تنهيدةٌ على شفِة الضوء

كنوز النورس | حوراء الهميلي


قصيدة حوراء الهميلي الأولى في مشاركتها بأمير الشعراء


بعنوان (تنهيدةٌ على شفةِ الضوء):


أُوارِبُ عمري و(الثلاثونَ) تدخُلُ

وتنثرُ فوقي الوردَ وهْي تُهَلِّلُ


تَرُشُّ بماءِ الزعفرانِ ضفائري

لِيَنسابَ صبحٌ بالحنينِ مُؤَجَّلُ


أُسائِلُها عن ملمسِ العمرِ في يدي

فتهمِسُ: أنثى الشعرِ عمرُكِ مُخْمَلُ!


فأضحكُ.. أبكي.. يرجفُ الوردُ في فمي

وتندى على خدِّي السنينُ فأثمَلُ


هنا يحمِلُ الحِنَّاءُ لونَ خطيئتي

يُجَرَّمُ خَلخالي ورقصي يُؤَوَّلُ!!


يريدون أنفاسي (سجائرَ )حزنِهم

لِيختنقَ المعنى إذا كدتُ أسعُلُ!


يريدون وجهي حائطًا فيه عُلِّقتْ

تجاعيدُ روحي واستوى فيه هيكلُ


فلا ضوءَ يُحْيِيني ؛ لأنَّ سوادَهم

يصدُّ شعاعَ الشمسِ عني فأذبلُ


فهم عَبَّؤوا بارودَ خوفي بِشَكِّهِم

وثاروا على شعري وشعريَ أعزلُ!


على ظهرِ أوزاري حملتُ قبيلتي

أُحَطِّمُ أصنامي ولا (عمَّ) يكفُلُ


دثاري ارتجافي.. بُرْدَةُ الشعرِ بُرْدَتِي

وفي (غارِ) أوجاعي يطيبُ التأملُ


إذا أجهضوا طفلي المغامرَ مِن دمي

سأنذرُ طفلًا مِن جديدٍ وأَحْبَلُ


وأُنْجِبُ آلافَ القصائدِ، لا فمٌ

سيكفُلُها غيري ولا وحيَ يُرْسَلُ


وأفتحُ أضلاعي لنورِ حقيقتي:

أنا رَبَّةُ الإلهامِ والشعرُ مُنْزَلُ!



مَنْ زَرَّر قميصَ المعنى ؟!


أسبح في خيالات الأبجدية عَلِّي أقبض على بلورة المعنى

أقطف تفاحةَ الخلود، وأخصف ضياعي بانزياحاتِ المخيلة،

أهبط وعلى يدي سوارُ نبوءة

أمر بدهاليزِ الحكاياتِ وأصرخ :

(كأنه هو!)

أغامر بخطاي المتوثبة، أكشف عن ساقِ القصيدةِ الممرد

قبل أن يرتدَ طرفُ شعوري

أتربع على عرشِ الغياب؛ لأكثف قلقي الوجودي المنعكس على مرايا الروح.


مَنْ زَرَّر قميصَ المعنى؟!


ما شابَ شعري بانتصافِ شبابي

إني ادَّخرتُ عذوبتي لعذابي


زاوجتُ أجناسَ اللغاتِ على فمي

وكسوتُ جسمَ قصائدي بثيابي


ورقصتُ فوقَ منصةِ المعنى

فما أغرى حضوري غيرُ عطرِ غيابي


أقراطي الأفكارُ

خلخالي الهوى

والشوقُ في كفِّ الهيامِ خضابي


حنائيَ المنقوشُ فوقَ أصابعي

دلَّلْتُه بتمردِ العنَّابِ


وربطتُ في خصرِ الغوايةِ سوسنًا

يهفو إليَّ بِرقَّةٍ وتصابي


حتى إذا الفردوسُ شرَّع بابَه

أرسلتُ هدهدَ رحلتي بخطابي


متقصيًا مدنَ السؤالِ بحدسِه

من قبل أن يرتدَّ طرفُ جوابي


ما عاد إلا خائفًا مترقبًا

جناتِ مغفرتي / جحيمَ عقابي


ودنا إلى عرشي

فأوجسَ خيفةً

من عينه انهمرتْ رؤى الأهدابِ


يحكي ليختزلَ المجازَ

بصورةٍ علويةٍ

من أفقِها الخلابِ:



أنثى

تريقُ الشمسَ في قسماتِها

ولها تقيم موائدَ الأنخابِ


ووجدتُها والضوءُ في منوالِها

منه تحيك مشيئةَ الأسبابِ


صلَّتْ فأمَّنت الرياحُ دعاءَها

والنهرُ فاضَ نوافلَ استحبابِ


عرفانُها

يكسو المساءَ بهالةٍ فضيةٍ

من دمعِها المنسابِ


سبأُ المدائن

لم تكن إلا قرى قلبي

زرعتُ من الحنينِ شعابي


عكستنيَ المرآةُ

ساقُ قصيدتي انكشفتْ رؤاها

عن قصورِ سرابي


وتحسستْ وجهي

تلاشى وجهها

كشحوبِ ضوءٍ منتشٍ بضبابِ


نكَّرتُ عرشي ما اهتدت

هل صدَّها قلقي

فلم تدركْ حقيقةَ ما بي


ما العرشُ؟

مملكةُ الهوى

أنَّى اعتليتُ

سقطتُ من أعلايَ للمحرابِ


مالي إذا انتبه اليقينُ تزعزعتْ

أركانُ قلبٍ مؤمنٍ مرتابِ!


أرسلتُ من رحمِ النخيلِ

نبوءةً خضراء

أرفدُ صبرَها بترابي


مني احتطبتُ شقايَ

نايًا

ربما بذرتْ يدي تنهيدةَ الحطَّابِ


مبعوثةً مما ترمَّد من دمي

أنثى المجازِ وفي يديَّ كتابي


ومعارفي خبزُ الحقيقةِ

ملحُها زادي

ومن نهرِ السؤالِ شرابي


مرَّتْ بعقلي الأبجديةُ

نهرُها يجري بأوردتي إلى أعصابي


متشبثٌ بالذكرياتِ

وسَيْلُه غمرَ الحكايةَ جارفًا أحبابي


مطرٌ

يبلوره الحنينُ

إذا انبرى بالدمعِ يرقب عودةَ الغُيَّابِ


ثَقبتْ سفينَ قصائدي تنهيدةٌ

لم تكترثْ لصلابةِ الأخشابِ

وتبخرَ المعنى الكثيفُ

سحابة حبلى

تُقطِّرُ جملةَ الإعرابِ


من بعدِ طوفانِ الكلامِ

وفيضِه

انحسر اندفاعُ الماءِ عن أعتابي


نادمتُ صحوي

أومأتْ لي نجمةٌ

عصرتْ شفاهَ الغيمِ في أنخابي


بسلافةِ الفكرِ المعتَّقِ أرتوي

حدَّ استفاضةِ رعشةِ الأكوابِ


الشعرُ توأميَ

المشيمةُ فكرةٌ

منها انبجسنا ساعةَ الإنجابِ


من حبلِنا السريِّ

غذَّتْنا التجاربُ

شُكِّلتْ من وعيِه وصِعابي


بتجاربي

بتساؤلي

بتخبطي


بصلابتي

بخطيئتي

وصوابي


بلورتُ صلصالي بماءِ تأملي

ونفختُ روحَ الشعرِ في الألبابِ



تذكرة المجاز الأخير



من فرطِ ما ارتشف السؤالُ جوابَهُ


ما عاد يفتحُ للحقيقةِ بابَهُ


مِن شرفةٍ أخرى


تطلُّ فراشةٌ


وبصدرِ عزلتِه تضيءُ غيابَهُ


وترفُّ في وجهِ المرايا


رقصة


كالريحِ أغرتْ في المحيطِ عُبابَهُ


فمشى وراءَ الضوءِ


مفتتنًا به


وتكشَّف المعنى إليه


فهابَهُ!


هو مُمْعِنٌ في التيهِ


يخشى لو يمس


بثغرِ مصيدةِ الكلامِ عتابَه


ورأى بكفِّ الأرضِ ملءَ عروقِها


نخلًا تغازلُ في السماءِ سحابَهُ


فتيقَّنَ الإنسانُ أنَّ نجاتَهُ


بالأرضِ


إنْ ضمَّ الترابُ ترابَهُ


ما الطينُ؟


ما الإنسانُ؟


غير قداسةِ الوطنِ الممازجِ


بالهوى أصلابَهُ


وطنٌ


برائحةِ الحنينِ


إذا مشى


وردُ الجنائنِ يبتغي أثوابَه


نهرُ العواطفِ في مضيقِ جبينِهِ


يختطُّ من شفةِ الندى أتعابَهُ


إنْ قالت الصحراءُ:


لا ماءٌ...


سيحلبُ من ضروعِ الأمنياتِ سرابَهُ


ويحيلُ أصداءَ الفراغِ


منابرًا للذِّكْرِ


أكدَّ بالهدى استحبابَهُ


مذ أدمنتْ لغةُ الجمالِ سهولَهُ


وحقولَهُ


وعيونَهُ


وهضابَهُ


ما عاد يسعفها انزياحُ قصيدةٍ


لم تستطعْ بفمِ النهى إعرابَهُ


وطنٌ يليقُ به الخلودُ


كما اشتهى (جلجامشٌ)


إذ يبتغي أعشابَهُ


هو في الخرائطِ جنةٌ كونيةٌ


وبها سنغفر للزمانِ خرابَهُ


تاريخُنا لما أطلَّ برأسِهِ


أبدى لـِ(جَنَّةِ موطني) إعجابَهُ!