أرواح الجنة

تحذير من الزناد: قد يكون هذا المقال مثيرًا لك إذا كنت قد تعرضت مؤخرًا لخسارة أو صدمة كبيرة في حياتك.


تنهمر دموعك على خديك ويبدو قلبك وكأنه تحطم لعدة مرات حتى توقفت عن العد. تشعر بأن حياتك قد شارفت على الانتهاء. لقد أتيت من أرض الحرب والدمار والظلم وما زلت تشك في مصيرك وما ستؤول إليه الأمور. أصبح الألم والعذاب بالنسبة لك شيئا طبيعيا وأصبحت تتساءل عما اذا كانت عائلتك بخير بل وحتى إن كانوا بخير جسديا فهل مازالوا داخليا على قيد الحياة ؟ أنا هنا لأخبرك بأنه حتى وإن بدت المعاناة لا نهائية فإن هناك أمل في نهاية الطريق. لقد كسرت الكارثة الطبيعية التي حلت على سوريا وتركيا شيئا في قلوبنا. لكن إخواننا وأخواتنا في الإنسانية موجودون من أجل المساعدة. فها هي العديد من المنظمات التي سارعت بإرسال ما تستطيع إرساله من المساعدة إلى سوريا. وها هي العديد من الجمعيات التي جمعت التبرعات، ونظمت حملات إطعام، و باعت بعض المخبوزات وأرسلت العائدات إلى سوريا. لقد تم إرسال ملايين الدولارات إلى سوريا من جميع أنحاء العالم. جميعنا نتألم ونشعر بما تشعر به. كلما بدا لك ان الحياة قد انتهت وأنك قد هزمت فيها تذكر بأن هناك أحد ما في مكان ما يقوم بالدعاء من أجلك. وبأن هناك أحد يقوم بالدعاء لكل طفل موجود تحت الأنقاض. وبأن أحدهم يدعو لك ولعائلتك في صلاته. تذكرأنك لست وحدك وأن الله لا ينسى أحد. 

هذ المقال من أجل أهلنا في سوريا وتركيا الذين فقدوا أحبابهم. من أجل الذين أصبحت بيوتهم أنقاضًا مع العديد من الجثث تحتها. لقد كُتِبَتْ لأهلك وللوطن. لا تنسى بأن الألم والشعور بالحزن أمرا طبيعيا. خذ وقتك واحزن واسمح لقلبك بمساحة للتعافي والتصالح مع ما حصل. ومن المؤكد أنه ليس من السهل فعل ذلك، ولكن لا أحد يعلم أين يكمن الخير. كلما اختبرنا شيئًا مأساويًا وصعبًا، يجب علينا أن نتذكر بأننا من الممكن ألا ندرك الحكمة من ذلك في الوقت الحالي ولكن هذه الأحداث عادة لا تحدث لنا ولكنها تحدث من أجلنا.  

أريد منك ان تتوقف وتفكر للحظة في مصير كل من فقدت. أغلق عينيك وتخيل سهولًا خضراء، كل أنواع الورود تزهر في كل الاتجاهات. تخيل الأنهار تجري بسلام؛ و أصواتها تهدر كما لو أنها تصل إلى روحك. تخيل رائحة المسك تعبق في الأجواء من حولك ومن كل شيء تقوم بلمسه. بينما أنت جالس كل ما تشعر به هو الراحة، الاسترخاء، و السلام المطلق مع الناس الذين تحبهم والناس الذين تتمنى رؤيتهم يجلسون بجوارك. تخيل نفسك في منزل يجلب لك السكون، الراحة، وأقصى من درجات السعادة التي يمكنك الحصول عليها. الأرض التي تمشي عليها من المسك والخيم التي تراها مصنوعة من الآلئ. توقف قليلًا وفكر في الجنة التي يلعب فيها طفلك المتوفى، وهي المكان الذي يوجد به والداك المفقودان. الجنة هي المكان الذي تجد فيه جميع إخوتك و أخواتك الذين فقدوا أرواحهم بسبب الزلزال. يستمتعون بحياتهم الجديدة ويشعرون بسعادة لم ينعموا بها قط في حياتهم. من المؤكد بأننا نفتقد أطفالنا، ولكن ما يمنحنا الصبر معرفتنا بأنهم عند باب الجنة يبقونه مفتوحًا من أجلنا. وربما نشتاق لوالدينا، ولكن حتى يحين الوقت الذي نجتمع فيه معهم مجددًا، لربما يريحنا معرفة أنهم بين أحبابهم ووجوههم منيرة مما يرون في الجنة من نعيم. لربما نشعر بالحزن والألم يعتصران قلوبنا بشكل دائم ولكننا تحت رعاية أرحم الراحمين. 

بينما أقوم بالتنقل خلال العديد من الفيديوهات لضحايا الزلزال على وسائل التواصل الاجتماعي. غالبًا ما أجد نفسي أفكر. لقد فكرت وذهلت عندما سمعت بقصة الطفلة حديثة الولادة التي بقيت تحت أنقاض منزلها لعدة أيام و تمكنت من البقاء على قيد الحياة رغم كل ذلك. وجدت نفسي أبتسم عندما سمعت بقصة الطفلة الذي كانت دافئًة وممتلئًة عندما تم إنقاذها، لقد ذكرت بأنه قد تم إطعامها وتدفئتها بينما كانت تنتظر ليتم إنقاذها. لقد كنت مندهشة وفي حالة من الذهول عندما سمعت بأن طفلًا أمضى وقته يلعب برفقة رجل يرتدي البياض حتى تم إنقاذه. لقد أعد الله تعالى لكل هذا، لقد أعده للصغار والكبار. لقد علم الله من سيحيا ومن سينجو، ومن قدر له الموت سيتوفاه الله سواء أكان بسبب الزلزال أو لأي سبب آخر. 

ونحن أيضا سينتهي وقتنا هنا في وقت ما، أما أحبابك الذين سبقوك فيريدون منك أن تعلم بأنهم بخير، وأنهم شهداء عند ربهم وهم تحت رعايته. هل تعلم بأن الذي يموت من جرّاء سقوط منزله عليه يحتسب شهيدًا عند ربه؟ وهذا الجسد المتضرر الذي أمامك ما زالت روحه سليمة وربما الان تستقبلها الملائكة والأنبياء. وربما النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته الكرام يقومون بالترحيب بهذه الروح في الجنة وأذرعهم مفتوحة لها. إن الأشخاص الذين تحبهم لن يشعروا بالحنين لأنهم سيكونون ينتظرونك بشوق لتكون إلى جانبهم في الجنة، كما ذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف " أنت مع من تحب". تخيل بأن الأشخاص الذين تحبهم في الجنة برفقة من يحبونهم بشدة. حتى الأشخاص الذين كانوا سيحبونهم فيما لو عاشوا ليروهم في حياتهم مستقبلًا.  

من الطبيعي أن نشعر بالحزن بعد خسارة من نحب ومن المهم أن نسمح للحزن بأن يأخذ مجراه. خلال هذا الوقت، لربما يساعدك أن تتذكر بأن الملائكة تحمل أرواح من نحب إلى أعلى مراتب الجنة، وتتفاخر بالرائحة الطيبة التي تفوح من أحبابنا حال خروجهم من الأرض. نصيحتي لك هي نصيحة الإمام عمر سليمان; لا تمضي قدمًا بعد خسارة من تحب ولكن امضي معهم. تذكرهم في الكثير من الأحيان، لأن ذلك سيذكرك بالمصير الذي سنؤول إليه جميعًا. أعمالك الصالحة عن روح من تحب واستشعارك لوجود الله هي الطريقة المثلى لبقائهم أحياء في قلبك دائمًا. إنّا لله و إنّا إليه راجعون; لله ما أخذ وله ما أعطى. 

إذا شعرت بحاجة طارئة للتحدث مع أحدهم لأنك تشعر بالخوف من حياتك، رجاء اتصل ب ٩٨٨ وسيقوم أحدهم بالرد عليك فورًا. 

إليك بعض الروابط لمنظمات تقوم بتقديم المساعدة لعائلات ضحايا الزلازل

https://www.nyc.gov/site/helpnownyc/index.page