استراجية الاستثمار عند الخياط

كنوز النورس | صلاح بن محمد الزامل


من أجمل المهام، وأقصرها مدة، أن تفصل ثوباً جديداً عند صديقك الخياط؛ فالأمر لا يعدو أن تقول له كلمتين.:

“أبيض، مثل حق العام”، وانتهى الموضوع!!

لكن ما لا ينتهي، هو جمال التواصل معه، فتعامله مع شخصيات المجتمع؛ تجعله أقرب لأن يكون (مقيّم) حسب مراكز القياس المهنية.


البارحة عندما هاتفت صديقي الخياط وبدأ يمازحني، قال لي:

“دعني أقول لك شيئاً، وحطه قدام عيونك، اسمع مني هذه القصة:

كان لي عميل تحدى كل الظروف، وبنى نفسه، وتجارته من الصفر، كافح حتى أصبح يملك عقارات في عدة مدن في المملكة..

كنت أترقب زيارته السنوية، يفصل عندي ثوبين، ولكن الاتفاق على السعر لا ينتهي، إلا بطلعة الروح، كان حريصاً جداً، ويناقشني بالتفاصيل، ويقول لي (اخصم على الأقل قيمة مشواري)؛ لأنه عاش حياة تحدي؛ وبنى نفسه بنفسه، وأجهد عمره بالعمل.. كنت اضطر أن اخصم له الحد الأقصى؛ حتى تنتهي صفقة الثوبين، مع علمي بقدرته المالية العالية؛ احتراماً له؛ ولكفاحه..

توفي رحمه الله، واستمرت العائلة تفصل ثيابها عندي..

أحد أبناءه، اذا جاءني يفصل ثياباً جديدة، أتأمل الطلب، وأتذكر كفاح الأب؛ لأن الأمر لا يعدو كلمتين، “فصل لي ٢٠ ثوباً”، ويعطيني البطاقة، لا يسأل عن التكلفة!!.

كل ما حدث هذا الموقف؛ أستذكر والده، رحمه الله، وأقول: لو خرج من قبره اليوم، ورأى ذلك؛ هل سيستمر في طريقته؛ وعلى ذلك التشدد على نفسه؟؟!!..

لسان حال الخياط، وهو يروي لي القصة، الدعوة إلى ثلاثة أشياء:

أولاً: أن يمتّع المكافح نفسه بما جنى، مع مراعاة التكلفة، ودون إسراف.

ثانياً: أن يستثمر لآخرته، كما استثمر لدنياه؛ فهو أحوج بقيمة العشرين ثوباً في قبره، من احتياج ابنه لها، بأي عمل، لصالح وطنه، ومجتمعه، وأسرته، يحتسبه عند الله.

ثالثاً: إن أهل الكفاح (أحياناً) يشغلهم كفاحهم عن أنفسهم؛ فهم بحاجة لوقفة تأمل؛ ولينظروا بعيداً".

كان يتحدث، وكنت أستمع، وأتأمل بروعة ما يقول، وبُعد نظره، وتحليله للموقف، استمر كلامه عالقاً في ذهني، على أنها استراتيجية الخياط الجديرة بالاهتمام..

ومن يفصل استراتيجية الحياة؛ سيحسن تفصيل الثياب بلا شك!!.