رأي في مسألة تصوير المحامي على مواقع التواصل

حدث أمامي في غيرة مرة " ولو على سبيل المزاح" من الأساتذة المحامين وبعضهم من الكبار ، أن يلوم أستاذ محام زميله على نشره صورة له امام محكمة ذهب إليها ، أو نشر خريطة مكانه في مصلحة حكومية حال تواجده فيها ، أو حتى تصويره نفسه بعد حصوله على حكم بالبراءة في قضية ، معتبرين أن هذا يسيء إلى المهنة ، وهو من قبيل الدعاية " الرخيصة " والأمور الواجب الترفع عنها من المشتغل بالقانون حرصا على وقاره ، وضمانا لكرامة المهنة .

وإني لأختلف أيما إختلاف مع أصحاب هذا الرأي من الأساتذة الكبار مع بالغ إحترامي لهم ، وبقطع النظر عن البعض ممن يتخذون تلك الملامة بذاتها أمام الزملاء تنفيقا للذات ومحاولة الظهور بمظهر الكبير وتصغير غيره رغم أنني عندما تحرّيت صفحات البعض وجدتهم أنفسهم وقد صدعونا باللوم ، ينشرون صورهم وبل وأحكام البراءة ذاتها أحيانا على صفحاتهم !! لنغض الطرف عن هؤلاء فلا يرقون في نظري إلا للإشارة فقط إليهم ، أنا هنا يعنيني جدا الأساتذة الكبار بحق ممن نتعلم منهم ، ونوقرهم ، ونحترم تاريخهم المهنى وشخوصهم المحترمة ويكون هذا رأيهم ، فوجدت من اللائق أن أسرد كل أسبابي لعل وعسى أن تقترب وجهات النظر فيقتنع البعض ، فأقول :

أولا : الأجيالُ مختلفة والوسائل أيضا :-

بدأتُ بها، لأن المحام الكبير الذي تجالسه اليوم تتعلم منه، يرى أنه وصل إلى ما هو فيه من نجاح بمشاق الطريق، وهجير السفر، وليالي البحث، وتراكم المعرفة مرة بالخطأ ومرة بالصواب حتى أتقن مرافعته، وأحكم عمله، فكان صيته وكانت مكانته اليوم نتاج كل هذه الصعاب وهو يرى أن لجوء المحامي إلى تلك الصور وهذه "البوستات" ، محاولة لإختصار طريق طويل أنّى له بالنجاح دون أن يمشيه، وهذه وجهة نظر تحترم جدا من شخص كافح وبذل السنوات حتى يصل ، لكنه رأي لا يتفهم صاحبه طبيعة المجتمع الكائن والمختلف تماما عن مجتمعه الذي كان، الصورة والبوست اليوم ليسا فقط دعاية أو بمنطق هذا الجيل القديم المحترم ، استظهارا ، الصورة والبوست أصبحا أسلوب حياة ، وتداخلت التكنولوجيا ووسائل التواصل أيما تداخل في حياة الفرد والمجتمع بالصورة التي تجعل من التواصل اللحظي أمر كائن ومفترض وفارض نفسه بغض النظر عن نوايا الفرد أو غايته مما ينشره ، وبناء على هذا تحديدا فوارد جدا أن تجد شخص يبذل مثلما بذل أستاذه في شبابه من جهد ، ويراعي ما راعاه ، ويسير في ذات الطريق لكنه يأخذ بالأسباب لجلب الرزق ويظل محتاجا للدعاية إلى نفسه بطريق مشروع ، وهو امر مشروع تماما في ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي نعانيها. فمواقع التواصل إذن وسيلة وليست غاية إلا لصغار العقول والغايات.

ثانيا : كثرة العدد وندرة الفرص :-

لستُ بحاجة للسرد في هذا فهو واضح للجميع ، ما يجعل للصورة والبوست ما للكارت واليافطة من شأن في الدعاية لا أكثر ولا أقل.

ثالثا : حديث ( من تحدث لغة قوم ، أمن مكرهم) :-

وليسأل سائل ، فيم تستشهد به ؟! أقول أنه حتى المحامي الطاعن في السن ممن لا يتقن إستخدام الهاتف اللوحي، اضطر إليه اضطرارا وكثيرا ما يصادفنا أستاذ مسن فاضل يسأل أحدنا بتسجيل رقم له ، أو تصوير باركود للجلسات ، ويدخل ضمن تلك المنظومة لا ينفصل عنها نهائيا ما ينشره المحامون والموكلون على صفحاتهم التي أصبحت امتدادا للواقع وجزء منه فإصرار الأساتذة من الجيل القديم على رفض هذا الشأن ، يجعل البعض منفصلا عن الواقع بعيدا عن مجتمع كامل يدور من خلف ظهره فيسقط لا محالة ، وإن ما ينشره بعض الأساتذة على صفحاتهم من نجاحات ومرافعات وفعاليات قد يكون الوسيلة الوحيدة لموكل ما يبحث عن محام يوكله في قضية مشابهة تماما. فأين هو الأستاذ المحترم المنغلق على نفسه من هذا ؟!

رابعا : إن كانت اللياقة هي السبب ، فماذا عن ملابس بعض الأستاذات ؟!

ولن اخوض في هذا فالكل يعلمه، فقط سأنوه أنني لست من المتدينين أصلا ، بل أملك من الشجاعة الأدبية أن أقول أنني لا اتحدث من منطلق ديني أصلا في هذا الخصوص ، لكن خصوصية المهنة تجعل لها وقارها المفترض ، وحتى في البلاد الغربية لا نجد تلك الفجاجة في الملابس ، ولا السفور الفاقع المبالغ فيه في الملابس والحلي والماكياج على وشوش بعض الأستاذات على اختلاف أعمارهن ، وهذا اولى بالنقد من باب اللياقة من الصورة والبوست ولا يتحدث فيه أحد لأن الجميع ينأى بنفسه عن مثل هذا الحديث أصلا.

خامسا : للأمر فوائد عملية جمّة أيضا :-

فرفع خريطة الموقع أثناء تواجد أحد الزملاء بإحدى المحاكم يفيد جدا إذا من الممكن لزميل مقرب منه أن يطلب منه مسألة كإستعلام عن قضية أو صورة حكم وخلافه في مكان تواجده ويوفر عليه السفر والمشاق وهي خدمات مردودة بين الزملاء وقد يلجأ بعض المبتدئين والأساتذة قليلي العمل إلى مثل هذا مقابل أي مبلغ رمزي كمقابل ولا ارى غضاضة في ذلك كسبيل مشروع للرزق على الأقل حتى يقف المبتديء على قدميه ، ويرزق الله قليل الأشغال . لا عيب في هذا.

أعتذر للإطالة ولكنه رأي أحببت قوله لعل وعسى أن تتقارب وجهات النظر فيه بين الآراء المختلفة.

محمد سلامه المحامي