صورة السائح بين التثبيت و التصحيح

بقلم : م أمير الصالح


كل انسان سافر سائحا او من اجل العمل و احتك بابناء الدول المستقبلة له و ترك انطباع محدد في نفوس من احتك بهم . و عادة يكون الاثر المتروك يمس طبيعته و سلوكه و نمط تعامله و اسلوب كلامه و مدى انضباطه و احترامه لثقافة و ديانه و قوانين شعب الدوله المضيفة له . و الاغلب العام يكون ذلك الانطباع. محل تعميم في الحكم ضد ابناء بلاده او مدينته او عشيرته في ذهنية ابناء شعب الدولة المضيفة. قبل عهد كورونا هكذا كان الحال . وقد تضرر الكثير من المواطنين الطيبين بسبب سلوكيات البعض ممن زار بعض الدول السياحية و خلف اثار و انطباعات سيئة و سمعة غير حميدة . و حيث ان فترة الحجر الصحي في فطاع النقل الجوي السياحي امتدت فترة طويلة نسبيا. فان ذاكرة ابناء بعض الدول المعتمدة على السياحة مستعدة لاستقبال انطباعات جديدة بناء على ما سيرونه بعد اعادة نشاط السفر بين الدول . و بما ان جميع سكان الارض يتطلعون لانقشاع الوباء الراهن ، و هناك اعداد كبيرة من البشر تتطلع بحماس كبير للانطلاق سفرا من جديد باهداف متعددة منها : استحصال الرزق في التجوال بين البلدان او الالتحاق بافراد اسرهم بعد طول فراق أو الترويح عن النفس بعد طول عناء او الوقوف على احوال املاكهم. و عليه يكون اتاحة السفر بين الدول على رأس تلكم الانشطة المرتقبة بحماس لعدد كبير من بني البشر.


قد يلوح سؤال في اذهان البعض و قد يكون ذات السؤال مختمر منذ فترة في رأس البعض الاخر ، في الفترة الاولى لانفتاح كامل اجواء السفر بين الدول :

ماهي الصورة / الصور التي يود السائح الخليجي ان يرسمها عن نفسه و عن ابناء وطنه من جديد في ذهن جمهور و شعوب دول محطات السياحة و اعلامها عند زيارته لها من جديد . ان كانت الصورة القائمة سابقا جميلة و تليق بالوطن و المواطنين و القيم التي يرددها ابناء المنطقة ، فامانة عليه ليحافظ ذلك السائح المواطن عليها و يعض النواذج. و ان كانت الصورة التي ترسبت عن السائح الخليجي صورة غير طيبة ، فقد ولدت الان فرص جديدة لتصحيح الصورة و جعلها ناصعة البياض او معقولة البياض .


أتطلع و اياكم عبر هذا المنبر ان يعيد كل سائح من ابناء خليجنا الحبيب لا سيما من جهل بتصرفاته او اكل حقوق الناس باسم وطنه او من شنع فعله و انحرف سلوكه او من تماد ظلما على فقراء الدول السياحية ان يعيد حساباته و يرسم افق افضل عن نفسه و عن ابناء مجتمعه و وطنه . فالسياحة امانة و نعمة و الاجدى ان تكون نظيفة حيث الأنسان يتحمل مسؤولية تمثيل مجتمعه و وطنه . لقد تضررنا سابقا بسبب تصرفات اشخاص ينتمون لوطننا ، فارجو من الله ان لا نتضرر بسبب جهل الجاهلين ممن يسيحون في الارض لاحقا اي بعد مرحلة كورونا.



الفرصة الثانية


قال نيلسون مانديلا: ”أنا لا أخسر أبدا أما أن اربح أو أتعلم“. في الإنجاز والمقارنة نحاول أن نسابق أنفسنا ونعقد مقارنة يومنا مع أمسنا وتجنب أن نجلد ذواتنا لأننا بحاجة لشحذ همتها. قراءة الفرص قراءة سليمة تجعل الإنسان أقرب في النجاح لاقتناص الاكثر حظا فيها.

في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة هناك أسطوانة تسمى أسطوانة أبى لبابة ولهذه التسمية قصة. ومختصر القصة هو أن أبي لبابة «رضي الله عنه» أراد التوبة والرجوع إلى الله طلبا لفرصة ثانية لإبراز ولاءه لدينه وإخلاصه لنبي الإسلام وحسن نيته واعراضه التام عما أغضب الله. وبالفعل بعد انقضاء عدة أيام ويقال سبعة أيام وهو محتبس نفسه عند تلك الاسطوانة «عامود» بداخل المسجد النبوي الشريف، اتت تباشير العفو وقبول التوبة واعطاء الفرصة الجديدة له بنزول آية قرآنية «الانفال اية 27/ التوبة اية 102» تخلد ذلك الموقف وتلهم التائبين وتجسد روح إعطاء الفرص الثانية لمن صدق قولا وعملا في توبته.


في وقتنا الحاضر، تزايد منسوب تمرد المراهقين هو أيضا يحتاج لمراجعة في أساليب التعامل والتعاطي معه. لم يعد يجدي نفعا مبرما الإقصاء الكامل أو القطيعة مع المراهق المتمرد أو العاصي. ففي ظل تعرض النشئ الجديد لكم إعلامي ضخم وزخ ماطر من الصور ومقاطع الفيديو عبر النت وفضاء تطبيقات السوشل ميديا والقضاء الإلكتروني المفتوح، يحتاج الوالدين إلى تطوير أدوات التخاطب والتوجيه والنصح واحتضان الأبناء المراهقين من اجل المشاركة الفاعلة في توجيههم نحو الأفضل وخلق شخصياتهم بشكل أحسن.

من الملاحظ انه في مجتمعاتنا الشرق اوسطية لغة التسقيط والتشهير للأشخاص المخطئين تصرفا او فعلا او قولا حتى لمرة واحدة هي السائدة. ولذا نلاحظ ان الاقصاء والنبذ والتطميس والتشنيع هو السائد في المعالجات الإحتقانية ان تصادمت اطراف ضد اطراف داخل المجتمع الواحد. والاشكال الاكثر ان اي من الفريقين لم يتبنى جهود رصينة ومعتد بها في تذليل المصاعب واعطاء الفرصة في خلق تفاهمات تحفظ للود والوصال طريق. بل الادهى والامر ان كلا طرفي التسقيط يتوددون لمن لا يعيرهم وزنا طلبا لوده والتقرب منه!

من المعروف ان الماء السائل يبحث له عن ممر اخر ان سد ممره المعتاد. وهكذا هي العلاقات البشرية، سيحاول من يلفظه مجتمعه بسبب هفوة او جفوة او زلة ان يلتحق بمجتمع آخر حتى لو كان مجتمع يشاهر بالضغينة لمجتمعه الام ومناوئ اخلاقياته وحتى لو كان ذلك المجتمع بعيدا عنه ولا سبيل للاتصال به الا عبر العالم الافتراضي والرقمي.

شهر رمضان محطة زمنية متجددة وباب رحمة فُتح للناس لإعادة ضبط السلوك القويم وتلمس مشاعر المحيطين بنا النبيلة وأحياء المبادرات الجميلة والتعلق بالله العزيز الحنان وبالمجمل فهو شهر اشبه بأسطوانة ابي لبابة «اسطوانة التوبة» لمن اراد العودة لله ولمن يتلمس فرص النجاة وتصيح المسيرة نحو الله. وعلى أبناء المجتمع احتضان بعضهم بعضا لتفويت الفرص على الشيطان وتنمية الفرص لبناء البيت الداخلي الواحد بمتانة أكبر.



بيالة شاي


بقلم : م أمير الصالح


بعد تناول كل فرد منا فطوره الرمضاني في منزله،، نجتمع بعد مضي ساعة واحدة من دخول وقت الافطار في منزل احد منا كما يتم الاتفاق المسبق لنحتسي اقداح (بيالات / استكانات ) الشاي السريلانكي المحكم المذاق اعدادا و المميز في النكهة بتقديمه في بيالات زجاجية مخصرة القوام . هكذا كان الحال في مواسم شهر رمضان على مدى سنوات تجاوزت العقدين . كان هذا الاجتماع الاخوي مفعم بالحب و الاخاء و الوفاء و له عبق جميل في نفوس المشاركين ، و فيه و خلاله تفوح قراءة و ترتيل آيات بينات من القرآن الكريم تارة او قراءة بصوت جميل لمقطع من دعاء تارة اخرى او سرد قصص ادبية بهدف رفع مستوى الحكمة و الذوق الاخلاقي الحسن أو مشاركة طرائف و مواقف أنسانية رائعة أو تناقل آخر اخبار الحي و البلاد و العالم .


الا ان اكتساح جائحة كورونا للعالم قيضت تلكم الجلسات الرمضانية الجميلة، فاصبحت تطبيقات السوشل ميديا هي البديل الاقوى لتلكم الديوانيات و المصدر الاخباري الاكثر نهلا منه لدى معظم ابناء العائلة و الحي لاسيما ابناء الجيل الصاعد . و اضحى البعض القليل من الشباب يعبر عن تململه من استطالة وسائط التواصل الاجتماعي و ضمور. المجالس و الديوانيات في ايامنا هذه . و اغلب كبار السن يتندرون حسرة لافتقاد تلكم الاجواء .


و لكون المقال هذا ، أداة بديلة في ايصال مشاركتي في ديوانية الطيبين من امثالكم ، وددت ان اشارككم بقصص لاعمال هادفة وقفت على بعضها و كنت جزء من بعضها الاخر ، لعل البعض من القراء يستفيد منها او يقوم بنقلها للاخرين خلال جلسات رمضان العائلية او مع اصدقاءه.



قصة ١:

تجمعوا جميع الابناء و البنات و الاحفاد في الذكرى السنوية لرحيل امهم المتطابق مع تاريخ يوم الام العالمي ، و جمعوا الهدايا المعتاد اهداءها منهم لامهم. فقام وفد ممثل من البنات الكبار بزيارة لاحد المسنات المحتاجات و تقديم تلكم الهدايا لها و تثويب جزاء ذلك العمل الحسن لروح امهم المرتحلة لله .


قصة ٢:

كان كثير الكرم و قليل الكلام و يعزف عن التقاط الصور عند احتضان الضيوف في بيته و اتخذ من الشاي رمز لمجلسه . و كان يقدم الشاي في بيالات ( استكانات ) صغيرة للضيوف ثم يتبعها بما افاض الله عليه من نعم . بعد ضيق صدره لطول فترة اغلاق مجلسه بسبب جائحة كورونا ، اخذ قرار بتحيين الفرص في المناسبات و غلف بيالاته الجديدة و وزعها على بعض افراد اسرته و اصدقاءه و بعض من ابناء جيرانه .


قصة ٣

احتار الابن البار بماذا يهدي والده المتقاعد ، فكل ما يحبه والده هو في حيازته . ففتش بكل جهد عن ميول و هوايات والده ليهديه شي يتناسب و البر به . فتذكر ان والده يعشق الاستكشاف و السفر ، الا انه و في ذات الوقت لا يستطيع الابن قطع تذاكر سفر لوالده بسبب الجائحة . ففكر مليا حتى اهتدى لفكرة التبرع بمبلغ كامل رحلة افتراضية لمحطة سياحية في مبرة احسان للوالدين خيرية . و كان مبلغ التبرع مجز لانه يعادل قيمة رحلة سياحية لمدة عشرة ايان شاملة قيمة تذاكر الطيران و المبيت في فندق و التنقل و الترفيه و ثلاث وجبات يومية.


هكذا قصص واقعية لاساليب مبتكرة عند سماعها فانها ترسم خطوط جديدة في لوحة روح السعادة و تبهج النفس و تطرد الكآبة و تدخل السرور في القلوب الطيبة و القلوب الساعية نحو الافضل و ترتقي بالتضامن الاجتماعي و الحس الانساني النبيل . و لعل المزيد من امثال تلكم القصص الجميلة تسمعونها اثناء توزيع بيالات ( استكانات ) الشاي و احتساءه مع من تحبون في ليالي رمضان و بالهناء و الشفاء .


على هامش المقال :


- في ظل انتشار دكاكين القهوة. Coffee shop في ارجاء البلاد العربية ، يتمازح البعض من الشباب بان يقول لك انت من حزب الشاي او حزب القهوة ليحدد المكان الذي يدعوك اليه .


- من جميل تسجيلات مقاطع الفيديو المتعلقة باعداد الشاي المخدر هو تسجيل منسوب لرجل مسن من ابناء واحة الاحساء الغالية و هو يقول " اما هذا الذي يقول كذا و كذا عند اعداد الشاي فانه يدعي" . ادعو لذاك الرجل المسن الراحل و لجميع موتانا و موتى المسلمين بالرحمة و الغفران .