يَدُ طِفلة
من كتابي الممنوع : يوميات الروب الأسود

لمحتها مرارا تنظر لي بحدة، وملامحها فيها شيء من كِبر لا أحبه، تجاهلتها تماما لكن شيئا في نفسي يلح في السؤال : ما بالها ؟ ليس بيننا سابق معرفة ولا يجمعنا نقاش برغم الأصدقاء المشتركين في العمل، وليس في طبعي الحكم على شخص ما دون أن أتأكد مما يضمه في صدره، أملت على أحد العقلاء من أصدقائنا المشتركين: ما بال فلانة تنظر لي وكأنني (واكل ورثها) ؟!

همس لي : لا دي محترمه جدا! هي بس متعرفكش، ثم أفصح شيئا عن السواد الذي تتشح به دائما ولم ألحظ ذلك ، وساد صمت.

بعد فترة، جمعنا حديث عابر ساخر، صارحتها بما ظننته فيها، فقالت ساخرة (ايوا انا تنكه مبردش على حد) وزكاني لديها أستاذ كبير في الجلوس ، صارت من بعدُ ترمي سلامها بتكبر لطيف مصطنع وساخر ، استغربتُ إذ لم ألحظ من البداية في الحركات السريعة ، والمزاح الدائم مع أساتذتها الكبار أنها ربما تشعر بحزن دفين وتلجأ إلى قلوب كبيرة تعرفها جيدا للهروب من ذلك الحزن الدفين ، فعجبت من نفسي كيف أن هذه الشخصية التي ما كنت أطيق نظراتها الحادة -هي في الواقع- مجرد طفلة تشبهني كثيرا .. من الداخل!

جلست في ذلك اليوم ليلا أمام النيل وأنا أسأل نفسي كيف أن الحياة الصعبة عندما تطول، قد تصنع رجلا يتقن الصبر، وكيف انها قد تصنع رجلا بدأ يفقد القدرة على استيعاب الأشخاص بحيث ينتظر -من الجميع- أن ينظر له بلطف، و (يطبطب) عليه ، حتى لو كانت مجرد طفلة!

سخرت من نفسي وأنا أرى مركبا يمر بشخصين في منتصف النيل تماما فتذكرت موقفا في صباي عندما رماني أصدقائي من مركب مشابه في ذات المكان منذ عشرين سنه وهم يعرفون أنني لا أعرف السباحة ، تذكرت هذا الشعور المرعب وقدماي تتحسسا أي شيء لأقف عليه فلم تجداه وأنا أحاول أن أتذكر شرحا بسيطا لأحد الأشخاص (كيف تعوم) وتبدل يدا بقدم ، وتبدل ، بعد معاناة .. مد لي أحد الأشخاص يده وأخرجني من المياه وكنت أوشكت على الموت فعلا، شكرته كثيرا على إنقاذي لكنه صدمني حين قال:

- يابني انا مديت ايدي من على الشط طلعتك بس، إنما انت عومت لوحدك ، دا انت جاي من نص النيل وعومت حوالي 10 متر!

تذكرت هذا الموقف وأنا أشعر بذات الشعور بعد كل هذه السنوات، قدمي التي لا تجد شيئا تحتها، والمياة التي أشربها حينا وأغوص فيها حينا ، والعشرة أمتار المطلوب سباحتهم بلا سابق معرفة ، واليد التي مدت في الأخير لإنتشالي ، ثم بدأت سخريتي الداخلية من نفسي تتطور إلى ضحكات عاليه وبدأ المارة ينظرون لي بإندهاش وأنا أضاحك نفسي كالمعتوهين، فبرغم هذا التفكير المكثف مع النفس، الذي تطور لجلد الذات ولوم نفسي على انتظار (طبطبة) الآخرين، تشبثت نفسي بهواها، وأصرّ خيالي على أن اليد التي تمد هذه المرة على الشط لتنتشلني من الغرق ، لابد وحتما أن تكون .. يد طفلة .. تأخرت جدا!

محمد سلامه المحامي

LinkFacebook