التلوث الدوائي
أ.د/ محمد بركة
أستاذ الكيمياء الدوائية - كلية الصيدلة جامعة الزقازيق وعميد الكلية الأسبق
ما هو التلوث الدوائي؟
التلوث الدوائي هو تلوث البيئة بالعقاقير الدوائية و نواتج الأيض التي تصل إلى البيئة المائية (المياه الجوفية والأنهار والبحيرات والمحيطات) من خلال مياه الصرف الصحي، لذلك فإن التلوث الدوائي هو في الأساس شكل من أشكال تلوث المياه. إن وجود المستحضرات الدوائية في البيئة هو مصدر قلق عالمي متزايد، حيث أن الأدوية المتاحة للاستخدام البشري أو الأدوية البيطرية بالإضافة إلى الملوثات الكيميائية الأخرى مثل المبيدات الحشرية أو المبيدات الحيوية أو المواد الكيميائية الصناعية و التخلص غير السليم من الأدوية غير المستخدمة هي المصادر الرئيسية للتلوث . وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 50٪ من الأدوية التي يتم شراؤها عالميًا لا يتم استخدامها أو التخلص منها بشكل صحيح، مما يؤدي إلى تلوث أنظمة المياه العامة
ما هي أضرار التلوث الدوائي؟
الضرر على البيئة
أصبح من الواضح بشكل متزايد أن بعض المنتجات الطبية ولا سيما مضادات الطفيليات ومضادات الفطريات والمضادات الحيوية و هرمون الاستروجين والتي يمكن أن يكون لها تأثيرات سامة بيئية، حيث تشكل مخاطر بيئية في حالات محددة، على سبيل المثال انخفض عدد النسور في شبه القارة الهندية بسبب التسمم بالديكلوفيناك وهو مسكن للألم والذي كان موجودًا في الجثث التي كانت النسور تتغذى عليها و زيادة معدل الوفيات لدى الحيوانات المائية الحية وحصول تغيرات في وظائف الأعضاء أو السلوك أو التكاثر حدوث طفرات في الحيوانات وتحفيز البكتيريا على تطوير مقاومتها للمضادات الحيوية
الضرر على المياه
بصرف النظر عن التخلص من الأدوية في المرحاض ينتهي الأمر بالمواد الكيميائية أيضًا في الممرات المائية من منشآت تصنيع الأدوية، ، كما أن مصادر المياه في بعض انحاء العالم تحتوي على مستويات عالية جدًا من بقايا مضادات الفطريات والمضادات الحيوية، وجد الباحثون أيضًا أن المستويات العالية من البكتيريا والفطريات قد كونت مقاومة لهذه المواد الكيميائية التي من المفترض أن تقتلها، عندما تصبح الأدوية المضادة للميكروبات غير فعالة ستزيد من مخاوف الصحة العامة
حلول التلوث الدوائي ؟
التخلص من المستحضرات الدوائية بشكل صحيح
الحل الأسهل والأرخص والأكثر فعالية للتلوث الدوائي هو منع الأدوية من الوصول إلى الممرات المائية في المقام الأول، حيث يجب أن نستثمر في تثقيف الجمهور حول التخلص المناسب من الدواء ، بهذه الطريقة سيعرف الناس كيفية التخلص من الأدوية القديمة أو منتهية الصلاحية بشكل صحيح دون المساهمة في التلوث الدوائى، يمكن للوعي أيضًا أن يخلق مبادرات تخفف من الآثار التي تسببها المستحضرات الصيدلانية بالفعل على البيئة
التحطيم أفضل من التنظيف
يؤدي إلقاء الأدوية غير المستخدمة في القمامة إلى حرقها أو دفنها في مدافن النفايات، إنها طريقة أفضل للتخلص منها بدلاً من صبها في المصرف، للتخلص منها يجب القيام بذلك بشكل صحيح. وذلك ممكن خلال إخراجها من عبواتها وسحقها و خلط الأدوية مع فضلات القطط أو القهوة المستعملة وضع الخليط في حاوية لها غطاء، للتخلص منها بعد ذلك، ضع هذه العلب في كيس مع الخليط، واغلاقه جيدًا، ثم وضعه في سلة المهملات من المأمول أن تُحافظ هذه الخطوات على فصل المواد الكيميائية عن البيئة المكشوفة وخصوصًا المسطحات المائية، لفترة كافية حتى تتحلل بشكل طبيعي وايضاً أنه يقلل من فرص تناول طفل أو حيوان للمحتويات
تحمض المحيطات
أثر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي لا يعرف عنه الكثير
أ.م/ مي أحمد السيد
على مر العقود، زادت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بسبب أنشطة الإنسان مثل احتراق الوقود الأحفوري والصناعة. هذا الارتفاع في ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى زيادة حموضة المحيطات حيث يمتص المحيط جزءًا كبيرًا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (حوالي 30%) الذي ينتجه الإنسان وتُعرف هذه العملية باسم تحمض المحيطات، مما يغير كيمياء المحيط بمعدل غير مسبوق. عندما يتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء، يتشكل حمض الكربونيك، وهذا يؤدي إلى زيادة درجة الحموضة في المحيطات.
تم امتصاص حوالي ثلث جميع الانبعاثات في السنوات الـ 200 الماضية بواسطة المحيط، مما تسبب في انخفاض متوسط الرقم الهيدروجيني (pH) لمياه سطح المحيط بنحو 0.1 وحدة - من 8.2 إلى 8.1.
منذ نهاية الثمانينات، أصبحت نسبة 95% من سطح المياه أكثر حموضة
تشير التقديرات إلي أنه بحلول نهاية القرن، سيكون هناك انخفاض إضافي بمقدار 0.2 - 0.3 وحدة.
تحمض المحيطات وهي مشكلة تتفاقم مع ارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي (بسبب الأنشطة البشرية مثل حرق الوقود الأحفوري) بنسبة 50% عن المعدلات التي كانت عليها ما قبل الثورة الصناعية.
لقد تسبب هذا التغيير بالفعل في حدوث تأثيرات محلية قصيرة المدى على النباتات والحيوانات في المحيطات. قد تكون العواقب النهائية طويلة الأجل للمحيطات الحمضية المتزايدة غير معروفة، لكن المخاطر المحتملة عالية. لذلك تحمض المحيطات تعتبر قضية بيئية هامة تتطلب اهتماماً ودراية من جانب الباحثين واتخاذ إجراءات لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
ما هو تحمض المحيطات؟
يمكن تعريف تحمض المحيطات على أنه التغيير في كيمياء المحيطات الناتج عن امتصاص المحيطات للمدخلات الكيميائية في الغلاف الجوي بما في ذلك الكربون والنيتروجين ومركبات الكبريت.
أسباب تحمض المحيطات:
تحمض المحيطات هو نتيجة لعمليات كيميائية تحدث في المياه البحرية نتيجة زيادة تركيز ثاني أكسيد في الغلاف الجوي. الأسباب الرئيسية لتحمض المحيطات تشمل:
1.عمليات حرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي تؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون إلى الجو. هذا الغاز يتفاعل مع الماء في المحيطات لتكوين حمض الكربونيك، مما يزيد من حموضة المياه.
2. تغيرات في التوازن الكيميائي: إلى جانب ثاني أكسيد الكربون، هناك مواد أخرى مثل أكاسيد النيتروجين والكبريت من مصادر مثل الصناعة وحرق الوقود الأحفوري والزراعة.
3. التوازن الكيميائي للمياه البحرية: المياه البحرية تحتوي عادة على نسبة معينة من الأيونات مثل الهيدروجين والهيدروكسيل. زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون تعمل على تحويل هذه الأيونات وتزيد من تركيز الأيونات الهيدروجين، مما يؤدي إلى تحمض المياه.
4. التأثيرات الطبيعية: بعض الظواهر الطبيعية مثل الثوران البركاني يمكن أن تسهم في تحمض المياه عن طريق إطلاق مواد كيميائية حمضية إلى الجو.
تحمض المحيطات يشكل تحديًا بيئيًا هامًا، حيث يؤثر على البيئة البحرية والكائنات البحرية بشكل كبير. يتطلب حل هذه المشكلة جهوداً دولية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والمحافظة
آثار تحمض المحيطات على المجتمعات الساحلية
يؤثر تحمض المحيطات على الوظيفة الأساسية للحياة البحرية والنظم البيئية. تظهر الأبحاث الحالية أن تحمض المحيطات سيكون له عواقب وخيمة على المجتمعات الساحلية ويمكن أن يؤدي إلى تغيرات هامة في الأنظمة البيولوجية والبيئية للمحيطات. إليك بعض المظاهر المهمة لتحمض المحيطات:
1. التأثير على الحياة البحرية: الكائنات البحرية مثل الرخويات والأصداف والأسماك تعتمد على توازن الحموضة لبناء وصيانة أقواسها الجيرية وزيادة حموضة المياه قد تؤدي إلى صعوبة في بناء هذه الهياكل، مما يؤثر على الحياة البحرية بشكل عام.
2. التأثير على الاقتصاد: الصيد والزراعة البحرية تشكل قطاعًا هامًا للاقتصاد في العديد من البلدان. تأثير التحول الحمضي على الحياة البحرية يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية سلبية، حيث قد تتضرر صناعات الأسماك والمراعي البحرية.
3. زيادة الاحترار: ترتبط زيادة حموضة المحيطات أحيانًا بتغيرات أخرى في البيئة البحرية، مثل ارتفاع درجة حرارة المياه. هذا يؤثر على التوازن البيئي ويمكن أن يسبب تغيرات في توزيع الكائنات البحرية.
4. التأثير على الكائنات البحرية الدقيقة: تأثير التحول الحمضي يمكن أن يمتد إلى الكائنات البحرية الدقيقة مثل الطحالب والدياتومات Diatomites . تلك الكائنات تشكل جزءًا هامًا من سلسلة الطعام البحرية وتلعب دورًا في توازن البيئة البحرية. التغيرات في حموضة المياه قد تؤثر على توزيع وتركيب هذه الكائنات وبالتالي يؤدي إلى تغيرات في التوازن البيئي وتدهور النظم البيئية البحرية.
5. التأثيرات على الشعاب المرجانية: تحمض المحيطات يمثل تهديدًا كبيرًا للشعاب المرجانية، وذلك لأن حموضة المياه تؤثر سلباً على تكوين واستقرار الكالسيوم في هياكل الشعاب المرجانية. إليك بعض التأثيرات الرئيسية:
تحمض المحيطات يؤدي إلى ذوبان الكالسيوم، الذي يعد مكوناً أساسياً في هياكل الشعاب المرجانية كما يؤثر على قدرة الشعاب المرجانية على التكاثر والنمو. قد يؤدي تحمض المحيطات إلى تغيرات في لون الشعاب المرجانية وهيكلها وفقدان الألوان الزاهية وتبييض الشعاب المرجانية، وهو ظاهرة تعرف باسم التبييض الكورالي، والتي تشير إلى تدهور صحة الشعاب.
تأثير تحمض المياه على الشعاب المرجانية ينعكس على الكائنات البحرية التي تعيش في هذا البيئة المعقدة. ففقدان الشعاب المرجانية يعني فقدان موئل حيوي للعديد من الأنواع البحرية، مما يؤثر على تنوع الكائنات البحرية وتوازن الأنظمة البيئية. تحمض المياه يزيد من التوترات البيئية التي تواجه الشعاب المرجانية، مثل التغيرات في درجة حرارة المياه والتلوث. هذا يجعل الشعاب المرجانية أكثر عرضة للتأثيرات البيئية السلبية.
6. التأثير على الطيور البحرية: لا تؤثر حموضة المياه فقط على الكائنات البحرية ذات الصدفات والهياكل الجيرية، بل قد تؤثر أيضًا على الطيور البحرية التي تعتمد على الموارد البحرية للعيش والتكاثر. على سبيل المثال، البطاريق والبجع تعتمد على الأسماك والكائنات البحرية الأخرى كمصدر غذاء، وتغيرات في توازن البيئة البحرية يمكن أن تؤثر على هذه الطيور.
7. التفاعلات كيميائية مع المعادن: تزيد حموضة المياه من إمكانية إذابة بعض المعادن في المياه، مما يزيد من تأثير التحول الحمضي على الكائنات البحرية التي تعتمد على هذه المعادن لبناء هياكلها.
8. التأثير على الاستخدامات البشرية للمحيطات: بالإضافة إلى الثغرات البيئية، يمكن أن تؤدي حموضة المحيطات إلى تأثيرات على استخدامات الإنسان للمحيطات. قد تؤدي تغيرات في البيئة البحرية إلى تأثيرات على الصيد والسياحة الساحلية.
فهم تأثير حموضة المحيطات من خلال اجراء العديد من الأبحاث حول العالم يلعب دورًا هامًا في تحديد كيف يمكن للمجتمع الدولي التصدي لتحديات تغير المناخ والحفاظ على البيئة البحرية من خلال التركيز على تكنولوجيا التخلص من ثاني أكسيد الكربون وتحسين استدامة الاقتصادات البحرية.
الحماية من تحمض المحيطات
الحماية من تحمض المحيطات تتطلب جهودًا متعددة على مستوى عالمي للتصدي لتغير المناخ وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. إليك بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها للحماية من تحمض المحيطات:
1. تقليل انبعاثات الكربون: يمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين كفاءة استهلاك الطاقة واعتماد مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح. كما يمكن تعزيز الابتكار التكنولوجي للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة.
2. تعزيز الحفاظ على الغابات: الغابات تلعب دورًا هامًا في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو. لذا، يجب الحفاظ على الغابات والتصدي لعمليات التصحر وزيادة مساحة الغابات.
3. تحسين إدارة المياه: الإجراءات التي تقلل من تلوث المياه تساهم في الحفاظ على توازن الأحماض والقلويات في المحيطات. تقليل تدفق الملوثات إلى المحيطات يقلل من تأثير تحمض المياه.
4. تعزيز الوعي البيئي: توعية الناس بأثر تحمض المحيطات وأسبابه يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في السلوكيات الشخصية والاستهلاكية، مما يؤدي إلى تقليل البصمة البيئية.
5. الاستثمار في الأبحاث والتقنيات البيئية: دعم الأبحاث حول تأثيرات تحمض المياه وتطوير تقنيات لتقليل حموضة المحيطات يساهم في العثور على حلول فعالة لهذه المشكلة.
6. تعزيز التعاون الدولي: تحقيق التقدم في مكافحة تحمض المحيطات يتطلب تعاونًا دوليًا فعّالًا لتطوير وتبادل الحلول والتكنولوجيات وتنسيق الجهود البيئية.
تحقيق التغيرات في هذه المجالات يتطلب التزامًا عالميًا وإجراءات فورية للحد من تأثيرات تحمض المحيطات والحفاظ على صحة البيئة البحرية.