مراجعة الدراسات السابقة
ينبغي التمييز بين أهداف المراجعة الأولية للأدبيات (القراءتين الأولى و الثانية )، و أهداف عرض الأدبيات في خطة البحث (القراءة الثالثة)، و استخدام الأدبيات كإحدى مصادر النظريات و البيانات و المعالجة (القراءات التالية). فالباحث يلجأ إلى مراجعة الدراسات و الادبيات السابقة بشكل مستمر و أكثر من مرة ، و يوظف هذا المراجعات المتعددة في المراحل المختلفة لعملية البحث . و يفترض أن يكتب الباحث في الجزء الخاص بـ "الأدبيات السابقة" في مشروع البحث إحدى المستويات أو المراحل "المتوسطة" لهذه المراجعة ، كما يلي :
1-فهناك قراءات المرحلة الأولى: أي مراجعة الأدبيات من أجل تحديد موضوع البحث ، و الصياغة الأولية للمشكلة البحثية(تحديدمبدئي للحدودالعامة للنطاق الزماني –المكاني – مجال التخصص –القضايا المهمة..).
و عادة ما تشهد هذه المرحلة تركيز الباحث على العناوين ، الملخصات ، مشروعات الأبحاث أو عناصرها : أسئلة بحثية-فروض-أطر نظرية و مفاهيمية-مناهج.. ، تقسيمات الدراسة :العناوين الرئيسية و الفرعية أو الفهرس ، الدراسات الأخرى المقترحة في ختام الرسائل العلمية أو الأبحاث....)
2- قراءات المرحلة الثانية: بعد الاستقرار على الموضوع البحثي و الصياغة الأولية للمشكلة البحثية ، يعيد الباحث مراجعة الأدبيات السابقة من أجل إحكام صياغة المشكلة البحثية ، و تحديد التساؤلات الفرعية ، وتحديد أولي للأهمية، و الأطر النظرية و المفاهيمية ،و المنهج ،و دراسات الحالة......
و يفترض أن قائمة الدراسات و المصادر التي يرجع إليها الباحث في هذه المرحلة تصبح أكثر تحديدا و تركيزا (من قراءات المرحلة الأولى) نظرا لاستقرار الباحث مبدئيا على مشكلة بحثية معينة . و لا ينبغي أن يكتفي الباحث باختصار قائمة المراجع التي اعتمد عليها في المرحلة الأولى (أي اختيار ما يتناسب منها مع مشكلته البحثية) ، و إنما ينبغي أن يعيد البحث من جديد عن المصادر المتصلة بالمشكلة البحثية التي استقر عليها .
3- قراءات المرحلة الثالثة (ما يتم كتاباته في المشروع تحت عنوان "مراجعة الأدبيات السابقة" ) : و يفترض أن يصمم الباحث في هذه المرحلة إطارا ينظم كيفية تناول الدراسات السابقة لمشكلته البحثية أو بعض أبعاد هذه المشكلة ، والتصور الأولي لكيفية توظيف الأدبيات السابقة في معالجة المشكلة البحثية .
و في حالة اختلاف المشكلة البحثية للباحث عن المشكلة البحثية الأصلية في الدراسة السابقة (عوامل التحول إلى التعددية الحزبية في مصر مثلا ) يفترض أن يركز الباحث في عرضه قدر الإمكان على كيفية معالجة الدراسة السابقة لمشكلته البحثية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، أكثر من تركيزه على المشكلة البحثية الأصلية للدراسة السابقة . فلا ينبغي أن ينسى الباحث أن الهدف الأساسي من عرضه الأدبيات السابقة هو توظيفها في خدمة مشكلته البحثية ، و ليس عرض هذه الأدبيات لذاتها من حيث تقسيمها و منهجها و جميع النتائج التي توصلت إليها ....فعرض الأدبيات السابقة يختلف في أهدافه و غاياته و أساليبه (وليس فقط في حجمه ) عن عرض مقال أو كتاب أو رسالة لتعريف القراء بها على النحو الموجود في أقسام عروض الكتب و الأبحاث في الصحف و المجلات و الدوريات المختلفة.
مثال : الباحث (أ) يقوم بإعداد رسالة عن (الديموقراطية الداخلية في الأحزاب المصرية ) واكتشف محدودية الدراسات السابقة التي تناولت هذا الموضوع بشكل مباشر، لذلك لجأ إلى دراسات سابقة تناولت هذا الموضوع بشكل جزئي في سياق موضوعات أوسع مثل الدراسة التي أعدها الباحث (ب) عن "تطور النظام السياسي المصري" أو دراسة الباحث (ج) عن " تطور الحياة الحزبية في مصر" .. هل يفترض أن يقوم الباحث (أ) لدى عرضه لدراسة الباحث (ب) في قسم الدراسات السابقة بالإشارة تفصيلا إلى المشكلة و التساؤلات البحثية الخاصة بالباحث (ب) و تقسيم الدراسة الخاص به و أهم النتائج التى توصل إليها ؟ إذا قام الباحث (أ) بذلك فإنه سيجد نفسه يتناول جوانب بعيدة نسبيا عن مشكلته البحثية مثل تطور المؤسسات التشريعية و التنفيذية و القضائية المصرية ، بالإضافة إلى تطور المجتمع المدني وجماعات المصالح ، و غيرها من عناصر النظام السياسي المصري.. و نظرا لضغوط المساحة (عادة ما يتم عرض الدراسة السابقة في فقرة أو ثلاث فقرات على الأكثر)، فإن الحيز المخصص في رسالة الباحث (أ) لكيفية تناول الباحث (ب) للأحزاب السياسية و قضية الديموقراطية الداخلية فيها سيكون شديد المحدودية .. و للتغلب على هذا القصور ينبغي على الباحث (أ) أن يركز في عرضه على الأجزاء التي تناول فيها الباحث (ب) قضية الديموقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية المصرية بشكل مباشر أو شبه مباشر ، و أن يجتهد في محاولة ربط باقي العناصر بقضية الديموقراطية الداخلية في الأحزاب المصرية قدر الإمكان . أي أن مرجعية الباحث (أ) و ما يرشده في عرضه لأية دراسة سابقة هو موضوعه و مشكلته البحثية ، و ليس مجرد عرض الدراسة السابقة كما هي ، و ذلك في حالة عدم التطابق بين الدراسة السابقة و دراسة الباحث الحالية..
4- قراءات المراحل التالية : التوظيف الفعلي للأدبيات السابقة أثناء إعداد البحث .
ختاما ، تجدر الإشارة إلى أن هذا التمييز بين المراحل المختلفة قد لا يأخذ هذه الصورة بالضرورة في الواقع ، إذ قد تتداخل هذه المراحل ، أو قد ينتقل الباحث فيما بينها بشكل دائري .
تدريبات
قم باختيار رسالتين أكاديميتن حول موضوع توجد به ندرة نسبية في الدراسات السابقة ، و قيِم كيفية عرضهما للدراسات السابقة من حيث الإطار التنظيمي للعرض ، و كيفية عرض كل دراسة و ربطها بالمشكلة البحثية .