بقلم: د/ مي أحمد السيد
مدرس العقاقير - كلية الصيدلة - جامعة الزقازيق
رغم أن مفهوم الاستدامة يحمل في ثناياه ثلاثة أبعاد رئيسية، وهي: البيئة، والاقتصاد، والحياة الاجتماعية؛ إلا أن التركيز فيه ينصب على الجانب البيئي إلى حد كبير، فيميل بذلك نحو معالجة القضايا البيئية؛ كتغير المناخ، والتنوع البيولوجي، وتلوث الهواء والمياه. ولأن الاستدامة البيئية خيار فردي وجماعي؛ فإن اتباعك للخطوات اللازمة للوصول إليها يساهم في ترميم عالمنا الأخضر، ويساعدك في العيش ضمن بيئة نظيفة.
البيوت الخضراء هي عبارة عن منازل مستدامة صديقة للبيئة ذات فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة وتركز على الاستخدام الفعال للمياه والطاقة ومواد البناء والحد الأدنى من استخدام الصلب وزيادة استخدام المواد المعاد تدويرها والحد من التأثيرات على صحة الإنسان.
ما هو البناء الأخضر؟
البناء الأخضر أو البناء المستدام هو استخدام أساليب وتقنيات تُساهم في الحد من الأثر السلبي للمباني على البيئة وخفض بصمتها الكربونية، والمساهمة في تحسين كفاءة استخدام المياه والطاقة، بالإضافة إلى المساهمة في تحسين جودة المعيشة والبيئة الداخلية، وذلك من خلال تطبيق تلك التقنيات في كافة مراحل مشروع البناء بدءًا من مرحلة التخطيط واختيار الموقع، إلى التصميم، والتشييد، وتشغيل وصيانة المباني.
لماذا الاتجاه نحو البيوت الخضراء؟
تبرز أهمية البيوت الخضراء كبيوت صديقة للبيئة حيث يتم تنظيم المنازل أو المباني الخضراء بطريقة تخفف من التأثير الكلي على البيئة الى جانب الحفاظ على البيئة وتقليل إهدار مواردها وتخفف من التأثير على صحة الإنسان من خلال:
1. الحد من القمامة والتلوث وتدهور البيئة واستنزاف الموارد الطبيعية.
2. الاستخدام الفعال للطاقة والمياه والموارد الأخرى.
3. حماية صحة السكان وتحسين الإنتاجية.
وفيما يلي بعض تجهيزات الاستدامة التي تضمنها البيوت الخضراء:
الأرضيات الصديقة للبيئة مثل استخدام الأخشاب، الخيزران والفلين.
العزل الحراري للجدران والأسقف مثل استخدام الفلين والقش.
أنظمة تهوية عالية الكفاءة.
النوافذ ذات الزجاج المزدوج (مصممة خصيصاً للعزل الحراري).
الثيرموستات الذكية المستخدمة في ضبط حرارة المنزل.
أنظمة للتحكم الذكي بمدخل الكهرباء باستخدام الذكاء الاصطناعي والهواتف الذكية.
الدهانات الصديقة للبيئة (الخالية من الغازات المتطايرة).
المصابيح وتمديدات الكهرباء الموفرة للطاقة.
كما أن البيوت الخضراء مصممة بطريقة مراعية لمداخل الضوء، وانعكاسات الشمس، وتستغل الحديقة الخضراء في تشكيل الظلال الضرورية لحماية الغطاء النباتي، إلى جانب احتوائها على حدائق مليئة بالمنتجات الخضراء الصديقة للبيئة.
أهمية التحول للبناء الأخضر الصديق للبيئة
يُمكن لصناعة البناء والتشييد الحد من التغير المناخي والحفاظ على البيئة، حيث تولد الصناعة أكثر من ثلث غازات الاحتباس الحراري ويُمكن لصناعة البناء أن تُقلل من أثرها البيئي. ساهمت تقنيات البناء الأخضر على مدار السنوات الماضية في الحفاظ على الموارد الطبيعية، والحد من النفايات والمخلفات الناتجة عن مشاريع البناء والتشييد، بالإضافة إلى ترشيد استخدام الطاقة. يتجه قطاع البناء إلى التوسع في تطبيق أساليب البناء المستدام في ظل الزيادة المستمرة لتكاليف مواد البناء التقليدية بالإضافة إلى الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز.
فوائد البناء الأخضر
يُساهم تطبيق أساليب البناء المستدام في توفير استهلاك الطاقة مما يساهم في خفض فواتير المياه والكهرباء لأصحاب المنازل بالإضافة إلى تخفيف العبء على شبكات الكهرباء، بالإضافة إلى توفير نفقات وتكاليف أعمال الصيانة لاعتمادها على مواد طبيعية لها عمر افتراضي أطول وتتطلب صيانة أقل، وتساهم مواد البناء الصديقة للبيئة في الحفاظ على البيئة لأنها تتحلل طبيعيًا دون إنتاج مواد مضرة مقارنة بمواد البناء التقليدية.
يتم تشييد المباني الخضراء مع التركيز على الاستدامة البيئية حيث إنها تقلل من التأثير السلبي للبناء على البيئة من خلال استخدام الموارد المتجددة، واستخدام المواد المعاد تدويرها، والحد من النفايات وإعادة تدويرها بالإضافة إلى ترشيد استهلاك الطاقة مما يساعد في الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المعروفة باسم غازات الاحتباس الحراري، وتحسين جودة المعيشة في الأماكن المغلقة للبشر. وتشمل مزايا البناء المستدام:
1- تحسين جودة الهواء في المنازل
يتم تصميم البيوت الخضراء للاستفادة القصوى من الضوء الطبيعي والتهوية، وخفض تركيز غازات ثاني أكسيد الكربون وثاني أكسيد النيتروجين والمواد الكيميائية الضارة الأخرى الموجودة في المباني.
فمن خلال تحسين تدوير الهواء وزيادة كمية الهواء النقي داخل البيوت الخضراء، يمكن الحد من التعرض للسموم والمواد المسببة للحساسية، تحسين صحة المقيمين في المبنى وتعزيز الشعور بالراحة بشكلٍ أكثر مما يشعرون به في المباني التقليدية مما له تأثيرًا إيجابيًا على تحسين جودة الحياة.
2- الحفاظ على الموارد الطبيعية
تُساعد المباني الخضراء في الحفاظ على الموارد الطبيعية بعدة طرق مثل انخفاض الحاجة إلى مواد بناء جديدة فعلى سبيل المثال، عندما يتم استخدام الأسقف الخضراء، فإن أصحاب المنازل يحفظون الموارد اللازمة لعزل الحرارة والصوت، أو مكونات البناء الأخرى مثل الحوائط الجافة، بالإضافة إلى قدرتها على تعزيز العمر الافتراضي للمبنى.
تساهم المباني المستدامة الصديقة للبيئة -بالإضافة إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية- في الحد من احتياجات تطوير الأراضي لأن المبنى الأخضر يتطلب خرسانة أقل ومساحة أقل بشكل عام مما تتطلبه طرق البناء التقليدية.
3- الحد من البصمة الكربونية
يشير مصطلح البصمة الكربونية إلى حجم انبعاثات الغازات الدفيئة التي يتم انتاجها بسبب الأنشطة الشخصية أو الصناعية، ويتم حساب البصمة الكربونية للشخص عن طريق قياس كمية ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى التي ينتجها بمرور الوقت.
يُعد بناء البيوت الخضراء أحد أكثر الطرق تأثيرًا لتقليل البصمة الكربونية للفرد، حيث أنه يُمكنه توفير ما بين 30% إلى 50% من الطاقة مقارنة بالمباني التقليدية. فعلى سبيل المثال، ستولد الألواح الشمسية الموجودة على أسطح المباني الخضراء كهرباء مجانية لسنوات، مما يوفر لمالكي المنازل فواتير المرافق الشهرية، وتخفيف الأحمال على شبكة الكهرباء، بالإضافة إلى تقليل انبعاثات الكربون بنسبة تقدر بنحو 20%.
يُمكن للمباني الخضراء المساهمة في تقليل البصمة الكربونية، والمساعدة الحد من التغير المناخي من خلال استخدام مواد بناء صديقة للبيئة. فيمكن اختيار أرضيات البامبو لأنها أفضل للبيئة حيث تتطلب طاقة أقل للإنتاج والتصنيع عن الأرضيات الخشبية.
4- توفير نفقات وتكاليف البناء والتشغيل
تساهم أساليب البناء المستدام في ترشيد استخدام الطاقة بشكل كبير وذلك بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح وبالتالي خفض تكاليف التدفئة والتبريد الإجمالية الى جانب انه يُقلل أيضًا من التأثير البيئي للمبنى الى جانب تخفيض تكاليف البناء من خلال تحسين عزل وتغليف المبنى، واستخدام تقنيات التبريد والتدفئة السلبية، وتقليل النفايات الناتجة عن عمليات البناء، وزيادة إنتاجية البناء.
5- تعزيز الكفاءة في كافة مراحل دورة حياة المبنى
تحتاج المباني الخضراء إلى عمليات صيانة وإصلاح أقل من المباني التقليدية، كما انها أكثر متانة، وعمرها الافتراضي أطول مما يعني أن أصحاب المنازل الخضراء سيوفرون المال على المدى الطويل عندما يختارون طريقة بناء صديقة للبيئة.
الخاتمة
يساهم البناء الأخضر في تحسين جودة الحياة ورفاهية العيش، وتوفير استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية بالإضافة إلى الحد من البصمة الكربونية. ويُعد البناء الأخضر والمستدام اتجاهًا واعدًا في قطاع البناء، ويجب على شركات البناء والتشييد التوسع في تطبيق ممارسات البناء الخضراء لتعزيز التنمية المستدامة.