قطعتي رُخام
ورقة يوميات من كتابي الممنوع ..
يوميات الروب الأسود
قطعتي رُخام
ورقة يوميات من كتابي الممنوع ..
يوميات الروب الأسود
كنتُ آخذ بتلابيبه طفلا بين مكاتب الموظفين وهو يتنقل بينهم ، يستخرج ترخيصا هنا ويدفع ضريبة هناك ويتنقل بقدم تربطها المسامير بدلا من المفاصل ، وعرقه يتطاير فوق رأسي ، كان ينشط في مشاريعه الواحد تلوا الآخر ولم يعرف الحاقدين عليه كم كان يبذل من جهد ليكسب ماله ، كنت أقف ممسكا بيده او أحيانا (بالجلابية) التي ألجأته إليها إصابة ركبته التي لم تعد تصلح لإرتداء بنطال لخطأ طبي ، فحُرم من الحُلّة أو بالعامية (البدله) طيلة حياته ، وكنت أمام المكاتب بالكاد أرى الملفات التي تعلوها الحجارة وأتعجب بعقلية الطفل، هل هؤلاء الناس متخلفين عقليا حتى يضعوا الحجارة فوق الأوراق !
تذكرتُ هذا المشهد اليوم وأنا ألتقط قطعتي رخام نظيفتين من أمام قبره لأضعهما على أوراق قضاياي التي تطيرها المروحة في هذه الأيام الحارة ، كم تحتاج كل يوم لتكبر ، حتى تفهم !
كنا لنصبح متفاهمين جدا لو أنه صبر قليلا إلى مرحلة الشباب ، كثيرون يؤكدون لي أنني ورثت ذكائه الحاد بيد أنني لم أرث تلك الإرادة القوية التي تحدّت حتى قدمٌ لا تكاد تحمل صاحبها ، أو قوة شخصيته التي كان "الجرابيع" يتطايرون أمامها كالذباب ، شيء وحيد ينجيني من المهالك كل مرة وهو الحدس ، ثمة شيء ينبئني عن التفاصيل ولو في لقاء أوّل أو نظرة عابرة ، أقرأ الأشخاص قراءة صحيحة دائما ، الدليل على ذلك ، أن اشتغالي بالمحاماة بعد كل هذا العمر أكّد لي صدق حدسي الطفولي - وبرغم كشف أحجية الرخام - بأن بعض الموظفين بالفعل ، متخلفين عقليا .
محمد سلامه المحامي