الذب عن صحيح البخاري

خطبة جمعة

بِعِنْوَان

( الذَّبُّ عَنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ )

كَتَبَهَا / عبدالله فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل

الخُطْبَةُ الأُولَى

الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثِنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ،

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )

عباد الله : لقد أَنْزَلَ اللهُ القُرْآنَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ مُعْجِزَةً تَحَدَّى اللهُ بِهِ الثَّقَلَينَ الِإنْسَ وَالجِنَّ ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) ، سَمِعَهُ الجِنُّ فَقَالُوا ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) وَسَمِعَهُ فُصَحَاءُ العَرَبِ فَشَهِدُوا لَهُ بِالحَلَاوَةِ وَالطَّلَاوَةِ ، أَثَّرَ فِي النُّفُوسِ ، وَسَلَبَ الأَلْبَابَ ، وَخَالَجَ القُلُوبَ ، وَانْسَابَ فِي الأَفْئِدَةِ ، فَمَا كَانَ مِنْ زُمْرَةِ الكَافِرِينَ وَعِصَابَةِ المُعْرِضِينَ حِينَ سَمِعُوهُ ، إِلَّا الصَّدَّ عَنْهُ وَالتَّشْوِيشَ عَلَيْهِ وَالتَّوَاصِي بِنَبْذِهِ وَعَدَمِ سَمَاعِهِ قَالَ تَعَالىَ ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) وَقَالَ سُبْحَانهُ : ( بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ) وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَتَمَّ نُورَهُ وَنِعْمَتَهُ ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) وَفِي كُلِّ زَمَانٍ يَظْهُرُ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الأُمَّةِ وَمِنْ بَنِي جِلْدَتِهَا مَنْ يُحَاوِلُونَ التَّشْوِيشَ عَلَى الفِطَرِ السَّلِيمَةِ فِي الأُمَّةِ فَخَرَجَ لَنَا فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَتَطَاوَلُونَ عَلَى سُنَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُونَ نَحْنُ نُصَدِّقُ القُرْآنَ وَنُسَلِّمُ لَهُ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا ، وَيُحَاوِلُونَ التَّشْكِيكَ فِي مُسَلَّمَاتِنَا وَفِي كُتُبِ سُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الَّتِي سَلَّمَتْ الأُمَّةُ بِصِحَّتِهَا ، كَصَحِيحِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمَ وَهُمَا أَصَحُّ كِتَابَيْنِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ القُرْآنِ ، فَهَؤُلاَءِ الجَهَلَةُ أَوْ المُنْحَرِفُونَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ العَلاَّمَةُ صَالِحُ الفُوزَان حَفِظَهُ اللهُ : لاَ يُشَكِّكُ فِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ إِلاَّ جَاهِلٌ أَوْ مُنْحَرِفٌ .

أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ : هَذَانِ الكِتَابَانِ وَغَيرُهُمَا مِنْ كُتُبِ السُّنَّةِ هِيَ التِي حَفِظَ اللهُ لَنَا بِهَا الدِّينَ فَفِيهَا بَيَانُ مَا أُجْمِلَ فِي القُرْآنِ وَتَفْصِيلٌ لِقَوَاعِدِهِ وَشَرْحٌ لِلْعَقِيدَةِ وَالشَّرِيعَةِ التِي بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَفِظَهَا أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ التَّابِعُونَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ ثُمَّ دُوِّنَتْ وَحُفِظَتْ وَنُقِّحَتْ وَسَهِرَ عَلَيْهَا جَهَابِذَةُ العِلْمِ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ، وَأَصْبَحَ عِلْمُ الحَدِيثِ وَالجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ أَرْقَى العُلُومِ فِي الشَّرِيعَةِ حَيْثُ يُعْنَى بِتَنْقِيحِ المُتُونِ وَالأَسَانِيدِ وَأَصْبَحَ لِهَذِهِ العُلُومِ عُلَمَاءُ وَمُحَقِّقُونَ أَفْنَوْ حَيَاتَهُمْ خِدْمَةً لِلسُّنَّةِ وَلَعَلَّ مِنْ أَبْرَزِهِمْ فِي زَمَانِنَا هَذَا الشَّيْخَ بْنَ بَازٍ وَالأَلْبَانِيَّ رَحِمَهُماَ اللهُ ، فَالسُّنَّةُ هِيَ بَيَانٌ لِشَرِيعَةِ اللهِ قَالَ تَعَالَى ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل (44) فَكَيْفَ عَرَفَ النَّاسُ أَنَّ صَلَاةَ العَصْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَالمَغْرِبَ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ وَالفَجْرَ رَكْعَتَانِ ، إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ ، وَكَيْفَ عَرَفَ النَّاسُ صِفَةَ الصَّوْمِ وَأَحْكَامَهُ وَصِفَةَ الحَجِّ وَأَحْكَامَهُ وَأَنْصِبَاءَ الزَّكَاةِ وَأَحْكَامَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الشَّرِيعَةِ بِقِسْمَيْهَا الإِعْتِقَادِي وَالعَمَلِي ، فَهَؤُلاَءِ الدُّعَاةُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِنْ دُعَاةِ البَاطِلِ وَمِنْ مَعَاوِلِ هَدْمِ الدِّينِ وَالسُّنَّةِ ، وَالصَّحِيحَانِ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ أَجْمَعَتْ الأُمَّةُ عَلَى صِحَّتِهِمَا وَالعَمَلِ بِمَا وَرَدَ فِيهِمَا لِأَنَّ الذِي فِيهِمَا هُوَ كَلَامُ رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِذَا يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ جَمِيعاً قُبُولُهُماَ وَتَحْكِيمُهُماَ فِي كُلِّ شَأْنٍ وَالتَّسْلِيمُ وَالرِّضَا دُونَ حَرَجٍ أَوْ ضِيقٍ فِي الصَّدْرِ لِيَتَحَقَّقَ الإِيمَانُ الكَامِلُ قَالَ تَعَالَى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء (65)

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : الصَحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ يَقْطَعُونَ المَفَاوِزَ مِنْ أَجْلِ الحَدِيثِ فجَاَبِرُ بْنُ عَبْدِاللهِ سَافَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ شَهْراً لِيَسْمَعَ رِوَايَةَ مُحَدِّثٍ، وَرَحَلَ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ ، لِيَسْمَعَ حَدِيثًا مِنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ ، وَمَكْحُولُ تَجَشَّمَ السَّفَرَ بَيْنَ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالعِرَاقِ وَالحِجَازِ لِسَمَاعِ الحَدِيثِ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ كَانَ يُوَاصِلُ الأَسْفَارَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِسَمَاعِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَقَدْ بَذَلُوا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لِطَلَبِ الحَدِيثِ كُلَّ غالٍ وَثَمِينٍ، فَالزُّهْرِيُّ أَنْفَقَ مَا عِنْدَهُ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ، وَكَانَ عَمَلُهُ يُلْهِيهِ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى أَنَّ زَوْجَتَهُ قَالَتْ : وَاللهِ، لَهَذِهِ الكُتُبُ أَشَدُّ عَليَّ مِنْ ثَلاَثِ ضَرَائِرَ، وَأَنْفَقَ ابْنُ المُبَارَكِ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقَدْ بَلَغَ عَدَدُ طَلَبَةِ الحَدِيثِ فِي الكُوفَةِ فِي زَمَنِ ابْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ ، وَكَانَ مَسْجِدُ المَدِينَةِ يَضِيقُ بِالطَّلَبَةِ الذِينَ يَحْضُرُونَ دُرُوسَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَكَانَ يَحْضُرُ دُرُوسَ الحَدِيثِ التِي يُلْقِيهَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ ثَلاَثُونَ أَلْفَ طَالِبٍ ، وَغَيْرُهُمْ الكَثِيرُ ، وَأَمَّا الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ صَاحِبُ الصَّحِيحِ فَقَدْ رَحَلَ فِي طَلَبِ الحَدِيثِ إِلَى مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَبُخَارَى وَنَيْسَابُورَ وَبَلَخَ وَالرَّيِّ وَبَغْدَادَ وَوَاسِطَ وَالبَصْرَةِ وَالكُوفَةِ وَمِصْرَ وَسَمِعَ مِمَّنْ فِيهَا مِنْ شُيُوخِهِ فِي الحَدِيثِ حَتَّى حَصَرَهُمْ بْنُ حَجَرَ رَحِمَهُ اللهُ فِي خَمْسِ طَبَقَاتٍ وَقَدْ أُلِّفَتْ العَدِيدُ مِنَ الكُتُبِ فِي شُيُوخِ البُخَارِيِّ وَمُسْلِمَ وَفِي رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَلَمَّا فَرَغَ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ كِتَابَةِ صَحِيحِهِ عَرَضَهُ عَلَى عُلَمِاءِ الحَدِيثِ فِي عَصْرِهِ ، فَعَرَضَهُ عَلَى إِمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلَ وَعَلَى الإِمَامَيْنِ عَلِيِّ بْنِ المَدِينِي وَيَحْيَ بْنِ مَعِينَ فَشَهِدُوا لَهُ بِصِحَّةِ مَا فِيهِ ، وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ سَبْعَةُ آلاَفٍ وَخَمْسُمَائَةُ وَثَلاثَةٌ وَتِسْعُونَ حَدِيثاً إِنْتَقَاهَا البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ مِنْ بَيْنِ سُتُّمَائَةِ أَلْفِ حَدِيثٍ كاَنَ يَحْفَظُهَا ، أَيْ أَنَّهُ إنْتَقَى لِصَحِيحِهِ مِنْ كُلِّ ثَمَانِينَ حَدِيثاً حَدِيثاً وَاحِداً وَقَدْ أَفْنَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ حَيَاتَهُ فِي خِدْمَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ جَاهِلٌ أَوْ مُغْرِضٌ أَوْ مُتَعَالِمٌ يَجْلِسُ عَلَى مَكْتَبٍ وَتُحِيطُ بِهِ التُّرْفَةُ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ قَلَّ عِلْمُهُ وَقَصُرَ حَيَاؤُهُ عَنْ تَوْقِيرِ عُلَماَءِ المُسْلِمِينَ وَإِجْلاَلِهِمْ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِهِمْ فِي خِدْمَةِ دِينِ اللهِ لِيُشَكِّكَ الأُمَّةَ فِي مَصَادِرِ تَشْرِيعِهَا ، فَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ جَمِيعًا نَبْذُ هَؤُلاَءِ الجَهَلَةِ وَمُحَارَبَةُ أَفْكَارِهِمْ وَعُقُولِهِمْ المَنْكُوسَةِ وَيَجِبُ عَدَمُ تَصْدِيقِهِمْ لَأَنَّهُمْ مُضِلُّونَ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أُوتِيَ عِلْمًا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ فَسَادَ تَصَوُّرِهِمْ وَضَلاَلَ قَوْلِهِمْ وَهَذَا مِنَ الإِعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللهِ وَالذَّوْدِ عَنْ شَرِيعَتِهِ

قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون )

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ

وَعَمَرَ قُلُوبَنَا بِالإِيمَانِ

وَعَصَمَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الزَّيْغِ وَالخُسْرَانِ

وَتَابَ عَلَيَّ وَعَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : لَقَدْ أَمَرَ اللهُ المُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونُوا أُمَّةً وَاحِدَةً ، بِعَقِيدَتِهَا وَمَنْهَجِهَا وَوَلاَءِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ ، قَالَ تَعَالَى ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) وَنَهَاهُمْ عَنْ حَالَةِ الفُرْقَةِ وَالتَّشَرْذُمِ وَالتَّنَازُعِ وَالإِخْتِلَافِ قَالَ تَعَالَى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وَمِنْ طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِتِّبَاعُ شَرْعِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التِي يَسْعَى هَؤُلاَءِ العَقْلاَنِيُّونَ إِلَى رَدِّ بَعْضِ مَصَادِرِهَا بَلْ وَالتَّشْكِيكِ فِي أَصَحِّ مَصَادِرِ السُّنَّةِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ ، فَالعُقُولُ يَا عِبَادَ اللهِ لاَ تَزْكُوا وَتَفْهَمُ إِلاَّ بِشَرْعِ اللهِ ، وَالكُفَّارُ فِي الجَاهِلِيَّةِ قَالُوا بِعُقُولِهِم فَذَكَرَ اللهُ قَوْلَهُمْ بِقَوْلِهِ ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) ص (5) فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ جَاهِلِيَّةِ عُقُولِهِمْ وَدَخَلُوا فِي نُورِ الإِسْلاَمِ عَرَفُوا أَنَّ عِصْمَةَ العَقْلِ تَكُونُ بِاتِّبَاعِ الشَّرْعِ ، فَالعَقْلُ يَسْتَخْدِمُهُ الإِنْسَانُ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَ فِي تَكْذِيبِهَا وَرَدِّهَا وَالطَّعْنِ فِي مُسَلَّمَاتِهَا نسْأَلُ اللهَ أَنْ يَهْدِيَ مَنْ ضَلَّ إِلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ ، صَلُّوا وسَلّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمْ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَالَ تَعَالَى ((إنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النّبِيِّ يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ))


الذب عن صحيح البخاري.pdf

PDF A5


الذب عن صحيح البخاري.doc

WORD A5