الفصل الثاني / المبحث الاول

رأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في الألفاظ الموهمة للتشبيه

}ويقول الآمدي ( رحمه الله ) : ‘‘معتقد اهل الحق ان الباري لايشبه شيئاً من الحادثات ، ولا يماثله شئٌ من الكائنات ، بل هو بذاته منفردٌ عن جميع المخلوقات ، وانه ليس بجوهر ، ولا جسم ، ولا عرض ، ولا تحله الكائنات ، ولا تمازجه الحادثات ، ولا له مكان يحويه ، ولا زمان هو فيه أول لا قبل له ، وآخر لا بعد له ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ([1])

وللإمام الاشعري ( رحمه الله تعالى ) في الصفات الخبرية قولان :

القول الأول : التفويض وهو موافق لرأي ( السلف ) .

القول الثاني : التأويل وهو موافق لرأي ( الخلف ) .

يقول الإمام الشهرستاني ( رحمه الله ) : ‘‘وأثبت [ أي الإمام الأشعري ] اليدين ، والوجه صفات خبرية ( فنقول ) ورد بذلك السمع([2]) فيجب الاقرار به كما ورد .

أ – و وصفوه [ أي نسبوا الإمام الاشعري ] الى طريقة ( السلف ) من ترك التعرض ( للتأويل ) .

ب – وله قول ايضاً في جواز ( التأويل ) .’’ ([3])

ويؤيد ذلك قول الإمام الإيجي : الصفة الرابعة الوجه قال تعالى ] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [ ،] كل شيء هالك إلا وجهه [ اثبته الشيخ [ أي الإمام الاشعري ] في احد ( قوليه ) ، وابو اسحاق الاسفراييني ، والسلف صفة ثبوتية زائدة على ما مر من الصفات ، وقال [ أي الإمام الاشعري ] في قول آخر ووافقه القاضي إنه الوجود.

ونجد نسبة القولين ( التفويض ، والتأويل ) إلى الإمام الأشعري مبثوثة في كلام الإمام الإيجي في مواضع أخرى . ([4])

والقولان ( التفويض والتأويل ) معمولٌ بهما معاً ، ولا يقال انه رجع عن احدهما الى الآخر([5]) ؛ لأن الجمع ممكن بين هذين القولين ، وكيفيته تُتَصور ، كما في الاسماء والصفات للبيهقي ‘‘ قال ابو سليمان([6]) ( رحمه الله) : (( وقد تستعمل الرجل في القصد للشيء ، والطلب له على سبيل جدٍ وإلحاح ، يقال قام فلان في هذا الامر على رجل ، وقام على ساق ، إذا جد في الطلب ، وبالغ في السعي ، وهذا الباب كثير التصرف .

فإن قيل : فهلا تأولت اليد والوجه على هذا النوع من التأويل ، وجعلت الاسماء فيها أمثالاً كذلك ؟

قيل : إنَّ هذه الصفات مذكورة في كتاب الله ( عز وجل ) بأسمائها ، وهي صفات مدح ، والاصل ان كل صفة جاء بها الكتاب ، أوصحت بأخبار التواتر،أو رويت عن طريق الآحاد ، وكان لها اصل في الكتاب ، أو خُرِّجت على بعض معانيه ، فإنا نقول بها ، ونجريها على ظاهرها من غير ( تكييف ) ، و ما لم يكن له في الكتاب ذكر ، ولا في التواتر أصل ، و لا له بمعنى الكتاب تعلق ، وكان مجيئه من طريق الآحاد ، و أفضى بنا القول اذا اجريناه على ظاهره الى ( التشبيه ) ، فإنا ( نتناؤله ) على معنى يحتمله الكلام ويزول معه معنى التشبيه .

وهذا هو الفرق بين ما جاء من ذكر القدم ، والرجل ، والساق ، وبين اليد ، والوجه ، والعين ، وبالله العصمة ، ونسأله التوفيق لصواب القول ، ونعوذ بالله من الخطأ والزلل فيه إنه رؤوف رحيم.’’([7])

‘‘وهذه طريقة للخطابي بين تفويض السلف ، وتأويل الخلف ، فنجده لا يفوض في الكل ، ولا يؤول في الكل بل يفوض في المتواتر ، ويؤول فيما دونه ، والتحقيق التأويل فيما تضافرت فيه القرائن ، والتفويض فيما سوى ذلك ’’ ([8]) .

فهذا مثال للجمع بين ( التفويض ) و ( التأويل ) من كلام الإمام الخطابي ( رحمه الله تعالى ) .

والإمام الأشعري ( رحمه الله ) قد جمع بين التفويض ، والتأويل ايضاً فهو يؤول اذا لم يمكن حمل النص على ظاهره وفق ضوابط و أصول اللغة العربية .

ولا يقال بأن هذا الجمع غير ممكن ؛ لأنه جمعٌ للضدين بل هو رفع لهما ، إذ من المقرر في المنطق ان الضدين لا يجتمعان ، ولكن قد يرتفعان ، كما يقال هذا لونٌ ابيض ، وهذا لونٌ أسود ، فهذان الضدان لا يجتمعان ولكن قد يرتفعان فيقال : هذا لونٌ رمادي مثلاً ؛ لذلك لا يلزم من الأخذِ بالتفويض والتأويل معاً تناقضٌ عقلي .

والمسلم من أي الفرق الإسلامية كان يضطر الى ( التأويل ) وإن كان من المفوضة اذا تصادم ظاهر النص مع التوحيد وتنزيه الباري ( سبحانه وتعالى ) ؛ لترجح أدلة التنزيه على ادلة التشبيه ؛ لذلك يقول الإمام الرازي ( رحمه الله ) : ‘‘ جميع فرق الاسلام مُقرُّون بأنه : لابد من التأويل في بعض ظواهر القرآن والأخبار.’’([9])

بعد هذا العرض الموجز لرأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في الصفات الخبرية نعود إلى تفصيل قوليه .

القول الأول : يرى الإمام الأشعري ( رحمه الله ) القول بالتفويض في الآيات ، و الأخبار التي توهم التشبيه كما هو رأي ( السلف ) وهو تفويض من دون الخوض في المعنى أي من غير جنوح الى تأويل ، ولا سقوط في تشبيه ، وهو كما فهم السلف ( رضي الله عنهم ) تفويض مع وجوب تنزيه الله ( سبحانه وتعالى ) عن الجسمية ، والمشابهة للحوادث ؛ لرجوح أدلة التنزيه مثل قوله تعالى ] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [ ([10])وقوله تعالى ] سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ[ ([11]) ، وقوله تعالى ] سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[([12]) الى آخر النصوص التي ترجح جانب التنزيه .

ونلمح هذا الرأي عند الإمام الاشعري ( رحمه الله ) في حكايته لجملة قول أصحاب الحديث ، واهل السنة حيث يقول : ‘‘الأقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول الله y لا يردون من ذلك شيئا …. وأن الله سبحانه على عرشه كما قال ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ ([13]) و أن له يدين ( بلا كيف ) كما قال : ] خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ ([14]) ، وكما قال ] بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ[ ([15]) ، وإن له عينين ( بلا كيف ) كما قال : ] تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا[ ([16]) وان له وجهاً كما قال ] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام[([17]) …. الــخ .

ثم يقول : وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول ، واليه نذهب ، وما توفيقنا إلا بالله ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وبه نستعين ، وعليه نتوكل ، وإليه المصير . ’’([18])

ويلاحظ من النص المنقول آنفاً قول الإمام الأشعري : ( بلا كيف ) بعد ان يورد الصفة الخبرية ، وهو احتياط من السلف y ، وترجيح لجانب التنزيه ، والابتعاد عن كل ما يوهم التشبيه ، وهذه العبارة ( بلا كيف ) تشابه عبارة امام دار الهجرة مالك بن أنس t في قوله : ( والكيف غير معقول ) ، وهي هكذا بالسند كما هو في شرح السنة للآلكائي ، لا كما هو مشهور على الألسنة وفي بعض الكتب ( والكيف مجهول ) كما سيتضح ذلك في المطلب الأول من البحث الثاني .

وقد صرح الإمام الأشعري ( رحمه الله ) بذلك أيضاً أي ( بالتفويض ) حيث يقول : ‘‘ قولنا الذي نقول به و ديانتنا التي ندين الله بها التمسك بكتاب الله ربنا ( عز وجل ) ، وسنة نبينا u ، وما روي عن الصحابة ، والتابعين ، و أئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن حنبل - ( نضر الله وجهه ) ، و رفع درجته ، واجزل مثوبته – قائلون ، ولما خالف قوله مخالفون ، لأنه الإمام الفاضل ، والرئيس الكامل ، الذي أبان الله به الحق ، ورفع به الضلال ، و اوضح به المنهاج ، وقمع به بدع المبتدعين ، وزيغ الزائغين ، وشك الشاكين ، فرحمة الله عليه من إمام مقدم ، وخليل معظم مفخم .

وجملة قولنا ان نقر بالله وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، وبما جاءوا به من عند الله ، ورواه الثقات عن رسول الله y لا نرد من ذلك شيئاً ….

وان له وجهاً كما قال ] وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَام[ ([19]) و ان له يدين ( بلا كيف ) كما قال : ] خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ ([20])

وكما قال : ] بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ[ ([21]) وان له عينين ( بلا كيف ) كما قال : ] تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [ ([22]) … الــخ ([23]) .

يلاحظ هنا ان الإمام الأشعري ( رحمه الله ) قد كرر عقيدته التي ذكرها في كتابه مقالات الإسلاميين ، مع التأكيد على أن هذه هي عقيدة الصحابة ، والتابعين ، وأئمة الحديث ، وخاصة الإمام احمد بن حنبل t .

هذا سرد موجز لرأي الإمام الأشعري ( رحمه الله ) في ( التفويض ) وهو القول الأول له ، والمقام مقام إيجاز وإجمال ، وليس مقام إطناب ، وتفصيل ؛ اذ لكل مقام مقال ؛ لذلك نلاحظ ان الإمام الأشعري ( رحمه الله ) حين يقرر عقيدته في التفويض يقول : ( وجملة قولنا ) ، ويقول : ( حكايه جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة ) ، فالمقام مقام إجمال و إيجاز كما تقدم مع التأكيد بعبارة ( بلا كيف ) لدفع شبهة التشبيه عن السلف ( رضوان الله عليهم أجمعين ) .

القول الثاني : التأويل الذي هو موافق لرأي ( الخلف ) المشار اليهم بقوله تعالى : ] وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ ([24]) ، والمشار إليهم بحديث الرسول y (( مثل أمتي مثل المطر لايدرى اوله خير أم آخره )) ([25]) .

بعد أن ذكر الإمام الأشعري ( رحمه الله ) عقيدته ، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة من ( السلف ) إجمالاً لم يتوقف عند هذا الحد لأسباب منها :

أولاً : لأنه رجل متكلم على طريقة المعتزلة سابقاً ، وقد بلغ في ذلك مبلغاً عظيماً ؛ حيث كان ينوب عن شيخه الجبائي في المناظرة ، وهو بهذا لا يرضى بالتقرير والتقليد في العقائد فقط ؛ و إنما يُعَضِدُ ذلك بالأدلة التي لا تبقي مجالاً للشك ؛ ويدفع الشبه كما هو الواجب في مثل هذا الأمر الخطير .

ثانياً : ما تميله عليه عقليته وما يقتضيه منهجه في إثبات العقائد الدينية بالبراهين العقلية التي تعزز النص ، وتقويه ، ولا تكون حاكمة عليه .

فهو يؤخر جانب العقل عن النقل مع أحترامه للعقل ، وإعطائه دورة من غير ( إفراط ) كما فعلت المعتزلة حيث جعلت العقل حاكماً على النصوص ( ولا تفريط ) كما فعلت الحشوية من إلغاء جانب العقل ، فهو يجعل العقل خادماً للنصوص لا حاكماً عليها ولا محكوماً عليه بالإلغاء والحجر .

ثالثاً : ضرورة الوقت إذ ان وقت الصحابة y كان وقت جهاد ، وفتوحات ، ولا مجال للجدل العقلي ، والقياس المنطقي ،وإذا أشكل على أحد من الصحابة معنى في آية من كتاب الله ، أو حديث من سنة رسول الله سأل رسول الله y ، وهو بين ظهرانيهم ، فيبين له النبي y المعنى ، ويزيل عنه الغموض .

مع كونهم عرباً أقحاحاً يفهمون الخطاب ، ويعرفون مجاز اللغة وحقيقتها ، ويتذوقون بلاغة القرآن بما أوتوا من العلم ، والفهم الفطري السليقي من غير حاجة لتأصيل أصول ، وتقعيد قواعد ، وزيادة على ذلك اشعاع نور النبوة عليهم ؛ لذلك قيل شرف الصحبة ما بعده من شرف .

حيث كان يأتي المشرك ، والمتشكك ، والبدوي الى النبي y ، ويخرج من عنده وقد زال من صدره الشرك أوالتشكك ، وما ذلك إلا بأفاضة انوار النبوة ، والأمثلة في السيرة كثيرة :

منها في قصة إسلام سيدنا عمر بن الخطاب t عندما قدم إلى النبي y وقرع الباب فقالوا من هذا قلت عمر بن الخطاب وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا بإسلامي فما اجترأ أحد منهم أن يفتح لي حتى قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم افتحوا له فإن يرد الله به خيرا يهده قال ففتح لي الباب فأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من رسول الله y فقال لهم رسول الله y أرسلوه فأرسلوني فجلست بين يديه فأخذ ( بمجامع قميصي ) ثم قال أسلم يا ابن الخطاب اللهم اهده فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال فكبر المسلمون تكبيرة سمعت في طرق مكة .([26])

ومنها قصة ( أُبي بن كعب t ) في قراءة القرآن ، روى مسلم بسنده “ عن أُبي بن كعب t قال : كنت في المسجد ، فدخل رجلٌ يصلي ، فقرأ قراءة أنكرتها عليه ، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه ، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعاً على رسول الله y ، فقلت : ان هذا قرأ قراءةً أنكرتها عليه ، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه ، فأمرهما رسول الله y فقرآ ، فحسَّن النبي y شأنهما ، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية .

فلما رأى رسول الله y ما قد غشيني ضرب في صدري ، ففضت عرقاً ، وكأنما انظر الى الله عز وجل فرقا فقال لي ، يا أُبيّ ، أُرسل أليّ أن اقرأ القرآن على حرف فرددتُ إليه : أنْ هون على أمتي ، فردَّ إليّ الثانية : أقرأه على حرفين ، فرددت إليه : أنْ هون على أُمتي ، فردّ إليّ الثالثة : إقرأه على سبعة أحرف ، ولك في كل ردةٍ رددتها مسألة تسألنيها فقلت : اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي و أخرت الثالثة ليوم يرغب إليَّ الخلق كلهم حتى إبراهيمy . ’’ ([27])

“واعلم ان معنى قول أُبي بن كعب t ( فسقط في نفسي من التكذيب … ) الخ ، ان الشيطان ألقى إليه من وساوس التكذيب ما شوش عليه حاله حين رأى النبي y قد حسَّنَ القراءتين وصوبهما على ما بينهما من اختلاف ، وكانتا في سورة واحدة هي سورة النحل على ما رواه الطبري ، وكأن الذي مر بخاطره وقتئذ ان هذا الأختلاف في القراءة ينافي أنه من عند الله ، لكنه كان خاطراً من الخواطر الرديئة التي لا تنال من نفسِ صاحبها منالاً ، ولا تفتنها عن عقيدة ، ولا يكون لها اثر باقٍ ولا عمل دائم .

ومن رحمة الله لعباده إنه لا يؤاخذهم بهواجس النفوس وخلجات الضمائر العابرة ، ولكن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم ، حين يفتح الإنسان للشبهة صدره ، ويوجه إليها اختياره وكسبه ، ثم يعقد عليها فؤاده وقلبه . ’’([28])

قال القرطبي : ‘‘ولما رأى النبي y ما أصابه من ذلك الخاطر نبهّه بأن ضربه في صدره ، فأعقب ذلك بان انشرح صدره ، وتنوّر باطنه حتى آل به الكشف ، والشرح الى حالة المعاينة ، ولما ظهر له قبح ذلك الخاطر خاف من الله تعالى ، وفاض بالعرق اسستحياء من الله تعالى ، فكان هذا الخاطر من قبيل ما قال فيه النبيy حين سألوه (( إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم احدنا ان يتكلم به قال : وقد وجدتموه ؟ قالوا : نعم ، قال : ذلك صريح الأيمان )). ’’([29])،([30])

ومن هذا نعلم أن ما خطر لسيدنا أُبيّ بن كعب t لا يمسُّ مقامه ، ولا يصادم إيمانه ، ما دام قد دفعه بإرشاد رسول الله y سريعاً كما في الحديث الشريف ، ومن هذا يتبين لنا كيف أن الصحابة ( رضي الله عنهم ) إذا عرض لهم عارض ، أوراودتهم الأفكار و الوساوس ، رجعوا إلى رسول الله y فسألوه عن ذلك ، وأخذوا بما يقوله y ؛ إذ فيه الدواء الناجع ، والشفاء لما في صدورهم .([31])

يقول الدكتور محمد رمضان : ‘‘ ومهما يكن من أمر ، فإن الذي لا ينبغي أن يُشك فيه أن بيئة المسلمين في عصر الرسول y كانت تحتوي على بذور التفكير في مسائل العقيدة ، ويخطئ من يظن أن البيئة الإسلامية في ذلك العصر لم تكن تزاول نشاطاً فكرياً حول مسائل العقيدة الإسلامية. ’’ ([32])

لكل ما تقدم لم تكن الحاجة ماسة لتفسير كل آية من كتاب الله ( عز وجل ) ، ومنها آيات الصفات ، ولكن بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية ، وفتحت بالفتح الإسلامي مشارق الأرض ، ومغاربها ، واختلط العرب الفصحاء بالفرس ، والروم ، وغيرهم من الأعاجم الذين لا يفقهون لغة العرب التي انزل بها القرآن الكريم ؛ أصبح لزاماً أن ينبري من علماء الأمة الإسلامية من يتصدى للتفسير ، والتأويل لمتشابه القرآن الكريم ؛ لأن الحاقدين على الإسلام من اليهود وغيرهم أرادوا أن يوقعوا العداوة والبغضاء بين أبناء الدين الإسلامي الواحد بإثارتهم لشبه وشكوك ، وترويجها بين عامة المسلمين ، ومنهم حديثو العهد بالإسلام ، ومنهم غير العرب ، ومنهم الجاهل ، ومنهم الذي دخل إلى الإسلام مع بقايا من رواسب ديانته القديمة ، فظهر الخلاف ، وهاجت الفتنة ، وما محنة خلق القرآن ، و الأراء التي تبناها المعتزلة ، والخوارج ، والجهمية ، والجبرية ، والقدرية ، وغيرهم إلا نتيجة لما تقدم .

فوجب بالوجوب الشرعي التصدي لهذا السيل الجارف حفاظاً على عقيدة المسلمين من أن تشوهها الأفكار الوافدة من الملل والنحل الأخرى .

رابعاً : تحول الإمام الأشعري ( رحمه الله ) وتركه للقول بأقاويل المعتزلة بعد أن كان واحداً منهم بل من أكابرهم ، وقد عرف مداخلهم و مخارجهم ، وما يموهون به من القول ، فأراد أن يباريهم ويقارعهم الحجة بالحجة ، ومعلوم أن ذلك يحتاج إلى أدلة العقول ، وبراهينها إذ كيف يتصدى لهم وهم المحكمون للعقول بقوله : ( نحن نفوض علم هذه الآيات لله تعالى) فإنهم لا يقتنعون بمثل هذا ، وإنما السبيل هو محاربتهم بمثل السلاح الذي يحاربون به ، وإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم من تحكيم العقول ؛ لذا نراه قد انتصر عليهم نصراً مبيناً ، وجعلهم يذوبون في لجة التاريخ ، وكما قال الإمام أبو بكر الصيرفي : ‘‘ كانت المعتزلة قد رفعوا رؤسهم حتى أظهر الله الأشعري ، فحجزهم في اقماع السمسم . ،،([33])

ونقرأ الآن نتفاً من آراء المعتزلة في كتب المقالات ، والملل والنحل ، ولا نرى لأشخاصهم وجود إلا في الكتب .

أما علماء أهل السنة والجماعة من الأشاعرة ، فلهم الصدارة منذ ظهور إمامهم الأول الإمام الأشعري ( رحمه الله ) إلى عصرنا هذا ، نرى أكابر العلماء يقولون بقوله ، وينتسبون إليه في كل زمان ومكان ، ولم يشذ عن ذلك إلا قليل نسأل الله لنا لهم الهداية والتوفيق إنه نعم المولى ونعم المجيب .

وهذه الخطة محاربة الخصوم بمثل سلاحهم - والمقصود هنا السلاح الفكري- هذه الخطة لو وعى لها المسلمون اليوم لاستطاعوا ان يردوا على الأفكار الوافدة الى بلاد الإسلام من الشيوعية ، والعلمانية ، والوجودية إذ إن الشيوعي مثلاً لا يرضى ولا يقتنع بأن نقول له : بأن الله سبحانه وتعالى قد أقر الملكية الفردية في القرآن الكريم بشروط منها أداء الزكاة ، وغيرها من حقوق المال ، ونورد له الآيات القرآنية ؛ لا يقتنع بذلك ، ولكن إذا حاججناه بأن الملكية الفردية هي سنة كونية ، وفطرة إنسانية بها صلاح الحال والمال ؛ إذ لولاها لما حافظ أحد على المال ونماه إذ من فطرة الإنسان انه يحرص على ماله ، وينميه ، ويصرف في ذلك أعز الأوقات ، ولكنه لا يحرص على مال غيره حرصه على ماله .

فلو تحولت الأمة كلها إلى عمال يقبضون نفس الأجور ، ويلبسون نفس الملبس ، ويسكنون نفس البيوت مع غض النظر عما يقومون به من العمل ، و الجهد ، والمثابرة ؛ لتحولت الأمة إلى مجموعة من الكسالى الخاملين الذين لا هم لهم إلا إشباع شهواتهم ، ولا دافع يدفعهم إلى الجد والمثابرة ، ولزالت هذه الأمة بعد زمن يسير .

وغير ذلك من المحاججات النظرية و الألزامات العقلية ، مع الإستهداء بنور الشرع الشريف من الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية .

وأيضاً الوجودية على سبيل المثال ، لا يقال الوجودية الحاد وكفر غربي كما ان الشيوعية إلحاد وكفر شرقي فقط إلى غير ذلك من العبارات الخطابية الرنانة ، ولكن يجب على من يرد على مثل هذه الأفكار أن يدرسها أولاً ليكشف زيفها ؛ إذ كما هو معلوم ( أن الحكم على الشيء هو فرع تصوره ) فكيف نحكم عليها بأنها الحاد وكفر ، وزندقة ؟‍ ‍‍‍‍‍ ونحن لا نعرف معنى الوجودية أصلاً ولا نعرف أفكارها ، فكيف نحكم عليها ؟ وكيف نقنع المقابل بذلك إن كان وجودياً فعلاً ، أودخلت عليه بعض شبهها ، وتصور أنها فلسفة حقيقية .([34])

فالأولى ان يقال عن الوجودية : تعيدنا الوجودية إلى عصر الشكاك السفسطائيين اليونان الذين أنكروا حقائق الأشياء وموجبات العقول وهم العنادية فقد زعموا أن حقائق الأشياء أوهام وخيالات باطلة ، و العندية : فأنهم أنكروا ثبوت حقائق الأشياء وزعموا أنها تابعة للاعتقادات ، حتى إن اعتقدنا الشيء جوهراً فجوهر أو عرضاً فعرض ، أوقديماً فقديم أوحادثاً فحادث ، و اللاأدرية : وهم قد انكروا العلم بثبوت شيء لا ثبوته ، ويزعم أنه شآك وشاك في أنه شاك وهلم جراً .

هؤلاء هم ( العنادية ) ، ( والعندية ) ، ( و اللاأدرية ) كما يطلق عليهم علماء المسلمين([35]).

والوجوديون اليوم :هم أحفاد أولئك الشكاك ، فهم إن صح التعبير ( العدميون ) أو ( اللاشيئية) .

‘‘ يقول البير كامي : أنا أعلم أنني أؤمن بلا شيء ، وأن كل شيء عبث ، لكنني لا أستطيع أن أشك في صحة هذا الأعلان ، ولا بد لي على الأقل من الإيمان باحتجاجي . ،،([36])

يسمي كامي إيمانه ( بلا شيء ) ، ( وأن كل شيء عبث ) يسمي ذلك احتجاجاً والمعروف ان الاحتجاج مأخوذ من الحجة والبرهان ، فأين الحجة والبرهان في قوله ( أنا أؤمن بلا شيء ، وان كل شيء عبث ) ، فسبحان الله من هذا الجهل المركب ، ومعاذ الله من الإيمان بمثل هذا الغثيان ، وما بعد الهدى إلا الضلال المبين ، قال تعالى ] أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [ ([37]) ، ومن هذا النص الكريم نفهم فلسفة هؤلاء الوجوديين الذين يؤمنون ( بأن كل شيء عبث ) ؛ للتخلص من الأيمان باليوم الآخر ، والحساب ، والعقاب .

يقول هانز جوناس في معرض بيانه للتشابه بين الغنوصية ، و الوجودية ‘‘ إن أساس هذه القربى يكمن في لون من العدمية الكونية التي تأثر بها الإنسان في القرون الأولى من العهد المسيحي ثم أثرت في الإنسان مرة أخرى في يومنا الراهن ، ففي كلتا الحقبتين شعر الناس بالضياع ، والوحدة في عالمٍ واسع وغريب ، وهكذا جسدت الغنوصية ، والوجودية بطريقتين مختلفتين لكنهما متقاربتان إستجبابة ممكنة للأحساس بالوحشة في هذا العالم. ،،([38])

إن انتشار هذه الفلسفة في الدول الأوربية يدل على الفراغ الديني ، والخواء الروحي وإنتشار الفوضوية ، واللاعقلانية في أوساط هذه المجتمعات ؛ وماانتشار المسكرات ،والمخدرات ، وارتكاب الجرائم من القتل ، والزنا ، والسرقة ، وغيرها إلا دليل صارخ على هذا الفراغ واللادينية ، إذ إن تعاليم الأديان السماوية كلها تنص على حرمة مثل هذه الأعمال والجرائم فكيف ترتكب وبهذه الكثرة ؟ وما هو المبرر لها ؟ !!

لذلك نرى أن الوجودية قد وجدت تربة خصبة لنموها في مثل هذه المجتمعات الممزقة والموبوءة .

ومثل هذه ( النظرة ) ولا نقول ( الفلسفة ) لا يمكن أن تقنع إلا ضعاف العقول ، و المأفونين الذين يريدون التنصل من القيم والأخلاق لكي يشبعوا غرائزهم ، وشهواتهم من غير رادع من ضمير أو خلق ، أو قانون .

فأي عاقل يرضى لنفسه مثل هذه التراهات ، والوساوس التي تسمى فكراً وفلسفة للتمويه على البسطاء والعوام بأنها تقوم على أساس من المنطق والعقلانية ؛ إذ كيف تقوم على المنطق ، و العقلانية وهي تلغي المنطق والعقلانية .

يقول نيتشه : ( إن الرب قد مات ، وسيظل ميتاً ونحن الذين قتلناه ) ([39]) وقول نيتشه هذا مستند على الفكر المسيحي ، وإن المسيح u قد قتل بزعمهم ، وهم يسمونه ( الرب ) ، ومعنى ذلك أن الرب وهو المسيح بزعمهم قد قتل ومات .

ويعلق على قول نيتشه السابق ‘‘ جون ماكوري بقوله : وموت الرب بمعنى ، يحرر الإنسان لكنه بمعنى أخر يعبر عن الجانب السوداوي في فلسفة نيتشه ، ويؤدي بنا إلى عصر ( العدمية ) ، ، ومن ثم فإن تأكيد الإنسان لنفسه ، و إثباته لذاته يقوم على خلفية هي عبارة عن ( عالم عبثي لا معقول ليس فيه إله ) .’’([40])

لقد كتب سارتر يقول: ‘‘ أنت حر ، إذن فاختر ، أعني إخترع و ابتكر ، فليس هناك قاعدة أخلاقية عامة يمكن ان تبين لك ما الذي ينبغي عليك أن تفعله ، وليس ثمة علاماتٌ تهديك سواء السبيل في هذا العالم.’’([41])

‘‘ ويعني سارتر بفكرته عن ( النبذ ) أنه ليس ثمة ربٌ وضع قيماً ، أو مثلاً عليا للبشرية ينبغي على الإنسان ان يسعى الى بلوغها ، وإنما لابد لكل إنسان أن يخترع قيمه الخاصة ، وهو يوجد وجوداً أصيلاً بمقدار ما يسعى الى تحقيق قيم تكون هي قيمه الخاصة حقاً .

لكنه كما قال دستوفسكي :‘‘ ( إذا لم يكن هناك رب فكل شيء مباح للإنسان ).’’ ([42])

إذاً فالوجودية : هي نظرة الحادية متشائمة سوداوية قاتمة ، غربة ، قلق ، حيرة ، لا دينية ، لا عقلية ، لا أخلاقية ، فهي تدعو إلى التحرر بجميع أشكاله وبدون أي قيود للتخلص من الواقع الأليم و المرير .

وتدعو الى التنصل من الدين ، والأخلاق ، والقيم ، والأعراف والقوانين ، وأن يُوجِدَ كل إنسان لنفسه اعتقاداً وقيماً خاصة به يعبر من خلالها عن ذاته وهو بهذا يُوجِدُ ذاته ( وجوداً أصيلاً ) ؛ لذلك يسمون أنفسهم بالوجوديين ، والصحيح أنهم على العكس من ذلك فوضويون عدميون .

ومثل هذه النظرة لا تستحق بأن توصف بأنها فلسفة ؛ لأن أبسط تعريف للفلسفة هو : حب الحكمة ، والحب يدل على التفاؤل والأمل ، والحكمة : هي لب الحق والعقل ، والتوصل الى الحقيقة المطلقة ، وأين هذه المعاني من النظرة الوجودية المتشائمة القلقة التي تخرج بالإنسان من إنسانيته إلى حضيرة البهيمية ؛ لإرضاء الشهوات النفسانية بالتنصل من القيم والدين .

وكيف يستقيم وينتظم أمر أي مجتمع من المجتمعات البدائية ، أو المتحضرة بدون عرف أو دين مجمع عليهما ؟ !

وفي نهاية هذا العرض الموجز للوجودية لا بد من التنبيه أن مثل هذه الآراء ، والمفاهيم هي وليدة مجتمعات هزيلة ومفككة أخلاقياً ، ودينياً ، ولا عجب بأن تظهر عندهم مثل هذه الآراء الباردة البدائية ، والبليدة ، وقد سبق و ألمحت إلى التشابه بينها وبين السفسطائية ، والذي يؤكد هذا التشابه إنكار الأعراف و اللاعقلانية في التفكير ، وكما أن الله سبحانه وتعالى قيض للسفسطائيين من أفحمهم ، والزمهم الحجة ، وردهم على أعقابهم ، وهو ( سقراط ) بفلسفته العقلانية ، فإن الله سبحانه وتعالى سيهيء من يقف لمثل هذه التيارات الهدامة بالمرصاد لبيان عوارها وكشف أسرارها ، وصدها عن الدخول إلى مجتمعنا الإسلامي ، بل التحول من موقف المدافع إلى موقف المهاجم بالاستناد إلى القوتين المعنويتين ( الدينية ، والعقلية ) ، لعموم المسلمين ، واتخاذ هاتين القوتين ترساً ، وحصناً ، وقاعدة للانطلاق إلى الفتوحات الإسلامية الفكرية ضد الغزو الفكري الغربي ، فقد آن الأوان لمثل هذه الهجمة الفكرية وسنحت الفرصة ، والعاقل الحكيم هو الذي يستغل الفرص ، فالأعداء في خواء روحي ، وعقلي ، وأدل دليل عليه هو الوجودية الجوفاء الملحدة ، والعولمة المفسدة .

وفي نهاية هذه الأسباب أورد شبهة في هذا المقام والرد عليها : لا يقال – كما نسمع ، ونقرأ كثيراً في هذا الزمان - إن الإمام الأشعري ( رحمه الله ) لضرورة وقته ، ولظروفه الخاصة نهج هذا المنهج ، والوقت قد تغير ، والظروف تبدلت فيجب طرح و إلغاء ما جاء به من الأقوال ، وإبدالها بما يلائم الوقت ، أو الاكتفاء بـ ( التفويض ) الذي هو رأي السلف !

لا يقال ذلك ؛ لأن ضرورة الوقت هي أشد من ضرورته في وقت الإمام الأشعري ( رحمه الله ) والأفكار والتشكيك قد أخذ يتطور ؛ ويجب احتذاء المنهج الذي قرره الإمام الأشعري ( رحمه الله ) ، وذلك للأجماع الحاصل من علماء الأمة عليه ، والرسول y يقول : (( لا تجتمع أمتي على ضلالة ))([43]) ، ولا مانع من تطوير مذهبه فيما استجد من الأفكار ، والشبه ، والرد عليها كما فعل ويفعل الأشاعرة في كل زمان ومكان ، واما الدعوة إلى الغائه ، فهي مكيدة من مكائد الأعداء ؛ لتجريد الأمة من سلاحها ؛ لكي تخضع ، وتستسلم ، وتذوب في سيل الأفكار ، والفلسفات الحديثة ؛ كما يذوب الملح في الماء .

ولكن أنى لهم ذلك ، وقد وعد الله بنصر دينه و تأيده إلى أن يرث الأرض ،ومن عليها وهو خير الوارثين ، فان الله ( سبحانه وتعالى ) يقيض ، و يهيئ رجالاً في كل زمان ومكان ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، والحمد لله رب العالمين .

لكل ما تقدم من الأسباب جاء ( التأويل ) عند الإمام الأشعري ( رحمه الله ) ولكن بضوابط وشروط حتى لا تكون الأمور فوضى، ويتلاعب بالنصوص المأفونون ، والذين في قلوبهم مرض .

التأويل الذي هو موافق لرأي ( الخلف )

ذكر علماء الأشاعرة ( رحمهم الله ) في كتبهم تأويلات كثيرة بعضها نسبت إلى الإمام الأشعري ( رحمه الله ) مباشرةً ، وبعضها لم تنسب اليه مباشرةً ، ولكنها داخلة في مذهبه ، ووفق منهجه ، إذ كما هو معلوم إن رأي المذهب يؤخذ من كتب أصحابه ، وكما قيل صاحب الدار أدرى بالذي فيه ، و أهل مكة أدرى بشعبها .

ولذلك نرجع الى كتب أئمة الأشاعرة ( رحمهم الله ) لمعرفة تأويلات الإمام الأشعري ( رحمه الله ) خاصةً ، وتأويلات الأشاعرة ( رحمهم الله ) عامة ؛ إذ هم أصحابه ، وأتباعه ، والسائرون على طريقته ، ومنهجه .

أولاً : تأويل الاستواء في قوله تعالى ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[ ([44]) للإمام الأشعري ( رحمه الله ) وللأئمة الأشاعرة ( رحمهم الله ) في تاويل الاستواء أقوال :

منها : ينقل لنا الإمام عبد القاهر البغدادي ( رحمه الله ) هذا الرأي حيث يقول : ‘‘ ومنهم من قال إن استواءه على العرش فعل أحدثه في العرش سماه استواءً ؛ كما أحدث في بنيان قومٍ فعلاً سماه ( إتياناً )([45]) ، ولم يكن ذلك نزولاً ، ولا حركةً ، وهذا قول أبي الحسن الأشعري".([46])

ويُعَضِد ذلك قول الإمام البيهقي ( رحمه الله ) : ‘‘ وذهب ابو الحسن علي بن اسماعيل الأشعري إلى أن الله تعالى جل ثناؤه فعل في العرش فعلاً سماه استواءً ؛ كما فعل في غيره فعلاً سماه رزقاً ونعمة ، أو غيرها من أفعاله ، ثم لم يكيف الاستواء إلا انه جعله من صفات الفعل لقوله : ] اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [ ([47]) ، وثم للتراخي ، والتراخي إنما يكون في الأفعال ، و أفعال الله تعالى توجد بلا مباشرة منه إياها ، ولا حركة. ’’([48])

وحاصل كلام الإمام الأشعري ( رحمه الله ) هنا إن الإستواء هو ( صفة فعل ) لله تعالى ، وكما قال تعالى ] ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ[ ([49]) ، و الإستواء في هذه الآية ، وفي قوله تعالى : ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [([50]) هو صفة فعل لله تعالى ، وهذا بعيد كل البعد عن الاستقرار ، والجلوس ، والتمكن كما هو ظاهر .

وهذا تفسير للإستواء ، وهو داخل في التأويل بلا شك ؛ لأن قول السلف التفويض ، والتوقف من غير بيان ، ولا تفسير .

ومنها : تأويل الاستواء بالاستيلاء كما ذهب إلى ذلك الباقلاني (رحمه الله ) ، وغيره. ([51])

ويقول الإمام الإيجي ( رحمه الله ) :‘‘ لما وصف تعالى بالاستواء في قوله تعالى ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ ([52]) اختلف الأصحاب فيه فقال الاكثرون : هو الاستيلاء ، ويعود الاستواء حينئذٍ إلى صفة ( القدرة ) ، قال الشاعر :

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

وقال الآخر :

فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صراعى لنسرٍ وطائرِ

أي استوينا .

لا يقال الاستواء بمعنى الاستيلاء ( يشعر بالاضطراب ، والمقاومة ، والمغالبة ) ،أي يشعر بسبق هذه الأمور التي تستحيل في حقه تعالى و أيضاً([53]) لا فائدة لتخصيص العرش ؛ لأن استيلائه يعم الكل .

لأنا نجيب عن الأول : بمنع الإشعار ألا ترى ان ( الغالب ) لايشعر به([54]) ، كما في قوله تعالى ] وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِه[ ([55]) نعم ربما يفهم سبق تلك الأمور من خصوصية من أسند اليه امر مخصوص .

وعن الثاني([56]) : بان الفائدة هي الاشعار بالاعلى على الادنى إذ مقرر في الأوهام ان العرش اعظم الخلق فإذا استولى عليه كان مستولياً على غيره قطعاً ، وهذا عكس ما هو المشهور من التنبيه بالأدنى على الأعلى ، وكلاهما صواب ، فانه كما يفهم من حكم الأدنى حكم الأعلى اذا كان به اولى بالذكر يفهم عكسه إذا كان الأدنى بالحكم أولى ؛ كذلك يفهم عكسه إذا كان الأدنى بالحكم أولى .

وقيل : هو أي الاستواء هاهنا القصد ، فيعود الى صفة الإرادة نحو قوله تعالى ] ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [ ([57]) أي قصد اليهما ، وهو بعيد ؛ إذ ذلك تعدى بالى كالقصد دون على كاستيلاء .

وذهب الشيخ ([58]) في أحد قوليه إلى أَنهُ أي الاستواء ( صفة زائدة ) ليست عائدة إلى الصفات السابقة ، وان لم نعلمها بعينها .

ولم يقم دليل عليه ، ولا يجوز التعويل في إثباته على الظواهر من الآيات و الأحاديث مع قيام الاحتمال المذكور ، وهو أن يراد به الاستيلاء ، او القصد على ضعف ، فالحق التوقف مع القطع بأنه ليس كاستواء الأجسام. ’’([59])

وقد تعدى قومٌ ففسروا الاستواء بمعنى الاستقرار ، والتمكن والتحيز.

يقول الإمام ابن العربي شارحاً لحديث النزول : ‘‘ أما إنه قد تعدى اليه قوم ليسوا من اهل العلم بالتفسير ، فتعدوا علية بالقول بالتكثير قالوا : في هذا الحديث دليلٌ على أن الله في السماء على العرش فوق سبع سماوات .

قلنا : هذا جهل عظيم، وانما قال ينزل إلى السماء ولم يقل في هذا الحديث من أين ينزل ، ولا كيف ينزل .

قالوا : وحجتهم ظاهرة قال تعالى : ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [ ([60]) .

قلنا لهم : وما العرش في العربية ؟ وما الاستواء .

قالوا : كما قال الله تعالى : ] لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ[ ([61]) .

قلنا : فأنى لله تعالى ان يُمَثَلَ استواؤه على عرشه باستوائنا على ظهور الركاب.

قالوا : وكما قال ] وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ[ ([62]) .

قلنا : تعالى الله ان يكون كالسفينة جرت حتى لمست فوقفت .

قالوا : وكما قال : ] فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ [ ([63])

قلنا : معاذ الله ان يكون استواؤه كاستواء نوح وقومه ؛ لأن هذا كله مخلوق فالاستواء يكون بارتفاع وتمكن في مكان ، واتصال ملامسة ، وقد اتفقت الأمة من قَبِلَ سماع الحديث ؛ ومن رده على أنه ليس استواؤه على شيء من ذلك فلا تُضَرب له المُثُل بشيء من خلقه …..

ثم يقول الإمام أبو بكر بن العربي t : والذي يجب أن يُعتَقد في ذلك أن الله كان ولاشيء معه ثم خلق المخلوقات من العرش إلى الفرش ، فلم يتعين بها ، ولاحدث له جهة منها ، ولا كان له مكان فيها ، فإنه لا يحول ولا يزول ، قدوس لا يتغير ، ولا يستحيل .

وللاستواء في كلام العرب خمسة عشر معنى مابين حقيقة ومجاز منها ما يجوز على الله فيكون معنى الآية ، ومنها ما لايجوز على الله بحال ، وهو إذا كان الاستواء بمعنى التمكن او الاستقرار ، او الاتصال ، او المحاذاة ، فإن شيئاً من ذلك لا يجوز على الباري تعالى .’’([64])

وقد ذكر المحققان الالمعيان لكتاب التمهيد للأمام الباقلاني الاستاذ محمود محمد الخضيري ، والاستاذ محمد عبد الهادي ابو ريدة : ان نسخة التمهيد للأمام الباقلاني والتي حققها وطبعها بعد تحقيقهما وطبعهما الأب ريتشارد يوسف مكارثي اليسوعي ، هذه النسخة قد أُدخل فيها ابواب ليست منها ، وغريبة عنها ، ودللا على ذلك بما وصلا اليه بعد تحقيق كتاب التمهيد حيث يقولان : ‘‘ وتبقى أخيراً عدة عناوين نجدها موضع شبهة خطيرة منها رقم 30 الخاص بالاستواء على العرش .

وقد اختص ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية هذا الفصل المزعوم من التمهيد بالاقتباس ، ومدحها مؤلفه من اجله بالرغم من اسرافهما في سبه ، والاساءة اليه من اجل سائر ما الف .

جاء في كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية لابن قيم الجوزية : ( قول القاضي ابي الطيب الباقلاني الأشعري ) قال في كتاب التمهيد في أُصول الدين ، وهو من اشهر كتبه :

فإن قال قائل : فهل تقولون إنَّ الله في كل مكان ، قيل : معاذ الله بل هو مستوٍ على العرش كما أخبر في كتابه فقال عز وجل : ] الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[ ([65])؛ وقال تعالى ] إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ [ ([66]) وقال ] أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ[ ([67]) ولو كان في كل مكان لكان في جوف الإنسان وفي فمه وفي الحشوش وفي المواضع التي يرغب عن ذكرها تعالى الله عن ذلك ، ولو كان في كل مكان لوجب ان يزيد بزيادة الامكنة اذا خلق منها مالم يكن خلقه وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان واضحاً ، وان يرغب اليه نحو الأرض والى وراء ظهورنا وعن أيماننا ، وعن شمائلنا ، وهذا قد اجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله.

ثم قال في قوله تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ [ ([68]) المراد أنه إلهٌ عند أهل السماء ، وإلهٌ عند أهل الأرض ؛ كما تقول العرب فلان نبيل مطاع في المصرين أي عند اهلهما ، وليس يعنون ان ذات المذكور بالحجاز ، والعراق موجودة ، وقوله تعالى : ] إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ[ ([69]) يعني بالحفظ والنصر والتأييد ، ولم يرد أن ذاته معهم تعالى ، وقوله تعالى : ] إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[ ([70]) محمول على هذا التأويل ، قوله تعالى : ] مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ [ ([71]) يعني أنه عالم بهم ، وبما خفي من سرهم ونجواهم ، وهذا انما يستعمل كما ورد به القرآن فلذلك لايجوز أن يقال قياساً على هذا إن الله بالبردان ، ومدينة السلام ، ودمشق ، وإنه مع الثور والحمار ، وإنه مع الفساق والمهان ، ومع المصعدين إلى الحلوان قياساً على قوله : ] إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا [ ، فوجب أن يكون التأويل على ما وصفناه ، ولا يجوز أن يكون معنى إستواءه على العرش هو استيلاؤه كما قال الشاعر : قد استوى بشر على العراق ؛

لأن الأستيلاء القدرة والقهر والله تعالى لم يزل قادراً قاهراً عزيزاً مقتدراً ، وقوله] ثم استوى [ يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد ان لم يكن فبطل ما قالوا . ([72])

ونحن ([73]) نجد عند تأويل هذا النص معنى نشعر فيه بشيء من التجسيم يتعارض مع مذهب الباقلاني ، واتجاهه في التوحيد ، وأوضح عبارة صحيحة قالها الباقلاني في كتاب التمهيد ضد هذا التجسيم الظاهر في النص الذي أورده ابن قيم الجوزية هي قوله في ص88 << الباري سبحانه ليس في السماء ولاهو مستوٍ على عرشه بمعنى حلوله على العرش ؛ لأنه لو كان حالاًّ في أحدهما ، ومستوياً على الآخر بمعنى الحلول لوجب أن يكون مماساً لهما لا محالة >> .

ومعلومٌ أن المماسة من خواص الأجسام ومن غير المعقول أن يكون الله مماساً لجسم ما ولو كان عرشاً أو كان سماءً .

وقد أورد ابن تيمة جزءاً من النص الذي اقتبسناه وقال إنه في كتاب الإبانة تصنيف الباقلاني ثم عقب عليه بقوله .. (( وقال في كتاب التمهيد كلاماً أكثر من هذا )) . وقدم لاستشهاده بالباقلاني بالثناء عليه على خلاف عادته وقال (( إنه أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده ’’ ( راجع العقيدة الحموية الكبرى المطبوعة في مجموعة الرسائل الكبرى لتقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني ، القاهرة سنة 1322 هـ ج1 ص452 – 453وإقتبس عنه هذا النص ابن العماد في كتابه شذرات الذهب في أخبار من ذهب ج3 ص169 – 170 ) .

ولو صدقنا ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في نقلهما عن التمهيد للزمنا ان نقرر أن ما بين يدينا من نص التمهيد في الكامل ؛ ولكننا لانستطيع ، عند ملاحظة التعارض البين بين مذهب الباقلاني ومعنى ما ينسبه اليه هذان المؤلفان المعروفان بالتحيز ، إلا الشك في صحة نقلهما .

وقد كتب الينا مولانا العلامة الحجة الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل مشيخة الإسلام في الخلافة العثمانية في هذا الشأن مايلي: (( لا وجود لشيء مما عزاه ابن القيم إلى كتاب التمهيد في كتاب التمهيد هذا ، ولا أدري اذا كان ابن القيم عزا اليه ما ليس فيه زوراً ليخادع المسلمين في نحلته أم ظن بكتاب آخر أنه كتاب التمهيد للباقلاني)).([74])

ونحن نثق على كل حال بنسخة التمهيد التي بين يدينا ثقة اقوى من ثقتنا بنقل ابن تيمية ، وابن القيم ؛ والله أعلم !

ثم انه يفهم من كلام ابن تيميه وابن القيم فيما ذكرناه من مواضع كتبهما أن القاضي ابابكر اثبت لله تعالى في كتاب التمهيد صفات الوجه واليدين وهذا مطابق للعنوان رقم 29 من الفهرست المدخول على مخطوط التمهيد ؛ ويفهم من كلامهما أيضاً أنه أثبت هذه الصفات صفات ممييزة زائدة على الذات ، ونسباً أيضاً الى الباقلاني القول بأن الله ينزل الى سماء الدنيا على نحو ما يتأوله الحشوية ومن جاراهم من أمثال ابن تيمية الحراني وابن القيم .

ونحن نعتقد أن الباقلاني حمل صفات اليدين ، والاصابع على القدرة كما أنه ينكر أنكاراً شديداً أي تشابه بين الله وصفات الاجسام .

ومما يدل على براءة القاضي مما يعزوا إليه ابن تيمية وتلميذه أبن القيم حكمه في حدوث النزول ، فقد رُوي عن النبي y أنه قال ( إن الله تعالى ينزل الى السماء الدنيا كل ليله جمعة الخ … ) ودون هذا الحديث في الصحاح اعتماداً على الأسانيد وَكثير من أئمة الحديث ، ولم يتعرض أهل الجرح والتعديل له ، فقال القاضي : إن هذا الحديث من خبر الآحاد ونقلهم ؛ وأخبار الآحاد لا يجب القضاء بها في القطعيات .

وتابعه إمام الحرمين في ذلك وأعجب به ومضى معه أيضاً في تقريره قاعدةً من قواعده الأصولية الجرئية وهي : (( إن الأمة لو أجمعت على العمل بخبرٍ من أخبار الأحاد فأجماعهم على العمل به لا يوجب القطع بصحته )) . الشامل 154 , 155 , ص78 وما بعدها . ’’([75])

وقد أوردتُ هذا الكلام المتقدم للتنبيه والتحذير ، التنبيه من نشرات المستشرقين وتحقيقهم للكتب الإسلامية ، والتحذير من الدس في كتب علماء المسلمين لترويج البضاعة الكاسدة ، ولكن من يفعل ذلك يفضح نفسه ؛ لأن اراء علماء المسلمين مشهورة ، ويستطيع المتتبع إكتشاف هذا الدس الرخيص ، ونجد في كتاب الإبانة للأمام الأشعري ( رحمه الله ) كلاماً في الإستواء قريباً من الكلام المدسوس على القاضي الباقلاني ( رحمه الله ) ، وهو بلا شك مدسوس أيضاً ، والذي يدل على ذلك إن كتاب الإبانة نشر بدون تحقيق علمي اعتماداً على طبعة حيدر أباد الدكن في الهند ، وأعاد طبعه مكتب تعز للنشر في بغداد مع تعليقات بدون ذكر صاحب التعليق وبدون مقدمة ، ولكن في هامش ص7 بعد التعليق لفظة ( محب الدين ) ومن القرائن يتبين ان المعلق هو محب الدين الخطيب صاحب المطبعة السلفية ومكتبتها في القاهرة ، وفي هامش ص17 يذكر ان هناك نقصاً في الأصل الذي طبع عنه بحيدر آباد الدكن ، وهناك ملاحظات كثيرة على أصل كتاب الإبانة منها ص31 تكفير للإمام أبي حنيفة النعمانt ([76]) ؟!

‘‘ ومن أحسن ما ينبغي ان يعُّول عليه في هذا الباب ، بل أحسنه ما قاله الأمام الحجة في المعقول والمنقول سيف الله على المتبدعة من الحشوية وسواهم ( ابن دقيق العيد t ) ، وهو:

أ- إن كان التأويل من المجاز البين الشائع فلحق سلوكه من غير توقف .

ب - ان كان [ أي التأويل ] من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه .

ج - إن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه ، وعدم جوازه مسألة إجتهادية فقهية ، والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين .’’([77])

‘‘ وهذه قاعدة تنبأ عن مزيد فضل واضعها ، وتضلعه في علم الكتاب والسنة ، وتمكنه من أسرار هذه اللغة الفصحى التي نزل بها كتاب الله ، فإن القول بالتأويل مطلقاً بلا قيد ولا شرط كما شاء الهوى هو خروج عن الملة ، ودخول في الكفر و الإلحاد ، وأول من ابتدعه فرقة تسمى بالباطنية بدأوا يظهرون في القرن الرابع ، يزعمون أن ظواهر الآيات غير مرادة ، فانكروا كل شيء حتى ما علم من الدين بالضرورة .

وعلى هذا الوتر ضربت الجماعة التي سمت نفسها اخوان الصفا فألفوا تلك الرسائل المضافة إلى هذا الأسم ، ودسوا فيها ما شاءوا من الكيد للإسلام وأهله .

ثم افترق الباطنية فرق تسمت بأسماء مختلفة ليس هذا محل بسطها ، ومن أحدثها عهداً فرقة البهائية ، وهم فرقة ينسبون إلى رجل يقال له مرزا حسين ، ويلقبونه بالبهاء ، يزعمون فيه ما زعمت النصارى في عيسى من الألوهية ، ويكفرون بالقرآن كله ، ويتسترون بالتأويل ، ويزعمون نسخ دين الإسلام بدينهم الذي ما أنزل الله به من سلطان .

وعلى نهج هؤلاء الكفرة سارت فرقة القاديانية الا انهم أحذق منهم ضلالاً وإضلالاً ؛ زعموا ان متبوعهم غلام أحمد القادياني – نسبة إلى قريه بالهند يقال له قاديان – جاءته النبوة ، وتأولوا ما لا يقبل التأويل وهو قوله تعالى في نبيه المصطفى y ] وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[ ([78])، فنعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ’’ ([79])

([1]) - غاية المرام في علم الكلام ، لسيف الدين الآمدي تحقيق حسن محمود عبد اللطيف ، المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية ، القاهرة 1391 هـ – 1971 م ، ص 179 .

([2]) - السمع أي الخبر وهو الدليل النقلي من الكتاب والسنة ، ويقال أيضاً في الغيبيات السمعيات لورودها في الكتاب والسنة أيضاً .

([3]) - الملل والنحل للشهرستاني 1 / 106 ، 107 ، ط1 سنة 1347 هـ ، طبعة محمد علي و أولاده .

([4]) – أنظر المواقف للإيجي 8 / 111 ، 110 – 112 .

([5]) - قد يتوهم البعض ان الإمام الأشعري ( رحمه الله ) رجع عن التأويل وقال بالتفويض ، وهذا الوهم جاء من عدم معرفتهم بان الإمام الاشعري ( رحمه الله ) قائل بالقولين معاً ( التفويض والتاويل ) ، فيقرؤن قوله في مقالات الاسلاميين فيتوهمون انه رجع عن التأويل ، والصحيح انه قال بالقولين معاً ولم يرجع عن احدهما الى الآخر والله اعلم بالصواب.

([6]) - الإمام ابو سليمان أحمد بن محمد الخطابي البستي .

([7]) - الأسماء والصفات للبيهقي ( ت 458 هـ ) مطبعة السعادة ص352 – 353 .

([8]) – المصدر السابق نفسه ، تعليق ص353 للشيخ زاهد الكوثري ، لزيادة الفائدة انظر ص من الرسالة ( نص الإمام البغدادي في اصول الدين الأسلامي ) .

([9]) أساس التقديس ، للإمام الرازي ، ص79 ، القاهرة ، مصطفى البابي الحلبي ، 1354هـ ، 1935م .

([10] )سورة الشورى آية 11 .

([11]) - سورة الصافات آية 159 .

([12]) - سورة الصافات آية 180 - 182 .

([13]) - سورة طه آية ( 5 ) .

([14]) - سور ة ص الآية 75 .

([15]) - سور المائدة آية 64 .

([16]) - سورة القمر آية 14 .

([17]) - سورة الرحمن آية 27 .

([18]) - مقالات الاسلامين ، 1 / 320 – 325 .

([19]) - سورة الرحمن آية ( 27 ) .

([20]) - سورة ص آية ( 75 ) .

([21]) - سورة المائدة آية ( 64 ) .

([22]) - سورة القمر آية ( 14 ) .

([23]) - الإبانة باختصار ص 8 – 9 .

([24]) - سورة الحشر آية ( 10 ) .

([25]) – سنن الترمذي ، 5/152 ، دار احياء التراث العربي ، بيروت ، مسند الإمام أحمد ، 30/130 ، مؤسسة قرطبة ، مصر .

([26]) مجمع الزوائد ، علي بن ابي بكر الهيثمي ، 9/64 ، دار الريان للتراث ، القاهرة ، 1407هـ .

([27]) – أخرجه مسلم ، صحيح مسلم ، 1/561 ، دار احياء التراث العربي ، بيروت .

([28]) - مناهل العرفان في علوم القرآن ، الشيخ محمد عبد العظيم الرزقاني ، 1 / 134 .

([29]) أخرجه مسلم من حديث ابي هريرة ، صحيح مسلم ، 1/119 ، دار احياء التراث العربي ، بيروت .

(2) انظر مقدمة تفسير القرطبي ، 1/49 ، باب معنى قول النبي r ان هذا القرآن انزل على سبعة أحرف .

([31]) - انظر مناهل العرفان ، 1 / 134 – 135 .

([32]) - آيات التوحيد في القرآن الكريم دراسة عقائدية ، وتحليل ، وهي رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية العلوم الإسلامية / جامعة بغداد ، حامد السيد عبد العزيز الشيخ حمد ، ربيع الثاني 1415هـ ، أيلول 1995م ، ص110 عن المقدمة التي كتبها الأستاذ الدكتور محمد رمضان على كتاب شرح الدرر الجلالية المسمى الألطاف الإلهية شرح الدرر الجلالية ، تأليف الأستاذ الملا محمد باقر ، مطابع الأردن ، 1 / 134 .

([33]) - طبقات الشافعية الكبرى ، 3 / 349 .

([34]) - انظر لقاء الدكتور محمد رمضان تحت عنوان لا لتكفير المسلم ، جريدة الرأي العراقة ، العدد 67 ، السنة الثانية الأحد 22 ربيع الثاني 1421 هـ ، 23 تموز 2000م ، نوافذ الصفحة ( 5 ) .

([35]) - أنظر شرح العقيدة النسفية .

([36]) - الوجودية ، جون ماكوري ، ص301 عن كتاب المتمرد ، البير كامي ص10 .

([37]) - سورة المؤمنون ، الآية 115 .

([38]) - الوجودية ، جون ما كوري ، ص61 عن كتاب الديانة الغنوصية ، ط2 ، نشرة 1963 ص324

([39]) الحكمة المرحة ، فردريك نيتشة ، طبعة لندن و نيويورك 1910 ص125

([40]) الوجودية ، جون ما كوري ، ص75 .

([41]) انظر الوجودية ، جون ما كوري ص299-300 ، عن كتاب الوجودية فلسفة إنسانية ، جان بول سارتر ، ص298.

(4) المصدر السابق ، ص300 .

([43] ) جامع العلوم والحكم ، ابن رجب الحنبلي ، 1/69 ، دار المعرفة ، بيروت ، ط1 ، 1408هـ ، السنة لابن ابي عاصم ، 1/41، بيروت ، ط1 ، 1400هـ ، ونصه عن أنس بن مالك قال سمعت النبي r يقول : (( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة )) .

([44]) - سورة طه آيه 5 .

([45])- يشير إلى قوله تعالى ] قَدْ مَكَرَ ألَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُمْ مْنَ القَوَاعْد [ ، سورة النحل ، الآية 26 .

([46]) - أصول الدين الإسلامي ، عبد القاهر البغدادي – ص113 ، و أنظر نشأة الأشعرية وتطورها ، د. جلال موسى ، دار الكتاب اللبناني.

([47]) - سورة يونس آية 3 .

([48]) - الأسماء والصفات ، للبيهقي ، ص(410) .

([49]) - سورة البقرة آية 29 .

([50]) - سورة طه آية 5 .

([51]) - يقول الدكتور محمد رمضان ناقلاً لقول القاضي الباقلاني ( رحمه الله ) ، ومعلقاً عليه : (( يقول الباقلاني في ( الإنصاف ص25 ) : إن الله جل ثناؤه مستوٍ على العرش ، ومستولٍ على جميع خلقه كما قال تعالى : ] الرحمن على العرش إستوى [ ( طه 5 ) بغير مماسة وكيفية ، ولا مجاورة .

أرى إن الباقلاني هنا فسر الإستواء بالإستيلاء لأن قوله ( مستولٍ على جميع خلقه ) عطف تفسير لقوله ( مستوٍ على العرش ) .

أنظر الباقلاني وآراؤه الكلامية ، رسالة دكتوراه ، إعداد الدكتور محمد رمضان عبد الله ، ص141 ، مطبعة الأمة ، بغداد ، 1986 م

([52]) - سورة طه ، آية 5

([53]) - أي ولا يقال .

([54]) - ( به ) أي بالاضطراب .

([55]) - سورة يوسف آية 21 .

([56]) - أي ونجيب عن الثاني ( وهو: لافائدة لتخصيص العرش لأن استيلاءه يعم الكل ) .

([57]) - سورة البقرة آية 29 .

([58]) - أي الشيخ أبي الحسن الأشعري ( رحمه الله تعالى ) .

([59]) - شرح المواقف ، 8 / 110 .

([60]) - سورة طه آية 5 .

([61]) - سورة الزخرف آية 13 .

([62]) - سورة هود آية 44 .

([63]) - سورة المؤمنون آية 28 .

([64]) - عارضة الاحوذي شرح صحيح الترمذي للأمام ابن العربي المالكي ، 2 / 234 – 237 طـ1/سنة 1350 هـ ، 1931م ، المطبعة المصرية بالأزهر .

([66]) - سورة فاطر آية 10 .

([67]) - سورة تبارك آية 16 .

([68]) - سورة الزخرف آية 84 .

([69]) - سورة النحل آية 128 .

([70]) - سورة طه آية 46 .

([71]) - سورة المجادلة آية 7 .

([72]) - أنظر اجتماع الجيوش الإسلامية .

([73]) - القول لمحققي كتاب التمهيد .

([74]) - ويؤيد هذين الأحتمالين ما في كتاب مختصر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر حيث يقول بعد أن أورد جملة من الصفات الخبرية : (( وقد شرحنا القول في هذا الباب من جهة النظر ، والأثر ، وبسطناه في كتاب ( التمهيد ) عند ذكر حديث التنزل ، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك )) ، ومن يتأمل أقوال ابن عبد البر النميري يجده يقول بمثل الأقوال المنقولة في نص التمهيد المدخول على كتاب التمهيد للأمام القاضي الباقلاني ( رحمه الله ) ، و اذا علمنا ان المتقدمين من العلماء كان أحدهم يختصر كتاب غيره او يضيف اليه او يقتبس منه ، وقد يسميه بنفس الأسم ، او باسم قريب منه كما فعل ابن حجر ( رحمه الله ) في تهذيب التهذيب حيث ان التهذيب للحافظ المزي ، واختصره الحافظ ابن حجر ( رحمه الله ) في تهذيب التهذيب ، وتقريب التهذيب ، والأمثلة كثيرة ، واذا علمنا ان الامام الباقلاني اسبق من ابن عبد البر النميري لم نشك في ان ابن عبد البر اقتبس من كتاب التمهيد للباقلاني ، واختار اسم ( التمهيد ) لكتابه ايضاً الذي ذكره في النص المتقدم ، فجاء بعد ذلك ابن تيمية بقصد ، او بغير قصد فنسب ما وجده ( في كتاب التمهيد لابن عبد البر ) للإمام الباقلاني ( رحمه الله ) ومدحه عليه ، وتابع ابن القيم شيخه في ذلك ، أنظر مختصر جامع بيان العلم وفضله ص157 ، وانظر التمهيد لابن عبد البر ، ( ت463 ) ، 7/149 – 154 ، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ، المغرب ، 1387هـ .

([75]) - من خاتمة تحقيق كتاب التمهيد في الرد على الملحدة و المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة ، تأليف الإمام الباقلاني ص263 – 266 ضبطه وقدم له وعلق عليه الأستاذ محمود محمد الخضيري والأستاذ محمد عبد الهادي أبو ريدة ، الناشر دار الفكر العربي القاهرة 1366هـ – 1947م .

([76]) - يقول العلامة الشيخ محمد زاهد الكوثري : ومن غريب التحريف ما دس في بعض نسخ الإبانة للأشعري كما دس فيه أشياء أُخر منْ أنَّ حماد بن أبي سليمان قال (( بلغ أبا حنيفة المشرك أني بريء من دينه )) وكان يقول بخلق القرآن ، فإن لفظ حماد (( بلغ أبا فلان )) لا أبا حنيفة كما ورد في أول خلق الأفعال للبخاري وجعل من لا يخاف الله لفظ (( أبا حنيفة )) في موضع (( أبا فلان )) ، والله أعلم من هو أبو فلان هذا وما هي مسألته – وأخر الكلام مدرج في الرواية من بعض الرواة يدل على ذلك ان القول بنسبة الخلق إلى الله ليس من الإشراك في شيء ، ومن أبلغ شاهد على هذا التحريف كون وفاة حماد سنة مائة وعشرين أو ثماني عشر كما في كامل ابن عدي وطبقات أبي الشيخ بن حبان وغيرهما ، وقد سبق تاريخ ذيوع القول بخلق القرآن في كلام ابن أبي حاتم والالكائي ، هكذا يفضح نفسه من يختلق مثل هذا الاختلاق …الخ .

الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة ، تأليف ابن قتيبة الدينوري ص49 تعليق للشيخ زاهد الكوثري ( رحمه الله )

([77]) - فرقان القرآن ص96 .

([78]) - سورة الأحزاب آية 40 .

([79]) - فرقان القرآن ص96 .

عودة الى الصفحة الرئيسيه