قانون التصالح

 أحد أكبر مساويء الحكم الديكتاتوري وتحكم القبضة الأمنية العسكرية على الشعوب المتخلفة التي لا تزال تحت الأرض اقتصادا ، وأمنا ، وتحضرا ، وأخلاقا .. أمثالنا ، وبالأخص في العصر الحديث ، هو فشل الصياغة القانونية ، والعجز - بطبيعة الحال - عن كتابة مبررات قانونية ومنطقية سليمة لتبرير الحاجة إلى سن قانون ما وبالتالي الفشل التام في مناقشته بين المتخصصيين حيث لا يبقى للمشتغل بالقانون إلا فرض واحد وهو الوقوف على الأحكام واتجاهات الدوائر القضائية من جهة في الواقع ، والقوانين الخاصة بحالة موكله وتطبيقاتها نظريا من جهة أخرى ، لإنهاء قضية في يده وكفى ! أما ذلك الإستمتاع القديم ، بقراءة قانون ما ، ومناقشاته ، وتعديلاته ، للوقوف على تطور التشريع أو مساهمة القوانين في تطور مجتمع بالحد من انتشار ظاهرة إجرامية أو محاربة شذوذ في المجتمع أو حفظ أمن الناس كهدف أسمى في الأخير .. فهذا أصبح تاريخا وأطلالا بالكامل !

فللوهلة الأولى عند مطالعة قانون التصالح الجديد ، وتعديلاته الجديدة منذ سنِّهِ في 2019 وحتى تاريخه ، تصطدم كمتخصص ببلاهة المبررات ، وفشل التذرع بأن ذلك القانون (وغيره كثير في الواقع) قد جاء لتنظيم أوضاع البناء، وإعادة هيكلة الخريطة العمرانية، وتطوير كل من المرافق والخدمات. وباقي تلك الحجج الواهية المنفصلة عن واقع الناس ، وحال البلد بالكامل .. فالواقع أن ذلك القانون وغيره من اجتهادات في تلك الأونة ما هو إلا جباية و (أتاوة) كاملة التكوين ، ومغلفة بشكل قانوني مشروع ف الظاهر حتى يعطي الناس عن يد وهم صاغرون كل ما لديهم تقريبا لسد ديون دولة لم تستطع حتى إطعام شعبها ! مجرد ضمان الأكل والشراب لم يعن به النظام القائم وهو مستوى غير مسبوق من الحكم الديكتاتوري والقبضة الأمنية التي بلغت من قوتها مبلغا ليس بعده إلا دمار ، وانحسار ، حتى قوانين الفيزياء والطبيعة نفسها تؤكد ذلك ، ما بلغ شيء منتهاه إلا وانقلب على عقبية .

الأدهى والأمرّ .. انك تكتشف سريعا أن ما من ديون تُسدد ، بل تتزايد وتتراكم فوائدها برغم كل تلك الإجراءات الباطلة شرعا وقانون ودستورا وبرغم هذا الكم الهائل من الأموال التي يصرّ النظام القائم على جبايتها حتى من أفقر الطبقات والفئات من الشعب المصري ، وبرغم كل المساعدات والقروض والمساهمات من المصادر العربية والغربية على اختلاف أهدافها التي لا تخلٌ من محاولة السيطرة على القرار السيادي المصري أو مص دماء شعب يعتبر فرصة لن تتكرر لأي نظام إقطاعي او مستثمر إقطاعي يستحوز بسهولة غير مسبوقة على أصول دولة هي الأقدم والأعرق في العالم وورثها من لا يعرف قيمتها! 

نحن في اتعس وأبشع وأبلغ صور البطش العسكري المختبيء في صورة الحكم المقنن المشروع وهو إختباء لم يعد ينطلي حتى على مؤيديه ، الجميع فيه سواء .. إما أن تُعطي كل ما لديك .. أو تُسجن .. أو تٌنفى وتصادر املاكك .. او تُقتل ! قانون التصالح في ميزان القوانين وفي نظري المتواضع كمحامي هو جباية لا تختلف أي اختلاف عن تلك التي يسلبها منك بلطجي بالقوة في شارع مظلم وهو يشهر سلاحه في وجهك . فادفعوا ولكن لا تبرروا بالتعريص ما نعض عليه النواجز كقانونيين ، فقد بلغت الأمور مبلغا لا يحسن السكوت عليه.