mazj-1

أخي وأستاذي الكريم أبا إيهاب

أستمتع بهذا الحوار. سأرقم وأعلق

للقارئ الكريم النص التالي باللون الأسود لأستاذي سليمان أبو ستة وتعليقي في ختام الصفحة بالأزرق.

****

ملاحظاتي على رد أخي خشان ستكون متقطعة بحسب ما يسمح به وقتي، لكنني لن أهمل أي شيء فيها إن شاء الله، مع رجاء الملاحظة بأن كثيرا من هذا الكلام والرد عليه سيدخل في باب الجدل [1]الذي قد يستمر طويلا بدون أن يصل المتحاورون فيه إلى بيان ختامي يرضى عنه القراء المتابعون.

في الصفحة 13 :

يقول أستاذي خشان:

1- المتدارك: كان وما زال وسيبقى بحرا مهملا، شأنه شأن أي بحر مهمل، وليس هناك ما يميزه عن أي بحر مهمل آخر.

أقول: ظل المتدارك بحرا مهملا حتى العصر العثماني حين تجرأ الشاعر العماني (حفيد الخليل) راشد الحبسي[2] على استدراكه في قصيدة له سار فيها على وزن المتدارك المعروف (فاعلن) وزحافها (فعلن) بتحريك العين. ثم خرج عن إيقاع المتدارك ودخل في إيقاع الخبب (فعلن) بتحريك العين وإسكانها في آخر بيتين من قصيدته اليتيمة.

وقد ظلت قصيدته هذه يتيمة حتى اليوم[3]، فلم أعرف شاعرا عموديا آخر حاول إعادة النظم عليها غير بعض المحدثين الذين استخدموا مربع المتدارك بكثرة[4]، كما في قول العقاد:

يا له من فم * يا لها من شفه

يا لشهد بها * كدت أن أرشفه

وتجد هذا الضرب أيضا لبعض الشعراء اللبنانيين وخاصة في نظم نشيدهم الوطني.

ثم إنه مستعمل بكثرة كاثرة في شعر التفعيلة الحر[5] (وهو شعر نعترف به شاء الخليل أو أبى، فهي سنّة التطور !) ومنه قول محمود درويش:

مطر ناعم في خريف بعيد

والعصافير زرقاء .. زرقاء،

والأرض عيد

وقول أمل دنقل:

لا تصالح

ولو منحوك الذهب

أترى حين أفقأ عينيك،

ثم اثبت جوهرتين مكانهما ..

هل ترى؟

هي أشياء لا تشترى.

أما ما يميزه عن أي بحر مهمل آخر فهو تفرّد شعراء التفعيلة بالنظم عليه، وخوف الشعراء الخليليين من الاقتراب منه. ولذلك أعتبر الشاعر الحبسي شاعرا رائدا مقداما[6] ينبغي للآخرين أن يتبعوه، فكلما زاد النظم على المتدارك زادت الألفة به، وقد كان سبب إهماله طوال القرون السابقة أنه ظل أسير الشواهد القليلة التي وضعها عروضيون غير شعراء بل نظّامون.

ويقول أستاذي خشان في نفس الصفحة:

2- لاحق قرطاجني (ولا أدري كيف سألاحقه !): .. وزن شعري مستحدث، لم يذكره الخليل .. (إلخ) ..

هذا الكلام الذي تنقله عن كتابي ص 95 صادر عن أخينا د. عمر خلوف[7]، فربما اختلطت أوراقك، لا يهم .. فكتابي موجود على الشبكة ويمكن تنزيله فلا يضيع إن شاء الله.

أما ما قلته بنفسي، واقتبسته في أول مداخلتك، فهو: ".. أو بعد لاحق القرطاجني الذي استعملته نازك الملائكة في شعرها التفعيلي الجديد (مستفعلاتن)، وغير ذلك من البحور المهملة التي يحاول الشعراء بعثها من الكمون في دوائرها كل يوم جديد"، ولذلك يمكنك شطب ما جاء تحت هذا العنوان الفرعي (لاحق قرطاجني) بعد أن لاحقته ووجدت أنه كله في عهدة خلوف، ولننتقل إلى ما تريد قوله في نفس موضوع القرطاجني، ولكن تحت العنوان الفرعي التالي:

3- تفعيلة مستفعلاتن: هذا مصطلح خطأ، فلا توجد تفعيلة في الحشو تدعى مستفعلاتن. هذا تركيب تفعيلي بمعنى تعبير بحروف التفاعيل عن مجموعة من المقاطع لا تتفق مع أي من تفاعيل الخليل.

وردي على هذا أن كلامك صحيح مائة بالمائة، ولا شك أن الخليل يرضى عنه ويؤيدك في قولك. غير أنّي والقرطاجني معي من الجماعة المارقين على نظام الخليل[8]، تماما كما أن كوبرنيكوس كان مارقا على تعاليم بطليموس، والخليل بن أحمد على أفكار العروضيين قبله وهؤلاء هم من الكافرين بنظرية الدوائر[9] كما صرح سيبويه، وقد أصدروا عددا كبيرا من الكتب بعنواوين مشابهة لبعضها من نحو كتاب "النقض على الخليل وتغليطه في كتاب العروض"، وغيره. ولن يمضي كثير من الوقت قبل أن يولد من يخالفني أنا وأنت وعمر خلوف[10] في كثير من أقوالنا. فدعنا نقول كلمتنا التي هي تعبير عن عصرنا أو أوهامنا .. ونرحل.

[1] مصطلح الجدل يحمل بعدا سلبيا. أنا أعتبر أن ما نتبادله من آراء نختلف فيها هو من باب التحفيز الفكري والسعي وراء الحقيقة. ولنا في منهج الإسلام قدوة فنحن كأفراد مأمورون بالصدع بالحقيقة من خلال الصراع الفكري الذي يتسم بالحكمة والموعظة الحسنة واخترام الآخر ولا تناقض في كل ذلك. أما الجدال فمنهي عنه .

[2] أحسنت أستاذي في ذكر ما للشاعر من فضل الريادة مع ما عليه من خلط بين المتدارك والخبب. كما أحسنت في ذكر زمانه لصالح من يسير على نهج الأوائل من حصر المرجعية القياسية فيما قبل زمن معين.

يقول أستاذي سليمان أبو ستة http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=82502

: " لقد أرجع العروضيون الأبيات التي استشهد بها الخليل في كتابه "العروض" إلى شعراء جاهليين وإسلاميين وأمويين، ثم توقف عند ذلك ، فلم يستشهد بشعراء عباسيين عاشوا في عصره. ومن المعلوم أن الحقبة الأموية انتهت عام 132 هـ، فتكون هذه السنة إذن هي نهاية الاستشهاد العروضي، أي قبل ثمانية عشر عاما من الاستشهاد النحوي، والله أعلم. ومع ذلك فقد ظل الاستشهاد العروضي مستمرا لا يتوقف عند عصر معين، ما دام العروض متطورا حسب تطور الذائقة العربية، وأقرب مثال على ذلك استشهاد شيخنا عمر خلوف بنماذج معاصرة من الشعر العربي الحديث."

[3] إن هذا اليتم يأتي دليلا على أن المتدارك التام بحر مهمل

[4] العادة هو أن يتخذ البحر التام دليلا على صحة بعضه أو مقصره سواء كان ذلك نتيجة تصور اجتزائه أو اجتثاثه وليس العكس. وما من بحر من البحور الوهمية (المهملة) إلا ويتفق بعضه أو أحد مقاصيره مع هذه الصورة أو تلك من مقصور بحر من بحور الخليل. فما الذي يمنعني من اعتبار 2 3 2 3 أنها بعض الخفيف

عتب ما للخيال ... خبريني ومالي

عتب ما للهوى ... ليته ما انطوى

بل لعل لملتزم نهج الخليل أن يعتبر البيت التاليين نوعا من مجتث المتقارب

ألا يا له من فم * كما يا لها من شفه

ألا يا لشهد بها * لقد كدت أن أرشفه

من حقك أن تقول إن هذا فيه توجه ذاتي .. لا شك فيه بعض ذلك

ولكنه مخرج بديل لذاتية أعوص وهي اتخاذ الجزء مرجعا للكل

[5] هذا صحيح ولكن هل تصلح تفعيلة الشعر الحر أساسا لتقرير مرجعية الشعر العمودي. وهذا القول يقتضي في ظل شمولية المنهج إنكار بحر البسيط عدم دخوله في الشعر الحر. وهو ما يحيل تفسير وروده إلى أن الشعر الحر يقوم على وحدة النمط سواء كان النمط تفعيلة فاعلن أو مستفعلن ولا يضير أصل هذه التفعيلة أن تكون من هذا البحر أو ذاك. كما لا يقدح فيها أو يميزها أن تكون منتمية لبحر حقيقي أو بحر مهمل. لم يذكر أحد تفعيلة مهملة أو وهمية بل الحديث حول البحور الوهمية أو المهملة.

[6] هذه حمسة أبيات اخترتها متتابعة من قصيدة الحبس لدراسة نمط زحافاتها.

فعليه صلاة إلهكَ ما

مطرٌ من خلال السحابِ هَمَلْ

سيدٌ سندٌ كيِّس حتمدٌ

مُقدِم أسَدٌ لا عراه فشل

عالم عَلَم عادلٌ حَكمٌ

صارم خَذِمُ الحد حين يُسَلْ

أروع ذمِرٌ نيرٌ قمرٌ

وله قدرٌ فوق رأسِ زُحَل

للزيارة تعنو الحجيج له

قاصدين لهم في القِفارِ زَجَل

[7] صدقت أستاذي فقد جاء في آخر ( ص- 94) قولك : " قال عمر" فمعذرة. والقصد مما التقل عن أستاذنا هو استعمال مصطلح تفعيلة ل ( مستفعلاتن ) بما يتضمن جواز استعمالها في الحشو كتفعيلة .

[8] نظام الخليل هو منهجه المنطلق من مبدئه وهذا المنهج تمثله ساعة البحور التي تبين تواشج الدوائر والتفاعيل والبحور والمقاطع بشكل رياضي يمثل الأحكام الكلية للعروض الرقمي على نحو يستبعد الصدفة تماما. ومن حق أي كان أن يمرق عليه بشرط أن يصوغ مروقه في منهج بديل يكون شاملا لبحور الشعر العربي وذو اطراد. أنا مروق في جزئية هنا وجزئية هناك دون دراسة آثار هذا المروق في الأجزاء الأخرى فليس يصح. وقد أشرت مرارا إلى سلبيات ذلك والأخطاء التي وقع فيها كل من أساتذتي سليمان أبو ستة وأحمد الأقطش ود. أحمد مستجير ونازك الملائكة وحازم القرطاجني فيما يخص مستفعلاتن هذه ومفعولاتُ وأتمنى إن لم تكن قرأت ( موضوع الرقمي قبس من نور الخليل) أن تتكرم بالاطلاع عليه

[9] حرية العقيدة حق مضمون " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ولكن الكفر بمنهج ما ينقسم إلى قسمين " كفر ذي منهج منسجم " و " كفر بلا منهج " فيا ليت من كفروا بمنهج الخليل جاؤوا لنا بمنهج بديل. وربما تجيبيني بأن مجموعاتك تشكل منهجا بديلا . لا أراها إلا دليلا على صحة منهج الخليل، كما أوضحت ذلك على الرابط:

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/nathareyyah-suleiman

[10][10] المنهج الصحيح لا يتغير . كل صواب لديك أأو لدى د. خلوف أو لدي فهو موافق لمنهج الخليل وما خالف احدنا منهج الخليل إلا كان على خطإ في ذلك. عندما فارقت تفاعيل الخليل منهجة في مكانفة مفعولاتُ أو كف مستفع لن كان الحق مع منهج الخليل.

قاعدة ارحميدس أو قاعدة ارخميدس أو الجدول الدوري أو منهج الخليل في تمثيله للذائقة العربية الصحيحة لن يتغير أي منها.

قضيتي المركزية هنا هي توضيح مضمون المنهجية ومقتضياتها.

حفظك ربي ورعاك.

*************

وهذا رد أستاذي سليمان أثبته للفائدة وأكتفي في هذه الفقرات عند هذا الحد وساتبع ذلك بإذن الله في الفقرات التالية.

هذه ردود سريعة على الملاحظات التي أبداها أخي خشان وفقا لأرقامها التسلسلية:

1- وكذلك ما تسميه (التحفيز الفكري) يتحول إلى جدل فارغ في بعض الأحيان إذا طال، فما قصدته هو الاختصار وعدم إضاعة الوقت.

2- أشكرك سيدي على استحسانك هذا.

3- صدقت.

4- وأنا أيضا اتخذت البحر التام الذي استعمله الحبسي دليلا على مجزوئه (أو مقصره) الذي استعمله العقاد، فلم يعد هذا البحر عندي وهميا بعد استعمال الحبسي له. أما الذي يمنعك من اعتبار 2 3 2 3 من الخفيف فهو أني لا أتصورك تترك المنطق السليم في استخدام نسق معروف في دائرته هو النسق (2- 2): (فاعلن) أو 2 3 برموزك، وهو ما يمكنه الوفاء بتحديد الوزن من غير لبس ولا تطويل، فتصف هذا النسق منه بالمتدارك الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي، وهو الذي تعتبره تاما، وأن تلجأ إلى نسق أكبر، هو النسق (5 – 5 ): 2 3 2 3 2 الذي اعتبرته في كتابي مهملا مع أن أبا العتاهية استعمله ورفضه الزجاج الذي قال إنه ليس عند العرب إلا بتصريع، وتعبث في عروضه وضربه بالحذف في غير ما داع إليه، فقط لتقول إنه يجري على نسق هذا البحر العتاهي المهمل.

5- لم لا تصلح، الوحدة الأولى في نظام الدوائر عندي (1 – 0 ) هي س أو 2 ، وهي عندي وحدة بناء بحر الخبب. والوحدة (2 – 1 ) هي س و أو 2 3 وهي وحدة بناء المتدارك، والوحدة رقم (2 – 2 ) هي و س أو 3 2 وهي وحدة بناء المتقارب ... والوحدة (3 – 4 ) هي س س و س أو 2 2 3 2 وهي وحدة بناء مخلع البسيط (أو لاحق القرطاجني، أو مخلع خلوف) الذي استعملته نازك الملائكة في شعر التفعيلة الحر ... والوحدة (5 – 4 ) هي س س و س و أو 2 2 3 2 3 هي وحدة بناء البسيط الذي استعمله بدر شاكر السياب في الشعر الحر . وهذه الوحدات جميعها تعادل بمفهومها مفهوم التفعيلة عند الخليل، ولكي لا يحدث لبس في المصطلحات بين الخليل وبيني فلن أشير لها إلا بمصطلح (النسق) بدلا من كلمة تفعيلة الخاصة بالخليل وحده. وتلاحظ أن عدد الأنساق عندنا أكثر من عدد تفاعيل الخليل، غير أن من هذه الأنساق ما لا يتكرر في البيت بقدر تكرار التفعيلة وذلك تبعا لطول النسق. فأقصر الأنساق يتكرر في البيت 16 مرة وهو نسق الخبب، ونسق الرجز يتكرر 6 مرات في الشعر العمودي وعددا غير نهائي في الشعر الحر. ونسق البسيط يتكرر 4 مرات في الشعر العمودي وأكثر من ذلك في الشعر الحر.

6- الحركة الإيقاعية وهو المصطلح الذي وضعته بديلا لمصطلح الزحاف في المتدارك هي حرية السبب الأحادي فيه القبض والبسط في منطقة الحشو. وفي رأيي أن الحبسي سار على هذا القانون الطبيعي بوعي أو بغير وعي، وإحصاؤك للزحاف في قصيدته أثبت لك ذلك.م

7- أشكرك على حسن تصديقك.

8- لم أجد لي مكانا في هذا الرابط الطويل لكي أرد عليه نحو (حازم القرطاجني وسليمان أبو ستة) فأحمد الأقطش ليس أحسن مني حتى تخصص له عنوانا فرعيا في هذا الرابط هو (حازم القرطاجني وأحمد الأقطش)، ومع ذلك فلو كان الحديث عن مستفعلاتن وما إذا كانت تفعيلة أو نسقا فهي نسق عندي، والتفعيلة نتركها للخليل. ومستفعلن فاعلن نسق آخر عندي كما ذكرت ولا مانع من تكراره في الشعر الحر إذا استطاع الشاعر أن يكرره في السطر الشعري الحر، لكن ذلك متعذر في الأنساق الأطول التي يصعب تكرارها تكرار التفعيلة لطولها الزائد. أطول الأنساق طرا نسق المنسرح أو الخفيف ولكنه لا يتكرر إلا مرتين، مرة في كل شطر، ولذلك يصعب استخدامه في شعر التفعيلة(الشعر الحر). كما أن محاولة نازك الملائكة في استخدام نسق المخلع في قصيدة حرة لها كانت محفوفة بالمخاطر، ويصعب على كثير من الشعراء إعادتها.

9- أشكرك على هذه الملاحظة، فمجموعاتي هي حقا دليل على صحة منهج الخليل، وقد كانت دراستي لمنهج الخليل منذ بداياتها في الستينيات دراسة نقدية وليست (تلقينية)، لأني لم أتلق العروض من أحد ، وحين طلبته يوم كنت محتاجا إليه في قصيدة أردت أن أنظمها، أشار على حسان بن ثابت بقوله:

تغن بالشعر إما كنت طالبه * إن الغناء لهذا الشعر مضمار

فتبعت مشورته ولكنها لم تنفعني كما نفعت كاظم الساهر الذي أكل بأبياته التي لحنها أكثر مما أكل الخليل بعروضه.

10- الحمد لله أننا لم نخالف الخليل، فلولا الخليل لم يكن علم العروض أصلا، لكنّ أخذنا لهذا العلم يجب أن يظل دوما أخذا نقديا، متطورا، فحتى جدول مندلييف نفسه تم استبداله بالجدول الدوري للعناصر!