كان أول نزول القرءان الكريم على قلب النبي صلى الله عليه وسلم على حرف واحد بلسان قريش، واستمر تلقي النبي صلى الله عليه وسلم للقرءان عن جبريل عليه السلام على ذلك الحرف حتى هاجر إلى المدينة المنورة، ودخلت القبائل العربية في الإسلام.
ونظرًا لاختلاف القبائل العربية في اللهجات والأصوات وطرق الأداء، أنزل الله الرحيم بعباده القرءان الكريم على سبعة أحرف بطلب من نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وذلك للتيسير والتخفيف عليهم، ويستدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {أقرأني جبريلُ على حرفٍ ، فلم أزل أستزيدُه ، حتى انتهى إلى سبعةِ أحرفٍ} [البخاري: 3219].
أصبح النبي عليه الصلاة والسلام بعد ذلك يتلقى القرءان الكريم عن جبريل عليه السلام على الأحرف السبعة، ويقرئ الصحابة كل بالحرف الذي يرى أنه يناسب لهجته أو لهجة من يليه من العرب، ومن ثم أصبح كل صحابي يقرأ القرءان الكريم بالحرف الذي تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم دون اعتراض من أحدهم على الآخر وذلك بعد أن بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم نزول القرءان الكريم على سبعة أحرف، ويستدل على ذلك ما رواه عمر بن الخطاب: (سَمِعْتُ هشامَ بنَ حَكيمِ بنِ حِزامٍ، يقرأُ سورةَ الفُرقانِ فقرأَ فيها حروفًا لم يَكُن نبيُّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أقرأَنيها ، قالَ : فأردتُ أن أساوِرَهُ وأنا في الصَّلاةِ، فلمَّا فرغَ قُلتُ: مَن أقرأَكَ هذِهِ القِراءةَ؟ قالَ: رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قُلتُ: كذَبتَ، واللَّهِ ما هَكَذا أقرأَكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأخَذتُ بيدِهِ أقودُهُ، فانطَلقتُ بِهِ إلى رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّكَ أقرأتَني سورةَ الفرقانِ، وإنِّي سَمِعْتُ هذا يقرأُ فيها حروفًا لم تَكُن أقرأتَنيها، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، اقرَأْ يا هِشامُ فقَرأَ كَما كانَ قرأَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، هَكَذا أُنْزِلَت، ثمَّ قالَ: اقرأ يا عُمرُ فقرأتُ، فقالَ: هَكَذا أُنْزِلَت ثمَّ قالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ القُرآنَ نَزلَ علَى سبعةِ أحرُفٍ} [البخاري: 2419]،
اختلف العلماء في المراد من الأحرف السبعة أوصلها بعضهم إلى أربعين قولًا وذلك لأنه لم يأت في معنى الأحرف السبعة نص ولا أثر، والقول الذي تميل له النفس هو أن الأحرف السبعة: هي وجوه التغاير السبعة، التي يقع فيها اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تناقض وتضاد، مندرجة ضمن اللغات واللهجات الأصلية الفصحى التي تكلمت بها قبائل العرب السابقة، نحو: الاختلاف في الفتح والإمالة، وتحقيق الهمز وتسهيله، والتفخيم والترقيق، والإظهار والإدغام، والإفراد والجمع، والحذف والإبدال، والتقديم والتأخير، والزيادة والنقص، والاختلاف في وجوه الإعراب وتصريف الأفعال، وغيرها.
ولعل الحكمة من نزول القرءان الكريم على سبعة أحرف هي التيسير على المسلمين، ورفع الحرج عنهم، وبيان إعجاز القرءان للفطرة اللغوية عند العرب، وإظهار فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم، وإعجاز القرءان في معانيه وأحكامه.