَقَدْ أتَْعبَْتَ الخلَُفاَءَ مِنْ بعَْدِكَ يا أبا بَكرٍْ «
قِطْعَةُ البْرُونْز
رأى عُمرََ الفاروق ابُنَهُ عبدَاللَّهِ وفي يدِهِ قطعة نقدٍ برونزية، وھذا النوعُ من النّقْدِ لَمْ يَكُنْ لهُ قیمةٌ كبیرةٌ ولم يكنْ رائجاً لقلّة قیِمتِه ، فسألَ الخلیفةُ ابنَه :ُمِنْ أيَنَ لكَ ھذا وليس في جیبِ أبیكَ ولافي بیتِهِ مثِلهُ؟ وھُوَ يقصدُ أنَّهُ لا يملكُ مِنَ المالِ شیئا ،ً يا سبحانَ اللَّه ،ِ خلیفَةٌ كبیر،ٌ يحكمُ الأمّة،َ وتحتَ يديهِ أموالُھا وغنائِمُھا، وليس في بیتِهِ قِطعَةَ نقدٍ برونزية ، ورَغْمَ ذلكَ لم يتغاضَ عنْوجودِھاَ في يدِ ابنِهِ ويقولُ لیستْ ذاتَ أَھَمیَِّة،ً بل سألَهُ بِحزَْمٍ عن مَصْدرَِھا.
فقاَلَ الغُلام بصِدْقٍ وإيِمان ،ٍ فھو لا يخافُ مِنْ أبَیِهِ لأنَّ أباهُ يُعاَملُِهُ كرََجُل،ٍ ولم يكذِبْ لأنََّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الصِّدْقَ منَْجَاة،ٌ وأنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الكاذبِین. قال:ھي مِنْ أبي موسى الأشعريّ.
وكانَ أبو موسى في ذلكَ الحینِ مسؤولاً عن بیتِ مالِ المسلمین،ْ وھذا البیتُ ھو عبارةٌ عن مكانٍ تُخَزَّنُ فیهِ الأموالُ وكلُّ ما تَملُْكُهُ الدوَّلَْةُ من منَْقولاتٍ وغنائِمِ حَرْبٍ وزكاةٍ وضرائبَ وجزِيَْةٍ.فماذا فعلَ الفاروقُ رضي الله عنه ؟ لم يَسْكُتْ الخلیفة،ُ بَلْ أَخَذَ بیَِدِ ابُنِهِ وقََصَدَ أبا موسى، وصاحَ بِهِ قائلاً : أنتَ أعطیتَ ابني ھذهِ القطعة ؟ فقال : نعم يا أمیرَ المؤمنين ؟
فقال عُمرَُ غاضبا : ولماذا ؟
قالَ أبو موسى :أحصیتُ مالَ المسلمینَ فوجدتُهُ ذھباً وفضةً وليس فیهِ من البرونز سوى ھذهِ القطعةِ ، فلم أَشأَْ أنْ أُحرَرَِّ بھا قائمةً مفردةً فأََعْطیَتُْھاَ عبد الله.
فاشتدّ غضبُ الخلیفة ،ِ وصاح : يا أبا موسى، أبََحثَْتَ في أولادِ المسلمینَ فما وجدتَ غلاماً أفقر من ابنِ عُمرَ؟ أَطــُـفْتَ في بیوتِ المدينةِ فما وجدتَ بیتاً يقبلُ الحرامَ ويتعاملُ بهِ إلاّ بیتَ عمر؟، أَمَاوَجَدْتَ في أبناءِ المسلمینَ مَنْ يستحقُّ الصَّدقََةَ إلاّ ابُْنَ عمر؟
ثُمَّ أ خََذَ عُمرَُ القِطْعَةَ مِنْ يَدِ ابُنِْه،ِ ورََمَى بھا إلى أبي موسى وھو يقول : إِنّ الجنُْدَ في المیدانِ يُقاتِل الكفار فالْحَقْ بِهِ يا أبا موسى !
فقال أبو موسى : سمعا وطاعة !
وهكذا عزََلَ عمرُ أبا موسى عن مسؤولیتِهِ في بیتِ المالِ وأََمرََهُ بأنْ يلَْحَقَ بساحاتِ الجهاد، وذلك حفاظا على مال الشعب مهما كان قيمته .
الرَّجُلُ الصاَّلِحُ
يرُوَْى يا أَصْدقِاَئي أَنَّ رَجُلاً عزََمَ مرََّةً على الرَّحیِْلِ مِنْ قرَيْتَِهِ إلِى بعَْضِ البلاد لِقضاَءِ مَصاَلحَ لَه،ُ وأََعَدَّ عِدَّةَ السَّفرَِ مِنْ زاَدٍ ومال .ٍوفي الطريقِ البرَيِّة، اشْتَدَّ عَطَشُهُ بِسَبَبِ حَراَرةِ الشَّمسِ وَكثَْرةَِالحرََكَة،ِ وكانَ يَضْطرَُّ للِْشرُّْبِ المرَّةَ تلوَ الأُخرْى، حتّى نَفَدَ كلُّ الماءِ الذي مَعَهُ. فرَاَحَ يَدوُرُ ھنُا وھنُاَكَ بَحثْاً عَنِ الماءِ فَماَ وَجَدَ لهُ أثََرا،ً وطلبَ مَنْ يغُیِثَه،ُ فلََمْ يَحْظَ بِمُساَفرٍِ في ذلكَ الیومِ شَديدِالحرَارةِ. وبََعدَ بَحْثٍ طويل،ٍ عثَرََ علَى بئِرِْ ماَء،ٍ فرََكَضَ نَحوَْهُ حاَمِداً اللَّهَ شاَكرِاً نعَِمَهُ لأنََّهُ أنَْقَذهَُ مِنَ الموَْتِ الأَكیِدِ. نزل الرَّجُلُ فِي البئر،ِ وبعدَ عنَاَءٍ ومَشَقّةٍ وَصَلَ إلى القاع وراحَ يَشرَْبُ حتىارُتْوَى وَحَمَدَ اللَّهَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البئر وحَمَلَ حاَجاَتِهِ لیِتُاَبِعَ السَّفرََ. وفََجأْةًَ لَمَحَ كلَبا بِجوِاَرِ البئر وأََخَذَ يرُاَقبُِهُ فرَآهُ يلَْھَثُ ويَمْرَغ لِسَانَهُ فِي الترُّاَبِ مِنْ شِدةَِّ العَطش. حزََنَ الرَّجُلُ كثَیِراً وعلَِمَ أَنَّ الكلُْبَيَشْعرُُ بِعَطَش شديدٍ وھوَ الذي كانَ يعُاني منِْهُ قبَْلَ لَحَظاَتٍ. أرَادَ الرَّجُلُ أنْ يُحْضِرَ الماءَ للِْكلَْب،ِ ولكنَِّهُ لا يَملِْكُ أيَّ إناء ،ٍ وأَخَذَ يُفَكرِّ،ُ ويَنَْظرُُ يَمیِناً ويَساَراً. وفجأةً خَطرََتْ لَهُ فِكرَْةٌ منُاَسبَِة،ٌ رفََعَالرَّجُلُ قَدَمَهُ ثُمَّ خلََعَ نَعلَْهُ ونزََلَ إلى البئر وملأ نَعلَْهُ باِلماء،ِ وأَمْسَكَهُ بِفَمِهِ ثُمَّ تَسَلَّقَ جُدرْاَنَ البئر .وعنِْدَما رآهُ الكلَْبُ جَرى نَحْوَهُ مُسْرِعا،ً وأَخَذَ يَشْرَبُ مِنَ المَاءِ والرَّجُلُ مَسرْوُرٌ وسَعیِدٌ ، فاللَّهَ لايُضیَِّعُ أَجرَْ من أحسن عملا .
عَمیْاَءُ..خَرْساَءُ..بَكْماَءُ
يُحْكَى أنَّهُ فِي القرن الھِجْرِيّ الأوََّل كَانَ ھنَُاك شَابٌّ فَقیِْرٌ يُحِبُّ العلِْمَ . وفِي يوَْمٍ مِنَ الأيَاَّمِ خرََجَ مِنْ بیَتِْهِ طلبا للعلم ... وفي طريق العودة اشتدّ به الجوع فمال إلى أَحَدَ البَسَاتیِْنِ المَملُْوءةَِبأِشْجاَرِ التُّفَاحِ وَكَانَأَغْصاَنُ شَجرََة متدلّية فِي الطرَّيِْق .ِ..فَقَطَفَ تُفاَّحَةً واَحِدَةً وجلس يأَْكلُُھاَ... ولََماَّ رَجِعَ إلى بیَتِْهِ بَدأََتْ نَفْسُهُ تلَوُْمُهُ ويََقُولُ : كیَْفَ أَكلَْتُ ھَذهِِ التُّفاَحَة وَھِيَ ماَلٌ لِمُسلِْمٍ ولََمْ أسْتأَْذِنَمنِْهُ ولََمْ أستسْمِحهُ... فَذَھَبَ يبَْحَثُ عَنْ صاَحِبِ البُستْاَنِ حتَّى وَجَدهَُ فَقَالَ لَهُ الشاَّب :
ــ يا عمّ ! بالأمس بلََغَ بِيَ الجُوْعُ مبَلَْغَاً عَظیِْمًا وأََكلَْتُ تفاَّحَةً مِنْ بُستْاَنِكَ دون علِْمِكَ.
فَقاَلَ لَه :ُواللَّهِ لا أسامحك بَلْ أنَاَ خَصیِمُكَ يوَْمَ القیِاَمَةِ عنِْدَ اللَّهِ
بَدأََ الشَّابُّ المُؤْمِنُ يبَْكِي ويتَوََسَّلُ إلِیهِ أَنْ يُسَامِحَهُ وقََالَ لَهُ:
ــ أنَا مُستَْعِدٌ أَنْ أعْمَلَ أيَّ شَيءٍ بِشرَْطِ أَنْ تُساَمِحني
وبََدأَ يتَوََسّلُ إلى صاَحِبِ البُستْاَن وصاَحِبُ البُستْاَنِ لا يزَْداَدُ إلا إصرْاَراً وَذَھَبَ وتَرَكََهُ واَلشاَّبُّ يُلاَحِقُهُ ويَتَوََسَّلُ إلِیَْهِ حتََّى دَخَلَ بیَتَْهُ وبََقِيَ الشَّابُّ عنِْدَ عتبة البیَْتِ ينَتَْظرُِ خرُوُجَهُ إلى صَلاةَِ العَصرْ .ِ..فلََماّ خرََجَ صاَحِبُ البُسْتاَنِ وَجَدَ الشاَّبَّ ما زالَ واَقِفاًَ فَقاَلَ الشاَّب
ــ يا عمّ إنِنَِّي مُستَْعِدٌّ للِْعَمَلِ فَلاّحاً في ھَذاَ البُستْاَنِ مِنْ دوُنِ أجرٍْ باقِي عُمْرِيْ أو أيُّ أمْرٍ ترُيِْدُ ولََكِنْ بِشرَْطِ أَنْ تُساَمِحنَِي
عنِْدَھا قاَل : يا بنَُيّ إنِنَِّي مستعدّ أَنْ أُساَمِحَكَ الآنَ لَكِنْ بِشرَْطٍ وَھوَُ أَنْ تتَزَوََّجَ ابنْتَِي.
صُدِمَ الشاَّبُّ مِنْ ھَذا الجوَاَبِ ثُمَّ أَكْمَلَ صاَحِبُ البُستْان حديثه قائلا :
ــ ولََكِنْ يا بنَُيّ اعلَْمْ أَنّ ابنْتي عَمیْاَءُ وصَماَّءُ وبَكْماَءُ وأيْضاً مُقْعَدةٌَ لا تَمْشِي وَمنُْذُ زَمَنٍ وأنَا أبَْحَثُ لھا عَنْ زوَْجٍ أَستْأَْمنُِهُ علَیَْھا ويََقبَْلُ بِھَا بِجَمیِْعِ موُاَصَفاَتِھا التَّي ذَكرَتُْھا فإَِنْ واَفَقْتَعلَیَْھا ساَمَحتُْكَ.
وبََدأََ يُفَكِّر خُصوُصا و أنَّه ما زالُ فِي مُقتْبََلِ العُمْر... ولكن كیَْفَ تَقُومُ بِشؤُوُنِهِ وترَْعَى بیَتَْهُ وتََھتَْمّ بِهِ وھِيَ بِھَذهِِ العاَھَات؟ِ ويََقوُلُ في نفسه : أصبر علَیَْھاَ في الدنُّیْاَ ولَكِنْ أنجو مِنْ ورَْطَةِالتُّفاَحَة وعذاب الله في الآخرة . توََجَّهَ إلى صاَحِبِ البُستْاَنِ وقَاَلَ لَهُ:
ــ يا عَمّ لَقَدْ قبَلِْتُ بابنتك زوجة وأسألُ اللَّهَ أنْ يُجاَزيِني على نیِتي وأَنْ يعَُوِّضنَِي خیرا مما أصابنَِي.
فَقاَلَ صاَحِبُ البُستْاَن : حَسَناً موَْعِدُنا يوم الجمعة عنِْدِي في البیَْتِ لولَیِمَةِ زوَاَجِكَ وأنَاَ أتََكَفّلُ لَكَ بِمَھرھا. فلََماّ كاَنَ الموعد جاَءَ ھَذاَ الشّابُّ متثَاَقِل الخُطَى ، حَزيِن الفُؤاَدِ، منكسر الخاَطرِ، ليسكأََيِّ زوَْجٍ ذاهب إلى يَوْمِ عرسِهِ ...فلََماّ طرََقَ الباَبَ ، فتََحَ لَهُ أبوُھاَ وأدْخلََهُ البیَْتَ، وبََعْدَ أَنْ تَجاَذبا أطْراَفَ الحَديِثِ وَجرََى زوَاَجٌ شرَْعِيُّ بِحِضُورِ شَاھِديَْن ... قالَ لهُ يا بنَُي : تَفَضّلْ وخُذْزوَْجتََك !
فإِذا هي فتََاةٌ بیَْضَاءٌ أجْمَلُ مِنَ القَمَرِ، قَدْ انْسَدَلَ شعرٌْ علََى كتَِفیَْھَا كَالْحرَيِروقامت ومشت إليه وسلمت
وقَاَلَتْ: السَّلاَمُ علَیَْكَ يا زوَْجِي !
أَماَّ ھوَُ فَقَدْ وقََفَ لا يُصَدِّقُ ما الذي حَدَثَ ولِمَاذا قَالَ أبوھَا ذلَِكَ الكَلاَم ، فَفَھِمَت الفتاة ما يَدوُرُ في باَلِهِ فقاَلَتْ : إننَِّي عَمیْاَءُ مِنْ النَّظر إلى الحَراَمِ وبَكْماَءُ مِنَ النطق بالحرام وصَماّءُ مِنَالاستِْماَعُ إلى الحَراَمِ و مُقعدة لا تَخْطوُ رِجْلاَي خُطوَْةً إلى الحرَاَمِ... وإننَِّي وَحیِدةُ أبي، ومنُْذُ عِدةَِّ سَنوَاتٍ وهو يبَْحَثُ لِي عَنْ زوَْجٍ صاَلِحٍ فلََماَّ أتَیَتَْهُ تَستْأَذْنَِهُ في تُفاَّحَةٍ وتَبَْكِي مِنْ أجلِْھاَ قال أبيأَنّ مَنْ يَخاَفُ مِنْ أكْلِ تُفاَّحَة لاَ تَحِلُّ لَهُ حَرِيّ بِهِ أَنْ يَخَاف اللَّهَ في ابنْتَِي فَھنَیِئاً لي بِكَ زوَْجاً وھنَیِئاً لأِبَي بنَِسبكَ.
وبََعْدَ عاَمٍ أنْجبََتْ ھَذهِِ الفتَاَةُ مِنْ ھَذاَ الشابُّ غُلاَماً أَصبَْحَ فیِْماَ بَعْد مِنْ أَعْظَمِ رِجاَلِ الْمُسلِْمینَ حتََّى الیْوَْمَ.
وَھُوَ الإمَامُ الكبَیِْرُ " حنیِفة النُّعْمَان" صَاحِبُ المَذْھَبِ الفِقْھِيّ المَشْھوُرْ: المذهب الحنفي
حَديِقَةُ الفُقَراء
كانَ ھنُاَلِكَ رجلٌ مُزارع طیِّبُ القلَب،ِ لديهِ حديقةٌ يَزرَْعُ فیِھا أنوعًا مِنَ المزَرْوعاَت،ِ وكانَ يوزِّعُ فِي كُلِّ موَْسمٍ جِزءاً كبَیِْراً مِنْ إنِتَْاجِ الحَديِقَةِ علََى الفُقرَاءِ. فباركَ لهُ ربُّهُ في حديقته،ِ وكانثَمرَُھا من أَطیبِ الثِّمار،ِ فعاشَ حیاةً سعیدةً رغیدة،ً وكلُّ الناس يَدْعونَ لَهُ بالخيْر والتوَّفْیِقِ. وبَعْدَ أَنْ تُوفِّيَ الرَّجُل،ُ طمَعَ أبَنَْاؤه، وحَجبَُوا ثَمَارَ الحَديَقَة عَنْ الفُقرَاء.وذَلَِكَ لأنََّھُم كاَنوا يَطْمَعوُن بِكُلِّما تَعْطیِه الحَديقَة لَھُمْ. وكَاَنَ فیِھِم ولدٌ عاَقِل صاَلِحٌ مثلُ أبیه ،ِ فقال :َيَا إخوتَِي، اتّقُوا اللَّهَ وَلاَ تَقْطعَوُا عاَدَةَ أبَیِكُم الطیبِّة، فإنّ اللَّهَ يرزقَُكُمْ بَدَلَ مَا تعطونَهُ للفُقرَاء .
لَكِنّ إخوتهُ رفَضوا كَلاَمَهُ وقرّروا الاستفراد بالثمار في الصباح الباكر وقبل مجيء الفقراء ، لكنّ اللَّهَ أرسل ليلا وهم نيام ريحاً عاصفةً محرقة ، ترََكَت الحديقةَ سوداءَ كالفحم ،ِ وأَصحابُھا لايعلمون. وقبُیَلَ الصُّبْحِ تنادوا بصَوتٍ خافِت ،ٍ وتواصوا بألاَّ يتََكلََّموا حتََّى لا يتفطّن إليهم أحد .وفَتَحوا البابَ ودَخلوا الحديقة ، فوَجَدوا الأشجارَ محترقةً وليس فیھا ثمر،ٌ
قالوا : لَقد ضلَلَنْا وتُھنْا عَنْ حَديقتَنِا بسببِ الظَّلاَم ، ھذه لیسَتْ حديقتَنُا، فسَمعوا صوتَ أخِیھم الطیّب وھُوَ يَقول :بل إنَّھا حَديقتُكُم عیَنُْھا، وقََد أحرْقََھا ربُّكم لأنّكم أرَدتُْم حرِْمَانَ المَساكیِنِمنِْھا، فاسودّت وجوھُھُم حزنا وراحَ كلُّ منِھم يتبرأُّ من التھْمَةِ ويتهِمُ الآخر و يلومُه ويقولُ له :أنتَ الذي أشرتَ علینا بھذهِ الفكرةِ الملعونة .
وَھَذِهِ عاقبة الطمع وعدم الحمد لله والشكر له بمساعدة الفقراء والمساكين ، والله تعالى يقول :
إن تُقْرِضُوا الله قرضًا حسَنًا يُضَاعِفْهُ لكُم ويغْفِرْ لَكُمْ
أوفى من " السَّمَوْألَ "
قصة من قصص العرب في الجاهلية قبل ظهور الإسلام تبرز خصلة الوفاء التي أصبحت نادرة بين البشر اليوم :
كان لليهوديّ السموأل بن عادياء حصن معروف بالأبلق لبياض بنائه وحمرته مقام بين الحجاز والشام في منطقة المشرق العربي .وكان يقال أوفى من السموأل ، وذلك أن امرِئ القيس بن حجر الكندي مرّ بالأبلق وهو يريد " قيصر" يستنجده على قتلة أبيه، وكان معه مائة من الأدرع الحربية، فأودعها السموأل أمانة ومضى ، فبلغ خبرها ملكا من ملوك غسّان، وقيل هو الحارث بن ظالم، ويقال الحارث بن أبي شمر الغساني ، فسار نحو الأبلق ليأخذ الأدرع ، فتحصّن منه السموأل وطلب الملك منه تلك الأدرع، فامتنع من تسليمها، فقبض على ابن له وكان قد خرج للتصيّد، وجاء به إلى تحت الحصن . قال الحارث : أعْطِنِي الأدرع وإلا قتلت ابنك !
فكّر السموأل ثمّ قال : ما كنت لأخون صاحب الأمانة ! فاصنع ما شئت !
فذبحه والسموأل ينظر إليه ... فكان المثل : أوفى من السموأل
أكْرمُ من حاتم
* حاتم الطائي من عرب الجاهلية جواد، سخيّ ،كريم، ضُرِبَ به المثل في الكرم فقيل:أكرم من حاتم.
وقيل عنه : لم يكن حاتم ممسكا شيئا ما عدا سلاحه ، فانه كان لا يجود به . وكان إذا حلّ الشتاء واشتدّ البرد أمر غلامه فأوقد نارا في بقاع من الأرض لينظر إليها من أضلّ الطريق ليلا فيقصده .
* ومن خَبَرِهِ أيضا أنّه في ليلة من ليالي الشتاء شديدة البرد قدمت عليه جارته وقالت له : " أنا جارتك فلانة ، أتيتك من عند صبية يتضوّرون جوعا ، فما وجدت مُعَوّلاً إلاّ عليك يا أبا عدي " فقال : أعجليهم فقد أشبعك الله وإيّاهم ..." فأقبلت المرأة تحمل اثنين ويمشي بجانبها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها ؛ فقام إلى فرسه ، لم يعد له شيء غيره ، فنَحَرَهُ ، ثم كشطه عن جلده ، ودفع المدية إلى المرأة وقال لها : شأنك ! قالت زوجته نوار : فاجتمعنا على اللّحم نشوي ، ونأكل ، ثم جعل يمشي في الحيّ يأتيهم بيتا بيتا فيقول : هبّوا أيّها القوم ، عليكم بالنّار . فاجتمعوا والتفّ في ثوبه ناحية ينظر إلينا ، فلا والله أن ذاق منه مُزْعَة وانه لأحوج إليه منّا ؛ فأصبحنا وما على الأرض من الفرس إلا عظم وحافر.... .
* ومن خَبَرِهِ أيضا أن سأله يوما رجلٌ فقال: " يا حاتم هل غلبك أحد في الكرم؟ " قال: " نعم غلام يتيم من" طي " نزلـْـتُ بفنائه وكان له عشرة رؤوس من الغنم، فعمد إلى رأس منها فذبحه ، وأصلح من لحمه ، وقدّمه إليّ وكان فيما قدّم إليّ الدّماغ فتناولت منه فاستطبته .فقلت : " طيّب والله ! " فخرج من بين يديّ وجعل يذبح رأسًا رأسًا ويقدّم لي الدماغ وأنا لا أعلم ، فلما خرجت لأرحل نظرت حول بيته دماً عظيماً وإذا هو قد ذبح الغنم بأسره . فقلت له : " لِمَ فعلت ذلك؟ " فقال: يا سبحان الله تستطيب شيئاً أملكه فأبخل عليك به ، إنّ ذلك لسُبّة على العرب قبيحة! " فقيل يا حاتم : " فما الذي عوّضته؟ " قال: " ثلاثمائة ناقة حمراء وخمسمائة رأس من الغنم . " فقيل: " إذًا أنت أكرم منه ّ فقال حاتم : " بل هو أكرم منّي ، لأنه جـَـادَ بكلّ ما يملك ، وأمّا أنا فجُـدْت بأقلّ ما أملك ".
رجع بخفّي حُنين
أصل هذا المثل أن " حُـنـَـيـْـنـًـا " كان إسكافيا من أهل الحيرة يصنع الأحذية ويصلحها ويبيعها ، ساومه يوما أعرابيّ في شراء خـُـفــّـيـْـنِ ، فاختلفا في تقدير ثمنهما . وأغلظ الأعرابي الكلام للإسكافي فأصرّ " حُـنـَـيـْـنٌ " على أن يكيد له ، فراقبه حتى عرف اتجاه طريقه . فسبقه إلى الطريق ثم رمى بأحد الخفين ، وبعد مسافة طويلة ، رمى بالآخر ، ومكث قريبا منه يترقب مروره ، فلمّا وصل الأعرابي إلى مكان الخفّ الأوّل رآه وعرفه فقال : " لو كان الآخر معه لأخذته " ، ثم تركه وواصل سيره حتى وجد الثاني فأخذه ، ثم ترك راحلته في ذلك المكان ورجع ليأتي بالأوّل ، فخرج " حُـنـَـيـْـنٌ " وقاد الراحلة بما عليها ...
وعاد الأعرابي إلى بلده بالخفين فقط فقيل " رجع بخفّي حنين"
ويضرب هذا المثل فيمن خاب سعيه و ضاع جهده .
وافق شَنٌّ طــَـبـَـقـَـة
رغب " شــنّ " أن يكمل نصف دينه بالزواج واخذ يبحث عن شريكة لحياته تتمتع بالعقل الراجح ، عن فتاة ثريّة بالعلم والمعرفة والقدرة . فقيل له أنّه سيجد حاجته في أهل المدينة ، فقرّر السفر إليها ، وفي بداية الطريق لقي " شــنّ " رجلا مسناً وسأله : " هل أنت في طريقك إلى المدينة ؟ " فردّ عليه عليه المسنّ أنّه من أهل المدينة وهو عائد إليها .وفي الطريق قال "شــنّ ": هل تركب أنت ، أم أركب أنا ؟ فاستغرب الرّجل المسنّ سؤاله وقال : كلّنا راكب راحلته ، ماذا تسال ؟ .... وبعد مسير مسافة ، شاهدا أناسا يحصدون الزرع فسأل " شــنّ " : يا ترى هل أكل النّاس زرْعهم ؟ ... فأجابه كيف أكلوا الزّرع وهم مازالوا يحصدونه ؟ .... وبعد ذلك مرّا بجنازة فقال" شــنّ " لرفيق دربه : رحمة الله عليه هل تعتقد أنه حيّ ؟ ... ردّ المسنّ باستغراب: في كفنه محمول ، فكيف يكون حيّا ؟ ... وقبل الوصول إلى المدينة بانت مشارفها فسأله " شــنّ " قائلا : كيف حال البعيد هل أصبح قريبا ؟ .... واستغرب المسنّ مرّة أخرى ولم يكلـّـف نفسه عناء الردّ .وعندما وصلا الدار ، قال له " شــنّ " : دعني أحمل عنك متاعك وكيف حال الاثنتين ؟ ... بالرغم من أن المسنّ كان يظنّ أنّ " شــنّ " أبلهُ إلا أنّ كرم الضيافة حتــّـم عليه أن يدْعـُـوَه إلى داره لتناول العشاء . ثم كان سؤاله : كيف حال الجماعة هل تفرّقوا؟ ومرّة أخرى يستغرب المسنّ ، ثم دخلا الدار... فقصّ المسنّ على ابنته حديث ضيفه غريب الأطوار...ولمّا استفسرته ابنته واسمها " طبقة " عن سبب ظنّه هذا،أعاد لها أسئلته الغريبة التي طرحها عليه فقالت له ابنته : بل إنه رجل ذكيّ يا أبتِ ! فعندما سألك : هل تركب أم أركب ، قصد به هل تبدأ أنت الحديث أم أبدأ أنا ؟ ... وحينما سألك عن الزرع كان يقصد هل باعه أصحابه قبل حصاده وصرفوا ثمنه ... وأمّا سؤاله حول الجنازة والميـّـت هل هو حيّ ، قــَـصَدَ هل له ابن يخلفه ويُحْيي ذكره ...ولدى سؤاله عن حال الاثنتين هل أصبحتا ثلاثة أراد الاستفسار عن قدميك هل أنت بحاجة إلى رِجْل ثالثة وهي العصا لتستعين بها في المشي ...وأمّا ما قصد بسؤاله عن الجماعة تفرّقوا أو تجمّعوا فكان غرضه الاطمئنان على أسنانك هل تفرقت أم مازالت قوية .. وعندما سألك عن البعيد فكان يقصد الاستفسار عن بصرك هل ضعـُـفت رؤيتك للبعيد ...وعندما سمع المسنّ شرح ابنته وتفسيرها للأسئلة التي كان يطرحها عليه " شــنّ " أثناء الطريق عرف قيمته وقال له بلهجة تشوبها السماحة والاعتذار: لقد ظلمتك يا سيدي قبل أن أعرف تفسير أسئلتك .. وأخبره أنّ ابنته هي التي كشفت له غموض هذه الأسئلة . وعندما قدمت ابنة الشيخ المسنّ الطعام ، وجدها ممشوقة القوام جميلة الملامح ناصعة البياض تشعّ من عينيها ملامح الفطنة والذكاء فقال "شــنّ" لمضيفه:أنا يا سيدي من أسياد قبيلة " طي " إذا كانت ابنتك تقبل أن أكون زوجا لها فانا أطلب يدها منك .. فتمّت الموافقة وأصبح المثل ينطبق عليهما تماما : وافق شنّ طبقة !
أبـْـصَرُ مِنْ زَرْقـَـاءِ الْيـَـمَامَةِ
زرقاء اليمامة هو لقب لفتاة عربية عاقلة جميلة كانت عيناها زرقاوين وكانت ترى الأشياء من مسافات بعيدة جداً ، فترى الشخص على مسيرة ثلاثة أيام ، والناس يعجبون من قوّة نظرها وكانت بلادها التي تقيم بها تسمّى اليمامة ؛ فسُمّيت زرقاء اليمامة.
صعدت زرقاء يوما إلى القلعة ونظرت فرأت شيئا عجيبا : رأت من بعيد شجرا يمشي ويتنقل من مكان الى آخر فنادت رئيس قومها وأخبرته بالأمر...
فعجب الناس وقالوا : " الشجر يمشي يا زرقاء ؟! أعيدي النظر" !
فأعادت النظر ثم قالت: "كما أراكم بجانبي أرى الشجر من بعيد يمشي "
فقال واحد من أهلها: "ربما جاء إلى تلك البلاد سيل شديد من الماء فقلع الشجر من مكانه وحمله لذا تراه زرقاء يسير"
فأعادت النظر وقالت: "لا، بل أراه الآن أوضح ، أرى تحت الشجر رجالا سائرين وراكبين والشجر يسير معهم"
فلم يصدقها قومها وقالوا أنّ عينيْها خدعتاها .. لكن الحقيقة أنّ ما رأته زرقاء اليمامة كان صحيحا فقد استتر الأعداء بقطع الأشجار وحملوها أمامهم لكي يتمكّنوا من الاقتراب دون أن يُشـْـعـِرُوا أحدا، فلمّا وصلوا إلى قومها أبادوهم وهدّموا بنيانهم وقلعوا عين زرقاء اليمامة .
يحكى أن رجلين شاهدا جرماً أسود في أسفل الوادي، وراحا يتكهنان في أمره.
قال الأول: إنه طير كبير!
قال الثاني: لا بل إنه عنزة!
وراح كل واحد منهما يعزّز رأيه بدليل ، وإذا بالجرم المذكور يفتح جناحيه ويطير.
فقال الأول: ألم أقل لك إنه طير؟
قال الثاني: لا بل معيز ولو طاروا.
فجاء المثل " معيز ولو طاروا " عند العناد والإصرار على الرأي الخاطئ والموقف غير الصائب
كلُّ فــَـتَاةٍ بأبــِــيـهَا مُعْـجَـبَةٌ
* يُضرب هذا المثل كلُّ فــَـتَاةٍ بأبــِــيـهَا مُعْـجَـبَةٌ في عُجْب الشّخص برهطه وعشيرته وتفاخره بهما.
وأوّل من قال ذلك امرأة من العرب تـُـدْعَى العَجْفَاء بنت عَلْقَمة السعدى ، وذلك أنّـها وثلاثَ نسوة من قومها خَرَجْنَ إلى روضة من الرياض القريبة يتجاذبن فيها أطراف الحديث ، ثم أفــَــضْنَ في ذلك فـقـالت إحداهُنّ :أيّ النّساء أفضل؟
قَالت الأولى: الخَرُود الوَدُود الوَلــُــود .
قَالت الأخرى : خَيْرُهنّ ذات الغناء وطيب الثناء، وشدّة الحياء .
قَالت الثالثة: خيرهنّ السَّمُوع الجَمُوع الــنــّــَـفــُــوع ، غير المنوع .
قَالت الرابعة: خيرهن الجامعة لأهلها ، الوادعة الرافعة، لا الواضعة .
ثمّ سألت إحداهنّ : فأيّ الرّجال أفضل؟
قالت إحداهن: خيرهم الحَظِىّ الرّضِيّ غير الحــَــظــّــَـال ولا ذو التــبْْــل .
قَالت الثانية: خيرهم السيدُ الكريم، ذو الحسب العميم، والمجد القديم .
قَالت الثالثة: خيرهم السخِيّ الوفيّ الذي لا يُـغِـيرُ الحرّة، ولا يتــّخذ الضرّة .
قَالت الرابعة: وأبيكنّ ؟ إنّ في أبي لـَـنــَـعْــتــُـكــُـنَّ : كرم الأخلاق، والصدقَ عند التلاق، والـفـَـلــْـج عند السباق، ويحمده أهل الرفاق .
عند ذلك ، قَالت العَجْفَاء : كلُّ فــَـتَاةٍ بأبــِــيـهَا مُعْـجَـبَةٌ .
* وفي روايات أخرى أنّ إحداهن قَالت: إنّ أبي يُكْرِمُ الجار، ويَنْحَر العِشَارلبعيد الجوار، ويحلّ الأمور الكبار .
فَقَالت الثانية: إن أبي عظيم الخَطرِ، منيع الوَزَر، عزيز النفر، يُحْمَدُ منه الوِرْدُ والصَّدَر.
فَقَالت الثالثة: إن أبي صدوقَ اللسان، كثير الأعْوَان، يُرْوي السِّنَان عند الطّعان.
قَالت الرابعة: إن أبي كريم النِّزَال، منيف المقَال، كثير النَّوَال ، قليل السؤال، كريم الفَعَال .
ثم تنافَرْنَ إلى حكيمة معهن في الحي فقلن لها : اسمعي ما قلنا ، واحكمي بيننا، واعدلي ! .
ثم أَعَدْنَ عليها قولَهنّ ، فقالت لهنّ : كل واحدة منكن ماردة، على الإحسان لأبيها جاهدة ، لصويحباتها حاسدة، ولكن اسْمَعنَ قولي : خيرُ النساء المُبقية على بعلها ، الصابرة على الضّراء، مخافة أن ترجع إلى أهلها مطلــّــقة، فهي تــُــؤثـِر حظ زوجها على حظ نفسها ، فتلك الكريمة الكاملة ، وخير الرجال الجَواد البَطَل، قليل الفشل، إذا سأله الرجل ألفاه قليل العلل ، كثير النـّـفـل .
ثم قَالت: كل واحدةٍ منكنّ بأبيها مُعْجَبة.
*** شرح بعض الكلمات :
ــ الخــَـرُود : ذات حياء وطويلة السكوت وخافضة الصوت
ــ غير المنوع : المُعطي ، الكريم
ــ الحَظِىّ : أحبّه النّاس ورفعوا منزلته
ــ الحظــّــال : المُـقــَــتــّـر البخيل المُضيّق على أهله
ــ التــبْْــل : الحقد والعداوة
ــ الـفـَـلــْـج : الفوز
ــ النـّـفـل : العطاء
بَقَرَةُ جُحا
سمع جحا يوما أَنَّ البَقَرَ أبيض اللوَّْنَ يَجلِْبُ الحَظَّ لِصاَحبِِه،ِ وقََدْ كاَنَ البعَْضُ فِي الماضي كَما ھِيَ الحاَلُ فِي ھَذِهِ الأيام يؤُْمنِوُنَ باِلحَظِّ وبَاِلأَشیْاَءِ التَِّي يَروُنَ أنََّھاَ تَجلُْبُ السعَّاَدَةَ واَلماَلَواَلصِّحَةَ أوَْ تبُعِْدُ الحَسَد . وھَذاَ الكَلامَ غیَْرُ صَحیِحٍ وَلاَ قیِمَةَ لَهُ، فالله هو الرزاق الفتاح العليم .
بقي جُحَا يبَْحَثُ فِي الأَسْواَقِ عَنْ بَقرََةٍ بیَْضاءَ بَعْدَما سَمِعَ بِعَجاَئِبِ الأبَْقاَرِ ذاَتِ اللوَِّن الأبَیَْضِ..
لَكِنَّ بَحثَْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيُّ فاَئِدةٍَ فَھَذاَ البَقرَُ ناَدرُِ الوجُود .ِ.وَكَادَ جُحَا ييأس مِنَ العثُُورِ علََى بَقَرَةٍ ناَصِعَةِ البیََاضِ..فَصَارَ يُفَكِّرُ ببَِقَرةٍَ رَماَديَِّةٍ اللون بين البياض والسواد فقاَلَ لَهُ أَحَدُ التُّجاَّرِ أنََّهُسَمِعَ عَنْ بَقَرةٍَ بیَْضَاءَ يَملُْكُھا مُزاَرِعٌ فِي قرَيةٍ قرَيِبةٍ لَكنَِّھا عزَيِزةٌ علَیَْهِ وَلاَ يبَیِعُھا إلاّ بِغالِي الثَّمَنِ..وَھَذاَ أَمرٌْ طبیِعِي،ٌّ فَكُل مَا ھُوَ نَادرُِ الوجُودِ ومَطلُْوبٌ مِنَ النَّاسِ يَكوُنُ ذا قیِْمَةٍ عاَلیَِةٍحتََّى وإَِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ باِلفَعْلِ قیِْمَةٌ حَقیِْقیَِّةٌ..
وعلََى الفَور انتقل جُحا إلى القرَيَْةِ القرَيِبةِ سَاعیِاً ورَاَءَ البَقَرةَ البیَْضاءِ والتَْقَى بصاَحِب البَقرََةِ وكََانَ كبَیِراً في السِّنِّ فَعَرَضَ علَیَْهِ شِراَءَ البَقرَةَِ بِسِعر باَھِظٍ لَمْ يعُرَضْ علَیَْهِ مِنْ قبَْل.وَصَادَفَأَنَّ المُزاَرِعَ كَانَ بِحاَجَةٍ للِمَالِ فقبل وَعَادَ جُحَا برِفِْقَةِ البَقرة البیَْضَاءِ سَعیِداً بھا..يَظُنُّ أنَّھا سَتُفتَْحُ لَهُ أبَْوابَ الحَظِّ واَلمَالِ واَلسَّعاَدةَِ... وبََعْدَ أَنْ انتَْشَرَتْ قِصَّةُ البقرةِ فِي بلَْدَةِ جُحا ..قَامَ لِصٌّوَسَرَقَ البَقرَةََ مِنْ حَظیِرتَِھا ..ولََمَّا اكتَْشَفَ جُحا السَّرقَِة كَادَ يَمُوتُ مِنَ الحزُْنِ وقَرَرََّ أَنْ يفتش كُلَّ بیُوت البلَْدَةِ باَحثِاً عنَْھا ..لَكنَِّهُ لَمْ يَجِدْ لھا أثَرَاً.... فالسارقُ كاَنَ ذكیاً جداً...وضعَ خطةًعجیبةً.. قامَ بِصَبْغِ البَقَرَةِ باللوَّْنِ الأَسْودَِ فلا يعَرْفُِھا أحد في البلَْدَةِ..وأخفاھا فتَْرةًَ طويلة .ً.وبَعْدَ أنْ تأكَّدَ أنَّ جُحا فَقَدَ الأَمَلَ بالعثورِ علَیَْھا قررََّ تنفیذَ باقي خطّته ذَھَبَ اللِّصُّ إلى منَْزِلِ جُحاوقَالَ لَهُ إنَّهُ بیَنَْمَا كَانَ في سوقٍ للماَشِیَةِ خارجَ البلَْدَةِ شاھَدَ بَقَرَةً بیضاءَ مَعرْوضَةً للِبْیَْعِ فقررََّ شِراَءَھا على الفَور مِنْ أَجْلِ صَديِقِهِ وَجَارهِِ وابْنِ بلَْدتَِهِ جُحا.. وساوَمَ البائعَ طويلاً لكِنَّ الثمنَ كانَباھظاً ورغمَ ذلكَ اشتراھا مِنْ أَجْلِ جُحا وأََخَذَھا إلى حظیرةِ بیتهِ وأطعمها وسقاھا ثم ترََكھا ترَتْاحُ وحَضرََ إلى منَزِْلِ جُحا لیِبَُشرَِّهُ باِلبَقرَةَِ الجديدةِ..طارَ عقلُ جُحا مِنَ الفَرَحِ وعلى الفَوردفََعَ مبلغاً كبیراً للِْجارِ الصديقِ دوُْنَ منُاَقَشَةٍ وھرََعَ نَحْوَ بیَتِْهِ لیِأَخُذَ البقرة .َ.وكَانَ الجارُ الكاذبُ قدْ غسلَ البقرةَ وأزالَ عنھا الطلاءَ الأسودَ حتى استعادتْ لوَنَْھا ناصِعَ البیاضِ.. وھكذاجازت الحيلة على جُحا وعادَ ببَِقرَتَِهِ القديمةِ واعداً نَفْسَهُ أنََّهُ لَنْ يتَرُْكَ البقرةَ أبداً وسيسهر على حراستها ليلا نهارا... إنّه سعيد بعَِودَْةِ الحظّ ...
ومَعِ الأيَاَّمِ عَرَفَ النَّاسُ قِصَّةَ جحا والبقرة وانتَْشَرَتْ فِي جمیعِ البلاد،ِ وصاروا يتَنََدرَّوُنَ ويََقوُلُونَ عَنْ كُلِّ شيءٍ كلََّفَ أكثرَ مِنْ قیِمته الحقيقية المثل : أَغلْى مِنْ بَقرَةَِ جُحاَ
وصارتْ قِصَّةُ جُحاَ وبَقرَتَُهُ مثلاً في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ...
اَلْمُفَكِّرُ الصَّغیِرُ
قرَرََّ أحمد أَنْ يَكُونَ مُختْلَِفاً عَنِ الآخَرين .َ.لا يرُيِدُ أَنْ يَكُونَ مُجَردََّ طِفْلٍ صغیرٍ تَقتَْصِرُ حیَاَتُهُ علََى الْمَدرسَة واللَّعِبِ ومُشَاھَدةَِ التلیفزيون..عَقَدَ العزَْمَ على أَنْ يبُْدِعَ فيشَيءٍْ ما مُميَّزٍ.قضى أحمد وقَتْاً طوَيِلا يُفَكرُِّ ويُفَكرُِّ فیماَ يُمْكِنُ أَنْ يَفعل؟َ سأََلَ والدَهُ وأُمَّهُ.أَخبْرََھُماَ عَنْ رغبته فقالاَ لَهُ : " إنَّ ھذا ا لتَّفْكیر شَيءٌْ رائِع ".إنَّھما يؤُيَِّداَنَهِ لَكِنْبِشَرْطٍ واحِدٍ:أَلاَّ يَكُوْنَ تَفْكیِرُهُ على حِسَابِ درِاَسَتِهِ وتَفوَقُِّهِ في المَدرَْسَةِ..وَعَدَھُما أحمد أَنْ يُفَكرَِّ بِعَمَلِ شَيءٍْ بَعْدَ وقَْتِ الدرِّاَسَةِ..طلََبَ مِنْ والده أنْ يُشْرِكَهُ في دوَرِْةِ خاصّةٍبالكُمبْیوترِ، وتَحْديداً في برامِجِ الإنتْرِنِتْ..صارَ أحمد يَذھَبُ مَساَء كل يوم سبت ويوم الأحد إلى نادٍ متَُخَصِّصٍ في هذا المجال..تعَلََّمَ أَنْ يُنُْشِىءَ موَقِْعاً خاصّا به .
كانَ لأحمد حَصاَّلَةٌ يَجْمَعُ فیِْھاَ جزُءْاً مِنْ مَصرْوُفِهِ الیوَْمِيّ..سأََلَ عَنْ قیِمَة اسْتئِْجاَرِ موَقِْعٍ على الإنِتْرِنِْت .ْ.لَمْ يَكْفِ الْمبَلَْغُ الَّذِي يملكه ...عرََضَ الفِكرْةََ على أمِّهِ وأبَیِه،ِوطلََبَ مُساَعَدتََھُماَ..
واَفَقَ أبُوُهُ وشجّعته أُمُّه.. .ُ.وأطلْقَ أحمد موَقِْعَهُ تَحْتَ عنُْواَنٍ : ھنَُا الْمُفَكرُِّ الصَّغیِرْ..وأعلَْنَ عَنِ الْموَقِْعِ داَخِلَ الْمَدرَْسَةِ ، فرَِحَتْ إدِاَرَةُ الْمَدرَْسَةِ بإِنِْجاَزِ أحمد الْمتَُمیّز .ِ.وَمنََحتَْهُ جاَئزَِةَ التلميذ المبدع ..وعرََضَتْ علَیَْهِ مُسَاعَدتََهُ في إثراء الْموَقِْعِ وزيِادَةِ حَجْمِ اسْتیِعاَبِهِ لیَِشتْرَِكَ بِهِ كُلّ ُتلاميذ الْمَدرَْسَةِ ويََظَلُّ ھُوَ مُديِرَ الْموَقِْعِ وصَاحبَِهُالرئَّیِسِي ...
أَصبَْحَ الْكُلُّ في الْمَدرَْسَةِ يَعرْف أحمد َلكنَِّهُ ظلّ وفيّا لوَِعْدهِ .ِ.ظَلَّ متَُفَوقِّاً في
درِاَستَِه .ِ.ولَمْ يَكُنْ تَفْكیِرهُُ علََى حِساَبِ درِاَستَِهِ..
الیْوَْمَ كبَرُ َأحمد.ُ. وأَصْبَحَ مديرا لشركة مشهورة مختصّة في الإعلامية .
لُعبَْةُ الْحُبِّ
ــ أبي ! سأََسأْلَُكَ سؤالاً، أَجبِنْي عنَْهُ بِصرَاحَة !
ــ تَفَضلَّي !
ــ أبَي، مَنْ تُحِبُّ أَكثرَ: مريم أم عائشة أم أنا ؟
ضَحِكَتِ الأُْمُّ وَھِيَ تَسْمَعُ كَلامَ فاطمة والأَْبُ لا يَدري ماَ يَقولُ، فتدخّلت الأمّ قائلة :
»ما ھذا السؤُّالُ يا فاطمة ؟ُ «
قاَلتْ فاطمة بِدَلالٍ : أنَا الصغُّرْى ، ھذا يَعني أَنّ الْحُبَّ كلَُّهُ لي .
قاَطَعتها مريم قائلة : يا لَكِ مِنْ مَغرْورة !أنا أَجْمَلُ منِْك،ھذا يَعنْي أَنّ الْحُبَّ كلَُّهُ لِي،أنا وَحْدِي
عائشة الكبُرْى لَمْ تتََكلََّمْ. ضَحِكَ الأَْب وضَحِكَتِ الأُْمُّ..
قاَلَ الأَْبُ: ماَ بِكُنَّ الیوم ؟ ! أنَتُْنَّ جَمیعاً فِي الْحُبِّ سوَاءٌ
حزَنَِتْ فاطمة وغَضبَِتْ مريم وعائشة ظلََّتْ صاَمتَِةً لا تتََكلََّمُ..
تلََفَّتَ الأَْبُ وقَاَلَ : وأَنَْتِ يا عائشة أليس عنِْدَكِ سؤُاَل ؟
قالت : أنا الكبرى ، كنتُ الْحُبَّ الأْوََّل، خَسرِْتُ جزُءاً منِْهُ يوَْمَ ولُِدَتْ مريم وخَسرِْتُ جزُءاً آخرََ يَوْمَ ولُِدتْ فاطمة ..لَم يتَبََقَّ لي مِنَ الْحُبِّ إلا الْقلَیِلُ
ضَمَّتِ الأُْمُّ ابنْتََھاَ بِحنان وٍقاَلَتْ : لا يا عائشة يا حبیبتي ..أنتِ غاَلیِةٌ علَیَنْا مثِلُ أُختْیكِ
لَم تتََكلََّمْ فاطمة ونَظرََتْ مريم بِحزُْنٍ .... قاَلَ الأَْبُ : ما رأَيََكُنَّ لو نلَعَْبُ لعُبَْةً جَديدةً ؟
ماَذا سنَُسَمیِّھاَ؟! ماَذا سنَُسَمیِّھاَ؟! لنُِسَمّـِھاَ لُعبَْةَ الْحُبِّ. نعََمْ ! لُعبَْةُ الْحُبِّ !
قاَلَتْ عائشة : لُعبَْةُ الْحُب؟ ّماَ سَمِعنْاَ بِھذهِِ اللُّعبَْةِ مِنْ قبَْلُ !
قالت الأُْمُّ : ماَ قَصْدُكَ ياَ أبَا عائشة ؟
الأب : لنجلس معا علَى شَكْلِ داَئِرةٍَ..ولَیُْحْضِرْ كُلٌّ منَِّا ورَقََةً وقَلََماَ
بَعْدَماَ أَحْضرَوُا الأْوَراَقَ واَلأْقَْلامَ وَجلََسوُا علَى الأْرَْضِ، قاَلَ الأَْبُ سأََسأْلَُكُنَّ مَجْموُعةً مِنَ الأَْسئلَِةِ ، اكتْبُْنَ الْجوابَ الّذِي تَعتَْقِدْنَ أنََّهُ الجوابُ الصَّحیحُ...
السؤُّالُ الأوَّل: إذا مرَِضَ أَحَدنُاَ،ھَلْ يُصبِْحُ مَحَلَّ اھتِْماَمنِاَ وَحبُنِّا أَكثْرََ مِنَ الآخَريِن أَمْ تَظَلُّ الأُْموُر عاَديِةً ؟
السؤُّال الثاَّنِي: لوَ ساَفرَ أحدنا ، ھَلْ يُصْبِحُ مِحْورََ تَفْكیِرنَِا وَحبُنَِّا أَمْ تَظَلُّ الْأُمورُ عاَديِةً؟
السؤُّاَلُ الثاَّلِثُ:لوَ تأََخرََّ أ حََدنُاَ خاَرِجَ البْیَْت،َھَلْ نَقلَْقُ علَیَْهِ ونَبَْحَثُ عنَْهُ أَمْ تَظَلُّ الأمورُ عاَديَِّة؟ً
السؤُّاَلُ الراَّبعُ:لوَْ تعََرَّضَ أَحَدنُاَ لِحَادِثٍ، أَلاَ نُصابُ جمیعاً بالْحزُْنِ ونَُفَكِّرُ بِهِ أَمْ أَنَّ الأُْموُرُ تَظَلُّ عاَديَِّة ؟
ورَاَحَ الْأَبُ يَذكْرُُ الأَسْئلَِةَ حتََّى بلَغََتْ عَشْرَةَ أَسْئلَِة .ٍ.ثُمَّ قالَ : لنَِضَعْ الأْوَرْاَقَ علََى الأْرَْض ونُقاَرِنْ ماَ بیَْنَ الأَجوْبَِةِ !
ثمّ قاَلَ معُلْنِاً النتَّیِجَةَ : كلّ الأَْجوْبَِةُ متشاَبِھة : نُحِبُّ الْمرَيِضَ ونَرَْعاَهُ ، نُحِبُّ الْمُساَفرَِ ونَُفَكرُِّ بِهِ ، نَقلَْقُ علََى الْغاَئِبِ ، نَحزَْنُ علََى الْمُصاَبِ،نُحِبُّ الْمُطیِعَ ونََفْخرَُ بِهِ نُحِبُّ الْمُصلَِّيْ ونََدْعوُْ لَهُإلَِى آخرِِالإِجاَباَتِ.
قاَلَتْ الأُْمُّ بِفرََح : الحُبُّ يَجْمعَنُا.عنِْدَماَ يَحتَْاجُ أَحَدنُاَ إلَى رِعاَيَةٍ خاَصَةٍ يُصبِْحُ مَحَلَّ اهتمام الجميع وحبّهم !
قالتْ فاطمة : لعُبَْةٌ راَئعَِة .ٌ.أَشْعرُُ الآنَ بِمَعنَْى كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أنَْواَعُِ الحُبِّ الَّذِي جاَءَ في أَسئْلِتَِكَ ياَ أبَِي ! وقالت مريم : الْحُبُّ شَيءٌْ عَظیِْمٌ يا فاطمة
عائشة : أرُيِْدُ أَنْ أقَوُلَ لَكَ شیَئْاً يا أبي !عِدْني ألاَّ تَحزنَ منِِّي !
الأب : أعدُكِ !
عائشة : في الحَقیقة، إنِِّي أُحِبُّ أُمِّي أَكثَْرَ مِنْ أَيِّ شَخْصٍ آخر في الوُجوُدِ !
الأب : ھذا شيءٌ يُفرحني ، أوَْصاَنا النبَّيُّ علَیَْهِ الصَّلاةَُ والسلام بذلك
فاطمة : أَلاَ يُحزنكَ ھذا يا أبي؟ أَلاَ تَشْعرُُ باِلْغیِرة ؟
الأب : لا..أبََداً..ألََمْ تَكْشِفَ لنا اللُّعبَْةُ أَنَّ لِكُلٍّ منَِّا حُبّا خاصّا للآخر؟وھوَ في النِّْھاَيَةِ حُبّ يُجَمِّعُ ولا يُفرَِّق ، نَحْنُ جَمیِعاً نُحِبُّ بَعْضنا بَعْضاً ..وأَعْظَمُ الحُبِّ حُبُّ اللَّهِ سبُْحاَنَه،ُ فَمِنْ ھذا الحُبِّتَخرُْجُ التَّقْوَى والطاَّعَة،ُ لأَنَّ مَحبََّةَ اللَّهِ تعَنِْي طاَعتـَهُ وبََذْلَ النَّفْسِ مِنْ أَجلِْهِ والالتْزِاَمَ بِمَا يُحِبُّ والابِتْعِادَ عَمّا يَكْرَه .ُ.أَلاَ تَريَْنَ أنََّكُنَّ تُضَحیِّْنَ بأنَْفُسِكُنَّ مِنْ أَجَلِ أُمِّكُنَّ مثََلاً ؟
قلُْنَ جَمیِعاً : نَعَمْ باِلتْأَّْكیِدِ
الأمّ : اللَّهُ تَعاَلى أوَلَْى باِلْمَحبََّةِ منِِّي ..وبََعْدَهُ مَحبََّةُ الرَّسُولِ وعنِْدَماَ يتََحَقَّقُ ھَذا الحُبُّ يتََحَقَّقُ حُبُّ الجنََّةِ التي نتََمنََّى الوُصُولَ إلِیَْھا، واللَّهُ تَعاَلَى يَكوُنُ راَضیِاً عناَّ عنِْدَماَ نُحِبُّ بَعْضناَ بَعْضاً
الأب : إنَّ حُبَّ اللَّهِ يَمْلأُ قلُوُبنَاَ رَحْمَةً ويََجعَْلُ الحُبَّ يُسَیْطرَِ علََى حیَاَتنِاَ كلُِّھاَ ..ينَتَْشرُِ الحُبُّ بیَنْنَاَ ..نُحِبُّ الوَْطَن .َ.نُحِبُّ البَْشرَ .َ.نُحِبُّ الْخیَرَْ..نُحِبُّ العْلِْمَ..نُحِبُّ الأَشیْاَءَ الجميلة نُحِبُّ الْحیَاَةَ.
اقتْرَبََتْ مريم وقبَلََّتْ رأَْسَ أبیِھا وأَُمِّھاَ وقاَلَتْ: سأُخبْرُِ صَديِقاَتِي غَداًَ عَنْ ھذهِِ اللعبة،ِ سأََعرِْضُ علََى مُعلّمتي أَنْ نلَعْبََھاَ فِي الْفَصْلِ !
ضَحِكَتْ الأُْمُّ وقَاَلَتْ: انْظرُْ يا أبا عائشة ! بنَاَتُكَ أَحبْبَْنَ ھذهِِ اللُّْعبَْةُ التي اخترََعـتھا سأغار منك .
قاَلَ الأَْب : لكنَِّكِ حَصَدْتِ الحُبَّ كلَُّهُ يا أُمَّ بنَاَتِي !علََيَّ أنا أَنْ أَغَار منِْكِ !
ضَحِكَ الْجَمیِعُ...كَانوا سُعَداَءَ ، سُعَداَءَ لأنّهم عرفوا معَنَْى الْحُبِّ.