أ.م/ مي أحمد السيد
يعتبر هدر الغذاء من أكثر المسائل انتشاراً في مختلف دول العالم. إذ تصدرت هذه المشكلة أول اهتمامات الأمم المتحدة نظرًا إلى تداعياتها السلبية بيئيًا واجتماعياً واقتصادياً. ووفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، يهدر سكان العالم ثلث الغذاء الموجه للاستهلاك البشري، وتقدّر الكمية المهدورة من الغذاء عالمياً حوالي مليار و300 مليون طن سنويًا، تصل قيمتها إلى 980 مليار دولار أميركي. وبحسب تقارير المنظمة الدولية، يساهم الهدر المنزلي في هذه المشكلة، لأنّه يهدر سنويًا أطناناً من الأطعمة نتيجة سوء التخزين أو تكديس كميات منها تفوق حاجة الأفراد، بينما يعاني أكثر من 820 مليون شخص من الجوع.
للنفايات الغذائية آثار بيئية واقتصادية واجتماعية أيضاً. إن ارتفاع معدلات الدخل والإنفاق الفردية، ومستوى المعيشة، والقدرة على الإنفاق، وسلوكياتنا في إهدار الطعام تؤثر سلباً على مواردنا المحدودة. فأصبح من الشائع أن نرى أكوام من الطعام المتبقي في أطباق الطعام في مراكز التسوق والمطاعم. وللأسف فإن القدرة على الإنفاق أدت إلى زيادة متسارعة في إنتاج وتراكم النفايات الغذائية في دول الشرق الأوسط عامة.
يتوجب على سكان دول الشرق الأوسط أن يدركوا أننا نستورد كميات كبيرة من المواد الغذائية ثم نهدرها دون مبالاة في القمامة. وتشير التقديرات إلى أن ربع الأطعمة التي يتم شراؤها تتعفن ويتم إلقاؤها في سلة المهملات قبل أن يتم استخدامها أو أكلها. يميل الناس إلى شراء كميات أكبر مما يحتاجون، أو مما يمكنهم استهلاكه. وغالباً ما يتركون الطعام الذي تم طلبه أو شراؤه نصف مأكول، وهو سلوك شائع، ولكنه غير سليم.
إن ترك بقايا الطعام هو توجه خاطئ يؤدي إلى زيادة الهدر للمواد الغذائية المشتراة، التي لا يتم استخدامها بشكل كامل أو كفؤ، فينتهي بها المطاف في صناديق القمامة.
يعدّ فاقد الغذاء هو فساد الأغذية قبل وصولها إلى مرحلة المنتج النهائي أو مرحلة البيع بالتجزئة. ويحدث في المزرعة، في التخزين أو خلال التوزيع، بحسب "الفاو". أما بالنسبة لـ "هدر الغذاء"، فهو كل الغذاء الصالح للاستهلاك، لكنه لم يُستهلك بسبب تركه حتى فساده أو بسبب استبعاده بمعرفة تجار التجزئة أو المستهلكين. ويحدث في المتجر، في المطعم أو في المنزل.
مهمتنا الأولى هي تقليل كمية النفايات الغذائية القابلة للتحلل الحيوي من أن ينتهي بها المطاف إلى صناديق القمامة. بالإضافة إلى ذلك، إذا قمنا بتطبيق عملية جمع النفايات الغذائية، فإننا نقوم بإزالة جزء كبير من المكونات القابلة للتحلل الحيوي من صندوق القمامة. ويجب علينا أن ندرك أن وصول الطعام إلى صناديق القمامة وتحلله حيوياً ينتج كمية غازات دفيئة أكثر.
ما هي أسباب فقد وهدر الغذاء؟
وجدت الأبحاث أن الأسباب الرئيسة لفقد الغذاء هي:
ضعف البنية التحتية والسياسات التنظيمية
الممارسات السيئة في الزراعة وما بعد الحصاد
المشاكل المترتبة خلال نقل الغذاء وتوزيعه.
أما على مستوى المستهلك، فيعتبر هدر الغذاء مشكلة سلوكية مستمدة من عاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا وسلوكياتنا، إذ تهدر كميات ضخمة أثناء الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية واللقاءات الأسرية وفي المطاعم والفنادق. يسهم الافتقار إلى الوعي، واعتماد أساليب تسوق سيئة ومفرطة، وعدم التخطيط للوجبات إلى زيادة الهدر.
كيف يمكننا التقليل والحدّ من النفايات الغذائية؟
يعتبر هدر الطعام من أكبر المشكلات والتحديات البيئية في حياتنا، ويجب القضاء عليها بأي ثمن فإذا قمنا بتثقيف أنفسنا بشكل صحيح حول هدر الطعام، فسنرى أن اتخاذ الخطوات لتقليلها يمكن أن يكون وسيلة ممتازة لخفض التكاليف، وتوليد الأرباح، والتخفيف من تغير المناخ. تشير التقديرات إلى أن نفايات الطعام تمثل ثلث إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان وتولد 8 ٪ من غازات الاحتباس الحراري سنويًا. ومكافحة الإهدار من شأنها أن "تقلص انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وتخفف من تدهور الطبيعة، وتعزز توفير الطعام وتقلل من الجوع وتوفر المال في ظروف الركود الاقتصادي".
تتعدد الوسائل المساعدة للتخفيف من مشكلة هدر الغذاء، وتنقسم إلى معالجات حكومية وفردية، ولعلّ أبرزها:
التسوّق بذكاء وحكمة من خلال وضع قائمة تسوّق مفصلة بالمكونات المطلوبة وتجنب الإفراط في الشراء مثل شراء المواد الغذائية وخاصة الفاكهة والخضراوات بكميات قليلة وبناءً على حاجتك فقط.
شراء ما تريد بالفعل وبكميات محددة.
استخدام الكميات بالشكل الأمثل وتناول ما يتبقى منها أيضا.
نحتاج إلى تغيير عاداتنا بطرق تقلل بشكل كبير من كمية الطعام التي نهدرها مثل تفقد المواد الغذائية الموجودة في الثلاجة/المجمّد، وسلة الفاكهة الخاصة بك يومياً، وتأكد من المواد القابلة للتعفن وانتهاء الصلاحية. وقم باستخدامها أو التبرع بها قبل أن تصبح من النفايات.
يمكننا تنظيم ثلاجتنا بطريقة تضمن أن الطعام الذي سينفجر أولاً يكون مرئيًا بوضوح لنا عندما نفتح الثلاجة، يمكننا الاحتفاظ بقائمة بالأطعمة التي اشتريناها في متناول اليد.
وضع سياسات دولية لتفادي مشاكل الزراعة والحصاد.
اعتماد أساليب متطورة لنقل الغذاء وتوزيعه.
مراقبة تاريخ انتهاء صلاحية الغذاء ووضع الأطعمة الجديدة في الخلف والقديمة في الأمام.
تخزين الغذاء بطريقة آمنة وفي الأماكن الصحيحة، فالأكياس أو العلب التي تحتوي على الغذاء المخزّن، يجب أن تكون محكمة الغلق. وكذلك، للغذاء المبرّد والمثلّج، يجب التأكد من برودة الثلاجة على الدوام.
عدم التخلّص من بقايا الأطعمة فيمكن استخدامها في عمل وجبات جديدة، أو الالتزام بتخزينها بطريقة ملائمة من أجل إعادة استعمالها في وقت لاحق.
عدم الإكثار من كمية الغذاء في الطبق، فعلى الشخص وضع الكمية التي يحتاجها دون زيادة، فهذا يُساهم بضبط السعرات الحرارية المستهلكة ويحدّ من كمية الأطعمة التي يتم هدرها.
تجنّب طهي أكثر من وجبة في الوقت نفسه والتركيز على خيار واحد لعدم التخلص من فائض الغذاء.
التبرع بالغذاء لبنوك الأطعمة لمساعدة الأشخاص الأكثر حاجة وبالتالي تفادي الهدر.
نحن بحاجة لاتباع أجدادنا في أسلوبهم في “شراء الأقل وتناول بقايا الطعام”، والذي أصبح موضة قديمة بحسب ما يعرف بعادات العصر الحديث.