المقدمه
الآراء التوفيقية المتوسطة عند الإمام الأشعري
المقدمه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة :
الحمد لله الذي اجتبى من صفوة عباده عصابة الحق ، وأهل السنة ، وخصهم من بين سائر الفرق بمزايا اللطف والمنة ، وأفاض عليهم من نور هدايته ما كشف به عن حقائق الدين ، وأنطق ألسنتهم بحجته التي قمع بها ضُلاَّل الملحدين ، وصفّى سرائرهم من وساوس الشياطين ، وطهَّر ضمائرهم عن نزغات الزائغين ، وعمَّر افئدتهم بأنوار اليقين حتى اهتدوا بها إلى أسرار ما أنزله على لسان نبيه ، وصفيه محمد ( ص ) سيد المرسلين ، واطلعوا على طريق التوفيق بين مقتضيات الشرائع ، وموجبات العقول ؛ وتحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول ، والحق المعقول .
وعرفوا أن من ظن من الحشوية وجوب الجمود على التقليد ، واتباع الظواهر ما أتوا به إلا من ضعف العقول ، وقلة البصائر .
وان من تغلغل من الفلاسفة ، وغلاة المعتزلة في تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع ، ما أتوا به إلا من خبث الضمائر .
فميل أولئك إلى التفريط ، وميل هؤلاء إلى الإفراط ، وكلاهما بعيد عن الحزم والاحتياط ، بل الواجب المحتوم في قواعد الاعتقاد ملازمة الاقتصاد ،والاعتماد ، على الصراط المستقيم فكلا طرفي قصد الأمور ذميم .
وأنى يستتبُ الرشاد لمن يقنع بتقليد الأثر والخبر ، وينكر مناهج البحث والنظر ، أولا يعلم انه لا مستند للشرع إلا قول سيد البشر (ص) ، وبرهان العقل هو الذي عرف به صدقه فيما اخبر ، وكيف يهتدي للصواب من اقتفى محض العقل واقتصر ، وما استضاء بنور الشرع ولا استبصر ؟!
وبعد : فإن الله تعالى جعل الأمة الإسلامية أمة وسطا ، فيلزمها ان تكون على توسط في الاعتقاد والعمل ، وتجتنب عن الافراط ، والتفريط فإنهما من شعائر الجاهلين
أهمية الموضوع :
لا شك ان موضوع التوسط والتوفيق جدير بالبحث ، والدراسة ، وديدن العلماء في القديم والحديث هو التوفيق ، والخروج من الخلاف قدر الإمكان وخاصة في أصول الدين ومسائل الاعتقاد ؛ لكي تتوحد كلمة المسلمين ، ويكونوا يداً واحدة على اعدائهم
قال تعالى : } وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا { ( آل عمران الآية 103 )
وقال تعالى : } وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ { ( الأنفال 46 ) .
وإن أهل السنة والجماعة قد وفقهم الله تعالى لان يكونوا على الصراط المستقيم ، وان يحفظوا لهذه الأمة عقيدتها صافية نقية كما جاءت عن رسول الله (ص) حيث يقول: ((تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها )) المستدرك على الصحيحين ، 1/175 .
وذلك بتأسيسهم لعلم الكلام ، أو علم التوحيد والعقائد الذي هو أشرف العلوم لكونه أساس الأحكام الشرعية ، ورئيس العلوم الدينية ، وكون معلوماته العقائد الإسلامية ، وغايته الفوز بالسعادات الدينية ، والدنيوية ، وبراهينه الحجج القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية ، وما نقل عن السلف من الطعن فيه والمنع عنه ، فإنما هو للمتعصب في الدين ، والقاصر عن تحصيل اليقين ، والقاصد إلى إفساد عقائد المسلمين، والخائض فيما لا يفتقر اليه من غوامض المتفلسفين وإلا فكيف يتصور المنع عما هو اصل الواجبات ، واساس المشروعات .
وقد كان لهذا العلم ايام كانت بضاعة العلم رائجة ، وبحور الفنون بسفن المحصلين مائجة ؛ مكان مكين وركن ركين ؛ لأنه عماد الفرض المحتم ، والأمر الواجب تقديمه على كل مقدم ، وهو معرفة الله سبحانه وتعالى ، واجب الوجود لذاته ، وباعث الرسل لاقامة الحجة على الخلق بمحكم آياته .
سبب الاختيار :
رأيت الكثير من طلبة العلم وغيرهم عندما يذكر الإمام الأشعري ( رحمه الله تعالى ) والأشعرية يمتعضون فمن قائل : إن الأشعرية قد ذهب وقتها .
وآخر يقول : لا داعي لدراسة موضوع الأشاعرة ومنهجهم في العقيدة لانه ليس بذي أهمية .
وثالث يقول : لا داعي لدراسة العقيدة أصلاً فهي موجودة في بطون الكتب ، ومن اراد هذا العلم رجع إلى الكتب ليجد بغيته .
ومن متهجم على الإمام الأشعري والأشاعرة عموماً بل نجد كتاباً إسلاميين كما يدعون تنشر لهم كتباً ومقالات في الصحف ، وهي بهذا المعنى بل نجد في مؤلفاتهم الكثير من هذه الدعاوى .
وإنه لمن دواعي الأسى والأسف ، أن نرى هذا الهجوم والتنكر لعلماء الأمة ، وخاصة علماء العقيدة من أمثال الإمام الأشعري ( رحمه الله تعالى ) الذي وقف للمعتزلة بالمرصاد ، وكسر شوكتهم ، وتركهم أثراً بعد عين ، نجد من مثقفي هذا الزمان من يعيب عليه ، ويصفه بأوصاف لا تليق وينكر فضله وعلمه وجهاده .
والإمام الأشعري ( رحمه الله ) له مواقف كثيرة غير الرد على المعتزلة منها تأييده لعقائد أهل السنة والجماعة بالادلة العقلية التي تسكت الخصوم وتقوي المناظر والمحاجج .
فهو لم ينشأ مذهباً جديداً ولم يبتدع قولاً مخالفاً ، إنما نصر عقائد أهل السنة بالأدلة العقلية كما فعل ذلك قبله الحارث بن اسد المحاسبي ، وابن كُلاب ، وغيرهم ، ومن حاول أو يحاول تغيير هذه الحقيقة بتمويهات ، وتضليلات ، وتصوير الإمام الأشعري ( رحمه الله ) بصورة المفاوض أو (الدبلوماسي) كما يعبر عنه الآن ، وإنه استطاع بمرونته هذه ان يوفق بين عقيدة أهل السنة وعقيدة المعتزلة ليخرج برأي ثالث، ومنهج جديد .
وهذه الشبهة يحاول من يروجها أن يوحي بأن الإمام الأشعري ( رحمه الله ) والأشاعرة ( رحمهم الله ) لا يمثلون عقيدة السلف ، وأنما يمثلون عقيدة خارجة عن مذهب السلف ، وغير داخلة في مذهب المعتزلة .
ونسي هؤلاء أو تناسوا بأن الذين قالوا بقول الإمام الأشعري ( رحمه الله ) هم أكابر علماء الأمة من أمثال الإمام ابن مجاهد والإمام أبي الحسن الباهلي ، والإمام القاضي الباقلاني ، والإمام البيهقي ، وإمام الحرمين الجويني ، وحجة الإسلام الغزالي ، والفخر الرازي ، والإمام أبي القاسم القشيري ، والإمام عبد القاهر البغدادي ، والحافظ ابن عساكر الدمشقي ، والتاج السبكي ، والأستاذ أبي إسحاق الأسفراييني إلى آخر قائمة أكابر العلماء من أهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا .
فهل تنكر لهؤلاء العلماء الأعلام من أئمة الإسلام جميعاً وندعي بأننا علمنا ما جهلوه ، وهل هذه إلا سفسطة ومخرفة ، وهل هذا إلا سلوك غير طريق المؤمنين .
قال تعالى : } وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا { ( النساء 115 )
وقد رتبت رسالتي هذه الموسومة ( الآراء التوفيقية المتوسطة عند الإمام الأشعري ) على بابين وستة فصول .
الباب الأول : وفيه فصلان
الفصل الأول : تناولت فيه الإمام الأشعري ( رحمه الله ) وجاء على ثلاثة مباحث .
المبحث الأول : تناولت فيه حياته وعصره ، واسباب تحوله من الأعتزال إلى مذهب أهل السنة والجماعة .
المبحث الثاني : تناولت فيه شهادات العلماء للإمام الأشعري ( رحمه الله ) ومصنفاته .
أما المبحث الثالث : فقد تناولت فيه منهج الإمام الأشعري ( رحمه الله ) واستدلاله بالنقل والعقل .
الفصل الثاني : تناولت فيه مسألة الألفاظ الموهمة للتشبيه أو الصفات الخبرية.
وجاء على ثلاثة مباحث .
المبحث الأول : تناولت فيه رأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في الألفاظ الموهمة للتشبيه .
المبحث الثاني: تناولت فيه الألفاظ الموهمة للتشبيه عند باقي الفرق الإسلامية وهم :السلف والمحدثين ، المعتزلة ، الحشوية
المبحث الثالث : وهو موازنة بين رأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في هذه المسألة وآراء باقي الفرق الإسلامية عرضت فيه نتيجة هذه المسألة وبينت التوفيق والتوسط فيها .
الباب الثاني : وفيه أربعة فصول وهي : الثالث والرابع والخامس والسادس :
الفصل الثالث : تناولت فيه مسألة صفة الكلام وجاء على ثلاثة مباحث .
المبحث الأول : تناولت فيه رأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في صفة الكلام.
المبحث الثاني : تناولت فيه آراء باقي الفرق الإسلامية في صفة الكلام وهم : المعتزلة ، الحشوية .
المبحث الثالث : وهو موازنة بينت فيها توسط 0الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في هذه المسألة .
الفصل الرابع : تناولت فيه مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى وجاء على ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : تناولت فيه مسألة رؤية الله سبحانه وتعالى عند الإمام الأشعري ( رحمه الله ) جملةً وتفصيلاً .
المبحث الثاني : تناولت فيه آراء باقي الفرق الإسلامية في هذه المسألة وهم : المعتزلة والحشوية .
المبحث الثالث : وهو موازنة بينت فيها توسط الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في هذه المسألة .
الفصل الخامس : تناولت فيه مسألة أفعال العباد وجاء على ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : تناولت فيه رأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في هذه المسألة.
المبحث الثاني : تناولت فيه آراء باقي الفرق الإسلامية في هذه المسألة وهم: الجبرية ، القدرية والمعتزلة .
المبحث الثالث : وهو موازنة بينت فيها توسط الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في هذه المسألة .
الفصل السادس : تناولت فيه مسألة مرتكب الكبيرة وجاء على ثلاثة مباحث .
المبحث الأول : تناولت فيه رأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في هذه المسألة.
المبحث الثاني : آراء باقي الفرق الإسلامية وهم : الخوارج ، الحسن البصري (رحمه الله ) ، المعتزلة .
المبحث الثالث :وهو موازنة بينت فيها توسط الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في هذه المسألة .
وأيضاً تضمن البحث مقدمة تناولت فيها أهمية الموضوع وسبب الاختيار ، وخاتمة بينت فيها نتائج البحث .
ولا يفوتنِ أن أشكر أستاذي الفاضل الأستاذ الدكتور محمد رمضان عبد الله الذي أرشدني وعلمني ، وقد تشرفت بالدراسة على يديه في الدراسة الأولية ، وفي الماجستير ، وتشرفت بإشرافه على رسالتي التي لولاه لما خرجت بهذا الشكل .
كما وأشكر رئيس وأعضاء لجنة الناقشة لما يبذلونه من جهود في مناقشة الرسائل الجامعية وتقويمها ، ومنها رسالتي المتواضعة التي أرجوا أن تنال رضاهم .
وأشكر كل من ساعدني ، وله منة علي ، وخاصةً أهلي وعائلتي الذين كابدوا معي أعباء الدراسة .
والله أسأل ، وبرسوله ( صلى الله عليه وسلم ) أتوسل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يوفقني لما يحب ويرضى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .