المصدر: موقع المركز المصري للشئون الخارجية
السياسة الخارجية المصرية
جمال عبد الناصر- أنور السادات- حسني مبارك
سلسلة اوراق رقم 11 يونيو 2010
كانت سياسة مصر الخارجية تجاه بيئتها الإقليمية والدولية دائما نتاج عوامل موضوعية كامنة في أوضعها التاريخية والجغرافية والثقافية والديموجرافية ، غير أن مثل هذه العوامل الموضوعية لا تستبعد الطابع والتأثير الشخصي لقادتها في تشكيل سياساتها الخارجية وبشكل خاص خلال تاريخها الحديث منذ عهد محمد علي . وسوف يتم استعراض الاتجاهات الرئيسية لسياسة مصر الخارجية منذ 1952 حتى الوقت الحاضر وعبر عهود قادة ثلاثة: جمال عبد الناصر، أنور السادات، وحسني مبارك وذلك في سياق البيئة الإقليمية والدولية والواقع المصري الذي جرت فيه وأديرت هذه السياسة.
جمال عبد الناصر: الهوية العربية:-
على الرغم من أن خلفية جمال عبد الناصر وتكوينه الوطني والثقافي منذ شبابه توحي بأنه كان يحمل مشاعر العداء للاستعمار وارتباطه بالغرب، إلا أننا سنجد أن توجهاته الأولى لتلبية مطلبين رئيسيين للعهد الثوري الجديد كانت نحو الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. فقد كانت من المهام الأولى على جدول أعمال النظام الجديد: التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وبناء جيش قوي. وقد تبلور الهدف الأول في مشروع السد العالي، وجاءت الغارة الإسرائيلية على غزة عام 1955 لكي تفصح عن انكشاف الجيش المصري. ولكي تؤكد الهدف الثاني وتزيده إلحاحا. وحول هاتين القضيتين الرئيسيتين قوبلت التوقعات من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بالإحباط بل وبالرفض. فبعد مفوضات طويلة سحب البنك الدولي والولايات المتحدة عرضهما لتمويل السد العالي، ومن ناحية أخرى عاد الوفد المصري الذي توجه إلى الولايات المتحدة للتفاوض حول المطالب العسكرية خالي اليدين .
إزاء هذا ولشعوره بالمهانة، وبصورة النظام الثوري الجديد التي أصبحت مهددة تحول جمال عبد الناصر إلى الاتحاد السوفيتي لتحقيق هدفيه الرئيسيين. وقد كان هذا التحول في السياسة سوف يأتي بنتائج بعيدة المدى. ليس فقط بالنسبة لسياسة مصر الخارجية وتوجهاتها وارتباطاتها الإقليمية والدولية المستقبلية، ولكن أيضا بالنسبة لمجرى الأحداث في الشرق الأوسط كله. وما دمنا نعطي قدرا من الاعتبار لتأثير شخصية الزعيم على صياغة السياسة الخارجية لمصر، فأن تأثير خصائص شخصية عبد الناصر يمكن فهمها من ملاحظات زملائه المصريين، مثلما لاحظ أنور السادات فجنبا إلى جنب مع خجله وهدوئه، فأنه يمثل شخصية الصعيدي، لقد كان رقيقا ومنطقيا ومليئا بالمشاعر ولكنه سرعان ما تحول إلى أسد غاضب في اللحظة التي يشعر فيها أن أي فرد يفكر في أهانته أو إيذائه .
وهكذا نستطيع أن تنفهم بشكل أدق معاني ومتضمنات تقارب مصر مع الاتحاد السوفيتي مع منتصف الخمسينات في سياق تصاعد الحرب الباردة الذي كان من أبرز علاماته صفقة الأسلحة المصرية التشيكية عام 1955، واستقدام الخبراء السوفيت سواء العسكريين منهم أو الفنيين لبناء السد العالي، وتزايد الأهمية الإستراتيجية والإيديولوجية للشرق الأوسط في الإطار الأوسع للمواجهة التي كانت قد تبلورت بين الشرق والغرب. في هذا السياق فإن توقعات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للحصول على مباركة جمال عبد الناصر لترتيبات الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط، كانت تتشكل جزء من سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي العالمية. هذه التوقعات قوبلت برفض جمال عبد الناصر التعاون، بل وإلى العمل ضدها في كل المنطقة، وقد جاء تأميم قناة السويس عام 1956 كرد فعل مباشر للرفض الأمريكي والغربي لتمويل السد العالي، وهو التطور الذي بلغ قمته في الغزو البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر عام 1956.
وقد دعم تراجع الغزو، والتأييد الشامل الذي تلقته مصر من العالم العربي وكل العالم الثالث دعم سلطة عبد الناصر داخليا وخارجيا، وعمقت سياسته حول القومية العربية، وزادت من تأييده لحركات التحرر القومي ووقوفه ضد سياسات الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم. وقد أشار جمال عبد الناصر في كتابه "فلسفة الثورة" إلى حتمية ومسئولية مصر كفاعل جوهري في نطاق ثلاثة دوائر هي: الدوائر العربية، الأفريقية، والإسلامية . وبفعل هذه السياسات أصبحت القاهرة مركزا للمؤتمرات الآسيوية والأفريقية ذات البرنامج واللغة المعادية للغرب، ومن ناحية أخرى تضمنت دعوة عبد الناصر للقومية العربية خصومة تجاه النظم المحافظة في العالم العربي والتي أدت إلى تأييد مصر للنظام الثوري في اليمن وانغماسها العسكري في هذا البلد من 1963 إلى 1967.
ويرجح عدد من المحللين سياسات عبد الناصر العربية الأفروآسيوية إلى فهمه، شأنه شأن محمد علي، للعوامل التاريخية والجغرافية لمصر والتي تحسم في النهاية مصائرها ووفقا لمحمد حسنين هيكل فقد أدرك جمال عبد الناصر أن أمن مصر يعتمد على شيئين "النيل"، والذي يضمن أن حاكم مصر يكون له سياسة أفريقية، وجسر أرضي إلى آسيا والذي يعني أن يكون له سياسة شرقية، وقد أدرك ناصر أيضا من قراءته التاريخ أن حكام مصر العظام من تحتمس الثالث حتى صلاح الدين ومحمد علي قد نظروا إلى حدود مصر الحقيقية باعتبارها أبعد بكثير إلى الشرق حتى سوريا .
ومن الممكن أن تجادل أن مفهوم عبد الناصر لمكانة مصر في المنطقة وضروراتها الجيواستراتيجية كانت صحيحة نظريا، ومع هذا، فإن ناصر قد فشل في أن يدرك الحدود بين رؤيته والقدرات الحقيقة لبلده . وفي سياق أوسع لا نستطيع أن نعزل هجوم إسرائيل على مصر في 1967 عن المواجهة التي تطورت بين ناصر والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وحيث كان ينظر لعبد الناصر باعتباره تهديدا للمصالح الغربية في المنطقة وما بعدها. وهكذا كانت أسباب هزيمة مصر العسكرية عام 1967 تكمن في العجز الهيكلي للنظام، وفي سوء تقدير سياسات عبد الناصر داخليا وإقليميا، كما كانت عملية تسوية للحسابات في المواجهة الطويلة التي تطورت عبر الحقبة بين ناصر والولايات المتحدة بشكل خاص.
وبين الهزيمة العسكرية ووفاته في سبتمبر 1970 جمعت سياسة عبد الناصر بين اتجاهاته وبين استعداداته للتلاؤم مع الوضع الجديد، ففي الوقت الذي تبنى فيه مفهوم "ما أخذ بالقوة لا يمكن استرداده إلا بالقوة" وشرع في عملية إعادة بناء الجيش ومواجهة الإسرائيليين من خلال حرب الاستنزاف، إلا أنه في نفس الوقت ارتبط بالجهود الدبلوماسية، وأصلح علاقته مع النظم المحافظة في المنطقة وأجرى إشارات عن رغبته في إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، وقبل خطة "روجرز" لوقف إطلاق النار.
وقد بلغت عملية الاعتماد على الاتحاد السوفيتي كمصدر لإمدادات السلاح قمتها في حرب 1967، وفي مقابل عاطفية مع القادة السوفيت في موسكو في إبريل 1970 والتي هدد فيها بالاستقالة طالب ناصر بنظم دفاع سوفيتية على طول قناة السويس تقودها أطقم سوفيتية لحماية مصر من الغارات الإسرائيلية في العمق، وبناء على هذا فقد تم إرسال 900 خبير سوفيتي إلى مصر وبدءوا العمل داخل الجيش المصري حتى مستوى الكتيبة .
وهكذا فإن العلاقة التي بدأت في منتصف الخمسينات من خلال صفقة الأسلحة المصرية التشيكية والتي وصفها عبد الناصر بأنها عملية تجارية بلا قيود ولا شروط قد تطورت في نهاية الستينات إلى ما يشبه الاعتماد والارتباط الكامل بالاتحاد السوفيتي، والقطيعة الكاملة مع الولايات المتحدة.
وأيا كان الحكم على سياسة عبد الناصر الخارجية، إلا أنها موضوعيا يجب أن ترى في ضوء العصر الذي ظهر فيه وهو عصر تميز بتطلع شعبه، والشعوب العربية، إلى بطل قومي تتوحد معه وتتجسد فيه، وبزوغ حركات الاستقلال القومي في دول العالم الثالث ورموزها من أمثال نهرو، سوكارنو ونيكروما وبن بيلا، ولومومبا، وجميعهم عملوا وناوروا في ظل مناخ الحرب الباردة وضغوطها. وكما عبر الأستاذ فاتيكوفيتس بحق فإن عبد الناصر يجب أن يحكم عليه في سياق معضلة المصريين والعرب خلال نصف القرن .
أنور السادات: مصر أولا:
يختلف الإطار للنظرة العامة التي رأى بها السادات سياسة مصر الخارجية خاصة في منطقتها العربية، عن تلك التي رآها فيها عبد الناصر، فبينما أخضع عبد الناصر سياسة واهتمامات مصر للقضايا والاهتمامات العربية أو رأى أن مصالح مصر ترتبط بشكل عضوي وتخدم بشكل أكثر في سياقها العربي، فإن السادات قدر أن الاهتمامات والمصرية تتقدم وتعلو على الاهتمامات العربية، أو هو رأى أن مصر بمكانتها مؤهلة لأن تقود العالم العربي لا أن تقاد إليه، وأن لا تجعل خلافاته تحد من حركة السياسة الخارجية المصرية وبشكل خاص تجاه النزاع مع إسرائيل، وربما كان مقتنعا أن ما سيفكر فيه، وحملة السلام التي سيطلقها إلما تخدم الأهداف والمصالح العربية مثلما تخدم أهداف مصر.
وعلى الرغم من أن سياسة السادات داخليا وخارجيا قد تطورت بشكل اختلف جذريا مع سياسات عبد الناصر، إلا أن كلا منهما قد بدأ عهده وهو يواجه مشكلة سيادة مصر على أراضيها . فمثلما كان اهتمام ناصر وحلمه الجديد هو تحرير مصر من الاحتلال البريطاني كانت القضية الرئيسية التي واجهت السادات هي تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي ومثلما دعم إنهاء الاحتلال البريطاني لمصر من شرعية النظام وعبد الناصر بوجه خاص، جاء شن السادات لحرب أكتوبر وتحريره على الأقل لجزء من سيناء، واستعادته للثقة المصرية، الأمر الذي ربما كان أكثر واقعا من إنهاء الاحتلال البريطاني، وتراجع غزو عام 1956 جاء ليمنح الشرعية الحقيقية للسادات ويزوده بالثقة لتحويل المسرح الداخلي المصري وتوجيه السياسة الخارجية المصرية نحو منطلقات جديدة.
ونستطيع أن نميز بين ثلاث مراحل في تطور السياسة الخارجية للسادات، فمنذ توليه السلطة في أكتوبر1971 وحتى أكتوبر 1973 ظل السادات ملتزما بالخطوط الرئيسية لسياسة ناصر الحديثة وبشكل خاص تجاه الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. بل أنه ذهب إلى حد أبعد في استمرار خصوصية العلاقة مع الاتحاد السوفيتي بتوقيعه لمعاهدة الصداقة التعاون معه في مايو 1972، الأمر الذي لم يفعله ناصر غير أنه وخلال هذا، أقدم السادات على خطوتين لن تتضح معانيهما وتأثيرهما إلا فيما بعد. كانت الخطوة هي إطاحته بمجموعة من السياسيين المعروفين بولائهم لعبد الناصر، وارتباطاتهم الإيديولوجية بالاتحاد السوفيتي. أما الخطوة الثانية فكانت مطالبته في يوليو 1972 الخبراء السوفيت العسكريين بمغادرة مصر، وهو القرار الذي أربك حتى مستشاريه، واعتبره كسينجر خسارة للروس لم تكلف أمريكا شيئا بل جعله يقول أنه إذا كان السادات قد أبلغه عن اتجاهه هذا لكان مجبرا على تقديم مقابل له، أما الآن فقد حصل على كل شيء بلا مقابل . وثمة تفسيرات عديدة لما أقدم عليه السادات منها أنه كان يريد أن يكون أي عمل عسكري مصري تماما وأن لا ينسب للروس، ومنها أنه أراد بهذا الأمر أن يقدم إشارة إلى الأمريكيين والإسرائيليين لكي يحركوا الوضع سياسيا، وأن غياب أي استجابة في هذا الاتجاه كانت من دوافع السادات في اتخاذ قرار الحرب.
وكما أشرنا فإن قرار الحرب وتأكيد العسكرية المصرية لذاتها قد أعطى السادات تفويضا لكي ينفذ رؤيته حول مستقبل اتجاهات السياسة الخارجية المصرية وبشكل خاص تجاه النزاع العربي الإسرائيلي. في هذا الشأن فقد كان السادات مدفوعا بثلاثة مفاهيم أساسية، الأول هو اعتقاده بأن الحرب كوسيلة لإنهاء هذا النزاع قد استنفدت نفسها، وأن أيا من طرفيه لن يعد قادرا على فرض إرادته على الآخر بالقوة، أما المفهوم الثاني فهو اقتناعه بأن الولايات المتحدة الأمريكية، بالتزاماتها وارتباطاتها مع إسرائيل هي القوة الدولية الوحيدة القادرة على تسوية سياسة وتمتلك 90% من أوراق اللعبة، وكذلك بدا السادات مقتنعا بأن دور مصر ومكانتها بين العرب يجعل منها القائد الطبيعي لهم، وأنه أينما كانت ستتجه مصر فإن الآخرين سوف يتبعونها . وفي هذا الإطار من التفكير ظل السادات صارما حول قضيتين، الأولى هي السيادة المصرية وتكاملها الإقليمي، والثانية هي تأكيده على الحقوق الفلسطينية المشروعة، وهو التفكير الذي انعكس بوضوح في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نوفمبر 1977. وقد تطورت حملة السلام التي شنها السادات إلى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978، بشقيها المصري والفلسطيني وقد أثارت هذه الاتفاقية وخاصة بعد التوصل إلى معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1979، انعكاسات بالغة الأثر بالنسبة لمصر وبشكل خاص على علاقاتها العربية وعلاقاتها بالاتحاد السوفيتي.
فقد أوصى مؤتمر قمة بغداد في نوفمبر 1978 الدول العربية بقطع علاقاتها مع مصر، وانتقلت الجامعة العربية من مقرها في القاهرة إلى تونس، كما بذلت الدول العربية محاولات لعزل مصر في عدد من المنظمات الإقليمية مثل منظمة الوحدة الإفريقية وحركة عدم الانحياز. غير أن رصيد مصر في هذين التجمعين قد أفشل هذه المحاولات وساندت أغلبية أعضائها فيما عدا قلة قليلة من الدول الراديكالية حق مصر في اتخاذ السياسات التي تتفق ومصالحها الوطنية . وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي قد شارك في المشاورات والنشاط الدبلوماسي الذي أدى إلى اتفاقيتي فض الاشتباك العسكري عقب حرب أكتوبر على الجبهات المصرية والسورية، كما شارك الولايات المتحدة في رئاسة مؤتمر جنيف في ديسمبر 1973، إلا أنه كان يتملكه الشك حول دوره الحقيقي في المنطقة ومدى مشاركته في الترتيبات التي كانت تجري في المنطقة، وبدت الولايات المتحدة، ووزير خارجيتها كسينجر بدبلوماسيته المتنقلة، وكأنها هي التي تصنع وتضع خطوط السلام في المنطقة.
وقد تدعم هذا الشعور السوفيتي خلال مفاوضات كامب ديفيد وبشكل أكثر بعد التوصل إلى اتفاقياته وقد كانت عدم مشاركة الاتحاد السوفيتي في هذه العملية، والسبب الرئيسي في معارضته لها بل وتشجيعه ومساعدته للقوى المعارضة لها في العالم العربي. وبدا مقتنعا أن هذه الاتفاقيات لن يتاح لها النجاح وقد كان هذا هو الذي دفع السادات إلى مهاجمة الاتحاد السوفيتي بشكل علني وصارخ ونفده لسياسته تجاه مصر والعرب وغيرها من المناطق . وقد بلغ تدهور العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي حد إلغاء السادات عام 1976 لمعاهدة الصداقة المصرية السوفيتية، واستدعاء السفير المصري من موسكو ومغادرة السفير السوفيتي للقاهرة.
وهكذا شهدت نهاية السبعينات تحولا أساسيا في ارتباطات مصر الخارجية عن الشكل الذي اتخذته منذ الخمسينات فقد تقدمت مصالح واهتمامات مصر الوطنية على التزاماتها العربية، واستبدلت العلاقة النامية مع الاتحاد السوفيتي بعلاقة ومشاركة إستراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب، ورغم أن النزاع العربي- الإسرائيلي ظل من أولويات السياسة الخارجية المصرية فقد حدته التقليدية وأصبح ينظر إليه في إطار جديد.
والآن وبعد أن اختبرت السياسات والمواقف وبشكل خاص بعد التطور الذي أخذته عملية السلام والقبول العربي الجماعي بالتفاوض مع إسرائيل، وبعد التحول الذي حدث في علاقات القوى الدولية، فإنه يمكن القول بأن سياسات ورؤى السادات الخارجية قد أكدت نفسها.
حسني مبارك: البحث عن التوازن:
كان الأسلوب الدستوري المنظم الذي تولى به الرئيس مبارك الحكم في أكتوبر 1981 شاهد في الواقع على الاستقرار السياسي الأساسي في مصر ، غير أن هذا لم يخفي أن الوقت الذي تولى فيه كان يتميز بالغليان السياسي الداخلي، وكان النسيج القومي والاجتماعي لمصر يتعرض للاهتزاز فقد جاء اغتيال السادات عام من التوتر الداخلي وعدم الاستقرار، كان من سماته صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة، وفتنة طائفية لم تعهدها مصر، ومخاصمة النظام لأبرز الشخصيات السياسية والفكرية من ذوي الانتماءات السياسية التي جمعت ما بين اليمين واليسار، وكذلك ما كان واضحا من الظواهر الاجتماعية السلبية التي نجمت عن الإفراط في تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي.
وعلى هذا، كان الهدف الرئيسي أمام الرئيس مبارك هو استعادة الاستقرار إلى الواقع السياسي والاجتماعي ولم تكن الحاجة إلى استعادة وتحقيق عنصر توازن في السياسة الخارجية بأقل أهمية، وكان في مقدمة أولوياتها هو تصحيح العلاقة مع العالم العربي. فرغم أن الشعور العام كان مازال نحو عدم تورط مصر في الواقع العربي المعقد، إلا أن شعور شعبيا مماثلا بأن خصومة مصر في محيطها العربي هو أمر مناف لطبيعة الأشياء.
هذا الاعتبار الأخير هو الذي جعل من أقوى التحديات التوصل إلى صيغة تجمع ما بين استمرار علاقة مصر ومكانها التقليدي في العالم العربي، وبين استمرار التزامها بسلامها التعاقدي مع إسرائيل، وقد كان هذا حقا، وفي كل تقدير المراقبين، تحديا قويا إلا أن السياسة المصرية التي تحلت بالصبر والشروع في سياسات تتميز بالتوازن أمكنها التوصل إلى هذه المعادلة، الأمر الذي وجده هؤلاء المراقبون إنجازا دبلوماسيا حقيقيا . فقد وازنت الدبلوماسية المصرية بشكل محكم بين تأكيدها استمرار احترامها لمعاهدة السلام مع إسرائيل وبين رفضها للمفهوم الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية وإدانتها الحازمة للسلوك الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. وقد جاء الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 لكي يعطي مضمونا عمليا لسياسة مصر المتوازنة التي لم تسمح لمعاهدتها مع إسرائيل أن تكون عبئا على التزاماتها العربية، فقد أدانت مصر هذا الغزو وقررت، وخاصة بعد مذابح صبرا وشاتيلا، سحب سفيرها من تل أبيب واشترطت لعودته انسحاب إسرائيل من لبنان، وقد ظلت مصر على موقفها رغم كل الضغوط الأمريكية التي مورست والتي حاولت أن تربط العلاقة المصرية الأمريكية بحالة العلاقات المصرية-الإسرائيلية، كذلك أثبتت هذه الفترة نوايا مصر تجاه الفلسطينيين حين ساعدت على إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية من طرابلس وهي الفترة التي أعقبها تحسن وصلات تدريجية بين مصر والمنظمة. وكدليل على وفاء مصر بالتزاماتها العربية الأشمل، فقد أيدت مصر –رغم غياب علاقات دبلوماسية- العراق في حربه مع إيران وزودته بالأسلحة والمعدات العسكرية، وقد توج التصالح التدريجي بين مصر والعرب بقرار قمة عمان في مؤتمر عام 1987 تأييد استئناف الدول العربية لعلاقاتها مع مصر ثم عودة مقر الجامعة العربية إلى القاهرة في مايو 1991.
وبادراك أن مصر-حتى قبل 1952 قد ثبت موقفا محايدا حول القضايا التي كانت تفرق بين المعسكرين المتنافسين وإلى دورها في تأسيس حركة عدم الانحياز, فقد كان الرئيس مبارك حريصا في خطابة الأول أمام مجلسي الشعب والشورى في نوفمبر 1981 على أن يؤكد احترام مصر لسياسة عدم الانحياز ولكي يعطى هذا معنى فقد شرعت مصر في تصحيح وإقامة علاقة مستقيمة مع الاتحاد السوفيتي على أساس من الاحترام المتبادل و استهل بدعوة الخبراء السوفيت لاشتراك في إصلاح توربينات السد العالي و للعمل في مصانع الحديد و الصلب فى حلوان . غير أن التصالح مع الاتحاد السوفيتي لم يكن على حساب العلاقة المميزة مع الولايات المتحدة، والواقع أن العلاقة الأمريكية المصرية خلال عهد مبارك قد مرت بعدد من الاختبارات الصعبة كان منها اختلافات وجهات النظر حول النزاع العربي- الإسرائيلي و مشكلة الديون المصرية وعبئها على الاقتصاد المصري ورفض مصر إقامة قاعدة أمريكية في رأس بناس , ثم حادث الباخرة اكيلولاورو .
وقد جاء تطوران هامان لكي يساهما في إعطاء دفعة قوية للعلاقات المصرية الأمريكية، فقد كان الموقف المصري من غزو العراق للكويت أداة رئيسية في تجميع القوى المسئولة بالعالم العربي ضد العدوان وكان من العوامل التي مكنت من تكوين الائتلاف الدولي الذي تولى عملية تحرير الكويت. وقد ساهم هذا في دعم مصداقية مصر كقوة للاعتدال والاستقرار في المنطقة، أما التطور الثاني فقد كان في الأسلوب المتوازن الذي أبدته إدارة بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر تجاه عناصر عملية السلام في الشرق الأوسط وجهودها لدفع العملية وخاصة في عقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. واتصالا بالعملية السلمية وتطوراتها الأخيرة، وكذلك أوضاع منطقة الخليج بعد تجربة الغزو العراقي ثمة نقاط تستأهل التوقف فقد جاء انعقاد مؤتمر مدريد الدولي حول الشرق الأوسط في ديسمبر 1991 تحقيقا لما دعت إليه مصر – حتى وهى تدير معركة أكتوبر – من أن مؤتمرا دوليا هو الصيغة الملائمة لبحث الجوانب المتعددة والمتشابكة للنزاع العربي الإسرائيلي وقد ساهم التقارب المصري – السوري وما تلاه من تنسيق بين البلدين في تحقيق التمثيل العربي في المؤتمر. كذلك فإن اتجاه العملية السلمية للتقدم على مستويين : الثنائي والمتعدد الأطراف دعا مصر لان تنبه إلى العلاقة العضوية التي تربط بين قضايا كل مستوى وإمكانيات التقدم فيها، فالقضايا التي تناقشها المحادثات المتعددة الأطراف مثل الحد من التسلح والتعاون الاقتصادي والمياه واللاجئين والبيئة هي قضايا تتطلب في طبيعتها بيئة سلمية وتعاونية ومستقرة، الأمر الذي يجعل أي تقدم فيها مرتبطا بشكل وثيق بحل القضايا الأمنية والسياسية في المنطقة وقد ظلت مصر محتفظة بهذه الرؤية عبر تطور هذه العلاقة بين المستويين وخاصة تجاه مؤتمرات القمة الاقتصادية للشرق الأوسط وبدا هذا في امتناعها عن حضور المؤتمر الاقتصادي الذي عقد بالدوحة عام 1999 0
وإذا كان إشراك مصر في الائتلاف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت قد قدم دفعة للعلاقات المصرية الأمريكية سواء على المستوى الإقليمي بدعوة إدارة بوش وبيكر لعقد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، أو على المستوى الثنائي بإعفاء مصر من ديونها العسكرية للولايات المتحدة ( 7 بليون دولار)، فإن هذه العلاقات قد واصلت استقرارها خلال إدارة كلينتون ( 1992-2000)، إلا أن إدارة بوش الابن(2000- 2008) جاءت لكي تشيع الغيوم في العلاقات المصرية الأمريكية بفعل ثلاث عوامل:
غير أن هذا لم يمنع في رأي بعض المراقبين أن العلاقة المصرية الأمريكية في عهد بوش قد شهدت تطورات إيجابية في اتجاه المطالب الأمريكية، منها السماح لمرور السفن الأمريكية إلى العراق خلال حرب 2003، وعقد اتفاقية الكويز، وتصدير الغاز إلى إسرائيل، والموقف من إيران ورفض تطوير العلاقات معها .
إن جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية ثم أسلحة الدمار الشامل قد مر عليها عقود وظلت مصر ترددها في كل محفل دولي دون أن تتحقق، وخلال هذه العقود جرت تحولات جيوستراتيجية في المنطقة وفي العالم، كما جرى مؤخرا اهتماما مضاعفا بقضايا خفض التسلح النووي والأمان النووي كما بدا في دعوة أوباما في براج 2009 لعالم خالي من الأسلحة النووية، وتوقيع اتفاقية سولت 2 في مارس 2010 بين القوتين اللتين تملكان 90% من المخزون النووي في العالم، وانعقدت قمة الأمان النووي في واشنطن 12-13 أبريل. وهي التطورات التي تدفع إلى تطوير المبادرة المصرية وتحديد نطاقها الجغرافي وتقديم رؤية ومبادرات متجددة، تعكس، وتستفيد من كل هذا الزخم حول قضايا التسلح النووي وعدم الانتشار.
وفي مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار 3-28 مايو 2010، حققت الدبلوماسية المصرية إنجازا في جهودها المتراكمة لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، ففي البيان الذي أصدرته الدول الخمس الكبرى بمناسبة انعقاد المؤتمر قالوا " أننا ملتزمون بالتأييد الكامل لقرار 1995 حول الشرق الأوسط ونؤيد الجهود الجارية لهذه الغاية. ونحن مستعدون أن ننظر في كل الاقتراحات المناسبة في نطاق مؤتمر المراجعة من أجل التوصل لقرار متفق عليه يهدف إلى خطوات محددة في هذا المجال".
ومع هذا يبقى جهدا كبيرا للدبلوماسية المصرية والعربية وعدم الانحياز لوضع الآليات اللازمة لتنفيذ هذا القرار. ورغم موافقة الخمسة الكبار بما فيهم الولايات المتحدة يظل السؤال الذي يثيره المسئولين الأمريكيين حول إمكانية تنفيذ هذا القرار في غياب سلام شامل في المنطقة وفي ظل أزمة البرنامج النووي الإيراني. وقد تعدد هذا السؤال نظريا وعمليا ومشروعا، ولكن الإجابة عليه تكمن في إمكان توازي العمليتين: عملية السلام المتصلة بتسوية مقبولة للصراع العربي الإسرائيلي، جنبا إلى جنب مع خطوات وإجراءات تطبيق قرار إخلاء المنطقة من السلاح النووي وحيث يمكن أن يغذي ويقوي كل مسار الآخر، فالتقدم في العملية السلمية يمكن أن ينعكس إيجابا على المسار الثاني الموازي، وهو ما يعني أمكان إحياء المسار الثاني الذي بدأه مؤتمر السلام مدريد والمتصل بخفض التسلح.
ومع مجيء باراك أوباما والاهتمام الذي أبداه منذ أيامه الأولى بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واختياره القاهرة لكي يوجه منها خطابه للعالم الإسلامي، ومفهومه للترويج للديمقراطية بشكل يختلف عن أسلوب إدارة بوش قد أعاد الاستقرار والحوار إلى العلاقات المصرية الأمريكية، وإن كان هذا لا يعني أن العلاقات لن تواجه تحديات من أهمها الانتخابات التشريعية والرئاسية التي سوف تشهدها مصر والأسلوب الذي سوف تجري به، والاختلاف حول مراجعة معاهدة منع الانتشار انطلاقا من البرنامج النووي الإسرائيلي وتسامح أمريكا معه.
كذلك يوجد علاقة اقتصادية تجمع بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية، فبدأت خطوات المفاوضات التمهيدية مع الجانب الأمريكي لتحويل اتفاق الشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق منطقة تجارة حرة، الأمر الذي من شأنه نفاذ جميع الصادرات المصرية إلى أسواق جديدة بالولايات المتحدة بدون جمارك. وقد أقامت مصر حواراً مكثفاً مع الولايات المتحدة للتوصل لهذه الاتفاقية، حيث سعت مصر جاهدة لتوفير عدد من الشروط والإمكانات لاقتصادها. وفي سبيل ذلك قامت مصر بإجراء العديد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية كما وقعت اتفاقية في إطار التطبيع مع إسرائيل؛ فقد وقع الطرفين، مصر وأمريكا، مع إسرائيل اتفاقية تجارية في 14 ديسمبر 2004، وهي اتفاقية "الكويز" التي هي اختصار لعبارة Qualified Industrial Zones أي المناطق الصناعية المؤهلة. تسمح هذه الاتفاقية بإنشاء مناطق صناعية مؤهلة لتصدير منتجاتها إلي الولايات المتحدة، حيث تتمتع منتجات هذه المناطق بميزة الدخول إلي السوق الأمريكية معفاة من الجمارك بشرط مساهمة كل طرف بمكونات محليه تقدر بـ11.7% علي الأقل وهذه النسبة تمثل ثلث النسبة المقررة (35%) التي حددتها اتفاقية التجارة بين أمريكا وإسرائيل للمكون الإسرائيلي للدخول إلي السوق الأمريكية بإعفاء كامل, حيث تتضمن الاتفاقية ذاتها السماح لإسرائيل باقتسام هذه النسبة سواء مع مصر أو الأردن.
ولكن صدرت مؤخرا تصريحات من الممثل التجاري الأمريكي أثناء زيارته لمصر يؤكد من خلالها أن الإدارة الأمريكية ليست لها نية توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الجانب المصري، وأكد أن البديل الحالي هو الإستراتيجية التي وقعها الجانبان لتطوير التجارة والاستثمار بينهما. وبالتالي فإن الإدارة الأمريكية جمدت اتفاقية التجارة الحرة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن المعروف أن المعونات الأمريكية لمصر التي تقررت بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وتلقت مصر بموجبها معونة بحوالي 60 مليار دولار، كانت من الدعائم التي تطورت عليها العلاقات بين البلدين، ولذلك فإن ما تطورت إليه هذه المعونات تعكس تآكلا في أحد أسس هذه العلاقة ومن ثم كانت الحاجة إلى إيجاد بدائل لها. كانت من هذه البدائل ما تم الاتفاق عليه وفقا لمبادرة مبارك- جور وصيغة trade not aid.
وللتعامل مع قيمة المساعدات الأمريكية لمصر التي بدأت تتناقص منذ عام 1998 لخفض قيمتها بنسبة 50% على مدار عشر سنوات بدأت مصر في طرح فكرة الوديعة والتي تعنى أن تقوم أمريكا بإعطاء مصر مبلغ المساعدات التي ستمنحها لها على مدار 10 سنوات في صورة وديعة ويتم الاستفادة من الأرباح في تمويل مشروعات التعليم والتكنولوجيا، وذلك حتى يصعب على الكونجرس رفض هذه المجالات، ويتم إدارة هذه الوديعة بتعاون مصري أمريكي. ولكن الإدارة الأمريكية تحفظت على هذا الاقتراح لأنه تم حصر المنحة على مجالات التعليم والتكنولوجيا فقط كما أنه لم يعد هناك دور للوكالة وموظفيها الذي يتم التعاقد معهم على البرامج التي يتم تنفيذها، كما رجع رفض الإدارة الأمريكية لاقتراح الوديعة لأنه لم يسبق لهم القيام بهذا الأمر لا بهذا الحجم ولا هذه المدة، وأنه لا يمكن تحويل برنامج للمساعدات إلى وديعة.
في نهاية الأمر وافق الكونجرس الأمريكي على فكرة الوديعة ولكن بمبلغ 50 مليون دولار يتم أخذهم من مبلغ المنحة الإجمالي (250 مليون دولار) ولن يتم تحويل هذا المبلغ إلى وديعة من كل برنامج سنوي ولكن هذا العام فقط حتى يتضح نجاح الفكرة من عدمه. وتعتبر مصر أن هذه الخطوة، على الرغم من ضآلة المبلغ، بداية جيدة لترسيخ فكرة الوديعة، كما تحاول مصر تغذية هذه الوديعة لكي تصبح نواة لوديعة أكبر .
وصدر مؤخرا تقرير أمريكي يحث على صياغة بدائل أفضل ويعتبر صندوق الوقف عبئا على دافعي الضرائب من الأمريكيين، ويرى أنيس أكومونديس نائب رئيس غرفة التجارة الأمريكية، والمختص بهذا الملف في الغرفة، أن "من الصعب جدا موافقة الكونجرس على الاقتراح المصري لأسباب عديدة، من بينها الأزمة المالية وما تمثله من ضغط على الموازنة الأمريكية، بالإضافة إلى رفض الكونجرس، تحت أي ضغوط خارجية، اعتماد التزامات مالية مستقبلية"
ومنذ مدريد و مساهمة السياسة الخارجية المصرية تدور حول العمل الإقليمي والدولي لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط , وفى العمل على دفع الفلسطينيين والإسرائيليين إلى تنفيذه تطوير اتفاقيات أوسلو وصولا إلى الاتفاق النهائي. وخلال هذه العملية استخدمت السياسة الخارجية المصرية علاقتها مع إسرائيل و دفعها إلى إعادة تكييف مواقفها من عملية السلام , و كانت مصر في هذا الشأن تواجه بتفاعلات السياسية الداخلية الإسرائيلية وكانت تجد أساسا للتقدم والحوار مع حكومات رابين وبيريز وباراك مقابل الركود بل والتراجع كما حدث مع حكومات نيتانياهو ثم شارون والتي أوصلت مفاهيمه وممارساته عملية السلام إلى الانتكاسة الكاملة، وهو ما أنعكس على طبيعة العلاقات المصرية – الإسرائيلية وعمق مفهوم السلام البارد والذي أدى إلى سحب السفير المصري من تل أبيب، الأمر الذي ذكر بنفس الإجراء حين حدث غزو القوات الإسرائيلية للبنان والمذابح التي ارتكبت في صبرا وشاتيلا عام 1982. أما فيما يتعلق بالأوضاع الأمنية لمنطقة الخليج، فإن مصر حتى وغبار المعركة لم يهدأ بعد، كانت تؤكد حاجة المنطقة لإطار أمنى يتسم بالشمول ولا تقتصر عناصره على جانب الأمن التقليدي وإنما يشمل التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي وقد كان هذا المفهوم وراء إعلان دمشق الذي صاغته الدول الخليجية الست بالإضافة إلى مصر وسوريا. وقد كانت أكثر الجوانب خطورة في أزمة الخليج هي احتمالات استخدام أسلحة الدمار الشامل0 ومما يذكر للسياسة المصرية هو إدراكها المبكر لهذا البعد الجديد في البيئة الإستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط ففي ابريل 1990 وقبل اندلاع حرب الخليج بأربعة أشهر، قدم الرئيس مبارك اقتراحا لإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل 0
وقد استندت هذه المبادرة على مفهوم أوضح ومتماسك وهو انه لمعالجة هذه الأسلحة بشكل فعال فإنها يجب أن تعالج في نظمها الثلاث دون استثناء وبالاحترام الكامل من جميع دول المنطقة. وقد قررت المبادرة التي قدمت إلى السكرتير العام للأمم المتحدة بيرز دى كويلار انه في اقتناع مصر أن الأسلحة الكيماوية يجب أن تعالج في سباق شامل يضم كل أنواع أسلحة الدمار الشامل سواء كانت نووية أو كيماوية أو بيولوجية من اجل ضمان السلامة الإقليمية والدولية 0
وقد كان من أوجه النقد التي وجهت للسياسة الخارجية المصرية هو التباعد النسبي عن أفريقيا، ولذلك، وعلى مدى سنوات الماضية نشطت العلاقات المصرية – الإفريقية واكتسبت أبعادا إضافية خاصة في المجالات المتصلة بالتعاون الإقليمي والمتصلة بالمصالح اليومية والحياتية للشعوب الإفريقية، وفى مجال هام وحيوي وهو مصادر المياه ولعبت مصر منذ الثمانينات دورا بارزا في تجميع الدول المطلة على حوض النيل في نطاق ما سمى مجموعة الاندوجو وتأسيس تعاون مشترك حول هذا المجال الحيوي وتنظيم الاستفادة من مياه النيل بشكل مشترك وفى اتساق مع فلسفة مصر في الاحتكام إلى أسلوب حوار والتفاوض في حل المنازعات الإقليمية وإدراكا للحاجة الملحة للشعوب الإفريقية في تخصيص طاقاتها وإمكانياتها لمتطلبات تنمية مجتمعاتها، فقد اشتركت مصر بالتعاون مع منظمة الوحدة الإفريقية في جهود جادة للتوصل إلى حلول سلمية للمنازعات الإفريقية مثلما بدا النزاع في القرن الإفريقي وتشاد وموريتانيا والسنغال والنزاع الداخلي في السودان والصومال. وقد تبلور هذا الاهتمام في إنشاء آلية منع وإدارة وحل المنازعات الإفريقية التي انبثقت عن القمة الإفريقية في ديسمبر 1993 وبموجب هذه الآلية أنشأت مصر مركز القاهرة لتدريب الكوادر الإفريقية والعسكرية . كذلك تشارك مصر بنحو 6 آلاف فرد في بعثات لحفظ السلام تتركز معظمها في إفريقيا، منهم 422 في السودان.
وتستند رؤية مصر لتحقيق السلم والأمن في إفريقيا على مبدأ دعم الأمن الجماعي للقارة في إطار الاتحاد الإفريقي الذي تعد مصر أحد أكبر المساهمين في ميزانيته، كما أن مساهمات مصر تتمثل في نشر قوات للسلام سواء كانت عسكرية أو شرطية وتقديم الخبرات على المستوى الدبلوماسي والعمل على إعادة بناء ما دمرته الحرب.
غير انه رغم النشاطات والاهتمامات المصرية في إفريقيا إلا أن السياسة الخارجية المصرية تجاه القارة تحتاج إلى مزيدا من التركيز ومراعاة جوانب القصور التي تبدو للمهتمين بالقضايا الإفريقية مثل مستوى تمثيلنا في مؤتمرات القمة والحاجة الواضحة إلى تنسيق بين المؤسسات الدولية المتصلة بسياستنا الإفريقية، وإعطاء اهتمام اكبر لصندوق التعاون الفني مع أفريقيا والذي تقلصت موارده مؤخرا وكذلك في إحياء اهتمام منظمات رجال الأعمال المصريين للتوجه نحو إفريقيا سواء كسوق تصديري أو لإقامة مشروعات مصرية افريقية تمثل مصالح دائمة لمصر في القارة ولكي تفي مصر باحتياجات الدول الإفريقية في مجال التنمية البشرية، أسست مصر في ديسمبر 1980 صندوق التعاون النقدي الإفريقي لتقديم خبرات مصرية في مجالات الزراعة والري والطب والتعليم والصحة والنقل النهري، وجميعها من المجالات الحيوية التي تحتاجها الدول الإفريقية. كذلك أظهر مؤتمر شرم الشيخ الأخير حول مياه نهر النيل واتجاه 7 دول من دول الحوض توقيع اتفاق بدون مصر والسودان، الحاجة إلى إستراتيجية جديدة وشاملة لقضية مياه النيل، تستند أساسا على معالجة العلاقة مع دول الحوض من منظور تنموي شامل. وهو ما يعني أنها قضية لا تخص وزارة الري وحدها وإنما مختلف الوزارات والأجهزة المتصلة، والأخذ في الاعتبار الرأي العام في هذه الدول، والعلاقات المصرية الأفريقية.
ومن الحقائق التي يجب تجاوزها حقيقة الضعف الشديد لعلاقات مصر التجارية مع الدول الإفريقية التي لا تتجاوز 1% من إجمالي العلاقات التجارية مع دول العالم الخارجي، وهو الواقع الذي دفع مصر على المستوى الإقليمي فضلا عن الاتفاقيات الثنائية مع 29 دولة افريقية، للانضمام إلى تجمع الكوميسا لدول شرق إفريقيا وتضم 21 دولة وتشكل سوق هاما تضم 300 مليون نسمة تعد أسواقا جديدة لمصر في إفريقيا تعوض نقص الصادرات المصرية إلى أوروبا والحصول على المادة الخام بأسعار اقل0 كذلك كان من المجالات التي نشطت فيها السياسة الخارجية المصرية على المستوى الإفريقي هو عملها على وضع صيغة للتعاون الإفريقي الأوربي وهى الصيغة التي تبلورت في أول مؤتمر قمة أوربية – أفريقية عقدت في القاهرة في 3-4 ابريل 2000 والذي تضمن أسسا جديدة للتعاون بين الدول المستعمرة سابقا والدول المستعمرة 0
وفي الرد على انتقادات تراجع الوجود والدور المصري في أفريقيا، فأن الوزير أحمد أبو الغيط وزير الخارجية يعتبر أن هذه الانتقادات ليست دقيقة، فمصر اليوم تتواجد في إفريقيا ليس من خلال أدوات الخمسينات والستينات، ودعمها عسكريا لحركات التحرر الإفريقي، والتي لم تعد موجودة، وإنما من خلال التجاوب والمساعدة في احتياجات التنمية الإفريقية، وذلك من خلال الأدوات الاقتصادية والاستثمارية وكوادرها البشرية من أطباء، مهندسين، مدرسين، وخبراء في الزراعة والري .
كذلك كان من هموم الدبلوماسية المصرية خلال العقدين الأخيرين الفجوة المتزايدة بين الشمال والجنوب وتأثيرات ذلك السلبية ليس فقط على العلاقات بينهما وإنما على استقرار المجتمع والنظام الدولي، وفى هذا ارتأت مصر أن علاج ذلك لا يتم من خلال المواجهة وتبادل الاتهامات وإنما من خلال الحوار البناء، وهو ما دفع مصر بالاشتراك مع مجموعة من دول الجنوب إلى تكوين ما عرف بمجموعة ال 15 بهدف تحقيق تعاون بين دول الجنوب ، وكذلك إقامة حوار بناء مع الشمال في هذا السياق استضافت مصر قمة مجموعة ال 15 في القاهرة في 11 مايو 1998 ، وهى القمة التي قدمت فيها مصر رؤية إستراتيجية للعولمة 0 وهى الرؤية التي فرقت بين العولمة كعملية تاريخية غير قابلة للارتداد وبين القيم والسياسات التي تحكم العولمة الراهنة والتي تحتاج إلى ترشيد من خلال الحضارات بين الشمال والجنوب .
وقد كان البحر المتوسط دائما حلقة الوصل بين مجتمعين وحضارتين – وكان التقاؤهما يضم عناصر الطرد المتمثلة في رواسب الميراث الاستعماري. وتباين القدرات الاقتصادية والعسكرية، غير انه كان هناك أيضا عناصر الجذب المتمثلة في الالتقاء الحضاري المستمر والتي خلقت أرضا مشتركة من التراث والقيم المشتركة. وقد جاءت حرب الخليج لكي تضيف إلى العناصر السلبية في العلاقة بين الشعوب من معنى على شاطئ المتوسط وبتعميقها لعناصر الشك وعدم الثقة بين شعوبه وبهذا المعنى كانت الحرب ذاتها دافعا أما القوة المسئولة على شاطئية أن تعيد إحياء ودعم التعاون بين شعوب البحر المتوسط وبهدف بناء وتطوير الآليات والصيغ التي تمكن من التغلب على العناصر المواجهة في العلاقة وخلق الظروف المناسبة لبرامج مشتركة
في هذا الاتجاه وباعتبار أن البحر المتوسط كان دائما بعدا تاريخيا وحضاريا مؤثرا في وضع مصر الجغرافي والسياسي إلى الحد الذي جعل مفكرين مصريين يغلبون هوية مصر المتوسطية على غيرها من الانتماءات ، وبالنظر إلى التحرك بين دول المتوسط نحو مزيدا من التعاون، فقد كان طبيعيا أن تكون مصر احد العناصر الفاعلة في هذا التحرك ، فقد دعت كل من اسبانيا وايطاليا عام 1990 إلى عقد مؤتمر للأمن والتعاون بين دول البحر المتوسط واستضافت مصر في ديسمبر 1990 اجتماعا تمهيديا حضره رسميون من اسبانيا وايطاليا وفرنسا والبرتغال والجزائر ويوغوسلافيا ومالطة ، وهو الاجتماع الذي أكد الحاجة إلى العمل لعقد مثل هذا المؤتمر خبرة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي ، وقد قدمت مصر تصورا أوسع لإمكانيات التعاون بين دول وشعوب البحر المتوسط ففي خطابه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج في نوفمبر 1991 اقترح الرئيس مبارك إقامة منتدى عريضا حول البحر المتوسط لكي يشمل جميع دول أوروبا والشرق الأوسط ولكي يكون نقطة محسوبة للحوار والتفاعل بين الرسميين وغير الرسميين والمهنيين والمثقفين في مجتمعاتهم. وهو الحوار الذي يمكن أن يفتح آفاقا أرحب للتعاون على المستوى الإقليمي والدولي بين حضارتين متجاورتين تملكان تراثا تاريخيا وحضاريا كان دائما التفاعل والإخصاب المتبادل وانطلاقا من عملية برشلونة وكجزء منها بدأت عام 1995 مفاوضات بين مصر والمجموعة الأوربية وهى المفاوضات التي استمرت أربعة أعوام ونصف بهدف التوصل إلى اتفاقية مشاركة Association Agreement تقدم أساسا جديدا لتطور العلاقات التجارية والاستقرار في المنطقة. وخلال سنوات التفاوض وجلسات العمل الرسمية وغير الرسمية المتعددة التي عقدت في القاهرة وبروكسل تم التوصل إلى حلول وسط حول أكثر القطاعات حساسية مثل الزراعة وإزالة التعريفة الجمركية ، وقواعد المنشأ وحقوق الإنسان وقد تم التوقيع بالحرف الأولى في 26 يناير 2001 وتم التوقيع عليه في بروكسل في 25 يونيو 2001 وقد وقعه نيابة عن مصر وزير الخارجية السيد احمد ماهر السيد وخلال هذه السنوات وخاصة إنهاء المفاوضات جرى في مصر نقاش عريض حول أثار مثل هذا الاتفاق على الاقتصاد المصري وبقطاعاته المختلفة ونتصور أن خلاصة هذه المناقشات كانت هي الحاجة إلى تحديث الاقتصاد المصري لكي يستطيع أن يتعامل من موقع المنافسة والقدرة مع قواعد ومتطلبات اتفاق المشاركة وما يمليه من مسئوليات 0
وهكذا فقد تطورت علاقات مصر الأوروبية على مستويين:
المستوى الأول هو المستوى الثنائي بينها وبين الاتحاد الأوروبي EU والذي يعتبر الشريك التجاري الأول لمصر بنسبة تصل إلى 40% من تجارتها الخارجية وأكبر مصدر يفد منه السياح، وثاني أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية، وثاني أكبر مانح لمساعدات التنمية، وقد أدى هذا الواقع إلى توقيع مصر مع المجتمع الأوروبي أول اتفاق تعاون عام 1977 وتطور هذا إلى التوصل مع الاتحاد الأوروبي لاتفاق المشاركة عام 2001.
أما المستوى الثاني فهو المستوى المتوسطي وهو ما بدأ في انعقاد مؤتمر برشلونة في نوفمبر 1995 والذي حضرته 27 دولة أوروبية ومتوسطية وصدر عن الاجتماع إعلان برشلونة ويهدف إلى التعاون في ثلاث مجالات: التعاون السياسي والأمني، وقد تبنى الإعلان مبادلة الأرض مقابل السلام، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ودعوة دول الشرق الأوسط التي لم تنضم بعد لمعاهدة منع الانتشار النووي الانضمام لها، والتعاون الاقتصادي والمالي وقيام منطقة تجارة حرة أوروبية متوسطية بحلول عام 2010، ثم التعاون الاجتماعي والثقافي وإدارة حوار بين الحضارات والثقافات ومكافحة الجريمة وتنمية الموارد البشرية والبيئية وتحسين وضع المرأة وإسهامها في المجتمع .
غير أنه مع مرور عشر سنوات على إعلان برشلونة ظهرت الحاجة إلى تقييم ما تم انجازه ومع ما وقع من أخطاء وحيث توصل هذا التقييم إلى أن القليل هو الذي تحقق على أرض الواقع خاصة على المستوى السياسي والأمني، كما انتهى هذا التقييم إلى وجوب، ليس فقط جدوى الأغراض المنشودة وكفاية وسائل تحقيقها فحسب، بل كذلك المفاهيم الأساسية والافتراضات التي قامت عليها العملية برمتها .
إزاء ظهور الحاجة إلى تفعيل مبادرة برشلونة، أعلن الرئيس ساركوزي في قمة باريس 2008 عن انطلاق "الاتحاد من أجل المتوسط" التي حضرها قادة 40 بلدا وبرئاسة مشتركة بين الرئيس الفرنسي ساركوزي والرئيس المصري محمد حسني مبارك. وعندما أطلق الاتحاد من أجل المتوسط جرى النقاش حول ما إذا كانت هذه الصيغة الجديدة للتعاون المتوسطي هو استمرار أ بديل لعملية برشلونة. وإن كان الرئيس الفرنسي في زيارة له للقاهرة قد اعتبر أن عملية برشلونة "قد فشلت". ورغم هذا فقد جادل المراقبون أنه لضمان تطور مستقر وفعال للاتحاد الجديد فأنه يجب مناقشة عملية برشلونة، وسياسة الحوار الأوروبي وجوانب القصور فيها.
وبداءه، نلاحظ أن تركيز الاتحاد من أجل المتوسط هو على سائر المشروعات المتصلة بالتنمية مثل التعليم، الصحة، التلوث البيئي، التكنولوجيا، الهجرة، المواصلات، الطاقة......الخ، وهي جميعا مشروعات حيوية خاصة بالنسبة لدول جنوب المتوسط، غير أن خبرة عملية برشلونة تظهر أن من جوانب قصورها الفشل في تحقيق تقدم ملموس في عملية سلام الشرق الأوسط الأمر الذي كان يحوم حول أعمال ومؤتمرات عملية برشلونة. الأمر الذي دعا الرئيس المصري في الإعداد للاتحاد من اجل المتوسط إلى ضرورة التناول النزيه لعملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإن كان البيان الختامي لقمة باريس 2008 قد اكتفى بتأكيد دعم الوجود لما أسماه عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية ربما كانت الدول العربية تعول على دعم واضح من القمة لمبادرة السلام العربية. وفي تقييم عام على مرور إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط، فقد بدت مشكلات كثيرة تعيق حركة نجاحه، حيث تعطلت الكثير من المشروعات بسبب الأزمة المالية حيث تعتمد المشروعات على صناديق التمويل الحكومية وتمويل المستثمرين، كما أن الاتحاد كان معطلا من الناحية السياسية بسبب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإن كان الأعضاء العرب قد قاموا بتخفيف مقاطعتهم لأنشطة الاتحاد، ووفقا لتقديرات الباحثة السياسية الألمانية وانيلا شافرتر فأن مشكلات كثيرة تحد من فاعلية أنشطة الاتحاد منها ارتفاع معدلات الهجرة وازدياد الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وغياب الحلول السياسية. ورغم هذا، وباعتبار مصر قد ارتضت أن ترتبط بالاتحاد بل وقبلت الرئاسة المشتركة له فأن دورا أكبر ينتظر السياسة الخارجية المصرية لكي لا يلقى الاتحاد الجديد مصير عملية برشلونة.
مصر وتطور النظام الدولي:
من خبرتها مع علاقات القوى الدولية وطبيعة النظام الدولي الذي يسود فإنها ومنطقتها من العالم من الأكثر تأثرا بطبيعة هذا النظام والقوى التي تتحكم فيه، ثبت هذا منذ تجربة محمد علي للنهضة وتكالب القوى الأجنبية على إجهاضها، وخلال القرن التاسع عشر والتنافسات الإنجليزية- الفرنسية التي انتهت بالاحتلال البريطاني لمصر، وكذا في النصف الأول من القرن العشرين عندما كان يسود النظام الدولي نظام القطبية الثنائية: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وتنافسهما على المكانة والنفوذ في مناطق العالم المختلفة وكان من أهم مسارح الحرب الباردة بينهما منطقة الشرق الأوسط. وكان هذا أيضا بعد اختفاء نظام القطبية الثنائية وظهور نظام القطب الواحد متمثلا في الولايات المتحدة، غير أنه بعد عقد من القطبية الأمريكية الأحادية ورغم اختلاف تصورات وافتراضات المؤرخين والمحللين حول طبيعة النظام الدولي المقبل، إلا أن الأتجاه الغالب هو أن العالم مقبل على نظام تتعدد فيه القوى والمراكز ولا تنفرد فيه قوة واحدة بقرارات الحرب والسلام.
ولا شك أن السياسة الخارجية المصرية كانت تتابع هذا التطور وتعمل على التكييف معه، ولهذا بدأت تتحرك نحو دعم علاقاتها مع الشعوب الجديدة المتوقعة وبشكل خاص في آسيا وقواها الصاعدة وفي مقدمتها الصين، والهند والقوى التي عرفت بالنمور الآسيوية: كوريا الجنوبية، ماليزيا، سنغافورة، وإندونيسيا. ولهذا لم يكن غريبا تعدد الزيارات الرئاسية والوزارية لهذه الدول. غير أن الحاجة مازالت قائمة لتفعيل ما تم التوصل إليه من اتفاقات مع هذه الدول وبشكل خاص مع قوة صاعدة مثل الصين
نخلص من هذا إلى أهمية مشاركة مصر في بروز النظام الدولي المتعدد الأقطاب والإسهام في إرساء قواعد وأسس علاقاته ومؤسساته، ذلك أن مثل هذا النظام إنما يلتقي خاصة مع مصالح الدول الصغيرة والمتوسطة مثل مصر ويقدم لها مجالا أوسع لحرية الحركة والمناورة ولا يجعلها أسيرة قوة واحدة تريد أن تعرض مصالحها ورؤيتها للعالم.
الدور الإقليمي لمصر:
كان العالم العربي تاريخيا في قلب السياسة الخارجية المصرية، وكان ينظر إلى مصر، وتنظر مصر إلى نفسها باعتبارها رائدة وقائدة في منطقتها، كان ذلك في كل العهود، ولكن هذا الدور وهذه النظرة تأكدت في الخمسينات والستينات، حين تبنت مصر مفهوم القومية العربية والوحدة العربية بل وطبقته عمليا في الوحدة مع سوريا، غير أن نكسة 1967 جاءت كي تتراجع معها هذا المفهوم رغم أن أعقاب النكسة قد شهد تضامنا عربيا لدعم مصر ومواجهة نتائجها. وقد استمر هذا حتى حرب 73 التي شهدت بداياتها والأعداد لها عملا مشتركا بين مصر وسوريا، ومشاركة عسكرية رمزية عربية في عمليات الحرب، وبدا التنسيق والتضامن العربي واضحا في استخدام البترول العربي تجاه الولايات المتحدة والغرب. غير أن التحولات التي لحقت بالسياسة الخارجية المصرية وإعادة ترتيب أولوياتها وتحالفاتها، وتعمق هذه التحولات بالتوجه مباشرة إلى إسرائيل وصولا إلى اتفاقيات كامب ديفيد التي أحدثت شرخا في علاقات مصر العربية. وعلى الرغم من أن مصر قد استعادت علاقاتها الطبيعية مع العالم العربي في أوائل الثمانينات إلا أن الثابت أن المفهوم القديم للوحدة العربية والقومية العربية قد تآكل وترسخ مفهوم الدولة القطرية، ثم جاء الغزو العراقي للكويت لكي يمثل طعنة للنظام العربي، وقدم فرصة كبرى للتواجد الأجنبي بل أن الدول العربية نفسها، وخاصة دول الخليج، هي التي استدعت هذا التواجد وتطوره إلى الحرب الأمريكية على العراق في 2003 وانعكاساتها الإقليمية المدمرة.
ورغم أن مصر مازالت هي القوة العربية الأكبر إلا أن مكانتها النسبية قد تراجعت حين ضاقت الفجوة بين مصر وأعلى البلاد العربية في مجالات القوة العسكرية والاقتصادية والتعليم والتكنولوجيا والتنظيم الاجتماعي، وأصبحت مصر أكثر احتياجا للدول العربية مقارنة بالمرحلة السابقة .
في وسط هذه التحولات وجدت مصر نفسها في بيئة إقليمية متغيرة، صاحبها تغير جذري في النظام الدولي بانتهاء الحرب الباردة وبروز الولايات المتحدة كالقوة الأعظم الوحيدة في العالم. وفي الوقت الذي كان ينظر إلى مصر في منتصف الستينات كالقوة القائدة والرئيسية في العالم العربي، بدأت تظهر قوى تطمح إلى دور إقليمي بل وربما هيمنة إقليمية مثل إيران وتركيا فضلا عن إسرائيل، وظهرت كيانات عربية تمارس أدوارا في قضايا المنطقة أكثر من حجمها. وكان لابد لكل هذه التغيرات الإقليمية والدولية أن تنعكس على سياسة مصر العربية، وأن تكييف نفسها مع هذه البيئة الجديدة، تعويضا عن دور الزعامة والقيادة تبنت مصر دور المنسق والمساعد من خلال الدبلوماسية الثنائية والدبلوماسية العربية الجماعية، وقد تصور البعض في هذا تراجعا في مكانة ودور مصر الإقليمي وفقدان هذا الدور أمام قوى أخرى منافسة، ولكننا نتصور أن مقارنة دور مصر الإقليمي اليوم بدورها في الخمسينات والستينات فيه إنكار للتغيرات الجذرية التي جرت في الإقليم وفي العالم بل في مصر نفسها، والتحديات الداخلية التي تواجهها وتوصي بسياسة حذرة ومتوازنة. غير أن الحرص على عدم الانجرار إلى صراعات عسكرية لا يعني عدم اتخاذ مواقف صلبة لن تؤدي بالضرورة لهذه الصراعات وإنما سوف تكون تأكيدا للذات تنبع من رؤيتها لمصالحها ولمصالح الإقليم، ومثل هذه المواقف سوف تقنع الأطراف الأخرى، وخاصة القوى الأجنبية، أن مصر لاعب هام ومؤثر لا يمكن تجاهله. وقد سبق لمصر- بعد كامب ديفيد ومعاهدة السلام وتطوير العلاقات المصرية الأمريكية- أن كان لها مثل هذه المواقف الصلبة مثل سحبها لسفيرها في تل أبيب عقب أحداث صابرا وشتيلا والاحتلال الإسرائيلي للبنان.
وهكذا نتصور أن ممارسة مصر لدورها العربي خلال الحقب الثلاث الماضية كان يحكمه الرغبة في أن تكون قوة استقرار وسط العواصف التي تحيط بالمنطقة وعدم استدراجها إلى مواجهات، وقد أثمرت هذه السياسة، أيا كان التحفظات عليها، فقد أصبحت القوى الرئيسية في العالم تنظر إليها كعامل استقرار وتعتمد عليها وتنسق معها في مبادرتها في المنطقة. وقد بدا هذا الأمر في اختيار الرئيس الأمريكي أوباما للقاهرة لكي يخاطب العالم الإسلامي ويطلق مبادراته تجاهه، كما بدا في نطاق أوسع في المبادرة الفرنسية لتأسيس ما عرف بالاتحاد من أجل المتوسط حيث اختيرت مصر كي تكون رئيسا مشاركا مع فرنسا لهذا الاتحاد.
وفي سياق نهج ممارسة مصر لدورها في المنطقة بشكل يتفق مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فإن السياسة المصرية أرادت أن تؤكد دورها وتقوم بدور فاعل في حركة الإقليم وذلك من خلال مواقف وسياسات تنفي عنها صفة السيادية أو التباعد وذلك من خلال سياسات عملية وفي عدد من القضايا الحيوية مثل القضية الفلسطينية، السودان، وعدم الانحياز.
فباعتبار أن القضية الفلسطينية كانت محورا أساسيا في السياسة الخارجية المصرية فأن من أكثر التحديات التي واجهتها هي تعثر عملية السلام وتزايد تعقيداتها وقد انعكس ذلك، كما ذكرنا، بضعف الدور الأمريكي خلال إدارة بوش الابن، وبالانشقاق الفلسطيني الفلسطيني، والحرب الإسرائيلية على غزة، ومجيء ائتلاف يميني برئاسة نتنياهو في إسرائيل.
إزاء هذا التعثر واجهته السياسة الخارجية المصرية على مستويين: الأول، هو استخدام علاقاتها مع إسرائيل لدفعها إلى الاستجابة لمتطلبات العملية السلمية وإحياء المفاوضات على أسس تضمن تقدمها، والمستوى الثاني هو المستوى الفلسطيني بالعمل على جمع جميع القوى السياسية الفلسطينية للتوصل إلى مصالحة وطنية فلسطينية تضمن أن يتحدث الفلسطينيون بصوت واحد وبإستراتيجية موحدة. ومع توصل الجهد المصري إلى ورقة تعكس مواقف وآراء جميع الأطراف الفلسطينية إلا أن حماس مترددة في توقيعها. وقد تزايد المأزق بفشل إدارة أوباما في تحقيق ما بدأت به من تصميم على تنشيط المفاوضات وفيما طلبته من إسرائيل بتجميد كامل للمستوطنات وارتضائها للصيغة المحدودة والمؤقتة التي عرضها نتنياهو.
كما قامت مصر بعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار قطاع غزة في 2-3-2009 في مدينة شـرم الشيخ، حيث دعت مصر إلى ضرورة إقامة مؤتمر يهدف إلى حشد الدعم الدولي لإعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان الإسرائيلي وبناء البنية التحتية التي دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية، وتوفير الدعم الدولي لإعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني باعتبار الاقتصاد أحد أساسيات إقامة دولة فلسطينية مستقلة، كما دعت مصر إلى هذا المؤتمر تأكيداً لارتباط إعمار غزة بمجمل الاقتصاد الفلسطيني وضرورة النهوض بأوضاعه وتأكيداً لحقيقة أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة ويشكل مع الضفة الغربية مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة. بدأ مؤتمر إعادة إعمار غزة بحضور 75 دولة أوروبية وعربية، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وقد تعهد المانحون بمبلغ 4.481 مليار دولار لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني وإعادة إعمار غزة، كما أعرب المشاركون عن نيتهم في ضخ مساعداتهم من خلال حساب الخزينة الموحد والآليات والصناديق الإقليمية القائمة بالفعل. ومن هذه الآليات على وجه الخصوص تلك التي استحدثها البنك الدولي وبنك التنمية الإسلامي والآلية الموحدة التي وضعتها الأمم المتحدة وتلك التي اعتمدتها المفوضية الأوروبية لإنعاش القطاع الخاص وتنمية الاستثمار، ووضعت تحت تصرف المانحين الدوليين. غير أن تفعيل ما تم تخصيصه لأعمار غزة لن يتحقق بدون استقرار الأوضاع في غزة والبيئة الفلسطينية، في أن المنح سوف تستخدم الاستخدام الرشيد في ظل سلطة متفق عليها.
وعلى المستوى السوداني، ولمواجهة احتياجات التنمية في دارفور فقد قامت مصر مؤخرا بعقد مؤتمر مماثلا وهو المؤتمر الدولي للمانحين لتنمية وأعمار دارفور، والذي عقد يوم 21-3-2010 بالقاهرة. نجح المؤتمر في جمع 850 مليون دولار، رصدتها ٨٠ دولة وعدد من المنظمات الدولية المانحة لإعادة أعمار الإقليم، واقترحت دولة قطر ضم المساهمات لبنك تنمية دارفور الذي أعلن عنه أمير قطر برأس مال قدره ٢ مليار دولار.
يأتي هذا المؤتمر في إطار اهتمام مصر بإعادة تنمية وأعمار السودان وهو ما يتضح من خلال المشروعات التي تقوم بها مصر في جنوب السودان مثل:مشروعات الكهرباء، الصحة، التعليم، التعليم العالي، الري، الموارد البشرية، التواجد العسكري المصري ضمن بعثة حفظ السلام في السودان.
وتجاه حركة عدم الانحياز التي كانت مصر إحدى الدول المؤسسة للحركة، استضافت في يوليو 2009 قمة حركة عدم الانحياز، وهي بذلك تستعيد دورها التأسيسي في هذه الحركة. غير أن هذه القمة تنعقد في بنية دولية تختلف تماما عن بنية اليوم، حيث تأسست في ظل عالم القطبية الثنائية وهو الطابع الذي جعل من أهداف الحركة أن يكون buffer zone بين المعسكرين وأن تعمل باعتبارها ضمير العالم لمنع تحول منافسيها إلى صراع أو صدام دول، وباختفاء عصر القطبية الثنائية وتفرد قوة واحدة لقيادة العالم، فإن على الحركة أن تجدد مهامها وأن تعمل ضمن الحركة الدولية لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب والمراكز باعتبار أن هذا النظام هو الأكثر ملائمة للدول الصغيرة والمتوسطة، فضلا عن تفعيل تعاونها لردم الفجوة بين الشمال والجنوب.
وتعتبر قطاعات كثيرة من المحللين والخبراء أنه ليس هناك مبرر لغياب علاقات وحوار مع إيران، والذي يمكن أن يساعد في النهاية على الاستقرار في المنطقة ويكسب السياسة الخارجية المصرية دورا فعالا في إعادة توجيه أوضاع المنطقة، أما وجهه النظر الأخرى، والتي تعكس الموقف الرسمي، فهي تعتمد على أن إيران لا تبدو متعاونة في التوصل إلى اتفاق حول برنامجها النووي، وإنما تزيد من تعقيدات الوضع الفلسطيني بشكل لا يساهم في المصالحة الفلسطينية، هذا فضلا عن تعقيدات الوضع الداخلي في إيران خاصة بعد الانتخابات الأخيرة، ويضيف هذا الاتجاه إلى توازن الموقف المصري من أزمة البرنامج النووي الإيراني فهي من ناحية تؤيد حق إيران في امتلاك قدرة نووية للاستخدامات السلمية، ومن ناحية أخرى تنصح إيران بأن تتجاوب مع متطلبات المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وبشكل يخفف من المخاوف الإقليمية والدولية من النوايا الإيرانية. وفي كل الأحوال يجب أن يكون من اهتمامات السياسة الخارجية المصرية العمل النشط، الذي يتجاوز مجرد النصيحة، على منع أي تطور نووي إلى مواجهه عسكرية مع إيران باعتبار ما سوف تؤدي إليه مثل هذه المواجهة من آثار مدمرة على المنطقة تتجاوز بكثير تأثيرات الحرب الأمريكية على العراق.
وفي تقدير البعض أن أحداثا، قد تبدو جانبية، مثل مباراة كرة القدم مع الجزائر وتداعياتها، وقوافل النشطاء إلى غزة، والغبار الذي أثارته عربيا حول مصر، تدفع هذه الأحداث إلى إعادة تقييم سياسة مصر وعلاقاتها العربية، وإذا كان لمثل هذا التقييم من فائدة فهو بناء توافق وطني حول أسس هذه العلاقات والضرورات التي تحكمها والتخلي عن الدعاوي التي تحكمها العواطف العابرة أكثر من الحسابات التي تباعد مصر عن محيطها الإقليمي الذي يمثل في النهاية مجالها الحيوي، كذلك تؤكد الحاجة إلى البناء المؤسسي للسياسة الخارجية والدبلوماسية المصرية التي أصبحت في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى مجلس للأمن القومي يضم كل المؤسسات التي تعمل في حقل السياسة الخارجية، والتنسيق بينها وتتابع وتقيم وتتوقع التطورات والأحداث الإقليمية ويهيئ للتعامل معها بشكل منسق وشامل.
الخلاصة :
حين نحاول أن نلخص دوافع السياسة الخارجية لمصر خلال عهود ناصر والسادات ومبارك والاعتبارات الموضوعية والشخصية التي صاغتها فسنجد انه في الوقت الذي كانت فيه سياسة ناصر الخارجية من رؤيته الشخصية وتقييمه لدور مصر في بينتها الإستراتيجية الأوسع ، وما تميز به عهده من سعود حركات التحرير والاستقلال الوطني فإن سياسة السادات الخارجية قد تركزت أساسا على مصالح مصر المباشرة وتأثرت بفهمه وتقديره للارتباطات الإقليمية والدولية التي تخدم بشكل أكثر هذه المصالح إما سياسة مبارك الخارجية فقد تحددت من يومها الأول بضرورات الوضع الداخلي والواقع انه أكثر من أي وقت مضى صيغت السياسة الخارجية ووجهت بعناية كأداة لخلق الظروف الإقليمية والدولية التي تخدم عمليات البناء الداخلي في هذا السياق ، فإن المراقب يستطيع أن يدرك العلاقة الوثيقة التي تطورت خلال عهد الرئيس مبارك بين استمرار السياسة الخارجية المصرية كعنصر استقرار في منطقتها وبين جهودها لكي تواجه وتعالج بشكل فعال تحدياتها الداخلية والمعنى والدرس المباشر لهذه العلاقة هو أن نجاح مصر في تحقيق أهدافها الداخلية ، إنما هو في صالح الأمن والاستقرار لمنطقة لها مثل هذا التأثير والارتباط بالاستقرار والأمن الدوليين ومن حسن الحظ أن العديد من القوى الدولية المؤثرة أصبحت تدرك هذه العلاقة. أما المعنى المباشر الذي يوحي به استعراضنا للظروف الإقليمية والدولية التي عملت فيها السياسة الخارجية المصرية في كل عهد من العهود الثلاثة، يوحي بأن السياسة الخارجية المصرية والدبلوماسية المصرية أنما تعمل في بيئة تختلف جذريا إقليميا ودوليا عن تلك التي سادت خلال الخمسينات، هذا فضلا عن ضغوط واحتياجات الواقع المصري، الأمر الذي فرض عليها التكيف والتلاؤم معها بشكل يخدم الأهداف والمصالح الوطنية العليا.
أن التحدي الذي يواجه السياسة الخارجية المصرية في عالم متغير هو أن تستمر وتشارك بفاعلية كقوة سلام واستقرار في منطقتها، وأن لا تستدرج إلى صراعات أو عداوات كبيرة، غير أن هذا لا يجب أن يدفعها إلى الحذر الزائد الذي يعيقها عن الحركة والأفكار والمبادرات الخلاقة وهو ما يتطلب دبلوماسية نشطة ومتفاعلة مع الأحداث في إقليمها والعالم.
وعلى المستوى الوطني فأن فاعلية السياسة الخارجية المصرية يرتبط في النهاية بالقوة المصرية الشاملة وما تملكه من قدرات اقتصادية، ومجتمع صحي، وقاعدة علمية وتكنولوجية ونموذج ديمقراطي معتدل ومنفتح على العالم والعصر.
1- إهمال الإدارة وخاصة في سنواتها الأولى للصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل وتبنيها للمفاهيم الإسرائيلية. 2- الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 ضد نصائح مصر ومعارضتها للحرب 3- مشروع إدارة بوش للترويج للديمقراطية 0