يقول تعالى: (هَلْ جَزَآءُ الإحسَانِ إِلا الإحْسانُ).
وقال الرسول الأكرم (ص): "أكرموا أولادكم وحسنوا آدابهم يغفر لكم".
لا يختلف اثنان في أن "مكافأة المحسن" هي من الأمور التي يوافقها العقل وترتضيها الفطرة البشرية بل إنها من العهود التي ألزم الله تعالى نفسه بها واعتبرها من دلائل الحكمة والمنطق.
لهذا فمن المهم جداً أن يقابل السلوك الحسن الذي يصدر عن الطفل بإحسان آخر أو ما يعبر عنه بـ "المكافأة" وذلك لتعزيز القيم الفطرية والعقلية التي يحملها في داخله أولاً، وجعله يميز بين الفعل الحسن والقبيح من خلال هذا السلوك الذي تم مكافأته عليه ثانياً.
شرط المكافأة :إن المكافأة قد تفقد أثرها وقيمتها الحقيقية المرجوة لو لم تأت في إطارها الصحيح، وهناك شرط أساسي لمكافأة السلوك الجيد الذي يصدر عن الطفل وهو أن تكون المكافأة سريعة دون تأجيل أو تسويف.
يقول أحد علماء التربية في هذا المجال: "الإثابة منهج تربوي أساسي في تأسيس الطفل والسيطرة على سلوكه وتطويره وهي أيضاً أداة هامة في خلق الحماس ورفع المعنويات وتنمية الثقة بالذات حتى عند الكبار أيضاً لأنها تعكس معنى القبول الإجتماعي الذي هو جزء من الصحة النفسية، والطفل الذي يُثاب على سلوكه الجيد المقبول يتشجع على تكرار هذا السلوك مستقبلا.
ومثال ذلك: في فترة تدرب الطفل على تنظيم عملية الإخراج (البول والبراز) عندما يلتزم الطفل بالتبول في المكان المخصص على الأم أن تبادر فوراً إلى تعزيز ومكافأة هذا السلوك الجيد إما عاطفياً وكلامياً (بالتقبيل والمدح والتشجيع) أو بإعطائه قطعة حلوى.. نفس الشيء ينطبق على الطفل الذي يتبول في فراشه ليلا حيث يكافأ عن كل ليلة جافة".
أنواع المكافآت
أما أنواع المكافآت فليس هناك أي حدود للمكافئة لكن المهم في هذه المكافئة هو أن تترك أثراً على الطفل يعزز فيه سلوكه الحسن، ويجب هنا أن لايستهان ببعض المكافآت المعنوية والتي قد تترك أثراً كبيراً على الطفل لا يمكن للمكافأة المادية أن تتركه، كما لابد من التذكير بخصوص المبالغة في المكافأة إذ من الضروري مراعاة حدود المعقول في هذا الإطار لأن المبالغة في المكافأة قد تفسد الطفل وتسبب له نتائج عكسية.
لكن هناك إطاران أساسيان للمكافأة هما:
1- المكافأة الإجتماعية: هذا النوع على درجة كبيرة من الفعالية في تعزيز السلوك التكيفي المقبول والمرغوب عند الصغار والكبار معا.
ما المقصود بالمكافأة الإجتماعية؟
المقصود هو: الإبتسامة- التقبيل- المعانقة- الربت- المديح- الإهتمام- إيماءات الوجه المعبرة عن الرضا والإستحسان والعناق والمديح والتقليل؛ كل تلك تعبيرات عاطفية سهلة التنفيذ والأطفال عادة ميالون لهذا النوع من الإثابة.
يقول أحد خبراء التربية في هذا المجال: "قد يبخل بعض الآباء بإبداء الإنتباه والمديح لسلوكيات جيدة أظهارها أولادهم إما لإنشغالهم حيث لا وقت لديهم للإنتباه إلى سلوكيات أطفالهم أو لإعتقادهم الخاطئ أن على أولادهم إظهار السلوك المهذب دون حاجة إلى إثابته أو مكافأته".
ويشير هنا الخبير التربوي إلى مثالين في هذا الصدد فيقول: "الطلفة التي رغبت في مساعدة والدتها في بعض شؤون المنزل كترتيب غرفة النوم مثلاً ولم تجد أي إثابة من الأم فإنها تلقائيا لن تكون متحمسة لتكرار هذه المساعدة في المستقبل وبما أن هدفنا هو جعل السلوك السليم يتكرر مستقبلا فمن المهم إثابة السلوك ذاته وليس الطفل.
والطفلة التي رتبت غرفة النوم ونظفتها يمكن إثابة سلوكها من قبل الأم بالقول التالي: (تبدو الغرفة جميلة, وترتيبك لها وتنظيفها عمل رائع أفتخر به يا ابنتي الحبيبة).. هذا القول له وقع أكبر في نفسية البنت من أن نقول لها (أنت بنت شاطرة)".
2- المكافأة المادية: دلت الإحصاءات على أن الإثابة الإجتماعية تأتي في المرتبة الأولى في تعزيز السلوك المرغوب بينما تأتي المكافأة المادية في المرتبة الثانية، ولكن هناك أطفال يفضلون المكافأة المادية.
ما المقصود بالمكافأة المادية؟
إعطاء قطعة حلوى- شراء لعبة- إعطاء نقود- إشراك الطفلة في إعداد الحلوى مع والدتها تعبيرا عن شكرها لها- السماح للطفل بمشاهدة التلفاز لوقت أكثر- اللعب بالكرة مع الوالد- اصطحاب الطفل للذهاب إلى المسجد أو إلى رحلة ترفيهية كالذهاب إلى حديقة الحيوان مثلاً.
ملاحظات هامة:
1- يجب تنفيذ المكافأة تنفيذاً بلا تردد ولا تأخير وذلك مباشرة بعد إظهار السلوك المرغوب فالتعجيل بإعطاء المكافأة هو مطلب شائع في السلوك الإنساني سواء للكبار أو الصغار.
2- على الأهل الإمتناع عن إعطاء المكافأة لسلوك مشروط من قبل الطفل (أي أن يشترط الطفل إعطاءه المكافأة قبل تنفيذ السلوك المطلوب منه) فالمكافأة يجب أن تأتي بعد تنفيذ السلوك المطلوب وليس قبله.
3- عدم مكافأة السلوك السيئ مكافأة عارضة أو بصورة غير مباشرة. حيث يؤكد أحد خبراء التربية في هذا المجال قائلا: "السلوك غير المرغوب الذي يكافأ حتى ولو بصورة عارضة وبمحض الصدفة من شأن أن يتعزز ويتكرر مستقبلا (مثال) الأم التي تساهلت مع ابنتها في ذهابها إلى النوم في وقت محدد بحجة عدم رغبة البنت في النوم ثم رضخت الأم لطلبها بعد أن بكت البنت متذرعة بعدم قدرتها على تحمل بكاء وصراخ ابنتها, وسيعلم هذا السلوك الفتاة أن في مقدورها اللجوء إلى البكاء مستقبلا لتلبية رغباتها وإجبار أمها على الرضوخ.
(مثال آخر) إغفال الوالدين للموعد المحدد لنوم الطفل وتركه مع التليفزيون هو مكافأة وتعزيز غير مباشر من جانب الوالدين لسلوك غير مستحب يؤدي إلى صراع بين الطفل وأهله إذا أجبروه بعد ذلك على النوم في وقت محدد".
المصدر: كتاب فن تربية الطفل
============================================
كثيراً ما يحتدم النقاش بين المختصين في مجال التربية وعلم النفس عندما يكون موضوع الحديث هو الثواب والعقاب ، وأثرهما النفسي والتربوي على الأطفال ، فبين مبالغ في الدور السلبي للعقاب ونفي أي دور إيجابي له ، نجد من يبالغ أيضاً في الأثر السحري للثواب ودوره اللامحدود في العمل التربوي ، إلا أنه والحال هكذا ، نجد الحيرة تعم جميع العاملين في المجال التربوي من معلمين وآباء وأمهات ومربيين … إلخ ، وكثيراً ما اشتكوا من عجز النظريات التربوية علىالجزم بالأمر والاتفاق على الأسلوب الأنسب للتعامل مع أطفالهم ، والإشْكالُ في تقديري لا يَكمن في النظريات التربوية ، بل يكمن في فهمنا لها ، وفي تطبيقاتنا العملية لمبادئها ، وأول سوء فهم لها اعتقاد الكثير من أولياء الأمور أن الثواب والعقاب ينحصران في الثواب المادي الصريح ، وفي العقاب المباشر [ الضرب ] ، وحقيقة الأمر أن العلماء قدّموا عدّة تصنيفات للثواب والعقاب منها القائمة التالية :
1- المكافأة أو المثوبة التي تتخذ طابعاً مادياً خارجياً صريحاً : وتتمثل في تقديم شيء ملموس مثل الجوائز المالية والمادية ، والميداليات ، والدرجات المدرسية ، والمدح اللفظي وغيرها مما يجعل الطفل يشعر بالرضا والارتياح .
2- النجاح الفعلي : وذلك بمعرفة المتعلم بالنتائج الإيجابية لأدائه والتي تظهر في نجاحه .
3- التلميح بالنجاح : ويتمثل ذلك في إشعار المتعلم بأن أداءه يتقدم وأنه إذا استمر في اتجاه النجاح فإنه سوف ينجح فعلاً .
4- التعبير الصريح عن الموافقة : حين يكون سلوك المتعلم من النوع الذي يتوقعه المعلم أو الوالد فإنه قد يظهر الموافقة أو التقبل ، ويؤدي هذا بالطفل إلى الشعور بالثقة بالنفس .
5- ملاحظة الطفل [ المتعلم ] ما يوجه للآخرين من مدح أو مكافأة دون أن يتلقى هو ذلك .
6- التجاهل أو الإهمال : وفيه لا يتلقى الطفل أو لوم أو مدح ولا يلاحظ ما يوجه للآخرين من ثواب أو عقاب ، كما لا يَعْلم أداءه ولا تقدم له أي معلومات .
7- ملاحظة المتعلم ما يوجه للآخرين من لوم أو ذم أو عقاب دون أن يتلقى هو ذلك .
8- التعبير الصريح عن عدم الموافقة : فحين يكون سلوك الطفل من النوع الذي لا يتوقعه الوالد أو المعلم فإنه قد يظهر الرفض أو الاعتراض أو عدم الموافقة .
9- التمليح بالفشل : إذا استمر الطفل في الأداء المنخفض ، فإن المعلم أو الوالد يخبره بأن عمله قد يؤدي به إلى الفشل ، وهنا قد نجد أن توقع الفشل يؤدي بالطفل إلى الشعور بالخوف منه مما يدفعه إلى بدل المزيد من الجهد .
10- الفشل الفعلي : إذا استمر الطفل في الأداء الضعيف فإن الوالد أو المعلم قد يطلب منه تكرار العمل أو يحكم عليه بالفشل .
11- العقوبة أو الجزاء : قد يلقى الطفل هذه المعاملة إذا خرق قواعد النظام أو تحدى القوانين وتكون العقوبة بالضرب أو الدم أو التوبيخ أو النقد … إلخ .
ويظهر التصنيف السابق أن الثواب والعقاب لا ينحصران في الثواب المادي والعقاب المادي بل ينقسمان إلى سلسلة من الأفعال التي تنسب إلى الثواب ، وأخرى إلى العقاب مروراً بالتجاهل أو الإهمال الذي هو لا بالثواب ولا بالعقاب.
وللثواب آثار إيجابية في التعلم من أهمها ما يولّده في المتعلم من حالات الفعالية سارة تدفع بالمتعلم نحو التعلم وتحسين الأداء ، كذلك يؤدي إلى تنشيط جهود المتعلم اللاحقة وذلك بسبب زيادة ثقة الطفل بنفسه وتشجيعه على المغامرة والمثابرة .
ويحذر رجال التربية من المبالغة في الثواب وبخاصة حين يكون على هيئة مكافأة خارجية مادية صريحة للأسباب التالية :
1- قد تتحول هذه المكافأة إذا بولغ فيها إلى نوع من الرشوة .
2- قد تقود إلى الانقياد والرضوخ إلى السلطة مصدر المكافأة لا إلى الابتكار أو النشاط الذاتي .
3- قد يكون الطفل اتجاهاً نفسياً من نوع ماذا سيعود على من هذا العمل ، أي أن قيمة النشاط في ما يتلوه من مكافأة ، ولعل مشكلة الغش في الامتحانات تظهر عندما تتغلب المكافأة الخارجية على عمليات الحصول عليها [ المكافأة ] وتصير القاعدة في السلوك هي الغاية تبرر الوسيلة ، فما يُلقيه أولياء الأمور من أهمية كبيرة على النجاح واعتبار نجاح أبنائهم نجاح لهم ، والمبالغة في المكافآت ، كل هذا وغيره قد يدفع الفرد إلى البحث عن النجاح بأي وسيلة حتى وإن كانت الغش . وهي الأسرع والأسهل بغية الحصول على المكافأة .
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة بين العلماء في جدوى العقاب أو خطورته ، إلا أنه يبقى من أدوات التعليم ووسائله ، على أنه ينبغي للمعلم أن يراعي القواعد التالية التي اقترحها المختصين في علم التربية حين يستخدم العقاب :
1- لا يكون للعقاب قيمة إلا إذا أدى مباشرة إلى تغير الاستجابة ، ومعنى هذا أنه إذا صدر عن الطفل استجابة خاطئة أو غير مرغوبة ، وعوقب عليها ، لابد من تشجيعه على إصدار الاستجابة الصحيحة أو المرغوبة ثم إثابته عليها بعد ذلك .
2- التمييز بين العقاب باعتباره " عدم مكافأة " نتيجة للفشل في التعلم من ناحية وبين معناه كعقوبة للخروج على القواعد الأخلاقية ، فلا أحد يدافع عن استخدام العقاب البدني أو المعنوي عندما يخطئ الطفل في التعلم، إنما يستخدم عندما يظهر الطفل الكسل المقصود أو الإهمال أو خرق السلوك الديني والأخلاقي .
ويجب أن ننبه إلى أ؟ن العقاب أقل توجيهاً للتعلم وإرشاداً لمساره من الثواب، فالعقاب يخبر الطفل أن استجابه أخرى يجب أن تصدر عنه ، ولكنه لا يخبره عما يجب فعله ، أما الثواب فإنه يشير بوضوح إلى أن نفس الإستجابة يجب أو يحسن أن تتكرر.
وأخيراً .. ينبغي ألا يقع المربي بين الإفراط أو التفريط في الثواب والعقاب ، وعلينا أن ننظر إليها باعتبارها تعزيزاً للسلوك ، الثواب معزّز إيجابي والعقاب معزز سلبي ، وهذا ما أكدت عليه المدرسة السلوكية في علم النفس ، وتستخدمه كطريقة علاجية فاعلة لبعض المشكلات السلوكية .