ساعة وساعة

خطبة جمعة

بِعِنْوَان

( ساعة وساعة )

عبدالله فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل

الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثِنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ،

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : هَذِهِ الأَيَّامُ ، وَمَعَ بِدَايَةِ إِجَازَةِ نِصْفِ السَّنَةِ ، يَسْتَمْتِعُ المُسْلِمُونَ بِأَوْقَاتِهِمْ ، وَيُرَوِّحُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ ، وَذَلِكَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، فَالإِجَازَةُ فَرَاغٌ والفَرَاغُ عَلَى إِسْمِهِ فَرَاغٌ تُنْفَقُ فِيهِ الأَوْقَاتُ وَالأَمْوَالُ وَنَحْنُ نُنَبِّهُ أَنْفُسَنَا وَإِخْوَانَنَا فِي هَذِهِ الجُمَعَةِ أَنْ لاَ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى حُدُودِ اللهِ وَمَحَارِمِهِ ، فَالإِسْلَامُ لاَ يَقِفُ فِي طَرِيقِ اللَّهْوِ وَالتَّرْفِيهِ وَالتَّرْوِيحِ ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا وَيَحْفَظُ كَرَامَةَ المُسْلِمِ وَالمُسْلِمَةِ وَحُقُوقِهِمْ التِي ضَمِنَتْهَا لَهُمْ شَرِيعَةُ اللهِ ، فَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنِمْ ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقاً ، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقّاً )) وَالأَصْلُ فِي التَّرْوِيحِ هُوَ الإِبَاحَةُ حَتَّى يَدُلُّ الدَّلِيلُ عَلَى التَّحْرِيمِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَا أَحَلَّ اللهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ ، وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللهِ العَافِيَةَ ، فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَكُنْ نَسِياًّ )) ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيةَ ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ) .

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : وَلْيَحْذَرِ المُسْلِمُ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي تَرْوِيحِهِ عَنْ نَفْسِهِ هَمْزٌ وَلَا لَمْزٌ وَلَا غِيبَةٌ وَلَا سُخْرِيَةٌ بِأَحَدٍ قَالَ تَعَالَى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) وَأَنْ لاَ يَكُونَ فِي التَّرْوِيحِ عَنْ النَّفْسِ كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ وَقَوْلٌ بَاطِلٌ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ القَوْمَ ، وَيْلٌ لَهُ ! وَيْلٌ لَهُ )) صَحَّحَهُ الَحَاكِمُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ

وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ تَبْذِيرٌ لِلْمَالِ وَإِسْرَافٌ ، فَالتَّبْذِيرُ وَالإِسْرَافُ مَذْمُومَانِ فِي جَمِيعِ مَوَاطِنِ الإِنْفَاقِ قَالَ تَعَالَى: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً ، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً )

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ

أَمَّا بَعْدُ فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِ بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب 70 – 71]

أيها المسلمون :

‏ عَنْ أَبِي رِبْعِيِّ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ الأُسَيْدِيَّ ، أَحَدِ كُتَّابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ: كَيْفَ أَنْتَ يَا حَنْظَلَةَ؟ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا تَقُولُ؟! قُلْتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ كَأَنَّا رَأْيَ عَيْنٍ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَسْنَا الأَزْوَاجَ وَالأَوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ نَسِينَا كَثِيراً، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَوَاللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنَا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ كَأَنَّا رَأْيَ العَيْنِ فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ عَافَسْنَا الأَزْوَاَجَ وَالأَوْلاَدَ وَالضَّيْعَاِتِ نَسِينَا كَثِيراً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفِي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمْ المَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، لَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، فَمَا أَعْظَمَ سِعَةَ الإِسْلَامِ وَمَا أَشْمَلَ مَنْهَجَهُ ، فَحَنْظَلَةُ ، ظَنَّ أَنَّ المَرَحَ مَعَ زَوْجَتِهِ ، وَتَرْوِيحِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِمُدَاعَبَةِ وَلَدِهِ ، وَعَمَلِهِ فِي ضَيْعَتِهِ ، ظَنَّ أَنَّهُ يَنَافِي مَنْهَجَ العُبُودِيَّةِ ، وَالإِسْلَامُ لَيْسَ كَذِلِكَ إِنَّمَا هُوَ حَيَاةٌ تَجْمَعُ بَيْنَ العِبَادَةِ وَالسَّعَادَةِ وَلَكِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (((سَاعَةً وَ سَاعَةً ))) لاَ يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهَا سَاعَةٌ لِلطَّاعَةِ وَسَاعَةٌ لِلْمَعْصِيَةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِمَعْصِيَةِ اللهِ ، وَالتَّعَدِّي عَلَى حُدُودِهِ ، وَانْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ ، وَهُوَ الذِي إِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللهِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ ، وَاحْمَرَّ وَجْهُهُ ، فَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (((سَاعَةً وَسَاعَةً ))) أَيْ سَاعَةٌ لِطَاعَةِ اللهِ ، وَسَاعَةٌ فِيمَا أَبَاحَ اللهُ قَالَ تَعَالَى ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ قَالَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) اللهم صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ


ساعة وساعة.pdf

PDF A5


ساعة وساعة.doc

WORD A5