الفاصلة وآخر الصدر

يكفي في الموضوع التالي القول إن الصدر لا ينتهي مستقرا بفاصلة من سببين خفيفين أو سببين خفيفين غير الفاصلة ( كما في مفاعيلن - الطويل ) إلا في مجزوء الوافر ( وتابعه الهزج ) . وتعريف الفاصلة في هذا المفهوم يتجاوز بحري الكامل والوافر إلى كل الصور التي يجب في صدورها الانتهاء ب 3 1 3 ويجوز في أعجازها الانتهاء ب 3 1 3 أو 3 2 2 بغض النظر عن التفاعيل وحدودها ومصطلحاتها ،كما سنرى.

ولكني رأيت التوسع في طرح ذلك مدعما بالأمثلة لتثبيت هذا النهج الذي يقوم على تناول الجزئيات تناولا شاملا بمعنى استقصاء حال هذه الجزئية في البحور جميعا وفقا لمقياس واحد. ثم البناء عليه في إصدار الأحكام على ما قد يكتشفه العروضيون من شذرات لصور نادرة من البحور في الشعر العربي.

الأبيات التالية لنزار قباني على رابع الكامل (الأحذ أي - 3 من آخر كل من شطرية )

لا تسأليني .. هل أحبهما ؟ ............عيناك إني منهما لهما

ألدي مرآتان من ذهبٍ.............ويقال لي لا أعتني بهما

((4) 3 4 3 ((4) .......((4) 3 4 3 ((4)

أستغفر الفيروز .. كيف أنا....... أنسى الذي بيني وبينهما

أبلحظة تنسين سيـدتي ............تاريخي المرسوم فوقهما

الكامل

لا تسأليني .. هل أحبهما ؟ ............عيناك إني منهما لهما

ألدي مرآتان من تِبْرٍ.............ويقال لي لا أعتني بهما

((4) 3 4 3 4 .......((4) 3 4 3 ((4)

أستغفر الفيروز .. كيف أنا....... أنسى الذي بيني وبينهما

أبلحظة تنسين سيـدتي ............تاريخي المرسوم فوقهما

لا يصح في آخر صدر الكامل الأحذ إحلال تبرٍ = 4 محل ذهَبٍ = ((4) . وبلغة التفاعيل السبب الأول في هذه الفاصلة يجب أن يكون ثقيلا.

======

البسيط

بالله لا تسأليني .. هل أحبهما ؟ .........يا حسُنَ عينيكِ إني منهما لهما

حدّق ستحظى بمرآتين من تِبْرٍ.............لا لا تقل إنني لا أعتني بهما

4 3 2 3 4 3 4 ......4 3 2 3 4 3 ((4)

إني لـأستغفر الفيروز .. كيف أنا.......إمّا نسيت الذي بيني وبينهما

يا أنتِ هل هكذا تنسين سيدتي ........أخبار تاريخي المرسوم فوقهما

لا يصح في البسيط إحلال تبرٍ = 4 محل ذهَبٍ = ((4)، وبلغة التفاعيل بعد إخضاعها لمنطق االرقمي فالسبب الأول في هذه الفاصلة يجب أن يكون ثقيلا.

======

المنسرح

لا تسأليني .. أجلْ أحبهما ؟ ............عيناك إني لَمِنْهما لهما

من فضةٍ رُكّبَتْ على تِبْرٍ .............بدون شكٍّ سأعتني بهما

4 3 2 3 3 4 ......3 3 2 3 3 ((4)

أستغفر الفيروز الذي بهما....... إن ذات يومٍ نسيت عهدهما

إنْ ذات يومٍ غضبتِ سيدتي .......تذكّري ما رسمتُ فوقهما

لا يصح في آخر صدر المنسرح إحلال تبرٍ = 4 محل ذهَبٍ = ((4)، وبلغة التفاعيل بعد إخضاعها لمنطق االرقمي فالسبب الأول في هذه الفاصلة يجب أن يكون ثقيلا.

======

الخفيف

لا تقولي .. أجلْ أحبهما ............ذاكَ أني لَمِنْهما لهما

فضةٌ رُكّبَتْ على تِبْرٍ ............. دون شكٍّ سأعتني بهما

2 3 2 3 3 4 ....2 3 2 3 3 ((4)

يعرف الفيروز الذي بهما....... لست أنسى الحياة عهدهما

إنْ بعدْنا وشفّنا ألمٌ .......فاذكري ما رسمتُ فوقهما

لا يصح في آخر صدر الخفيف المحذوف إحلال تبرٍ = 4 محل ذهَبٍ = ((4)، وبلغة التفاعيل بعد إخضاعها لمنطق االرقمي فالسبب الأول في هذه الفاصلة يجب أن يكون ثقيلا.

======

مجزوء الوافر :

سليني هل أحبهما ؟ ............فإني منهما لهما

فمرآتان من تبْرٍ.............أكيدٌ أعتني بهما

3 4 3 4 .....3 4 3 ((4)

سلي الفيروز .. كيف أنا....... وما بيني وبينهما

فهل تنسين سيّدتي ............رسوم الحبّ فوقهما

يصح في آخر صدر مجزوء الوافر إحلال تبرٍ = 4 محل ذهَبٍ = ((4)

وهذا ما نسميه الاستئثار فإن مجزوء الوافر هو الحالة الوحيدة في كل ما تقدم التي تستأثر يجواز أن ينتهي آخر الصدر فيه ب 22 حيث أواخر أواخر الصدور في سواه لا تنتهي بسببين خفيفين 2 2 وأنها تنتهي ب 1 3 أي ما يعادل فعِلن أو عِلَتن ( سواء استعملنا للدلالة على ذلك في حالتيه تعبير فاصلة أو أي تعبير آخر) وفي الرقمي فإن كلا من 2 2 = 4 و 31 =(2) 2 =((4) أزرقان

استعملت لصياغة الأمثلة نفس أصل النص فيما تقدم لاطراد النتائج من جهة ولأركز على أن واقع 1 3 في آخر كل صدر منها أنه فاصلة كتلك التي في الكامل بغض النظر عن حدود التفاعيل ومصطلحاتها.

أما في الهزج فإن 2 2 في آخر الصدر ليست بفاصلة بل هما سببان خففان ولا يكون السبب الأول منهما ثقيلا أبدا ناهيك عن الثاني. والمفترض بالتالي أن لا أذكر الهزج في هذا السياق، ولكن الذي دفعني له هو ما لاحظته من ميل الشعراء فيه إلى استحباب تجنب 4 في آخر الصدر واستحباب زحافها إلى 2 1 أو غلبة استعمال مفاعيلُ 3 2 1 بدل مفاعيلن 3 4، وكأن التخلص من 4 في آخر الصدر في الشعر العربي يشمله كما شمل بحور فاصلة آخر الصدر. أقول هذا بناء على بعض القصائد والأمر يحتاج إلى استقصاء إحصائي أوسع.

هذه قصيدة لكمال عبد الحليم :

1. أخي يا أيها الإنسا...ن هل في مصر إنسان ؟

2. أراها مسرح الأشبا......ح قد وارته ألوان

3. هي الفلاح , والفلا.....ح أسمال وأكفان

4. هي العمال , والعما....ل إجهاد وحرمان

5. أرانا نجمع الأشوا....ك، هل للشوك ريحان ؟

6. أخي ما الصبر ؟ إن الصبْـ....ـر كفران وخذلان

7. أخي ما نحن بالأحرا.....ر لكن نحن عبدان

8. لقد ضاقت بنا الأوطا....ن , ما للعبد أوطان

9. أخي ما السجن ؟ لوفي السجـ.....ـن تعذيب وحرمان

10. فهل يجدي مع الأحرا..........ر قضبان وسجان ؟

11. سوانا يرهب القضبا.......ن أو تثنيه جدران

12. إذا كنا شرارات ........ فنحن اليوم بركان

وهذه القصيدة للبحتري على الهزج التام ( وهذا الهزج نادر ولم يتم إدراجه في صور الهزج:

1. أبا العباس برزت على قومـ ...... ـك آدابا وأخلاقا وتبريزا

2. فلو صورت من شيء سوى الناسِ ...... إذا كنت من العقيان إبريزا

3. ولم يعلك إلا كرم النفسِ ...... بلى فازددت بالمعتز تعزيزا

4. فأنت الغيث إذ يسجم والليث ...... إذا يقدم والصارم مهزوزا

5. فأما حلبة الشعر فتستولي ...... على السبق بها فرضا وتمييزا

6. بإحكام مبانيه وإبداع ...... معانيه ولا يوجد مغموزا

7. وإن جنست لم تستكره القول ...... وإن طابقته طرزت تطريزا

8. مدى من رامه غيرك أنضاه ...... وأبدى منه تقصيرا وتعجيزا

9. فأما دافعوا فضلك بالظلم ...... فجوزنا عليهم ذاك تجويزا

1- حيث يكون آخر الصدر فاصلة فإن السبب الأول فيها خفيف ولا يكون ثقيلا إلا في مجزوء الوافر حيث يصح أن ينتهي الشطر ب ((4) أو 4

2- 2- يستدعي الهزج مزيدا من الاستقصاء الإحصائي مع ملاحظة التباين الكبير بين نتائج القصيدتين:

*****************

ثمة موضوع ذو علاقة

لا ينتهي أي صدر ب 2 2 2 إلا في حال التصريع، وقد ترد 2 2 2 في نهاية صدور بعض صور البحورعلى أحد زحافين واجبين يلتزم كل منهما في سائر صدور أبيات القصيدة.

أولهما 1 2 2 = 3 2 وثانيهما 2 1 2 = 2 3 .

وقد جرى تناول ذلك في مواضع عدة. ويحسن هنا قراءة موضوع ( تصريع - تصريعان )

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/tasre

إضافة :

لم أتوصل إلى جواب شاف حول أمرين في العروض :‏

الأول : هو فهم التدوير فهما يجيب على التساؤل حول المفارقة في كثرة التدوير في الخفيف وقلته في مجزوئه، وقلته في ‏الكامل وكثرته في مجزوئه. وقلة التدوير في البحور الأخرى مع أخذ الظرف الخاص للمتقارب وإلى حد ما الهزج بعين ‏الاعتبار.‏

لثاني : قبض 3 2 2 في آخر صدر الطويل وجوبا .‏ وطالما الح علي إيجاد تفسير له ينطبق مع فهمي لشمولية منهج الخليل.

القبض في آخر شطر الطويل هو تحول مفاعيلن إلى مفاعلن أي 3 2 2 إلى 3 1 2 = 3 3 أو تحول 2 2 = 4 إلى 1 2 = 3 وجوبا في الصدر ‏.

خطرت الإجابة على هذا في ذهني فجأة كالومضة ، وعجبت من طول عدم اهتدائي إليها وأنا الذي كتبت موضوعا طويلا حول استئثار ‏الهزج ومجزوء الوافر بجواز انتهاء الصدر فيهما بسببين خفيفين أولهما غير مزاحف ولا مثقّل، أي 2 2 دون سواهما من ‏البحور. حتى فاصلة الكامل الأحذ وهي أصلية لا يجوز إضمارها ( تحولها من مًتَفا إلى متْفا) في آخر الصدر أي تحولها ‏من (2) 2 إلى 2 2 ‏، وكيف أن تحول 2 2 إلى 1 2 في آخر صدر الطويل يمكن أن يكون مشمولا في سياق ذلك الموضوع.

صفحات عروضية https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/r-10