اتسعت الفتوحات الإسلامية وتفرق المسلمون في أرجاء البلاد الإسلامية في زمن عثمان رضي الله عنه، وكان أهل كل مصر يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فكان بينهم اختلاف في الأداء ووجوه القراءة بصورة فتحت باب النزاع أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرءان نزل على سبعة أحرف، بل كان هذا الشقاق أشد لبعد عهد هؤلاء بالنبوة، واستفحل الداء حتى خطأ بعضهم بعضًا وكادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير.
ولقد شهد حذيفة بن اليمان رضي الله عنه خلال فتح أرمينية تنازع أهل العراق والشام في القرءان، فطلب من الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه إدراك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب كما اختلف فيه اليهود والنصارى، فاستشار عثمان رضي الله عنه الصحابة الكرام واستقر الرأي على أن يُجمع الناس على مصحف واحد ويحرق ما سواه.
فأرسل عثمان بن عفان إلى حفصة بنت عمر رضي الله عنهما يطلب الصحف التي جمعت في عهد الصديق، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت الأنصاري وإلى عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشيين رضي الله عنهم، فأمرهم أن ينسخوا الصحف في المصاحف وأن يكتب ما اختلف فيه زيد مع رهط القرشيين الثلاثة بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم.
قام الصحابة الكرام بنسخ ما في الصحف في عدة مصاحف سميت بالمصاحف العثمانية، ثم أرسل عثمان بن عفان رضي الله عنه مصحفاً من هذه المصاحف إلى كل مصر من أمصار المسلمين مع قارئ متقن يُقرئ الناس بما يوافق رسم المصحف المرسل إليهم مما تلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بحرق ما سواها.
ويستدل على ذلك ما ورد في صحيح البخاري: (أنَّ حُذَيفَةَ بنَ اليَمانِ قدِم على عُثمانَ، وكان يُغازي أهلَ الشامِ في فتحِ أرمينِيَّةَ وأذرَبيجانَ معَ أهلِ العراقِ، فأفزَع حُذَيفَةَ اختلافُهم في القراءةِ، فقال حُذَيفَةُ لعُثمانَ : يا أميرَ المؤمنينَ، أدرِكْ هذه الأُمَّةَ قبلَ أن يَختَلِفوا في الكتابِ، اختِلافَ اليهودِ والنصارى. فأرسَل عُثمانُ إلى حفصةَ: أن أرسِلي إلينا بالصحُفِ ننسَخُها في المصاحفِ ثم نَرُدُّها إليكِ، فأرسَلَتْ بها حفصةُ إلى عُثمانَ، فأمَر زيدَ بنَ ثابتٍ، وعبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ، وسعيدَ بنَ العاصِ، وعبدَ الرحمنِ بنَ الحارثِ بنِ هشامٍ، فنسَخوها في المصاحفِ، وقال عُثمانُ للرَّهطِ القُرَيشِيينَ الثلاثةِ: إذا اختَلَفتُم أنتم وزيدُ بنُ ثابتٍ في شيءٍ منَ القرآنِ فاكتُبوه بلسانِ قريشٍ، فإنما نزَل بلسانِهم، ففعَلوا، حتى إذا نسَخوا الصحُفَ في المصاحفِ ردَّ عُثمانُ الصحُفَ إلى حفصةَ، وأرسَل إلى كلِّ أُفُقٍ بمصحفٍ مما نسَخوا، وأمَر بما سواه منَ القرآنِ في كلِّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يُحرَقَ) [البخاري: 4987].