التسمم بغاز أول أكسيد الكربون CO
" القاتل الصامت"
أ.د/ ليلي سابق
أستاذ السموم الاكلينيكية - قسم الطب الشرعى والسموم الاكلينيكية
كلية الطب البشرى جامعة الزقازيق
مقدمة
أول أكسيد الكربون غاز عديم اللون والطعم والرائحة لذلك يسمى القاتل الصامت Silent Killer. وينتج أول أكسيد الكربون عن الحرق غير التام للوقود، بما في ذلك الغاز أو الخشب أو الفحم. ويمكن أن تؤدي الأجهزة والمحركات غير المهواة بشكل جيد إلى تراكم الغاز بمستويات خطيرة. وتجعل الأماكن المغلقة بإحكام التراكم أسوأ. ويزداد التعرض للتسمم بأول أكسيد الكربون فى فصل الشتاء حيث يستخدم الناس أدوات التدفئة بكثرة مع إحكام إغلاق النوافذ والأبواب نظرا للبرد الشديد مما يؤدى الى زيادة مستوى أول أكسيد الكربون فى الدم مما يسبب التسمم وربما الوفاة أيضا.
يُصنَّف غاز أول أكسيد الكربون ضمن الغازات الخطِرة التي قد تكون سببًا في إلحاق الأضرار الصحيّة بالجسم، بل وحدوث الوفاة في بعض الحالات الشديدة، إذ يبلغ متوسط حالات التسمّم بأول أكسيد الكربون حوالي 137 حالة لكلّ مليون شخص عالميًّا، بينما يُقدّر معدّل الوفيات العالميّ الناجم عن التسمّم بأول أكسيد الكربون بحوالي 4.6 وفاة تقريبًا لكل مليون شخص.
أسباب التسمم بغاز أول أكسيد الكربون
تنتج العديد من المنتجات والمحركات التي تعمل بحرق الوقود أول أكسيد الكربون. وغالبًا لا تستدعي كمية أول أكسيد الكربون المنبعثة من هذه المصادر القلق في الأماكن التي يتدفق فيها الهواء جيدًا. لكن إذا استخدمت في مكان مغلق تمامًا أو جزئيًا، يمكن أن يشكل مستوى أول أكسيد الكربون خطرًا. ومن الأمثلة على ذلك استخدام شواية فحم في أماكن مغلقة أو تشغيل سيارة داخل جراج مغلق.
يمكن أن يسبب استنشاق الدخان الناتج عن الاحتراق الى زيادة أعداد الذين يتسممون بأول أكسيد الكربون.
يعدُّ الغازُ والنفط والفحم والخشب مصادرَ للوقود المستخدَم في العديد من الأجهزة المنزليَّة ومن أمثلة ذلك سَخَّانات الغاز خصوصا لو السخان فى الحمام وحدث انسداد جزئى فى الشعلة ينتج عنه احتراق غير تام للغاز وتولد أول أكسيد الكربون فى مكان مغلق وضيق إلى حد ما مع تصاعد أبخرة الماء الساخن أثناء الاستحمام، كل هذه العوامل تؤدى الى سرعة زيادة نسبة أول أكسيد الكربون فى الدم مع حدوث الاغماء متبوعا بالوفاة
تعدُّ الأجهزة غير المركَّبة بشكلٍ صحيح أو ضعيفة الصيانة أو قليلة التهوية، مثل الغلاَّيات وأدوات الطبخ وأنظمة التسخين المركزيَّة، أكثرَ الأسباب شيوعاً للتعرُّض غير المقصود لأوَّل أكسيد الكربون.
تشتمل الأسبابُ الأخرى المحتملة للتسمُّم بأوَّل أكسيد الكربون على:
المداخن المسدودة: حيث يعيق ذلك خروجَ أوَّل أكسيد الكربون، ممَّا يسمح بتراكمه وزيادة مستوياته بدرجةٍ خطيرة.
أبخرة الدهان: فبعضُ سوائل التنظيف ومزيلات الطلاء تحتوي على كلوريد الميثيلين methylene chloride (ثنائي كلور الميثان dichloromethane)، وهو ما يمكنه أن يسبِّبَ التسمُّمَ بأوَّل أكسيد الكربون عندَ استنشاقه.
تدخين الشيشة أو النرجيلة في الأماكن المغلقة: حيث يحترق فيها الفحمُ والتبغ، ممَّا قد يؤدِّي إلى تراكم أوَّل أكسيد الكربون في الغرف المغلقة أو غير المهوَّاة
طريقة التسمم بأول أكسيد الكربون
يتصاعد غاز أول أكسيد الكربون عديم اللون والرائحة مع أبخرة الاحتراق غير المُكتمل في المواقد، والمركبات، وسخّانات المياه، والأفران، وقد يحدث التسمّم بغاز أول أكسيد الكربون عند استنشاقه بكمياتٍ كبيرة في الأماكن سيّئة التهوية، وارتفاع مستوياته في الدم لدرجاتٍ عالية.
و نتيجة أن معدل ارتباط الهيموجلوبين بأول أكسيد الكربون يتراوح من 201 الى 240 مرة أكثر من ارتباطه بالأكسجين، يستبدل الجسم الأكسجين الموجود في خلايا الدم الحمراء ويحل محله أول أكسيد الكربون مكونا Carboxyhemoglobin) (بالتالى الدم الذى يصل للخلايا يكون محمل بأول أكسيد الكربون وليس الأكسجين. فتتعرض الأنسجة لنقص حاد فى الاكسجين مما يؤدي ذلك إلى تلف خطير بالأنسجة، و الوفاة.
أعراض التسمم بغاز أول أكسيد الكربون
وقد يؤدي استمرار التعرض له لفترات زمنية طويلة بكميات قليلة إلى أعراض تشبه الأنفلونزا لكن دون ارتفاع فى درجة الحرارة مما قد يؤدى الى فشل فى تشخيص حالة التسمم فى بدايتها وبزيادة كميات التعرض تظهر ااعراض واضحة مثل:
الصداع، الضعف، الدوخة، الغثيان أو القيء، ضيق في التنفس، التشوش الذهني، تشوش الرؤية، النعاس، الإحساس بالدوار
عدم الثبات في الحركة أثناء المشي، فقدان القدرة على التحكم في العضلات، فقدان الوعي
ويعد فقدان القدرة على التحكم فى العضلات متبوعا بفقدان الوعى احد الاسباب الرئيسية المسببة للوفاة حيث يفقد المريض القدرة على التحرك خارج المكان المغلق متبوعا بفقدان الوعى. مما يساعد على استنشاق كميات اكثر من الغاز مسببا تلف فى اعضاء الجسم المختلفة واهمها الدماغ والقلب.
قد يكون التسمم بأول أكسيد الكربون خطيرًا وبالأخص مع الأشخاص النائمين أو السكارى. وقد يؤدي إلى الإصابة بتلف في الدماغ أو الوفاة قبل أن يلاحظ أي شخص أن هناك مشكلة قد حدثت.
مجموعة الناس الاكثر خطورة أثناء التعرض Risk group
يمكن أن يشكّل استنشاق أول أكسيد الكربون خطرًا بوجه خاص على:
الأجنة: تمتص خلايا الدم لدى الأجنة أول أكسيد الكربون بسهولة أكبر من امتصاص البالغين له.
الرُّضَّع والأطفال: يتنفس الأطفال الصغار بمعدل أكبر من البالغين.
البالغون الأكبر سنًا: قد يكون كبار السن المصابون بتسمم بأول أكسيد الكربون أكثر عرضة للإصابة بتلف في الدماغ.
التعامل مع حالة التسمم بأول أكسيد الكربون
لابدَّ من زيارة الطبيب عندَ الاشتباه بالتعرُّض إلى مستوياتٍ منخفضة من أوَّل أكسيد الكربون؛ بينما يجب مراجعةُ أقرب قسم للطوارئ وأقسام السموم فى المستشفيات عندَ الاشتباه بالتعرُّض إلى مستوياتٍ مرتفعة منه.
التشخيص
يقيم الطبيب المختص أعراض المريض، وقد يطلب بعد ذلك إجراء فحص دم للكشف عن ارتفاع مستويات الكربوكسي هيموجلوبين.
وتختلف نتائج هذا الفحص بحسب التالي:
بالنسبة لغير المدخنين فإن نسبة كربوكسي هيموجلوبين التي تكون حوالي 3-4% تعتبر خارج النطاق الطبيعي
تكون النسبة خارج النطاق الطبيعي هي 10% عند المدخنين
يشير تجاوز النسبة 20% عند البالغين و15% عند الأطفال إلى التعرض الشديد لأول أكسيد الكربون.
قد يطلب الطبيب إجراء تخطيط القلب الكهربائي (ECG) للتحقق من حدوث (نقص في إمداد القلب بالدم) وعدم انتظام ضربات القلب وتقييم وظائف القلب بشكل عام.
التعامل مع حالة التسمم بأول أكسيد الكربون
لابدَّ من زيارة الطبيب عندَ الاشتباه بالتعرُّض إلى مستوياتٍ منخفضة من أوَّل أكسيد الكربون؛ بينما يجب مراجعةُ أقرب قسم للطوارئ واقسام السموم فى المستشفيات عندَ الاشتباه بالتعرُّض إلى مستوياتٍ
العلاج من التسمم بأول أكسيد الكربون
تتمثل الخطوة الأولى في العلاج من التسمم بأول أكسيد الكربون هو في الابتعاد عن المصدر المحتمل للغاز والاتصال بالطوارئ، وهناك يتمكن الطبيب من تقييم الأعراض بدقة.
وفي حال كانت الأعراض شديدة فقد يحتاج المريض إلى دخول المستشفى؛ وامداده بالأكسجين بنسبة 100% عبر قناع خاص.
حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تسريع إنتاج الأوكسي هيموجلوبين (الهيموجلوبين الحامل للأوكسيجين)، مما يساعد على استبدال الكربوكسي هيموجلوبين (الحامل لأول أكسيد الكربون).
في حال الشك في حدوث تسمم في الأعصاب أو إذا كان التعرض لأول أكسيد الكربون شديداً من الممكن أن يوصي الطبيب بالعلاج بالأوكسجين عالي الضغط "Hyperbaric Oxygen Therapy"
والذي يغمر الدم بالأوكسجين النقي للتعويض عن نقص الأوكسجين نتيجة التسمم بغاز أول أكسيد الكربون.
وقد يكون هذا العلاج ضرورياً في حال:
فقدان أو نقص إمداد الأوكسجين ,الغيبوبة ,عند الأشخاص الذين لديهم سوابق لفقدان الوعي,
وجود قراءات غير عادية في تخطيط القلب, قلة نشاط الدماغ, عند الحوامل
*يهدف الطبيب ومقدّمي الرعاية الصحيّة عند استخدامهم العلاج بالأكسجين المضغوط إلى توفير ما نسبته 100% من الأكسجين للمصاب بتسمّم أول أكسيد الكربون تحت تأثير ضغط جوي يعادل 2.4-3 وحدة ضغط جوي، ولمدّة تتراوح بين 60-120 دقيقة في الجلسة العلاجيّة الواحدة، كل ذلك بهدف زيادة سرعة التخلص من أول أكسيد الكربون وتخفيف مشكلات نقص الاكسجين ، وقد يستدعي الأمر تكرار العلاج مراتٍ عِدّة في الحالات الشديدة من التسمّم بغاز أول أكسيد الكربون، أو في الحالات التي تظهر أعراضها مزمنة، كما يعتمد بعض المعالجين ارتفاع درجة حموضة الدم والجسم لتوقّع الحاجة لإعادة العلاج مرّةً أُخرى. غالبًا ما يُحقّق العلاج فائدةً أكبر عند استخدامه خلال 6 ساعات الأُولى من التعرّض للتسمّم، وقد يُرسَل المُصاب إلى المنزل بعد تلقّيه العلاج الطبّي الملائم مع ضرورة مراقبة وضعه الصّحي وملاحظة ظهور أيّة أعراض عصبيّة تستدعي عودته إلى المستشفى مرّة أُخرى، أمّا في حال كان التسمّم بأول أكسيد الكربون ناجمًا عن محاولة الانتحار، فيجب إحالة المصاب إلى قسم الرعاية النفسيّة ، وعدم السماح بخروجه من المستشفى دون موافقة المختصّين.
*يحتاج الأمرُ إلى استقصاء المنزل لضمان سلامته وسلامة الاجهزة قبلَ العودة إليه.
أعراض بعد العلاج
مكن أن تظهر أعراض متعلقة بالجهاز العصبي والدماغ بعد التعافي من التسمم بأول أكسيد الكربون. ويزداد احتمال حدوث ذلك لدى الأشخاص الذين أصيبوا بفقدان الوعي بسبب أول أكسيد الكربون ولدى كبار السن. وقد تتضمن الأعراض ما يلي:
فقدان الذاكرة.
تغيرات في الشخصية.
مشكلات في الحركة.
قد يكون التسمم بأول أكسيد الكربون خطيرًا وبالأخص مع الأشخاص النائمين أو السكارى. وقد يؤدي إلى الإصابة بتلف في الدماغ أو الوفاة قبل أن يلاحظ أي شخص أن هناك مشكلة قد حدثت الوقاية
الوقاية من التسمم بأول أكسيد الكربون
يمكن الوقاية من التسمم بأول أكسيد الكربون باتباع التعليمات التالية:
تثبيت كاشف أول أكسيد الكربون في المنزل، مع فحص بطارية الكاشف كل فترة، واستبدال الكاشف كل خمس سنوات.
فحص نظام التدفئة وسخان المياه وأي أجهزة أخرى تعمل بالغاز أو الزيت أو الفحم من قِبل فني مؤهل في كل عام.
الاتصال بفريق الصيانة عند شم رائحة صادرة من البراد الغازي.
التأكد من التهوية بالقرب من الأجهزة التي تعمل على الغاز.
فحص المدخنة أو تنظيفها كل عام.
تجنب إغلاق أنبوب التهوية بشريط لاصق أو أي شيء آخر، مما قد يسبب تراكم أول أكسيد الكربون في المنزل أو العربة.
عدم استخدام موقد الغاز أو الفرن للتدفئة.
تجنب حرق الفحم في داخل المنزل أو في مكان مغلق في حال عم وجود تهوية كافية.
تجنب استخدام موقد الغاز المحمول في الداخل.
عدم استخدام مولد الكهرباء أو أي جهاز يعمل بالبنزين داخل المنزل أو القبو أو الجراج، والحرص على وضعه على مسافة 6 أمتار على الأقل من نافذة أو باب أو فتحة تهوية.
فحص العادم في السيارة أو الشاحنة كل عام.
عدم تشغيل السيارة أو الشاحنة داخل جراج متصل بالمنزل.
في حال قيادة سيارة بباب خلفي، يجب فتح النوافذ عند فتح الباب الخلفي كي يمر الهواء عبرها؛ حيث يتم سحب أول أكسيد الكربون من العادم إلى داخل السيارة إذا كان الباب الخلفي فقط مفتوحاً.
المراجع
رسالة ماجيستير:آيه فتحى السيد محمد الجزار، ليلى محمد الهادى سابق، جيهان ذكى، منار على. Evaluation of Various Scoring Systems and Chemical Biomarkers in Prediction of Outcome of Acute Carbon Monoxide Toxicity Cases. تقييم الأجهزه القياسيه المختلفه والدلالات الحيويه الكيميائية فى التنبؤ بحالات التسمم الحاد بأول أكسيد الكربون
1-Hampson NB. Carboxyhemoglobin: a primer for clinicians. Undersea Hyperb Med. 2018 Mar-Apr;45(2):165-171.
2-Otterness K, Ahn C. Emergency department management of smoke inhalation injury in adults. Emerg Med Pract. 2018 Mar;20(3):1-24.
3-Buboltz JB, Robins M. StatPearls [Internet]. StatPearls Publishing; Treasure Island (FL): Jan 8, 2023. Hyperbaric Treatment of Carbon Monoxide Toxicity.