الفصل الاول

الإمام الأشعري (رحمه الله تعالى )إمام اهل السنة والجماعة

المبحث الاول :حياته وعصره

المطلب الاول : حـيـاتـه .

أولا: اسمه وكنيته ولقبه ونسبه .

قال المؤرخ الفقيه ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في وفيات سنة ( 324هـ) : وفيها الإمام العلامة البحر الفهامة أبو الحسن الأشعري .

أ‌- اسمه : علي بن اسماعيل بن ابي بشر ([1]).

ب‌- كنيته : ابو الحسن .

ج- لقبه : الأشعري ([2])، نسبة إلى أبي موسى الأشعري الصحابي الجليل t .

ويلقب ايضاً بالمتكلم لما أشتهر به من علم الكلام ، ويلقب بالبصري لانه سكن البصرة ، وبعد ذلك انتقل الى بغداد ([3]).

د- نسبه : ابو الحسن علي بن اسماعيل بن ابي بشر اسحاق بن سالم بن اسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن ابي بردة عامر بن ابي موسى الأشعري ( عبد الله بن قيس ) صاحب رسول الله y ([4]).

ثانياً: مولده ووفاته :

قال صاحب وفيات الاعيان : مولده سنة سبعين وقيل ستين ومائتين بالبصرة (270 أو 260 هـ )([5]).

وقال التاج السبكي : ولد الشيخ سنة ستين ومائتين (260هـ) ([6]).

وقد رجح ابن عساكر ( رحمه الله تعالى )هذا القول كما سيأتي .

وفاته :ذكر ابن عساكر بسنده وهو اوسع من ترجم للامام الأشعري ان الأشعري مات ببغداد سنة عشرين وقيل سنة ثلاثين وثلاثمائة ، ودفن في مشرع الزوايا في تربة الى جانبها مسجد وبالقرب منها حمام ، وهي عن يسار المار من السوق الى دجلة ، وذكر ابو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسي ان ابا الحسن الأشعري مات سنة اربع وعشرين وثلاثمائة ، وقال بعض العصريين مات سنة نيف وثلاثين وثلاثمائة ، وهذا القول الاخير لا اراه صحيحا والارجح انه مات سنة اربع وعشرين ، وكذلك ذكر ابو بكر بن فورك([7]).

فقد رجح ابن عساكر أن وفاة الشيخ الأشعري (رحمه الله ) كانت سنة (324هـ) كما مر انفا وذكر ايضاً في تاريخ مولده ووفاته ان الارجح انه ولد (260هـ) ، وتوفي ( 324هـ) في موضع اخر من كتابه ([8]).

وعبارة ابن عساكر ( رحمه الله ) ذكر بسنده ، ‘‘ الى ابي بكر بن الوزان يقول ولد ابن ابي بشر سنة ستين ومائتين ومات سنة نيف وثلاثين وثلثمائة ، لااعلم لقائل هذا القول في تاريخ مولده مخالفا ، ولكن اراه في تاريخ وفاته ( رحمه الله) مجازفا ، ولعله اراد القول سنة نيف وعشرين ، فان ذلك في وفاته قول الاكثرين’’ ([9]).

ومن هذا النص نعلم ان الدكتور عبد الرحمن بدوي لم يكن دقيقا في نقله عن تبين كذب المفتري حيث قال :‘‘ نقلاً عن تاريخ بغداد ( قال بعض البصريين : ولد ابو الحسن الأشعري في سنة ستين ومائتين ) وهذا التعبير يؤذن بان مولد الأشعري لم يكن معروفاً على وجه اليقين ، ولكن ليس لدينا في المصادر الاخرى غير هذا التاريخ ، ولعل هذا هو الذي يفسر لنا ان ابن عساكر تجنب التحدث عن تاريخ ميلاده’’ ([10]).

ومما نقلته عن تبين كذب المفتري في مولد الشيخ الأشعري (رحمه الله ) يتضح لنا عدم صواب كلام الدكتور عبد الرحمن بدوي .

ثالثاً : طلبه للعلم وشيوخه :

ذكر الإمام ابو بكر بن فورك ان ابا الإمام الأشعري وهو ابو بشر اسماعيل بن اسحاق كان سنياً جماعياً حديثياً أوصى عند وفاته بابنه علي ابي الحسن الأشعري الى زكريا بن يحيى الساجي (رحمه الله) وهو امام في الفقه ، والحديث ، وله كتب منها كتاب اختلاف الفقهاء وكان يذهب مذهب الشافعي ، وقد روى عنه الشيخ ابو الحسن الأشعري في كتاب التفسير أحاديث كثيرة يعني الساجي ، يقول ابن عساكر : والصحيح ان ابا بشر جده إسحاق كما سبق .

وكان الإمام الأشعري (رحمه الله ) يجلس ايام الجمعات في حلقة ابي إسحاق المروزي الفقيه في جامع المنصور .

أخذ الإمام الأشعري ( رحمه الله ) الحديث في مقتبل عمره عن زكريا الساجي وبعد ذلك أخذ علم الجدل والنظر عن ابي علي الجبائي ، وعندما قدم الى بغداد أخذ الفقه عن ابي اسحاق المروزي الفقيه الشافعي وقد ذكر عنه غير واحد من الاثبات ان الشيخ كان يأخذ مذهب الشافعي عن ابي اسحاق المروزي ، وابو اسحاق المروزي يأخذ عنه علم الكلام ؛ لذلك كان يجلس في حلقته ([11]).

‘‘ روى الشيخ الأشعري (رحمه الله ) عن زكريا الساجي وروى ايضاً عن خليفة الجمحي وسهل بن نوح ومحمد بن يعقوب المقبري ، وعبد الرحمن بن خلف الضبي البصريين ، وأكثر عنهم في تفسيره وتفسيره كتاب حافل جامع قال شيخنا الذهبي : انه لما صنفه كان على الاعتزال قلت :[ القول للسبكي ] وليس الامر كذلك ، فقد وقفت على الجزء الاول منه ، وكله رد على المعتزلة وتبين لفساد تأويلاتهم ، وكثرة تحريفهم’’ ([12]).

رابعاً : تلامذته :

اخذ عن الإمام الأشعري (رحمه الله ) خلق كثير منهم الاستاذ ابو سهل الصعلوكي ، والاستاذ ابو اسحاق الاسفراييني ، والشيخ ابو بكر القفال ، والشيخ ابو زيد المروزي ، والاستاذ ابو عبد الله بن خفيف ، وزاهر بن احمد السرخسي ، والحافظ ابو بكر الجرجاني الاسماعيلي ، والشيخ ابو بكر الاودني ، والشيخ ابو محمد الطبري العراقي ، وابو الحسن عبد العزيز بن اسحاق الطبري المعروف بالدمل وابو جعفر السلمي النقاش ، وابو عبد الله الاصفهاني الشافعي ، وابو محمد القرشي الزهري ، وابو منصور بن حماد .

وربما كان في هؤلاء من لم يثبت عندنا انه جالس الشيخ ولكن كلهم عاصروه وتمذهبوا بمذهبه وقرؤا كتبه واكثرهم جالسه ، واخذ عنه شفاها .

والشيخ ابو الحسين بن سمعون الواعظ ،وابو عبد الرحمن الشروطي الجرجاني.

واخصهم بالشيخ اربعة : ابن مجاهد وهو ابو عبد الله محمد بن احمد بن محمد بن يعقوب ابن مجاهد الطائي شيخ القاضي ابي بكر الباقلاني وكان مالكي المذهب ذكره القاضي عياض في المدارك .

وابو الحسن الباهلي العبد الصالح شيخ الاستاذ ابي اسحاق ، والاستاذ ابي بكر بن فورك وشيخ القاضي ابي بكر ايضاً ، الا ان القاضي ابا بكر اخص بابن مجاهد ، والاستاذان اخص بالباهلي .

قال القاضي ابو بكر : كنت انا وابو اسحاق الاسفراييني وابن فورك معاً في درس الشيخ الباهلي ، وكان يدرس لنا في كل جمعة مرة واحدة وكان منا في حجاب يرخى الستر بيننا وبينه ، كي لانراه ، وكان من شدة اشتغاله بالله مثل واله أو مجنون ، لم يكن يعرف مبلغ درسنا حتى نذكره ذلك .

وقال ابو الفضل محمد بن علي السهلكي : كان الباهلي يُسأل عن سبب النقاب وارساله الحجاب بينه وبين هؤلاء الثلاثة ، كأحتجابه من الكل ، فإنه كان يحتجب من كل واحد .

فاجاب : انهم يرون السوقة ، وهم اهل الغفلة فيرونني بالعين التي يرون اولئك بها .

قال : وكانت له ايضاً جارية تخدمه فكان حالها ايضا معه كحال غيرها من الحجاب وارخاء الستر بينه ، وبينها .

والثالث : بندار خادمه ، واسمه بندار بن الحسين بن محمد المهلب الشيرازي .

والرابع : ابو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري ([13]).

خامساً: فترة التحول عن الإمام الاشعري(رحمه الله ) من الاعتزال الى مذهب السلف ( رضي الله عنهم أجمعين ) .

تمهيد :

ولد الشيخ امام اهل السنة والجماعة ابو الحسن الأشعري (رحمه الله ) في البصرة سنة ستين ومائتين للهجرة (260هـ) ، أوصى والده اسماعيل بن اسحاق عند وفاته بابنه (ابي الحسن ) الى زكريا بن يحيى الساجي(رحمه الله ) وهو أمام في الفقه والحديث ، ومعلوم أن أوصى له أي التعدية بالام تفيد الوصية المعروفة . واوصى اليه المتعدية بحرف الجر الى تفيد الايصال والقيومية أي جعله قيماً ووصياً عليه فهي بمعنى التكفل والرعاية ، ولله دره حيث اوصى بابنه الى هذا العالم الجهبذ الفقيه المحدث ليكلأه ،ويرعاه ، ويرببيه ، فيكون أباً لجسده ، وروحه ، بعد ابيه الحقيقي ، وبهذا يكون الإمام الأشعري (رحمه الله تعالى ) يتيماً مكفولاً من قبل هذا العالم المحدث الفقيه .

وعلى الارجح يكون قد ابتدأ درسه عند هذا الفقيه منذ نعومة أظفاره ، وهو اول شيخ تلقى عنه الحديث ، والفقه ، وبعد ذلك تأثر ودرس عند ابي علي الجبائي المعتزلي ، وحيث كان للمعتزلة صولة وجولة في البصرة ؛ وان مبدأ وجودهم منها – حيث إن واصل بن عطاء كان في مجلس الحسن البصري (رحمه الله ) واعتزل بعد ان اثيرت مسألة مرتكب الكبيرة ، وقوله إنه في منزلة بين المنزلين كما هو مشهور فقال الحسن (رحمه الله تعالى ) : اعتزلنا واصل ، واصحابه فسموا المعتزلة – فكان الاعتزال سمة هذا العصر ، ولو ان المحنة قد انتهت وهدأت النفوس ولكن بقي للاعتزال اثره الفكري والعقائدي .

فترة التحول:

تربى الإمام الأشعري (رحمه الله تعالى) وتغذى على موائد المعتزلة حيث تقدم ان شيخه ابو علي الجبائي ، والجبائي في المعتزلة كواصل بن عطاء في الشهرة ، فلازمه الإمام الأشعري (رحمه الله )ملازمة طويلة قيل انها استمرت اربعين عاماً ، قال الإمام السبكي (رحمه الله تعالى ) ‘‘ يقال اقام في الاعتزال اربعين سنة ’’ ([14]).

ولايخفى مافي قوله (يقال ) من تضعيف للرواية ، وفي رواية الحسن العسكري ان الأشعري لازم الجبائي اربعين سنة ([15]).

ولعل المراد المبالغة في طول المدة لا المدة الحقيقية ، او اقام على الاعتزال حتى بلغ الاربعين من العمر لانه ولد (260هـ) وتحول حوالي سنة (300هـ) فيكون في الاربعين من عمره .

وعلى اية حال فان الإمام الأشعري (رحمه الله تعالى ) أقام على الاعتزال مدة طويلة يناظر عن المعتزلة ، وينوب عن شيخه الجبائي احياناً في المناظرة إلى أن ‘‘ تاب من القول بالعدل والتوحيد ، وخلق القرآن في المسجد الجامع في البصرة يوم الجمعة ، ورقي كرسياً ، ونادى باعلى صوته ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي ، انا فلان ابن فلان كنت أقول بخلق القرآن وان الله لاتراه الابصار وان افعال الشر انا افعلها ، وانا (تائب مقلع ) معتقد للرد على المعتزلة مخرج لفضائحهم ومعاييبهم ’’ ([16]).

وسبب هذا التحول هو إن الإمام الأشعري (رحمه الله ) كان يطرح على اساتذته في الدرس اسئلة لايستطيعون الرد عليها ، ولاشك ان هذه الأسئلة ظلت تراود الإمام الأشعري (رحمه الله ) طويلا حتى اظهرها ، ومن طبيعة المعتزلة انهم يحبون الجدل والمناظرة حباً شديداً ؛ اذ ان منهجهم العقلي يحتم عليهم ذلك ولا يرى الطالب منهم حرجاً في ان يتناظر مع استاذه وشيخه حتى وإن خالف استاذه مخالفة ظاهرة كما سياتي في مناظرات الإمام الأشعري (رحمه الله ) مع شيخه الجبائي وكيف إنه كان يعترض على الشيخ ، وكل ذلك لأن الإمام الأشعري (رحمه الله ) قد تربى على موائد المعتزلة الفكرية واخذ عنهم منهجهم العقلي في الجدل والذي يعطي للعقل السلطان الاكبر ويجعله حاكماً حتى على الشرع .

وهذا السبب هو اوجه الاسباب لتحول الإمام الأشعري (رحمه الله )من الاعتزال الى منهج السلف ( ؛ إذ فيه التحول الطبيعي ، والمنطقي من الشك الى اليقين فبعد أن ثارت عند الإمام الأشعري شكوكاً تحولت الى اسئلة ومناظرات مع شيخه ولم يستطع الشيخ التملص من الزامات التلميذ هنا فاق الطالب استاذه ولم يبق له الا مفارقته والانتقال الى الحق المؤيد بالبراهين النقلية والعقلية .

ولاسيما ان لهذا السبب تعزيزات وتأكيدات من جوانب اخرى كلها تصب في هذا المجرى وتنحو به نحو هذا المنحى ، وكما قيل اذا اراد الله شيئاً هيأ أسبابه .

ومن امثلة هذه الاسئلة التي كان الإمام الأشعري (رحمه الله ) يوردها على اساتذته هذه المناظرة المأثورة والمشهورة .

مناظرة بين الشيخ أبي الحسن و أبي علي الجبائي في الأصلح والتعليل :

‘‘سأل الشيخ t أبا علي فقال : أيها الشيخ ، ما قولك في ثلاثة مؤمن وكافر وصبي ؟

فقال: المؤمن من اهل الدرجات ، والكافر من اهل الهلكات ، والصبي من اهل النجاة .

فقال الشيخ : فإن اراد الصبي ان يرقى الى اهل الدرجات هل يمكن ؟

قال الجبائي : لا ، يقال له : ان المؤمن انما نال هذه الدرجة بالطاعة ، وليس لك مثله.

فقال الشيخ : فان قال : التقصير ليس مني ، فلو أحييتني كنت عملت من الطاعات كعمل المؤمن .

قال الجبائي : يقول له الله : كنت اعلم انك لو بقيت لعصيت وعوقبت ،فراعيت مصلحتك ، وأمتك قبل أن تنتهي إلى سن التكليف .

قال الشيخ : فلو قال الكافر : يا رب ،علمت حاله كما علمت حالي ، فهلا راعيت مصلحتي مثله .

فانقطع الجبائي ’’ ([17]).

قال الفقيه المؤرخ ابن العماد الحنبلي بعد ان شرع في ترجمة الإمام الأشعري (رحمه الله تعالى ) :‘‘ ومما بيض به وجوه اهل السنة النبوية ، وسود به رايات اهل الاعتزال والجهمية فبان به وجه الحق الابلج ،ولصدور اهل الايمان والعرفان اثلج ، مناظرته مع شيخه الجبائي التي قصم بها ظهر كل مبتدع مرائي ’’ ([18]).

وينقل ابن العماد هذه المناظرة عن ابن خلكان بنفس معنى الرواية التي ذكرها الإمام السبكي ، وبالفاظ متقاربة ، والذي يهمنا هو المراحل التي كان يمر بها الإمام الأشعري (رحمه الله ) في تحوله الى مذهب السلف والانتصار له .

فلا شك في أن هذه المناظرة التي تذكرها جل المصادر المترجمة للامام الأشعري (رحمه الله ) هي مرحلة من مراحل التطور والتحول الفكري والعقائدي عند الإمام الأشعري (رحمه الله ) بل من اهم المراحل وذلك بادنى تأمل .

وهناك مناظرة أخرى في أسماء الله تعالى هل هي توقيفية وهي :

‘‘ دخل رجل على الجبائي ، فقال : هل يجوز ان يسمى الله تعالى عاقلاً ؟

فقال الجبائي : لا ؛ لأن العقل مشتق من العقال ، وهو المانع ، والمنع في حق الله تعالى محال ، فامتنع الاطلاق .

قال الشيخ ابو الحسن فقلت له : فعلى قياسك لايسمى الله سبحانه حكيماً ؛ لأن هذا الاسم مشتق من حَكَمَة اللجام ، وهي الحديدة المانعة للدابة عن الخروج ، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت:

فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء

وقول الاخر :

أبني حنيفة حكموا سفاءكم اني اخاف عليكم أن أغضبا

أي نمنع بالقوافي من هجانا ،وامنعوا اسفاءكم فاذا كان اللفظ مشتق من المنع، والمنع على الله محال لزمك ان تمنع اطلاق حكيم عليه سبحانه وتعالى .

قال : فلم يحر جواباً ، الا انه قال لي : فلم منعت انت ان يسمى الله سبحانه وتعالى عاقلاً واخترت ان يسمى حكيماً ؟.

قال : فقلت له : لان طريقي في مأخذ اسماء الله الاذن الشرعي دون القياس اللغوي ، فاطلقت حكيماً ؛ لان الاشرع اطلقه ، ومنعت عاقلاً ؛ لان الشرع منعه ؛ ولو اطلقه الشرع لاطلقته ’’([19]).

وقد اورد الإمام السبكي (رحمه الله ) هذه المناظرة بعد المناظرة في الاصلح ، والمتبادر انها متأخرة عنها فعلاً في الزمان لأن الإمام الأشعري (رحمه الله ) يرد على استاذه رد المستقل لا رد الطالب المستزيد من استاذه وايضاً قوله ( لان طريقي في مأخذ اسماء الله الاذن الشرعي دون القياس اللغوي ) يشعر بانه قد اتجه الى النقل وترك طريق العقل الذي يعتمده المعتزلة ، وصار له طريق خاص به في الاستدلال ، وهو طريق السلف ، وليس طريق المعتزلة .

ويصف لنا الحافظ ابن عساكر (رحمه الله ) هذه المراحل فيروي بسنده : ‘‘ ان الشيخ ابا الحسن (رحمه الله ) لما تبحر في كلام الاعتزال وبلغ غايته كان يورد الاسئلة على استاذيه في الدرس ولايجد منهم جواباً شافياً فتحير في ذلك فيحكى عنه انه قال : وقع في صدري في بعض الليالي شئ مما كنت فيه من العقائد فقمت وصليت ركعتين وسألت الله تعالى ان يهديني الطريق المستقيم ونمت فرأيت رسول الله y في المنام فشكوت اليه بعض مابي من الامر فقال رسول الله y عليك بسنتي فانتبهت وعارضت مسائل الكلام بما وجدت في القرآن والاخبار فاثبته ، ونبذت ماسواه ورائي ظهرياً….

ويروي الحافظ ابن عساكر (رحمه الله) حكاية متصلة السند الى الإمام الأشعري (رحمه الله ) حيث يقول : قال حكى لنا الشيخ أبو الحسن t قال كان الداعي الى رجوعي عن الاعتزال والى النظر في ادلتهم واستخراج فسادهم اني رايت رسول الله (ص) في منامي في اول شهر رمضان فقال لي يا ابا الحسن كتبت الحديث فقلت : بلى يارسول الله فقال أوما كتبت أن الله تعالى يرى في الآخرة فقلت بلى يا رسول الله فقال لي y فما الذي يمنعك من القول به قلت ادلة العقول منعتني فتأولت الاخبار فقال لي : وما قامت ادلة العقول عندك على أن الله تعالى يرى في الاخرة فقلت بلى يارسول الله فانما هي شبه ، فقال لي تاملها وانظر فيها نظرا مستوفى فليست بشبه بل هي ادلة وغاب عني y قال ابو الحسن : فلما انتبهت فزعت فزعاً شديداً ، وأخذت أتأمل ما قاله y واستثبت فوجدت الأمر كما قال فقويت أدلة الاثبات في قلبي ، وضعفت ادلة النفي فسكت ، ولم اظهر للناس شيئاً وكنت متحيراً في امري فلما دخلنا في العشر الثاني من رمضان رايته y قد اقبل فقال : يا ابا الحسن أي شئ عملت فيما قلت لك فقلت يارسول الله الامر كما قلت (صلى الله عليك ) والقوة في جانب الاثبات فقال لي تأمل سائر المسائل وتذكر فيها فانتبهت فقمت ، وجمعت جميع ما كان بين يدي من الكتب الكلاميات ، وضبرتها ورفعتها ، واشتغلت بكتب الحديث ، وتفسير القرآن ، والعلوم الشرعية ومع هذا فاني كنت اتفكر في سائر المسائل لامره y إياي بذلك قال فلما دخلنا في العشر الثالث رايته y ليلة القدر فقال لي وهو كالحردان ماعملت فيما قلت لك فقلت يارسول الله انا متفكر فيما قلت ولا ادع التفكر ، والبحث عليها الا اني قد رفضت الكلام كله واعرضت عنه ، واشتغلت بعلوم الشريعة فقال لي : مغضبا ومن الذي امرك بذلك صنف وانظر هذه الطريقة التي أمرتك بها فانها ديني ، وهو الحق الذي جئت به ، وانتبهت قال ابو الحسن فأخذت في التصنيف والنصرة واظهرت المذهب .

فهذا سبب رجوعه من مذاهب المعتزلة الى مذاهب أهل السنة والجماعة رحمة الله عليه ورضوانه ’’ ([20]).

وخلاصة ما ذكره الحافظ ابن عساكر (رحمه الله ) في فترة التحول ان الإمام الأشعري (رحمه الله ) كان يورد الأسئلة على أستاذيه ولا يجد الجواب الشافي فتحير في أمره وسال الله تعالى ان يشرح صدره ، ويهديه إلى الصراط المستقيم والسنة ان الرجل اذا تحير في أمر صلى ركعتين تسمى صلاة الاستخارة روى الإمام البخاري (رحمه الله ) بسنده عن جابر بن عبد الله ( رضي الله عنهما ) قال : (( كان رسول الله y يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن إلى آخر الحديث )) ([21]).

فالإمام الأشعري (رحمه الله) كان عالما بالسنة عاملا بها وانه راى رسول الله y في الرؤيا ومعلوم ان رؤيا النبيy حق قال رسول الله y : (( من راني في المنام فقد راني ، فإن الشيطان لايتمثل بي )) ([22]).

ومن هذا الحديث الشريف يتبين ان ماروى ابن عساكر ( رحمه الله ) من بشارات ورؤى لا تتنافى مع الشرع بل إن السنة قد جاءت بها فلا داعي للطعن بكتب المناقب ، وخاصة كتاب التبيين لابن عساكر بسبب ذكر هذه الرؤى المنامية خاصة اذا علمنا ان الحافظ ابن عساكر ( رحمه الله ) هو اوسع من تحدث عن الإمام الأشعري (رحمه الله) والطعن في كتابه طعن بالامام الأشعري (رحمه الله) خصوصاً وطعن بالاشاعرة ( رحمهم الله تعالى ) عموماً .

وهذا الكلام ليس تحاملاً مني على أحد وإنما هو واقع حال فقد ذكر كثير من الكتاب العصريين مثل هذه الشبهة ، وعولوا عليها كثيراً ونسوا او تناسوا حديث رسول الله y آنف الذكر .

ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر الدكتور عبد الرحمن بدوي حيث قال ‘‘ ويتلو ذلك روايات ذكرها ابن عساكر ، ويجري فيها ذكر منامات راى فيها النبي الذي دعاه إلى اتباع سنته ، وهذا يؤذن بان هذه الروايات موضوعة ؛ لانها تاخذ موقفاً معيناً ’’ ([23]).

ولجأ الى نقد هذه الروايات نقداً داخليا ً ، واهمل النقد الخارجي اهمالاً واضحا أي نقد السند على طريقة المحدثين حيث انه يعمد اولا الى تصحيح الاسناد فاذا ثبت تنقد الرواية نقداً داخلياً وهذا مايسمى عند المحدثين بالرواية والدراية . واذا علمنا ان الحافظ ابن عساكر ثقة وهو من حفاظ الاسلام ، وقد جاءت الرواية التي ذكرتها متصلة السند الى الإمام الأشعري (رحمه الله تعالى ) فلا داعي لانكارها بدون دليل ، والشرع لايمنع ان يرى احد المسلمين رسول الله y بل هي بشارة له فقد قال رسول الله y:(( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي )) ([24]).

ومثل هذا الكلام نجده في كتاب نشأة الأشعرية حيث يقول : ‘‘وكتاب ابن عساكر هذا هو اوسع المصادر لدينا عن الأشعري الا انه ملئ بالبشارات والرؤى والاشعار مما يجعله بعيد الصلة بالمنهج العلمي ، وينقل هذا الكلام عن الدكتور حمودة غرابة ’’ ([25]).

ولاارى أي تقاطع مع المنهج العلمي في ذكر مثل هذه الاشياء اذا ثبتت الى صاحبها بطريق صحيح ، وكان ثـقة ، ولو ابطلنا كل رواية بهوى انفسنا فهذا هو الذي يتقاطع مع المنهج العلمي الذي يدعونه ، ولسقطت كثير من الروايات حتى عن النبي (ص) بحجة مخالفة المعقول والمنهج العلمي ، وهذا ماتفعله الفرق الضالة في القديم والحديث ([26]).

وقد انصف الدكتور فيصل بدير عون حيث قال : ‘‘ على إن مثل هذه الروايات ، مع مافي بعضها من مبالغة ، توضح حقيقة هامة وهي ان الأشعري -على ما يبدو –قد ضج من كثرة الخلافات والصراعات التي نشبت داخل مذهب المعتزلة ، واراد ان يبعد نفسه ومن يتبعه عن ذلك الجو الذي يمكن ان يؤدي الى فساد الدين .

ووجد الأشعري ان ذلك لا يتم الا بالرجوع الى كتاب الله وسنة نبيه .

وعلى ذلك فإذا السمة العامة لمذهب الاشاعرة هي ميلهم الى السلف الصالح ، والتقليل من شأن العقل في فهمه للدين ، وترجيح الدين على العقل ، والميل الى الزهد والتقوى والورع ’’ ([27]).

وأخيراً اذكر سببا لتحول الإمام الأشعري (رحمه الله )كما يرى ذلك صاحب كتاب المعتزلة واذكر هذا الرأي لا لوجاهته بل لغرابته ؟!.

وهذا السبب هو موضع شبهة خطيرة لذلك سأذكره وارد عليه .

يقول زهدي حسن جار الله : ‘‘ كان الأشعري معتزلياً صميمياً ولكنه ادرك ببصره النافذ ، وعقله الراجح ، حقيقة الوضع ……!

رأى الهوة بين اهل السنة واهل الاعتزال في اتساع وازدياد ووجد الحركة الرجعية تقوى وتشتد ، فعلم ان الاعتزال صائر لامحالة الى زوال ، فازعجته هذه الحقيقة المروعة واقضت مضجعه ، ولذلك تقدم الى العمل .. فتنكر للمعتزلة ، واعلن انفصاله عنهم ، ورجوعه الى حضيرة السنة غير انه لم يرجع اليها فعلا كما اعلن ذلك للملأ ، بل اتخذ طريقاً وسطاً بينها وبين مذهب المعتزلة ’’ ([28]).

ومن هذه الفقرة يتبين أن المؤلف يصف الإمام الأشعري (رحمه الله ) بانه مراوغ – وحاشاه من ذلك –ولعل قائل يقول : كيف ذلك ونحن لم نره يصرح به ؟ أقول : لقد لمح الى ذلك تلميحاً اقرب الى التصريح ، والكناية ابلغ من التصريح ، حيث انه ذكر ان الاعتزال كان يسير نحو الزوال فازعجت الامام الأشعري هذه الحقيقة المروعة ، واقضت مضجعه ؛ لذلك تنكر للمعتزلة ، واعلن انفصاله عنهم ، ورجوعه الى حضيرة السنة غير ان لم يرجع فعلا الى اخر كلامه .

وليت شعري لو كان الامر كما يقول : لكان الأولى بالإمام الأشعري ان يقوي ويناصر الاعتزال لا ان يتنكر له ويظهر من عواره ، وتهافت اصحابه ما يعجز المعتزلة انفسهم من أظهاره .

ومن قال : بان تحول الامام الأشعري ( رحمه الله ) كان سببه ان الاعتزال كان يسير نحو الزوال ؟! لم يذكر أي كاتب من القدامى والمحدثين ان تحول الامام الأشعري (رحمه الله ) عن الاعتزال هو هذا السبب.

اما تعليله لخروج الإمام الأشعري وانفصاله عن المعتزلة بانه لم يكن خروجا فعليا ، وانما اظهر ذلك ، وفي الحقيقة انه اتخذ طريقا وسطاً بين اهل السنة واهل الاعتزال.

فانها كلمة حق اريد بها باطل ، فقد قال العلماء بان الامام الأشعري (رحمه الله ) اتخذ طريقاً وسطاً ، وهذا التوسط ليس معناه ايجاد مذهب جديد ، بل التوسط في التوفيق بين العقل والنقل ، وان العقل الصحيح لايخالف النقل االصحيح هذا هو معنى التوسط ، فالامام الأشعري (رحمه الله ) ايد معتقد اهل السنة بالادلة العقلية ولم ينشأ مذهباً جديد أو يبتدع راياً مخالفاً .

ومع هذا كله فقد ناقض زهدي حسن جار الله نفسه حيث ذكر قبل هذا القول قولا مناقضاً له تماماً وهو : ‘‘ كان الأشعري شديد الكره للاعتزال كثير الاندفاع في مقاومته ، مات وهو يلعن المعتزلة ، ولاحق استاذه الجبائي حتى قطعه أوحش تقطيع ، فعظمت الوحشة بينهما …….. الخ الى ان يقول : بقي ان نعرف لم كان انشقاق الأشعري عن المعتزلة ، نقطة فاصلة في تاريخهم وضربة محكمة اصابت شاكلتهم ، لاريب ان الأشعري ( صدق وعده ) وأخذ يرد على المعتزلة ، ويظهر فضائحهم كما يتضح من كتبه … الى ان يقول : اما الأشعري فانه التجأ الى اهل السنة واعلن توبته ، ورجوعه الى العقيدة السليمة ، والى اقوال السلف الصالح ، فوجد بين اهل السنة كثيرين اصغوا اليه ، وازروه ، ثم ان الأشعري اتخذ طريقا وسطا بين اهل السنة وبين اهل الاعتزال ، فان علماء السنة الاقدمين كانوا يتشبثون بالنقل ولايقيمون وزنا للعقل في الامور الدينية ، ولا يقرون الجدل فيها ، ابدا اما المعتزلة ، فقد ذهبوا بعيدا في تقدير العقل ، والاعتماد عليه حتى اهملوا النقل ، فتركوا الحديث وتحاملوا على المحدثين وكذبوهم واولوا المتشابه من آي القرآن الكريم تؤيلاً لم يقرهم اهل السنة عليه ، فكانت الشقة بين الفريقين بعيدة ، وكان من الضروري تقريب وجهتي النظر وتوحيدهما في مجرى واحد يرضي الجميع ، وهذا ما فعله الأشعري ، فانه تمسك بالمنقول وعمل به ، واستعان بالعقل على ما جاء به النقل وتفسيره ’’ ([29]).

ولا احسب القارئ بعد هذا يشك في تناقض هذين الكلاميين حيث يقول في صدر كتابه : كان الأشعري شديد الكره للاعتزال كثير الاندفاع في مقاومته .. ثم يقول في آخر كتابه كان الأشعري معتزلاً صميمياً .

ويقول : لاريب ان الأشعري ( صدق وعده ) فأخذ يرد على المعتزلة ويظهر فضائحهم …. ثم يقول : غير إنه لم يرجع اليها فعلا كما اعلن ذلك للملأ .

ويقول عن الامام الأشعري : انه تمسك بالمنقول وعمل به ، واستعان بالعقل على اثبات ما جاء به النقل وتفسيره…. ويقول أخيراً : بل اتخذ طريقاً وسطاً بينهما – أي حضيرة السنة – وبين مذهب المعتزلة .

وهل التمسك بالمنقول هو معتقد خارج عن معتقد أهل السنة كل ما في الامر ان الإمام الأشعري (رحمه الله ) اثبت المنقول بالمعقول ، وتوسع في ذلك ، ولم يكن أول من فعل ذلك بل سبقه اليه الحارث المحاسبي ، وابن كلاب وغيرهم .

وكان اهل السنة لايقبلون بذلك ، ولكن بعد الهجمات العنيفة التي شنها المعتزلة عليهم رأوا ان تقوية المنقول بالمعقول افضل من اتخاذ موقف المدافع الضعيف الذي لاحول له ولاقوة بيينما الخصم يصول ويجول .

فإن تسامح البعض بالقول ان الاشاعرة بين المعتزلة واهل السنة فهو ليس بمعنى انهم انشؤا مذهبا، وابتدعوا رايا ثالثاً ، وإنما بمعنى انهم تحققوا ان لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول([30]) كما يقول الامام الغزالي (رحمه الله ).

ولكن زهدي حسن جار الله آثر ان يجمع بين المتناقضات لحاجة في نفسه وتدرج بالقارئ ليستدرجه من مدح الامام الأشعري الى ذمه ووصفه بالنفاق العقائدي وهو اشد انواع النفاق وقد قيل : من مدح وذم فقد كذب مرتين .

ولاعجب من ذلك اذا علمنا ان زهدي حسن جار الله هو ربيب المستشرقين والمعجب بهم ولايخفى اعجابه بهم في مواضع كثيرة من كتابه هذا .

المطلب الثاني :عصره

أولا: الحالة السياسية :

لم يكن عصر الإمام الأشعري (رحمه الله ) مستقراً سياسياً فقد عاصر الإمام الأشعري ( رحمه الله ) جملة من الخلفاء العباسيين منهم الخليفة المعتضد (279-289هـ) وكانت حالة الدولة الإسلامية قبله متدهورة ، وكان المقتدر من اقدر حكام القرن الثالث حيث انه استطاع بحزمه ان يمسك بزمام الأمور بعد ان نشأت في الدولة الإسلامية دول صغيرة منفصل بعضها عن بعض حتى لم يبقى في يد الخليفة الا بغداد واعمالها ([31]).

وعاصر الامام الأشعري ( رحمه الله ) الخليفة العباسي المقتدر بالله من (295-320هـ) وعندما تولى المقتدر بالله ابو الفضل جعفر بن المعتضد وله ثلاث عشر سنة ، ولم يلِ الخلافة قبله اصغر منه ، واختل النظام كثيراً في أيام المقتدر لصغره ، وصار الامر والنهي لحرم الخليفة ونسائه ([32]).

كما وعاصر الايمام الأشعري ( رحمه الله ) مرة حكم القاهر بالله ابي منصور محمد بن المعتضد الذي كانت ولايته سنة 320هـ ، والذي انتشرت في عهده الفتن الداخلية ([33]).

ثانياً : الحالة الثقافية : ( العلمية )

كان الوجه الاخر من الحضارة الاسلامية مشرقاً ، ومبايناً تماماً للحالة السياسية ، ففي القرن الثالث الهجري والنصف الاول من القرن الرابع ، ازهى عصور الاسلام اكتملت المذاهب الاربعة في الفقه ، وظهرت آثار اقطاب الحديث ، كالبخاري ومسلم ، وابي داود ، وابن ماجة ، والترمذي ، والنسائي ، وفي علوم الادب والنحو واللغة كان الفراء ، وابن السكيت ، والجاحظ، والزجاج ، والمبرد ، وابن الانباري ، والسجستاني ، ومن المؤرخين والجغرافيين البلاذري ، واليقوبي ، والدينوري ، والطبري ، ومن الفلاسفة الكندي والفارابي ، اما في التصوف فقد اخرج هذا العصر خير طائفة من الصوفية اخرجت للناس منهم ، الحارث المحاسبي ، وابو القاسم الجنيد البغدادي ، وعمرو بن عثمان المكي ، وابراهيم الخواص ، وابو تراب النخشبي ، وسري السقطي ، وسهل بن عبد الله التستري ، وابو سعيد الخرار ، وغيرهم كثيرون ([34]).

ثالثاً : الحالة الاجتماعية :

بعد ان عرضت الحالة السياسية والحالة الثقافية ومابينهما من تناقض لا نعجب من ان نرى بعض الباحثين في الحضارة الاسلامية قدموا صورا تنطوي على تناقض مظاهرها ،ولكن بعض الباحثين أحسنوا فقدموا الصورة متكاملة تشمل الجانبين .

فكانت الدولة العباسية في القرنين الثالث والرابع الهجري مسرحاً للملل ، والنحل والاحزاب ، والعصبيات ، والمذاهب ، والدعوات تتصارع جميعاً ([35])، فكان لا بد من ان يظهر رجل او رجال للدفاع عن العقيدة الاسلامية واظهارها نقية صافية ويدافعوا عن حياض الاسلام ضد هذه الموجات والتيارات الهدامة فظهر الإمام الأشعري (رحمه الله) وتابعه الاشاعرة (رحمهم الله ) وقاموا بهذا الواجب الخطير فجزاهم الله عنا وعن المسلمين خير جزاء .

المبحث الثاني : شهادات العلماء للامام الأشعري (رحمه الله ) ومصنفاته .

أولاً : شهادات العلماء :

" قال الامام ابو بكر الصيرفي : كانت المعتزلة قد رفعوا رؤسهم حتى اظهر الله الأشعري فحجزهم في اقماع السمسم .

وقال الاستاذ ابو اسحاق الاسفراييني : كنت في جنب الشيخ ابي الحسن الباهلي كقطرة في جنب بحر ، وسمعت الباهلي يقول كنت في جنب الأشعري كقطرة في جنب البحر.

وقال لسان الامة القاضي ابو بكر : افضل احوالي ان افهم كلام ابي الحسن " ([36]).

وقد ذكر التاج السبكي استفتاءات لكثير من العلماء تشهد للإمام الأشعري (رحمه الله ) بالتقدم والفضل والامامة .([37])

وذكر الحافظ ابن عساكر بسنده ان الإمام ابا القاسم القشيري كتب بخطه بدمشق مكتوباً قال فيه . ‘‘ بسم الله الرحمن الرحيم ، اتفق اصحاب الحديث ان ابا الحسن علي بن اسماعيل الأشعري t كان اماما من ائمة اهل الحديث ، ومذهبه مذهب اصحاب الحديث تكلم في اصول الديانات على طريقة اهل السنة ورد على المخالفين من اهل الزيغ ، والبدعة ، وكان على المعتزلة والروافض ، والمبتدعين من اهل القبلة ، والخارجين من الملة سيفاً مسلولاً .ومن طعن فيه أو قدح او لعنه او سبه فقد بسط لسان السوء لجميع اهل السنة بذلنا خطوطنا طائعين بذلك ’’ ([38]).

وذكر الحافظ ابن عساكر (رحمه الله ) خطوط العلماء وتواقيعهم عن هذا المكتوب وهم :

1- عبد الكريم ابن هوازن القشيري .

2- ابو عبد الله الخبازي المقري .

3- الامام ابو محمد الجويني .

4- عبد الله بن يوسف .

5- ابو الفتح الشاشي .

6- نصر بن محمد الشاشي

7- علي بن احمد الجويني .

8- ابو الفتح العمري الروحي الفقيه .

9- ناصر بن الحسين .

10- الايوبي .

11- احمد بن محمد بن الحسن بن ابي ايوب .

12- علي بن محمد بن ابي ايوب .

13- الامام ابو عثمان الصابوني .

14- اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني.

15- ابو نصر بن اسماعيل الصابوني.

16- عبد الله بن اسماعيل الصابوني.

17- الشريف البكري .

18- علي بن حسن البكري الزبيدي .

19- محمد بن الحسن

20- ابو الحسن الملقاباذي .

21- عبد الجبار الاسفراييني

22- محمد بن عبد الجبار .

وذكر الحافظ ابن عساكر (رحمه الله ) شهادات لعلماء آخرين يضيق المجال لذكرهم ، ومن أراد الزيادة فليرجع إلى كتابه تبيين كذب المفتري .([39])

وقال ابو الحسن علي الفقيه القيرواني المعروف بابن القابسي وهو من كبار ائمة المالكية بالمغرب ( رضي الله عنه ) يوم مات واهل السنة باكون عليه واهل البدع مستريحون منه ’’ ([40]).

ثم يقول الحافظ ابن عساكر ( رحمه الله ) : " فكانت هذه هي صفة الشيخ ابي الحسن t عند ظهور البدع ووقوع الفتن .

فعلم الناس معاني دينهم ، واوضح الحجج لتقوية يقينهم وامرهم بالمعروف فيما يجب اعتقاده من تنزيه الله تعالى عن مشابه مخلوقاته ، وبين لهم ما يجوز اطلاقه عليه عز وجل من اسمائه الحسنى وصفاته ونهاهم عن المنكر من تشبيه صفات المحدثين وذواتهم باوصافه أو ذاته ، فكانت طاعته فيما امر به من التوحيد مقرباً للمقتدي به إلى مرضاته لانه كان في عصره اعلم الخلق بما يجوز ان يطلق في وصف الحق فاظهر في مصنفاته ما كان عنده من علمه فهدى الله به من وفقه من خلقه لفهمه ’’([41]).

وقال زاهر بن احمد السرخسي : لما قرب حضور اجل ابي الحسن الأشعري

( رحمه الله ) في داره ببغداد دعاني فأتيته فقال : اشهد عليَّ أني لا اكفر احدا من اهل هذه القبلة لان الكل يشيرون الى معبود واحد . وانما هذا كله اختلاف العبارات ([42]).

وفي هذا القول دلالة على انصاف الإمام الأشعري ( رحمه الله ) وعدم تعصبه لرأيه ، ويكفيه فخراً ان فحول العلماء منذ عصره الى يومنا هذا ينتسبون اليه ، ويتشرفون بذلك نجد فيه الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة .

ثانياً :مصنفاته .

ذكر مصنفاته الحافظ ابن عساكر نقلاً عن الامام ابي بكر بن فورك واضاف اليها ، وتابعه التاج السبكي ومن المحدثين عبد الرحمن بدوي ، وفؤاد سزكين ، وقال الحافظ ابن عساكر اخبرني الشيخ ابو القاسم بن نصر الواعظ في كتابه عن ابي المعالي بن عبد الملك القاضي قال سمعت من اثق به قال رأيت تراجم كتب الإمام ابي الحسن فعددتها اكثر من مائتين أو ثلثمائة مصنف وفي ذلك ما يدل على سعة علمه ويبنئ الجاهل به عن غزارة فهمه ([43]).

اعرضت عن ذكر اسماء هذه الكتب اختصاراً ، ولان بعضها لم تذكر أسماؤها وانما ذكرت محتوياتها ، ومن اراد معرفة ذلك فليرجع الى الكتب التي اشرت اليها ، ولكن الذي يهمنا ولايجوز اهمال ذكره الكتب الاربعة التي طبعت واشتهرت وهي :

1-مقالات الاسلاميين .

2-الابانة عن اصول الديانة .

3- اللمع في الرد على اهل الزيغ والبدع .

4- استحسان الخوض في علم الكلام .

وايضاً ذكر ان للامام الأشعري ( رحمه الله ) تفسيرا للقرآن الكريم سماه المختزن اودع فيه علماً كثيراً خسرته الامة ، قال الشيخ الكوثري ( رحمه الله ) ذكر المقريزي انه في سبعين مجلد و سبق عن القاضي ابي بكر بن العربي انه في خمسمائة مجلد وعدد المجلدات مما يختلف باختلاف الخط ، وابن فورك كثير النقل عن هذا التفسير ، ويقول التاج ابن السبكي انه اطلع على مجلد منه ونحن لم نطلع على شئ منه في خزائن الكتب وفهارسها مع طول بحثنا عنه فلعله مما خسره العالم الاسلامي من كتب السلف ، ويروى ان الصاحب بن عباد المعتزلي سعى في احراق النسخة الوحيدة منه في خزانة دار الخلافة بان دفع للخازن عشرة الاف دينار و إني استبعد من مثل الصاحب هذا العمل وان عول عليه في العواصم فكم اختلق عليه ابو حيان التوحيدي ما هو برئ منه والله اعلم ([44]).

المبحث الثالث : منهج الامام الأشعري ( رحمه الله ) واستدلاله بالنقل والعقل:

بعد ان فارق الامام الأشعري ( رحمه الله ) المعتزلة ومنهجهم العقلي الخالص توجه الى الاستدلال بالنقل كما هي طريقة السلف ولكنه زاد عليها بالبراهين العقلية والقياسات المنطقية ولم يكن السلف يتعرضون لذلك ، خشية منهم من ان يتقولوا على الله ورسوله .

وكذلك الذي احوج الامام الأشعري ( رحمه الله ) الى ذلك ان المعتزلة لايفحمهم ولا يقطعهم إلا الدليل العقلي وتحرج السلف أوقع العامة في حرج شديد لأن المعتزلة كانوا أصحاب شوكة ورياسة حتى أنهم امتحنوا الفقهاء والمحدثين بالمحنة المعروفة بمحنة خلق القرآن.

وأعظم ما كانت المحنة زمن المأمون والمعتصم فتورع من مجادلتهم الامام أحمد بن حنبل t فموهوا بذلك على الملوك وقالوا لهم إنهم يعنون أهل السنة يفرون من المناظرة لما يعلمونه من ضعفهم عن نصرة الباطل وإنهم لا حجة بأيديهم ، وشنعوا بذلك عليهم حتى امتحن في زمانهم الامام أحمد بن حنبل t وغيره فأخذ الناس حينئذ بالقول بخلق القرآن حتى ما كانت تقبل شهادة شاهد ولا يستقضي قاض ولا يفتي مفتٍ لا يقول بخلق القرآن ، وكان في ذلك الوقت من المتكلمين جماعة كعبد العزيز المكي، والحارث المحاسبي وعبد الله بن كلاب وجماعة غيرهم، وكانوا أولي زهد وتقشف لم ير واحداً منهم أن يطأ لأهل البدع بساطا ، ولا أن يداخلهم فكانوا يردون عليهم، ويؤلفون الكتب في ادحاض حججهم الى أن نشأ بعدهم وعاصر بعضهم بالبصرة أيام اسماعيل القاضي ببغداد أبو الحسن علي بن اسماعيل بن ابي بشر الأشعري t وصنف في هذا العلم لأهل السنة التصانيف وألف لهم التواليف حتى أدحض حجج المعتزلة وكسر شوكتهم وكان يقصدهم بنفسه يناظرهم فكلم في ذلك وقيل له كيف تخالط أهل البدع وتقصدهم بنفسك وقد أمرت بهجرهم، فقال هم أولوا رياسة منهم الوالي والقاضي ولرياستهم لا ينزلون اليّ فإذا كانوا هم لا ينزلون اليّ ولا أسير أنا اليهم فكيف يظهر الحق ويعلمون لأهل السنة ناصراً بالحجة.

وكان أكثر مناظرته مع الجبائي المعتزلي وله معه في الظهور عليه مجالس كثيرة.

فلما كثرت تواليفه ونصر مذهب السنة وبسطه تعلق بها أهل السنة من المالكية والشافعية وبعض الحنفية فأهل السنة بالمغرب والمشرق بلسانه يتكلمون وبحجته يحتجون([45]).

احتج الامام الأشعري رحمه الله لمنهجه من الاستدلال بالنقل والعقل على طريقة المتكلمين بعد أن أورد حجة المانعين ورد عليها في رسالته استحسان الخوض في علم الكلام حيث يقول : ‘‘ الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين وأصحابه الائمة المنتخبين.

أما بعد فإن طائفة من الناس جعلوا الجهل رأس مالهم، وثقل عليهم النظر والبحث عن الدين ومالوا الى التخفيف والتقليد، وطعنوا على من فتش عن أصول الدين ونسبوه الى الضلال وزعموا أن الكلام بالحركة والسكون والجسم والعرض والألوان والأكوان والجزء والطفرة وصفات الباري عز وجل بدعة وضلالة.

وقالوا لو كان ذلك هدى ورشاد لتكلم فيه النبي y وخلفاؤه واصحابه قالوا : ولأن النبي y لم يمت حتى تكلم في كل ما يحتاج اليه من أمور الدين وبينه بياناً شافياً ولم يترك بعده لأحد مقالاً فيما للمسلمين اليه حاجة من أمور دينهم وما يقربهم الى الله عز وجل ويباعدهم عن سخطه.

فلما لم يرووا عنه الكلام في شيء مما ذكرناه علمنا أن الكلام فيه بدعة والبحث عنه ضلالة لأنه لو كان خيراً لما فات النبي y وأصحابه ولتكلموا فيه.

قالوا ولأنه ليس يخلوا ذلك من وجهين ، أما أن يكونوا علموه فسكتوا عنه أو لم يعلموه بل جهلوه.

فإن كانوا علموه ولم يتكلموا فيه وسعنا أيضاً نحن السكوت عنه كما وسعهم السكوت عنه ووسعنا ترك الخوض فيه كما وسعهم ترك الخوض فيه، ولأنه لو كان من الدين ما وسعهم السكوت عنه، وإن كانوا لم يعلموه وسعنا جهله كما وسع اولئك جهله، لأنه لو كان من الدين لم يجهلوه.

فعلى كلا الوجهين الكلام فيه بدعة، والخوض فيه ضلالة فهذه جملة ما احتجوا به في ترك النظر في الاصول.

قال الشيخ أبو الحسن t الجواب عنه من ثلاثة أوجه :

أحدهما : قلب السؤال عليهم بأن يقال النبي y لم يقل أيضاً ( أنه من بحث عن ذاك وتكلم فيه فاجعلوه مبتدعاً ضالاً).

فقد لزمكم أن تكونوا مبتدعة ضلالا إذ قد تكلمتم في شيء لم يتكلم فيه النبي (ص) وضللتم من لم يضلله النبي (ص) .

الجواب الثاني : أن يقال لهم إن النبي (ص) لم يجهل شيئاً مما ذكرتموه من الكلام في الجسم والعرض والحركة والسكون والجزء والطفرة وإن لم يتكلم في كل واحد من ذلك معيناً وكذلك الفقهاء والعلماء من الصحابة غير أن هذه الأشياء التي ذكرتموها معينة أصولها موجود في القرآن والسنة جملة غير مفصل.

أما الحركة والسكون والكلام فيهما فاصلهما موجود في القرآن وهما يدلان على التوحيد وكذلك الاجتماع والافتراق قال الله تعالى مخبرا عن خليله ابراهيم صلوات الله عليه وسلامه في قصة أفول الكوكب ، والشمس والقمر وتحريكها من مكان الى مكان ما دل على ان ربه عز وجل لا يجوز عليه شئ من ذلك وان من جاز عليه الأفول والانتقال من مكان الى مكان فليس باله ………………………………….ثم شرع الامام الأشعري ( رحمه الله ) يفصل باقي الاصول مستدلا بالنقل .

ويقول في الجواب الثالث :إن هذه المسائل التي سألوا عنها قد علمها رسول الله y ولم يجهل منها شيئاً مفصلا غير انها لم تحدث في ايامه معينة فيتكلم فيها او لايتكلم فيها ، وان كانت اصولها موجودة بالقرآن والسنة.

وما حدث من شئ فيما له تعلق بالدين من جهة الشريعة فقد تكلموا فيه وبحثوا عنه وناظروا فيه ، وجادلوا وحاجوا كمسائل العول والجدات من مسائل الفرائض وغير ذلك من الاحكام وكالحرام والبائن والبتة وحبلك على غاربك وكالمسائل في الحدود والطلاق مما يكثر ذكرها مما قد حدث في ايامهم ولم يجئ في كل واحدة منها نص عن النبي (ص) لانه لو نص على جميع ذلك ما اختلفوا فيها وما بقي الخلاف الى الان.

وهذه المسائل وان لم يكن في كل واحدة منها نص عن رسول الله (ص) فانهم ردّوها وقاسوها على ما فيه نص من كتاب الله تعالى والسنة واجتهادهم فهذه احكام حوادث الفروع ردوها الى احكام الشريعة التي هي فروع لا تستدرك احكامها الا من جهة السمع والرسل .

فاما حوادث تحدث في الاصول في تعيين مسائل فينبغي لكل عاقل مسلم ان يرد حكمها الى جملة الاصول المتفق عليها بالعقل والحس والبديهة وغير ذلك لان حكم مسائل الشرع التي طريقها السمع ان تكون مردودة الى اصول الشرع التي طريقها السمع .

وحكم مسائل العقليات والمحسوسات ان يرد كل شئ من ذلك الى بابه ولاتخلط العقليات بالسمعيات ولا السمعيات بالعقليات .

فلو حدث في ايام النبي (ص) الكلام في خلق القرآن وفي الجزء والطفرة بهذه الالفاظ لتكلم فيه وبينه كما بين سائر ماحدث في ايامه من تعيين المسائل وتكلم فيها ([46]).

‘‘ وحقيقة مذهب الأشعري ( رحمه الله ) انه سلك طريقاً بين النفي الذي هو مذهب الاعتزال ، وبين الاثبات الذي هو مذهب أهل التجسيم وناظر على قوله هذا ، واحتج لمذهبه فمال اليه جماعة وعولوا على رأيه منهم القاضي ابو بكر محمد بن الطيب الباقلاني المالكي وابو بكر محمد بن الحسن بن فورك والشيخ ابو اسحاق ابراهيم محمد بن مهران الاسفراييني ،والشيخ ابو اسحاق ابراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي والشيخ ابو حامد محمد بن محمد بن احمد الغزالي ، وابو الفتح محمد بن عبد الكريم بن احمد الشهرستاني والإمام فخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي وغيرهم ممن يطول ذكره ونصروا مذهبه وناظروا عليه وجادلوا فيه واستدلوا له في مصنفات لا تكاد تحصى فانتشر مذهب ابي الحسن الأشعري في العراق من نحو سنة ثمانين وثلثمائة ، وانتقل منه الى الشام فلما ملك السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن ايوب ديار مصر كان هو وقاضيه صدر الدين عبد الملك بن عيسى بن درباس المازني على هذا المذهب ……

وحمل الايوبيون في ايام دولتهم كافة الناس على التزامه وكذلك الحال في ايام مواليهم الملوك من الاتراك .

واتفق مع ذلك توجه ابي عبد الله محمد بن تومرت أحد رجالات المغرب الى العراق واخذ عن ابي حامد الغزالي مذهب الأشعري فلما عاد الى المغرب نقل عقيدة الأشعري الى هناك .

فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في امصار الاسلام ([47]).

([1]) انظر شذرات الذهب في أخبار من ذهب ، المؤرخ الفقيه ابن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) ، 2/303 ، المكتب التجاري للطباعة ، بيروت لبنان ،ب.ت.

([2]) الأَشْعَري : بفتح الهمزة ، وسكون الشين المعجمة ، وفتح العين المهملة ، وبعدها راء هذه النسبة الى أَشْعَر ، واسمه نبت بن أدد بن زيد بن يَشْجُب ، وانما قيل له اشعر لان أمه ولدته والشعر على بدنه ، هكذا قاله السمعاني والله اعلم ، وفيات الاعيان ، 3/285، الانساب ، 1/266-267.

([3]) أنظر طبقات الشافعية الكبرى ، تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب السبكي 3/222 ،ط1، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، 1384هـ-1965م. ، شذرات الذهب 2/303 .

([4]) انظر وفيات الاعيان ، وانباء ابناء الزمان ، أبن خلكان (ت681هـ) ،3/284 ، دار الثقافة بيروت ، لبنان ، ب.ت.، طبقات الشافعية 3/222.

([5]) وفيات الاعيان ، 3/284.

([6]) طبقات الشافعية الكبرى ، 3/347.

([7]) تبين كذب المفتري فيما نسب الى الامام ابي الحسن الأشعري ، الحافظ ابن عساكر الدمشقي ،(ت 571هـ) ص55-56،مطبعة التوفيق بدمشق ،1347هـ.

([8]) المصدر السابق ص 146-147.

([9]) المصدر السابق ص 146-147.

([10]) مذاهب الإسلاميين ، د.: عبد الرحمن بدوي ، 1/490،ط1،دار العلم للملايين ، بيروت ، 1971م.

([11]) انظر تبين كذب المفتري ، ص35، الانساب، عبد الكريم محمد السمعاني ،1/266،ط1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر اباد الدكن ، الهند، ، 1382هـ-1962م، وفيات الاعيان 3/284، طبقات الشافعية 3/347و367، البداية والنهاية ، ابو الفداء الحافظ ابن كثير الدمشقي ( ت774هـ) ،11/187،ط2، مكتبة المعارف بيروت ، 1977م ، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية ، احمد بن علي المقريزي (ت 845هـ) ، 2/258 / طبعة جديدة بالاوفسيت مكتبة المثنى بغداد ، شذرات الذهب ، 2/303.

([12]) طبقات الشافعية الكبرى ، 3/355-356.

([13]) انظر تبين كذب المفتري ، من ص 177-181، طبقات الشافعية الكبرى ، 3/368-369.

([14]) طبقات الشافعية الكبرى ، 3/347.

([15]) انظر مذاهب الاسلاميين ، د. عبد الرحمن بدوي 1/492.

([16]) وفيات الاعيان ،3/285.

([17]) طبقات الشافعية الكبرى ، 3/356.

([18]) شذرات الذهب ،2/303.

([19]) طبقات الشافعية ، 3/357-358.

([20]) تبين كذب المفتري ، ص 38-43.

([21]) صحيح البخاري ، للامام ابي عبد الله اسماعيل البخاري ، 4/95-96،ط2، المطبعة البهية ، مصر ، 1300هـ.

([22]) المصدر السابق ، 4/181

([23]) مذاهب الاسلاميين ، 1/493.

([24]) صحيح البخاري ، 4/181.

([25]) نشأة الاشعرية وتطورها ، جلال محمد عبد الحميد موسى ص 167، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، 1982م .

([26]) تأمل مثل هذه الشبهة في كتاب في علم الكلام دراسة فلسفية لآراء الفرق الاسلامية في اصول الدين القسم الثاني الأشاعرة ، ص 39-40 ، ط4، مؤسسة الثقافة الجامعية في الاسكندرية ، 1982.

([27]) علم الكلام ومدارسه ، د. فيصل بدير عون ، ص 268، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، القاهرة ب.ت.

([28]) المعتزلة ، زهدي حسن جار الله، ص 254 ، رسالة تبحث في تاريخ المعتزلة قدمها مؤلفها الى دائرة التاريخ العربي في كلية العلوم والاداب بجامعة بيروت الامريكية ، ونال عليها رتبة استاذ في العلوم باشراف د. الفرد جيوم ، د. قسطنطين زريق ، مطبعة مصر ، القاهرة ، 1366هـ-1947م.

([29]) المعتزلة ، ص 202-203.

([30]) الاقتصاد في الاعتقاد ، الامام الغزالي ،ص3، الناشر ، مكتبة الشرق الجديد ، بغداد ، 1990م.

([31]) انظر الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ، ادم متز 1/1-19، نقله الى العربية محمد عبد الهادي ابو ريدة ، ط4، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1387هـ-1967م ،المدرسة الاشعرية ودورها في الدفاع عن العقيدة الاسلامية . محسن قحطان حمدان ، ص35 ، وهي رسالة ماجستير في اصول الدين مقدمة الى مجلس كلية العلوم الاسلامية / جامعة بغداد ، باشراف د. محمد رمضان عبد الله ، 1417هـ-1997م.

([32]) انظر تاريخ الخلفاء ، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ، تحقيق محمد محيي الدين ، ص 378-381 ط4، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر، القاهرة ، 1389هـ – 1969م.

([33]) تاريخ الاسلام ، د. حسن ابراهيم حسن ، 3/24، ط7، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة ، 1965م.

([34]) في علم الكلام ، ص8.

([35]) انظر في علم الكلام ، ص 9.

([36]) طبقات الشافعية الكبرى ، 3/351.

([37]) لزيادة الفائدة انظر المصدر السابق 3/351-378.

([38]) تبين كذب المفتري ، ص 112-125.

([39]) المصدر السابق ، ص112-125 .

([40]) المصدر السابق ، ص 123 .

([41]) المصدر السابق ص127 .

([42]) المصدر السابق ، ص 149.

([43]) انظر تبين كذب المفتري من ص 128-136 ، طبقات الشافعية الكبرى ، 3/359-361، مذاهب الاسلاميين ، 1/505-531، تاريخ التراث العربي ، فؤاد سزكين ، 2/375-377 ، نقله الى العربية محمود فهمي حجازي ، وفهمي ابو الفضل ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1978م.

([44]) انظر تبين كذب المفتري حاشية ص 136-137 للشيخ الكوثري .

([45]) تبيين كذب المفتري ص116-117.

([46]) انظر رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام ، الشيخ الإمام أبي الحسن الأشعري ، ص87-95 ، نشرها عن النص المطبوع ط2 بمطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن في الهند ، سنة 1344هـ وعلق عليها الأب مكارثي مطبوعة مع كتاب اللمع للإمام الأشعري ، بيروت 1952م .

([47]) الخطط للمقريزي ، 2/358.