قصيدة مأساة أم ( عربية )

مأساة أم

شعر / عبدالله فهد الواكد

مات والده وهو صغير ، فعكفت تلك الأم المسكينة على تربيته ، حرمت نفسها من ملذات الدنيا من أجل هذا الولد ، حرمت نفسها من الزواج ، كان هذا الولد هو شغلها الشاغل ، ترعرع الولد وشب عن الطوق وصار شابا يبهج الناظر ويسر الخاطر ، وتلك الأم لا تزال في عطاء مستمر ، فكانت كالغيث المنهمر ، مرت السنون وتتابعت الأيام وحصلت تلك الأم المسكينة على قطعة أرض وتقدمت بطلب قرض ،كان ذلك كله قبل سنوات عديدة ثم كبر الولد ليجد أمه قد هيأت له البيت ثم توظف وأخذت تلك الأم تجمع القرش قبل الريال لزواجه ثم تزوج الولد فأحست بأن مهمتها قد انتهت وأحلامها قد تحققت والآمال التي تعقدها على هذا الولد كانت قاب قوسين أو أدنى كانت الأم تعاني من مرض في الصدر ، وفي أحد الأيام قال لها الابن الا تحبين يا أماه أن أعالج هذا المرض الذي أتعبك ، فتبسمت من فرط السرور وقالت لا بأس ياولدي ، فأخذها بسيارته وسافر بها الى حيث الطبيب ، وسارت بها السيارة مسرعة وهي تسابقها الامال العريضة ثم ذهبت تسبح في تأملات تفيض بالحب والحنان ، كيف أن تعبها وتعب السنين التي ربت فيها هذا الولد لم يذهب

أدراج الرياح ، فهي الان تقطف ثمار ذلك الغرس الذي طالما سقته بماء الصبر والسهر ، توقفت السيارة عند باب المستشفى ونزل الولد وقال تفضلي يا أمي بالنزول فنحن ها قد وصلنا المستشفى

نزلت الأم وسار بها الى الطبيب الذي تحدث معه قليلا ثم فحصها الطبيب فأردف قائلا لا بد يا أمي من بقائك عندنا في المستشفى لبضعة أيام فنظرت الى الأبن نظرة استشارة فأومأ الابن برأسه

فقالت لا مانع لدي ، فتركها الابن بعدما اطمئن عليها وقال سأعود اليك يوم الغد ، جاء يوم الغد ، ثم بعد الغد ، مرت ثلاثة أيام فأربعة فلم تحتمل بعد ذلك صبرا ، صرخت بأعلى صوتها ابني ، ابني ، فجاءت الممرضة فقالت مالك يا أمي فصرخت ابني تركني في هذه المستشفى منذ اربعة أيام ولم يعد ، ربما أصابه مكروه ، فقالت الممرضة يا أمي أنت لست في مستشفى فصرخت ثانية قائلة ، أين أنا إذن ؟ فقالت أنت في دارالمسنين ، فقالت : في دار المسنين ؟ قالت نعم أحضرك أبنك إلينا ، تبددت أحلامها ، وتناثرت امالها ، وتنهتت وألم القهر يعتصرها قائلة : في دار المسنين ، أوبعد عناء هذه السنين ، ألقى في دار المسنين ، بعدا لك من جنين بعدا لك من ولد ، بعدا لك من تلد

ما أضيعَ العُمرَ الذِي أَفْنَيتُهُ

ما أضيعَ الإِبنَ الذِي َربَّيْتُهُ


كَمْ ليلة كَيْ مَا يَنَامُ سَهِرْتُهَا

أَلأَجْلِ هَذَا اليَوْمِ قَدْ غَذَّيْتُهُ


جَوَّعْتُ نَفْسِي كَيْ أُوَفِّرَ لُقْمَةً

كَيْ مَا يَعِيشُ بِهَا وَكَمْ أَسْقَيْتُهُ


بَرْدَ الشَّرَابِ وَبِتُّ ضَامِئَةً لِكَيْ

تَرْوَى سُلَامَاهُ وَكَمْ نَادَيْتُهُ


بِبَدِيعِ أَلْفَاظِ النِّدَاءِ فَجَاءَنِي

غِرًّا أُقَبِّلُهُ إِذَا أَدْنَيْتُهُ


مُتَوَسِّطًا حِجْرِي أُضَمْضِمُ صَدْرَهُ

فَيَظَلُّ مَسْرُورًا إِذَا ضَمَّيْتُهُ


فَكَأَنَّمَا الدُّنْيَا تُنِيخُ بِسَاحَتِي

تَتَبَسَّمُ الأَيَّامُ إِذْ حَاكَيْتُهُ


مَا أَخْدَعَ الأَيَّامَ فِي آمَالِهَا

فَاليومَ مِنْ أَنْكَادِهَا أَضْحَيْتُهُ


أَضْحَيْتُ أَجْنِي عَلْقَماً فِي عَلْقَمٍ

تَباًّ لِهَذَا الغَرْسِ كَمْ أَسْقَيْتُهُ


وَمَضَيْتُ أَنْتَظِرُ الثِّمَارَ وَهَكَذَا

هَذَا الذِي مِنْ ذَاكَ قَدْ لاَقَيْتُهُ



قصيدة مأساة أم.pdf



قصيدة مأساة أم.doc