خطر الدعاوى الكيدية
خطبة جمعة
بِعِنْوَان
( خطر الدعاوى الكيدية )
كتبها
عبدالله فهد الواكد
إمام وخطيب جامع الواكد بحائل
الخطبة الأولى
الحَمْدُ للهِ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ ، وَأُثِنِي عَلَيْهِ ثَنَاءَ المُخْبِتِينَ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَخُلَفَائِهِ الغُرِّ المَيَامِينِ ، وَصَحَابَتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ القَائِلَ ( يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون )
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : " يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا"
وَالظُّلْمُ ثَلَاثَةٌ أَنْوَاعٍ : ظُلمٌ لَا يَغْفِرُهُ اللهُ ، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللهُ ، وَظُلْمٌ لَا يَتْرُكُهُ اللهُ .
فَالظُّلْمُ الَّذِي لاَ يَغْفِرُهُ اللهُ هُوَ أَشَدُّ الظُّلْمِ وَأَشْنَعُهُ وَأَمَرُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَوْجَعُهُ ، وَهُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ وَصَرْفُ العُبُودِيَّةِ لِغَيْرِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، قَالَ تَعَالَى : ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )( لقمان 13) وَقَالَ تَعَالَى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) (النساء 48)
وَأَمَّا الظُّلْمُ الذِي يَغْفِرُهُ اللهُ فَهُوَ ظُلْمُ العَبْدِ لِنَفْسِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لاَ يَتْرُكُهُ اللهُ فَظُلْمُ العِبَادِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتَّى يَدِينَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ .
فَالإِنْسَانُ حِينَمَا يَظْلِمُ غَيْرَهُ بِالإِعْتِدَاءِ عَلَيْهِ أَوْ الإِسَاءَةِ إِلَيْهِ أَوْ أَكْلِ مَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يُعْتَبَرُ ظَالِمًا مُعْتَدِيًا فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ : " إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ " مُتفقٌ عَلَيهِ.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ دَعْوَى المُدَّعِي عَبْرَ القَنَوَاتِ الرَّسْمِيَّةِ ، حَقٌّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ المُجْتَمَعِ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْرَمَ مِنْهاَ النَّاسُ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا ، لِأَنَّ هَذَا الحَقَّ شَرَعَهُ اللهُ لَهُمْ وَضَبَطَتْهُ الشَّرِيعَةُ لِلْحُصُولِ عَلَى الحُقُوقِ بِطَرِيقَةٍ مَشْرُوعَةٍ تَحْفَظُ حُقُوقَ النَّاسِ وَأَمْنَ المُجْتَمَعَاتِ وَاسْتِقْرَارَ الأَحْوَالِ ، وَتُدْرَأُ بِهَا المَفَاسِدُ ، لَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاسِ أَنْ يَسْتَخْدِمُوا هَذَا الحَقَّ دُونَ الحَاجَةِ إِلَيْهِ أَوْ وُجُودِ مَصْلَحَةٍ مَشْرُوعَةٍ ، وَمِنْ المُلَاحَظِ فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ لَمَّا تَغَلْغَلَتْ الدُّنْيَا وَحُبَّ المَالِ وَالطَّمَعَ فِي نُفُوسِ النَّاسِ ، كَثُرَ اسْتِخْدَامُ هَذَا الحَقِّ لِأَهْدَافٍ كَيْدِيَّةٍ ، وَذَلِكَ بِمُطَالَبَةِ الْمُدَّعِي غَيْرَهُ أَمْراً لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ ، مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ ، فَهَذِهِ الدَّعْوَى البَاطِلَةُ ، الَّتِي يَقْصِدُ مِنْهَا الْمُدَّعِي الإِسَاءَةَ وَإِلْحَاقَ الضَّرَرَ بِالمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَأَخْذَ حَقَّهُ زُورًا وَظُلْمًا وَبُهْتَانًا ، قَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الشَّرِيعَةِ بِتَحْرِيمِهَا ، مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِي ، وَمَا رَوَى بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ "
فَيَا عِبَادَ اللهِ : مَنْ أَنْشَأَ خُصُومَةً كَيْدِيَّةً وَادَّعَى ادِّعَاءً بَاطِلاً فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِوَعِيدِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ وَظُلْمٍ ، مَعَ عِلْمِهِ بِذَلَكِ ، مِمَّا يَجْعَلُ هَذَا الفِعْلَ كَبِيرَةً مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ فَالدَّعْوَى الكَيْدِيَّةُ البَاطِلَةُ ، ظُلْمٌ لِلْآخَرِينَ ، وَإِضَاعَةٌ لِلْوَقْتِ ، َوإِشْغَالٌ لِلْجِهَازِ القَضَائِي ، وَمِنْ تِلْكَ الدَّعَاوِي الكَيْدِيَّةِ تِكْرَارُ المُطَالَبَةِ مِنْ المُدَّعِي فِي دَعْوَى مُنْتَهِيَةٍ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ تَعْطِيلًا لِمَصَالِحِ الآخَرِينَ ، أَوْ الإِعْتِرَاضُ عَلَى حُكْمٍ مَقْطُوعٍ بِهِ ، دُونَ وُجُودِ وَقَائِعَ جَدِيدَةٍ تَسْتَوْجِبُ إِعَادَةَ النَّظَرِ فِي الحُكْمِ ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الدَّعَاوَى لاَ تَسْتَنِدُ إِلَّا عَلَى الكَيْدِ وَالضَّغِينَةِ وَتَعْطِيلِ المَصَالِحِ .
أَيُّهاَ المُسْلِمُونَ : يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ الحَذَرُ مِنْ الدَّعَاوَى الكَيْدِيَّةِ وَالْبُعْدُ عَنْهَا وَعَدَمُ مُسَانَدَةِ أَهْلِهَا وَالوُقُوفِ مَعَهُمْ بَلْ يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ نُصْحُهُمْ وَتَحْذِيرُهُمْ مِنْ مَغَبَّةِ ذَلِكَ ، وَلَا يَغْتَرُّ المُسْلِمُ بِقُوَّةِ بَيَانِهِ وَفَصَاحَةِ لِسَانِهِ فَيَأكُلَ حُقُوقَ الآخَرِينَ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا فَعَنْ أُمِّ سَلَمةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : "إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ " فَاحْذَرُوا غَضَبَ الجَبَّارِ ، وَعَذَابَ النَّارِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )( البقرة188)
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .
الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نبيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : فَإِنَّ الظُّلْمَ مِنْ أَقْبَحِ الكَبَائِرِ، وَهُوَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : " وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا " [الفرقان:19]، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ : " وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ " [الشورى:8] وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ " فَالظُّلْمُ شَرُّهُ عَظِيمٌ، وَعَاقِبَتُهُ وَخِيمَةٌ فَيَا أَيُّهَا المُحَامُونَ وَيَا مَنْ تَتَوَكَّلُونَ لِلْمُرَافَعَاتِ فِي الَمَحَاكِمِ : إِتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي القَضَايَا التِي تُسْنَدُ إِلَيْكُمْ وَتَأَكَّدُوا مِنْ صِدْقِ المُدَّعِي وَنَزَاهَةِ دَعْوَاهُ لِأَنَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ بَشَرٌ لَهُ حُرْمَتُهُ فَإِنْ نَزَعْتُمْ مِنْهُ حَقَّهُ وَظَلَمْتُمُوهُ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى حَكَمٍ عَدْلٍ ، فَتُحْمَلُ مَظْلَمَتُهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، فَتَبُوؤُونَ بِعَظِيمِ إِثْمِهَا ، وَشَدِيدِ جُرْمِهَا ، نَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَ المُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يُجَنِّبَهُمْ الظُّلْمَ بِشَتَّى صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ وَنَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَلَا يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ ، وصَلَّو وَسَلِمُوا على رسول الله محمد..............