ذوو الإعاقة في المجتمع

خُطْبَةُ جُمُعَة

بِعِنْوان

ذَوُو الإِعَاقَةِ وَالمُجْتَمَعُ

كتبها

عبدالله بن فهد الواكد

إمام وخطيب جامع الواكد بحائل

الخطبة الأولى

الحمدُ للهِ السَّمِيعِ البَصِيرِ ، غافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، جلَّ عن الشبيهِ والنظيرِ ، وتعالى عنِ الشريكِ والظهيرِ ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ صلى اللهُ وملائكتُهُ وأنبياؤهُ عليهِ ، كما وَحَّدَ اللهَ وعَرَّف بهِ وَدَعَا إليهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا .

أَمَّا بَعدُ أَيُّها المُسْلِمُونَ : فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ القَائِلِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حقَّ تُقاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )

أيُّهاَ الإِخْوَةُ فِي اللهِ : مِنْ نِعَمِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ جَعَلَ هَذَا الدِّينَ دِيناً إِجْتِمَاعِياًّ يَحُوطُ الأُمَّةَ بِالمَوَدَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالمَحَبَّةِ وَالوِئَامِ ، فَنِعْمَةُ الإِسْلَامِ هِيَ أَفْضَلُ النِّعَمِ ، وَمَعَ نِعْمَةِ الإِسْلَامِ ، أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْنَا بِكَمَالِ الخَلْقِ وَحُسْنِ التَّقْوِيمِ قَالَ تَعَالَى (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين )) ، فَأَحْسَنَ اللهُ صُوَرَنَا وَأَقَامَ أَصْلَابَنَا وَجَعَلَ لَنَا السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ (( قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23) الملك )) ، وَجَعَلَ فِي أَجْسَادِنَا نِظَامًا رَتِيبًا مُنْضَبِطًا دَقِيقًا نَأْكُلُ الطَّعَامَ وَنَشْرَبُ الشَّرَابَ وَنَتَنَفَّسُ الهَوَاءَ وَكُلُّ ذَلِكَ يَعْمَلُ بِأَوْزَانٍ دَقِيقَةٍ قَالَ تَعَالَى (( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (8) الرعد )) ، فَلَوْ طَغَى شَيْءٌ عَلَى شَيْءٍ لَأَصْبَحَ ذَلِكَ الصَّحِيحُ المَازِحُ المَارِحُ ، غَيْهَبًا فِي المَرَضِ وَالسَّقَمِ ، (( وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات )) ، فَنَحْنُ فِي نِعَمٍ لَا تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى (( وَإِنْ تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ) (34) إبراهيم)) .

أَيُّهَا الأَخُ المُسْلِمُ : أَغْلِقْ عَيْنَيْكَ سَاعَةً وَاحِدَةً لِتَرَى كَمْ يُعَانِيهِ الكَفِيفُ ، وَسُدْ أُذُنَيْكَ سَاعَةً لِتَرَى كَمْ يُعَانِيهِ الأَصَمُّ ، وَأَمْسِكْ عَنْ الكَلَامِ يَوْمًا لِتَعْرِفَ حَالَةَ الأَبْكَمِ (( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) الانفطار )) ، ((مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24) هود)).

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ سَلَامَةَ الإِنْسَانِ مِنْ العَاهَاتِ ، وَخُلُوَّهُ مِنْ الإِعَاقَاتِ ، لَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ نِعَمِ اللهِ التِي يَجِبُ عَلَيْنَا دَوَامَ شُكْرِهَا ، وَأَمَّا الإِعَاقَةُ فَهِيَ فِي النَّاسِ مُنْذُ القِدَمِ قَالَ تَعَالَى ((لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ .... الآية (61) النور)) ، فَرَفَعَ اللهُ الحَرَجَ عَنْ أَصْحَابِ الإِعَاقَاتِ الدَّائِمَةِ وَكَذَلِكَ العَارِضَةِ فَعَنْ عِمْرَانِ بْنِ الحُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ))؛ رَوَاهُ البُخَاِرِي ، وَرَفَعَ اللهُ الحَرَجَ عَنْ أَصْحَابِ الإِعَاقَاتِ العَقْلِيَّةِ ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ : عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ ، وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ، وَعَنْ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يَفِيقَ)) رَوَاهُ أهلُ السُنَنِ ،

وَأَمَّا الإِعَاقَةُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَلَيْسَتْ عَيْبًا لِأَنَّ هَذِهِ أَقْدَارٌ قَدْ كُتِبَتْ لَكِنَّنَا حِيَالَ هَذِهِ الإِعَاقَاتِ يَجِبُ أَنْ نَبْحَثَ عَنِ الأَسْبَابِ فَنَتَحَاشَى مَا أَمْكَنَ مِنْهَا لِأَنَّ نِسْبَةَ الإِعَاقَةِ فِي العَالَمِ ، بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ بِالمِئَةِ ، وَلاَ يَتَعَارَضُ ذَلِكَ مَعَ تَسْلِيمِنَا لِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ فَعَنْ أَبِي خِزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا، هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ شَيْئًا؟» قَالَ: «هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ» [أخرجه الترمذي (٢٠٦٥): وَقَالَ: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ»، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ فِي «الِمشْكَاةِ» (٩٧) ،

وَقَدْ إِهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالمُعَاقِينَ ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْصَى المُعَاقِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالعَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ ثُمَّ قَامَ الوَلِيدُ بْنُ عَبْدِالمَلِكِ رَحِمَهُ اللهُ بِتَخْصِيصِ مُرَافِقٍ لِكُلِّ كَفِيفٍ ، وَخَادِمٍ لِكُلِّ مُقْعَدٍ ، وَذَلِكَ لِدَمْجِهِمْ فِي الُمجْتَمَعَاتِ ، وَمَضَى المُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى وَقْتِنَا الرَّاهِنِ ، فَهَذِهِ الدَّوْلَةُ المُبَارَكَةُ فَتَحَتْ دُورًا لِلْمُعَاقِينَ وَقَامَتْ عَلَى تَأْهِيلِهِمْ وَأَجْرَتْ لَهُمْ المُخَصَّصَاتِ ، وَحَثَّتْ المُجْتَمَعَ وَلاَ تَزَالُ عَلَى مُسَاعَدَةِ المُعَاقِينَ لِيَكُونُوا جُزْءًا مِنْ الُمُجْتَمَعِ ، وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ ،

فَلاَ يَعْرِفُ الشَّوْقَ إِلاَّ مَنْ يُكَابِدُهُ

وَلاَ الصَّبَابَةَ إِلَّا مَنْ يُعَانِيهَا

فَأُسْرَةُ المُعَاقِ وَوَالِدَيْهِ هُمْ مَنْ يَتَحَمَّلُونَ العِبْءَ الأَكْبَرَ فِي رِعَايَةِ المُعَاقِ ، وَأَجْرُهُمْ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ لِقَاءَ صَبْرِهِمْ عَلَيْهِ وَالإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَاللُّطْفِ بِهِ ، وَعَلَى أُسَرَةِ المُعَاقِ أَنْ يَبْذِلُوا وُسْعَهُمْ لِتَعْلِيمِهِ وَتَأْهِيلِهِ لِيُصْبِحَ نَافِعًا مُنْدَمِجًا مَعَ الآخَرِينَ ، فَمِنَ المُعَاقِينَ مَنْ تَبَوَّأَ مَقْعَدًا شَامِخًا فِي مُجْتَمَعِهِ ، بِفَضْلِ تَشْجِيعِهِ وَدَمْجِهِ فِي النَّاسِ ، فَبَرَزَ مِنْهُمْ العُلَمَاءُ وَالرُّؤَسَاءُ ، وَالأُدَبَاءُ وَالشُّعَرَاءُ وَالمُفَكِّرُونَ وَالمُخْتَرِعُونَ .

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : سَتَقِلُّ نِسْبَةُ الإِعَاقَةِ بِفَضْلِ اللهِ وَإِذْنِهِ ثُمَّ بِأَخْذِنَا بِأَسْبَابِ الوَقَايَةِ وَبَرَامِجِ التَّحْصِينِ لِلْأُمَّهَاتِ وَالأَطْفَالِ وَالحَذَرِ مِنْ بَعْضِ العَقَاقِيرِ وَالأَدْوِيَةِ أَثْنَاءَ الحَمْلِ ، وَإِرْضَاعِ الطِّفْلِ رَضَاعًا طَبِيعِيًّا ، فَإِنَّ فِي حَلِيبِ الأُمِّ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِنْ العُلَبِ المُجَفَّفَةِ ، ثُمَّ الإِنْتِبَاهُ مِنْ بَعْضِ الأَمْرَاضِ الوِرَاثِيَّةِ فِي زَوَاجِ الأَقَارِبِ فَيَنْبَغِي فَحْصُ هَذَا الجَانِبِ قَبْلَ الزَّوَاجِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ عَيْبًا إِنَّمَا هُوَ دَرْءٌ لِلْمَفْسَدَةِ ، وَدَلِيلٌ عَلَى الوَعْيِ وَالإِدْرَاكِ .

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ ...

الخطبةُ الثانيةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : فَاتَّقُوا اللهَ القائل ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) الأحزاب)) ، وَاعْلَمُوا أَنَّ هُنَاكَ سَبَبًا عِمْلَاقاً لِلْإِعَاقَةِ ، وَهُوَ حَوَادِثُ السَّيَّارَاتِ حَمَانَا اللهُ وَإِيَّاُكْم مِنْ شَرِّهَا ، الحَوَادِثُ أَهْلَكَتْ النَّاسَ وَالشَّبَابَ خَاصَّةً فَمَنْ لَمْ يَمُتْ بِسَبَبِهَا ، أَصْبَحَ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ مُقْعَدًا وَرَهِينَةً لِكَرَاسِي المُعَاقِينَ ، أَوْ مَشْلُولاً عَلَى فِرَاشِهِ بِسَبَبِ السُّرْعَةِ أَوْ بِسَبَبِ هَذِهِ الجَوَّالَاتِ التِي أَهْلَكَتْ النَّاسَ ، فَارْفِقُوا بِأَنْفُسِكُم أَيُّهَا الشَّبَابُ (( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (29) النساء )) ، ضَعْ الجَوَّالَ وَمَا فِيهِ جَانِباً حَتَّى تَصِلَ بِالسَّلاَمَةِ ، وَلَا تُعَرِّضْ نَفْسَكَ وَالآخَرِينَ لِلْهَلاَكِ بِسَبَبِ رِسَالَةِ وَاتَسَابْ أَوْ تَسْنِيبَةٍ مِنْ فُلَانٍ أَوْ عَلَّانٍ

نَسْأَلُ اللهَ أنْ يَحْفَظَنَا وَإِيَّاكُمْ وَجَمِيعَ المُسْلِمِينَ مِنْ مِنْ شُرُورِ حَوَادِثِ السَّيَّارَاتِ ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلى مُحَمَّدٍ ؛ فَقَدْ أَمَرَكُم اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))


ذوو الإعاقة والمجتمع.pdf

PDF A5


ذوو الإعاقة والمجتمع.doc

WORD A5