تجويد التعليم

تحتل مسألة التعليم في وقتنا الحاضر مكانة بارزة في معظم دول العالم، وأصبح الحديث عن التعليم اليوم حديثا عن الاقتصاد والاستثمار للعنصر البشري في عملية التنمية الشاملة للمجتمع في حاضره ومستقبله. وفي ظل الأفكار الجديدة عن التعليم والتعلم لابد لنا من وقفة صريحة نناقش فيها ما يدور في مدارسنا نظرا إلى ما تتضمنه برامج التعليم من عمليات وأنشطة وخبرات مخططة تساعد على ترسيخ قناعات ومعتقدات فكرية معينة تتصل بحياة أبنائنا على المدى البعيد وتسهم إسهاما مباشرا في تشكيل ثقافتنا الاجتماعية، وتتجسد في الواقع كممارسات، فترسم صورة الحياة المدرسية من حيث الأهداف والنتائج المتوخاة لتعليم الطلاب في المدارس. وسننطلق في معالجتنا لهذا الموضوع إلى التركيز على التعليم بين الواقع والطموح، والتعليم بين نموذجين، والرؤية الجديدة للتغيير.

< المدرسي النموذج 1-> إن نظرية التعليم وفقا للنموذج المدرسي تتضمن أسسا وتصورات ومبادئ ضمنية عن قضايا التعليم والتعلم، والأدوار التي يلعبها كل من المعلم والمتعلم في البيئة التعليمية. وأول هذه التصورات تتجسد في التعاطي مع التعلم باعتباره عملية تراكمية متسلسلة في اتجاه أفقي تمتد عبر مراحل التعليمالمختلفة، وتبعا لذلك فإنه لابد أن تزداد كمية المعلومات حجما وكثافة كلما تقدم الطالب في سنواته الدراسية. فالكتب المدرسية تتضخم والمقررات الدراسية تزداد والوقت الدراسي يتمدد والأعباء المدرسية تتضاعف على كاهل الطلاب وأولياء الأمور.

أما التصور الثاني فيتمثل في أن التعلم عملية لاكتناز المعارف والمعلومات التي تفرض على المتعلمين الاجتهاد في تحصيلها لينالوا بها النجاح في حياتهم الشخصية والعملية، وبالتالي فإن عملية التعليم لابد أن تتخللها مواقف يختبر فيها الفرد لتتبين أهليته أو عدمها لهذا النجاح. ولست مبالغا إذا قلت إن ما يجري من تعليم في مدارسنا يصب في هذا الاتجاه، فكثرة الامتحانات، والواجبات المدرسية، والمشروعات كلها تؤكد أن عمل المعلم أصبح يتمحور حول تعليم طلبته من أجل النجاح!

ويتضمن التصور الثالث مبدأ التعلم الفردي التنافسي الذي يعزز الفكرة السابقة، فالفوز في حلبة السباق حق يكتسب مادام الفرد يمتلك المؤهلات اللازمة. أما الخاسر فعليه أن يعالج تقصيره بشتى العلاجات المتوافرة من دروس تقوية، وتعليم خاص، وتدريبات خاصة للامتحان، وفي ظل هذا المبدأ يتعلم طلابنا أن قيمة الفرد في مدرسته تتحدد بما يحرز من درجات!

وأما التصور الرابع فيلتقي مع الفكرة التي تقول إن التعلم عملية تجميعية لمهارات جزئية يجب ان يتقنها كل الطلبة، ويتعلموها بالطريقة نفسها، ويتم تقويمهم بالاسلوب نفسه. وإذ ان المنهاج الدراسي في مدارسنا هو مجموعة من المعارف والمهارات المتكدسة الخاصة بالمواد الدراسية فإن التعلم يحدث وفقا لسلم الاتقان المتدرج في كفايات المادة الدراسية. وفي ظل هذه التجزئة المصطنعة يصبح التعليم جافا ومملا يركز على المكننة والاجراءات الخاصة بالمادة الدراسية، ويشجع على النمطية في التفكير، ويبتر العلاقة الحقيقية بين التعليم والحياة.

ونتيجة لتقديس هذه المعارف بات التعلم عملية تقتصر على العقلي المجرد مع المعلومات من دون الحاجة الى تطبيقات عملية لمضامينها، وبالتالي يمكن أن يفسر هذا التوجه سر استمرار نجاح النموذج التلقيني وسيطرة الكتاب المدرسي في عملية التعليم بمدارسنا وذلك لأننا مازلنا نقدم المعرفة على حساب العمل بالمعرفة.

وأخيرا نستطيع أن نضيف القول إن عملية التعلم وفقا لهذه النظرية لا تتعلق بنمو الافراد وتفجير مواهبهم بل هي المعرفة باعتبارها قيمة مطلقة يحب أن يسعى الجميع إلى اكتسابها في جميع الاحوال وشتى الظروف، أما الأدوار التي يلعبها كل من المعلم والمتعلم فهي تمثل النموذج الثنائي للتعليم، إذ يقف في أحد أطرافه الشخص الذي يعطي مما يملك من معرفة وخبرة وحكمة "المعلم" بينما يقف في الطرف المقابل الشخص المتلقي والمحتاج إلى هذه الأمور "الطالب".

في ضوء ما سبق ذكره يمكن القول إن نظرية التعليم الرسمية تساعد على ترسيخ المبادئ الآتية:

*

التعلم عملية طولية تراكمية، وبالتالي فإن المنهج يجب أن يتسع كميا مع تقدم الطالب في عمره.

*

عملية التعليم هي اعداد للطالب حتى يستطيع النجاح في المدرسة.

*

عملية التعليم هي عملية تجميعية لمجموعة من الكفايات الخاصة بالمواد الدراسية إذ يتدرج تدريسها من الأسهل إلى الأصعب.

*

عملية التعلم هي عملية تنافسية والفرد ينجح إذا امتلك الكفاءات اللازمة.

*

عملية التعلم هي عملية نظرية محضة تتصل بتفكير الانسان لا بعمله.

*

عملية التعلم هي المعرفة في حد ذاتها ولا تتصل بعواطف وحاجات ورغبات الانسان.

*

المعلم والكتاب المدرسي هما المصدر الوحيد للمعرفة والطالب هو المتلقي لها.

أما نتائج الممارسات التربوية وفقا لهذه النظرية الرسمية فنوجزها في الجوانب المهمة الآتية:

1.

فصل التعليم عن الحياة، وتحويل المدارس الى مراكز للتحفيظ اللفظي واختبار الذاكرة.

2.

تراجع المستوى العلمي للخريجين في مدارسنا، إذ يساعد النظام التعليمي الحالي على تخريج أفراد ناجحين وليس طلاب علم ومعرفة.

3.

افتقاد المدرسة إلى دورها الثقافي في المجتمع، إذ تعيش في سباق مع الزمن لانجاز ما أنيط بها من مهمات ومسئوليات إدارية وتعليمية متضخمة تتعلق بالبرامج التعليمية، وشئون الطلبة، وأولياء الأمور، والمناهج، والمعلمين.

4.

بروز النموذج الاداري المتسلط بصورة واسعة، إذ يتم التركيز على شكليات التعليم وتطبيق القوانين والاجراءات على حساب النمو العلمي والمهني للمعلمين في المؤسسة المدرسية.

5.

فصل البعد التربوي في عملية التدريس، وتحويل المعلم الى ناقل للمعلومات وموظف رسمي ينفذ الاجراءات التعليمية والادارية.

6.

النموذج المدرسي المنشود:

النموذج الانساني الثقافي هو البديل الطبيعي للنموذج التقليدي للمدرسة ويتفق مع ما ينادي به علماء التربية اليوم، ففي ظل النموذج الانساني الثقافي تسعى المدرسة إلى تعليم يحقق اشباعا لحاجات الطالب المعرفية، والنفسية، والاجتماعية. فالطالب يتعلم المعرفة ليصبح قادرا على العمل والانتاج، وتتضمن عملية التعليمالتنمية الشاملة لروحه وجسده وعقله بحيث توفر المدرسة له الفرص التي تساعده على تكوين شخصيته المستقلة، واتخاد القرار، وتنمية قدرته على التخيل والابداع، وتشجيعه على أخذ زمام المبادرة، واشباع فضوله في الاكتشاف والتجريب. وفي ظل هذا النموذج يكتسب الطالب المهارات الاجتماعية الضرورية التي تساعده على التعايش مع الآخرين وإقامة مشروعات ناجحة معهم مثل تحمل المسئولية، وضبط النفس، وفهم الذات، واكتشاف الآخرين، والتعاون، ومهارات الحوار. وليتحقق هذا النوع من التعليم في مدارسنا لابد أن نؤسس فيها ثقافة تربوية جديدة تمكن العاملين بها من الانتقال من ثقافة المصانع والمؤسسات الى النموذج الانساني الثقافي للمدرسة، ولعل أهم الملامح التي تطالعنا بها هذه المدرسة هي كالآتي:

*

توجيه دعوة مفتوحة إلى تعلم الجميع وإلى الالتحاق بالمدرسة بغض النظر عن خصائصهم العقلية والاجتماعية والاقتصادية.

*

وجود القيادة التربوية التي تمتلك المهارات العلمية والنفسية والاجتماعية التي تمكنها من تحمل أعباء المسئوليات الادارية وقيادة المعلمين لاشباع حاجاتهم المهنية وتحقيق اهداف المؤسسة المدرسية.

*

توفير المعلم المربي الذي يسعى إلى تطوير نفسه في المهنة، وتكوين علاقات اجتماعية سليمة مع زملائه، والعمل مع الآخرين في تنفيذ مشروعات مشتركة، والتواصل الفعال مع المجتمع الخارجي لدفع عجلة العملية التعليمية الى الامام.

*

إعداد المناهج التي تتضمن انشطة وخبرات ترتبط بحياة التلاميذ وواقعهم، وتشبع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، وتنمي لديهم مهارات التفكير والتواصل الاجتماعي.

*

توفير بيئة صفية آمنة ومريحة للتلاميذ تشجعهم على التعبير بحرية عن آرائهم، وتوفر لهم الأدوات والمصادر اللازمة للتعلم الذاتي والاجتماعي، وتحفز لديهم حب المعرفة والاكتشاف والتجريب.

=========================================================

تجـــــــويد التعـــــليم ( Improve its education )

يحتل التعليم في وقتنا الحاضر أهم أولويات الدول ،فالحديث عنه يعني الحديث عن الاقتصاد ،ويعني استثمار العنصر البشري في عملية بناء الأمة حاضراً ومستقبلاً ،وفي ظل التطور المعرفي والتقني الذي شمل جميع مكونات الحياة البشرية ،فإن التعليم ليس بمعزل عن ذلك ، بل إن عملية التعلم والتعليم هما سبب الرقي والتطور لدى الأمم المتقدمة ، ولم يعد الهدف من العملية التعليمية مجرد جمع المعلومات ، بل تعدى الأمر ذلك إلى تطبيق المعلومات والمعارف ،وتسعى المدرسة وفق تغير المفاهيم السابقة إلى عملية تعليمية تحقق إشباعاً لحاجات الطالب المعرفية والنفسية والاجتماعية ،فالطالب يتعلم المعرفة ليصبح قادراً على العمل والإنتاج ،ولن يتحقق هذا إلا بتجويد التعليم ، والعمل على تحسين مخرجاته ،،والاستفادة من آخر ما توصل إليه العقل البشري من إبداع وتطور وإن من أهم ذلك ما اصطلح عليه تجويد التعليم .

ولتجويد التعليم والتعلم نقدم جملة الافتراضات التربوية التي يجب أن تنطلق منها عمليتا التعليم والتعلم الفعال:

1 -الطالب محور العملية التعليمية فبدونه لا وجود للمعلم أو المنشأة التعليمية.

2 -الطالب بطبيعته متحمس لاكتشاف عالمه.

3 -النظر في أهمية المنحى التكاملي في تقديم الخبرات التربوية التي تتوجه لتنمية شخصية المتعلم فكرياً ومهارياً وانفعالياً.

4 -مفهوم 'الكـم' في عملية التعليم والتعلم يجب ألا يرتبط فقط بحجم المعلومة، بل أيضاً بالوقت الذي يُستغرق في التعلم والأسلوب الذي يكتسب المتعلم فيه المعرفة.

5 -المدرس مخطط ومشرف وموجه لإحداث التعلم عند الطلاب، ينطلق عمله من تطوير تصورات المتعلمين وإدراكهم لمفهوم التعلم وتعرف أدوارهم، في اكتشاف معنى الأشياء وفهم الواقع، لذا على المدرسين أن يوجهوا المتعلمين إلى استخلاص معنى للأشياء في عملية التعلم، بمعنى التوجه لتشكيل وخلق اتجاهات إيجابية عند الطلبة نحو توظيف المعرفة بما يحقق زيادة فهم العالم المحيط. إن المهمة الرئيسة للمعلم هي إجراء حوار يقوم من خلاله الطالب بإعادة تنظيم معرفته السابقة.

6 -تبنّي منهج دراسي يساعد على إثارة غرائز الإبداع والاستفسار والتحليل عند الطلاب وحثهم على الاستقلالية في اختيارهم وطرحهم للآراء والأفكار، واعتماد منهج التعلم العميق الذي يقوم على سعي المتعلم لاستخلاص المعنى من الأفكار والمفاهيم التي تتضمنها المادة التعليمية.

7 -انتقاء المادة العلمية المختصرة، المفيدة سهلة التناول التي تتناسب مع المستوى اللغوي والفكري وقدرات الطلاب، وحجمها مناسب للفترة الزمنية المخصصة لها، ومناسبة لمستوى الطلاب وتتحدى القدرات الفكرية والعلمية عندهم، وتساعد على تطوير قدراتهم الخيالية والفكرية. وتساعدهم في اكتشاف معنى للأشياء في فهم الواقع المحيط بهم، ولا تتعارض مع الخلفيات الدينية والثقافية والحضارية للطلاب.

8 -تقديم المادة بشكل مشوق، مشجع للدراسة، منطقي، متسلسل، واضح الغرض والهدف.

9 -الاستمرار في التقويم البدائي والبنائي والختامي في كل موقف تعليمي.

نحو تجويد التعليم

10- تجاوز الرغبة في النجاح في الاختبار وصولاً إلى الرغبة في الاستفادة مما تعلمه وتطبيقه بنجاح في أثناء الدراسة، ومستقبلياً في الحياة العملية بعد التخرج.

11- الاستمرار في النقد الذاتي في عملية التعلم.

12- إعمال الفكر بمختلف مستوياته، ابتداءً من الحفظ والفهم ، ومروراً بالتطبيق، ثم التحليل فالتركيب، وانتهاءً بالتقويم وإصدار الأحكام ، فدون التدرب على مختلف مستويات التفكير لن يحصل الإبداع والابتكار، ولن تنمو القدرة على تطبيق ما تعلمه على الواقع، وبالتالي لن يكون هناك تطوير مستمر للواقع.

13- التفكير الفعال والبحث المتواصل للربط بين المكونات وبين القضايا والمسائل، واستثمار المعرفة السابقة في تعلم أفكار ومفاهيم جديدة يمكن توظيفها في حيز الواقع بطريقة مختلفة عما تعلمه ولغرض مختلف.

14- التمتع بحب التجربة والاكتشاف، والقيام بدور الباحث بالتشاور، والتفاعل مع المعلم، ليقوم بإجراء بحث يتطلب جمعاً للحقائق منها:ها موضوعياً ونقدها والتوصل إلى استنتاجات.

15- أن يقوم بدور المناقش المتفاعل، فيقترح أسئلة ويقترح حلولاً لمسائل وقضايا معروضة للنقاش.

============================================

متطلبات تجويد التعليم في مدارسنا :

إن الجودة بمفهومها الشمولي تتطلب في المقام الأول تجاوز المعيقات ليس هذا فحسب بل تتطلب أيضا توفير مستلزمات الجودة منها :

1- تبني فلسفة للجودة فكرا وممارسة والتعامل مع مفهوم الجودة كنظام شامل وتكاملي وإن جودة المخرج تعتمد أساسا على جودة هذا النظام بكل عناصره ومدخلا ته وإجراءاته

2- وجود أهداف للجودة واضحة ومحددة وقابلة للتطبيق وعلمية في أسس بناءها واختيار مصادرها.

3- تبني سياسة تعليمية قادرة على تحقيق الجودة منسجمة مع فلسفتها وأهدافها .

4- وجود إدارة للجودة تتصف بعقل دينامي ناقد قادر على تهيئة العاملين.جودة ويحسن استغلالها وتوجيهها الوجهة المنتجة ويمتلك القدرة على التحفيز وتحسين الأداء من خلال العمل الجمعي التعاوني المؤسساتي وبالتالي قادر على وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وقادر على خلق مناخ يساعد على التجويد المستمر

5- شفافية العمل المؤسساتي ووضوح أهدافه وإجراءاته لكل العاملين .

6- وجود مناهج دراسية مبنية على أسس علمية قادرة على تحقيق الجودة.

7- وجود هيئة تدريس تتسم بالكفاءة العلمية والمهنية .

8- وجود مؤسسات للتدريب المستمر قادرة على تطوير كفاءة أداء العاملين .

9- إرساء أسس علمية للبحث العلمي قادرة على الإسهام في تجويد التعليم وتطويره وربطه بسوق العمل.

10- توفير الأبنية المدرسية القادرة على الإيفاء بمتطلبات الجودة بدءاً من غرفة الصف والمختبر والمكتبة وغرفة المعلمين ...الخ

11- التحرر من المركزية الخانقة من خلال العمل الديمقراطي التعاوني الميداني.

12- بناء الإلكترونية: يتسم بالعلمية والموضوعية والموثوقية والشمولية