الروائي عبده خال في صحبة المبدعين بجدة

كنوز النورس| سعد جاويش - عضو الجمعية العربية للثقافة والفنون - عضو اتحاد المبدعين


في سهرة رمضانية ثقافية ماتعة ، احتفى معالي المستشار محمد آل صبيح - وجمع من الأدباء والإعلاميين- بالروائي السعودي العالمي الأستاذ عبده خال ، حيث بدأ حديثَه عن ذكريات طفولته التي أخذت منحًى صعبًا وقاسيًا ؛ فلم تكن طفولة عادية بل طفولة عاملة، وعمل صعب المراس لطفل في حداثته مقارنة باليوم حيث توفير سبل الرفاهية والمتعة، وكان عمل عبده خال في طفولته ساقيا للأسرة ، يجلب لهم الماء من مكان يبعد عن قريته حوالي سبعة كيلو مترات، وهذه ليست مسافة نائية بمقاييس وسائل المواصلات الحالية ، وزاد قسوتها أنها كانت بين القفار والجبال، وعبر البيداء المترامية الأطراف، حيث الحيوانات الضارية من ذئاب وثعالب وكلاب وأشجار وأغوار وغيرها، مما يرهب طفلًا في حداثته، بل الصعوبة أنه كان طفلا يجلب الماءَ على حمار أعرج، و ما يجلبه الحمار السليم في ساعة يجلبه الحمار الأعرج في ساعات، وتلك المسافة كوّنت خياله الخصب وصنعت ذاكرته الروائية منذ الصغر؛ إذ التقطت عيناه وصف دقائق كل ما تراه وتسمعه من معالم البيئة التي عايشها حقيقة، خلال رحلته الطويلة في ذاكرته و القصيرة لنا والتى تقرأ ملامحها في رواياته ، فضلا عن أنه عانى فقد ستة إخوة يكبرونه إلا أخًا كبيرًا تربى بعيدا عنه، ومن ثم كانت تربية عبده خال تربية أنثوية انعكس تأثيرها على تربيته لأولاده وبناته و مجريات حياته قاطبة ، وازداد طغيان نزعة التربية الأنثوية على أسلوب حياة عبده خال بعد وفاة والده وهو صغير فتولت أمه تربيته وتعليمه، ورأت معالم النجابة ونمت بذور الشهرة والقيادة فيه فدرَّبته على إمامة الناس في قريته، وشجعته على ذلك فاستجاب بفطرته التي تربى عليها، ثم تحول بعد ذلك واستجابة لدعائها وحسن ظنها فيه إلى العالمية، وهي التي استشرفت فيه معالمها قبل غيرها، ونمَت بين أحضانها ..

وفي أثناء استكمال عبده خال مراحل تعليمه المختلفة تلقَّى صنوف الأدب و الفن والثقافة بصحبة المبدعين؛ حيث لاذ بالفرار إلى القراءة فكان نهمَ القراءة، شغوفًا بالآداب والفنون على اختلاف صنوفها ، حتى قيل عنه من أحد أصحابه : كنا نمَلُّ الجلوسَ إليه أحيانا كثيرة ؛ لانشغاله عنّا بما يقرأ، وبما يكتب.

ثم كان تخصص عبده خال الأكاديمي الجامعي هو قسم العلوم السياسة والذي أتمه فتحت أمامه- بعده- أبواب الأمل وتحقيق الطموح، وإن دفن موهبته الإبداعية و الفكرية؛ فاصطدم بواقع مرير رضي به مضطرا إليه ولا مفر من قبول عطاءات الله و هو عمله كمعلم، و هي الدرجة الأولى في سلم طموحه وتحقيق معالم طريقه، واستمر في التدريس و إبداعه ظهر في الأنشطة الطلابية الثقافية ، وتَنَقّل في التعليم ورغبة التخلص منه تراوده وما من مفر، حيث تنفيذ التعليمات والتعاميم و هذا ما يتناقض مع شخصية المبدع وحرية موهبته ، حتى أصيب بجلطة دماغية أبعدته عن التعليم وكانت اختبارا فاصلا في حياته بين ما كان يعتقده ويدافع عنه، وبين ما خرج من صندوق ذكرياته واعتبرها صدمة فرَّغتْ صندوق ذكرياته ودون عودة إلى كثير منها ، بل و جعلته يعيد تفكيره في كثير من قضايا مر بها سلفا حتى قال : لو عاد بي الزمن ما فعلتُها ، وهذا يرجع إلى فطرته التي تربي عليها ، ودافع كثيرا عما اتهم به بهتانًا دون مناقشته فيه، طالما أنها اتهامات تبتعد عن ثوابت الدين ، فضلا عن أن أغلبها آراء شخصية.

ثم تحدث عن مسيرته مع أغلب المبدعين من كُتّاب القصة و الرواية و الشعراء وكذا الفنانين ، وخصّ منهم صديقه الفنان طلال مداح والفنان محمد عبده الذي اعتبرَ علاقته به تزيد عن الأخوة، وغيرهم من رفقاء الإبداع والأدب في مصر والإمارات واليمن وغيرها من الدول العربية ، وأثر ذلك في حياته.

وكانت أهم محطة في حياة عبده خال توثق عالمية إبداعه هي فوزه بجائزة االبوكر العالمية في الرواية بالإمارات عام 2010 عن روايته (ترمي بشرر)، وكان تكريمه عليها مستحق ، وإن كانت أعماله الروائية الأخرى جديرة بالدراسة ، ومنها : مدن تأكل العشب، لوعة الغاوية، الأوغاد يضحكون، الموت يمر من هنا وغيرها، والقارئ لتلك الروايات يجد أن عبده خال ابن بيئته، التقطت عينه أدق ملامحها وتفاصيلها شكليا وجوهريا باحترافية وتجرُّد دون أن يحيد رغم الاختلاف عليه والخلاف معه من قبل بعض التيارات التي كالت له الاتهامات؛ فجردته حتى من عباءة الدين ، وهذا ما استغربه، حيث قال :لو قُدِّر لي العودةُ إلى الخلف، فأود أن أكون عبده خال مع شيء من التعديل وهو عدم مواجهة التيار الديني، حيث أفقدتْني تلك المواجهات صحتي ،وهذا يبرهن على تصالح عبده خال مع نفسه، وتقويمِها وقبوله لها كما كانت وكما هي مع الندم على ما أوقعه في صراعات أثرت على صحته وأنهكت فكره وعطلت إبداع قلمه... و في الختام شكر المستشار محمد إبراهيم آل صبيح شكر الروائي السعودي العالمي عبده خال لما قدمه من إبداع وسلمه درع الجمعية العربية للثقافة والفنون احتفاء به وتكريما له.