قلم : أ. تهاني جواد الرمضان

شهر الخير لا يذهب بالخير

رمضان الكريم، الشهر الوحيد الذي اختصه الله بنعمة الصيام. أجل نعمة إلزامية لأن الصيام علاج ووقاية وراحة وسكينة لهذا البدن الذي لا يلبث مجترا لشتى أنواع الطعام والسموم. نصوم فنجوع فنلجأ لملأ الفراغ، بعضنا بالعبادة، بعضنا بالقراءة، بعضنا بالاستذكار وبعضنا بلهو الحديث والهرج والمرج. وكلنا له في صيامه عبرة هو معتبر بها وليس تلك المنصوص عليها، فتلك للمؤمنين المتدبرين الذي يقضون الدهر بصيام النفس عن المحارم فأولئك لا تزيدهم كثرة صيام البدن ورعا لأنهم في صيام دااائم عن أبدانهم

هذا الشهر المقبل بخير الله في التوبة والغفران وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، هو الشهر الذي يمحقه العباد بتحويله من قَدْر إلى قِدْر. فالقدور لا تكاد تهدأ فوق الأفران، والصواني أشكال وألوان كل ذلك لأننا صمنا بضع ساعات. لا أعلم لو كانوا صاموا مثل بقية المسلمين في أنحاء الأرض التي يطول فيها الصيام في البرد القارس، أي كارثة طعامية ستحل بنا؟ ولا أعلم لو كان أحدنا جرب مجاعة الصومال لأسبوع زمان ماالذي سينزل بنا؟

يقال أن أحد سلاطين إيران القديمة قدم في زواج إبنته طعاما من كل أصناف الدنيا، ولما انتهى العرس وزعوا بقية الطعام على نواحي المدينة واستمر توزيعه سبعة أيام ولم ينته الطعام في القصر، ثم أمروا به للقمامة في خارج المدينة مما أدى لإنتشار الأوبئة في تلك الناحية

بصراحة لا أجد فرقا بين مايجري في معظم بيوتنا وما جرى في قصر السلطان الإيراني! غير أننا لدينا ثلاجات نخزن بها ماتبقى كي تمتلأ بطوننا كلما مررنا بالثلاجة وكي نكدس المكان وكي نملأ القمامة به بعد أيام لأن ماتبقى يفيض على حاجتنا للتذوق كل ساعة

ولأننا دائما في حالة إستنفار رمضاني نحو الطعام فإن التجار يصيبهم داء الكَلب في أكل مال البشر، ولا ملامة فنحن من أبحنا أنفسنا لهم. الأسعار ترتفع بشكل جنوني بحيث تتسع المجمعات والبقالات فقط لطويل العمر وكبير الكرش أما المسكين الذي راتبه لا يكفي حتى لشراء قطعتي لحم وبضعة أكياس طحين، فليس من الضروري أن يأكل كما نأكل؟ يكتفي بحسنات الجيران

هنا لسنا ندعو للصيام والكفاف والتورع عن الطعام، بل ندعوا أن نكون كبقية العالم الإسلامي لا يختلف رمضانهم عن بقية أيامهم حيث يخرج أهل الدار لشراء حاجات فطورهم قبل إعداده وبذلك لا تتكدس الأشياء ولا تكون عرضة للتلف في جو سيئ كجونا ولا ندع للتجار حجة في رفع الأسعار بهذه الطريقة المستعرة. ثم أننا سننتبه حينها إلى أننا لسنا جمال نجتر ولا ديناصورات لنأكل ما قد يكفي لإطعام مدينة بأسرها. كلما كانت مقاضينا يومية ندرك كمية الطعام المستهلكة بصورة أكبر لأننا حينها سوف نتكاسل عن العودة للسوق ونكتفي بما جلبناه وتقنع أعيننا وفعلا نجد أننا لسنا بحاجة لأكثر من ذلك. أضف إلى ذلك أن هدف الصيام هو التخفيف وإراحة المعدة لمدة شهر علّ الكروش تنزل قليلا ونعود لجميل الثياب. أما حكاية إتخام المعدة بأصناف الشحوم واللحوم و الحلويات فأنا أجزم لكم بأن صيامكم وعدمه واحد لأن الهدف منه لم يتحقق لا روحا ولا جسدا

يا أحبة الخير لم يفت الوقت ولا زلنا في الدنيا بخير، لا نعلم ما هو جار علينا بعد اليوم، فلنتق الله في نعمه: مقاضينا إن كنا بخير فلتكن لنا ولجارنا أو قريبنا المحتاج فإطعاما الطعام من أكثر الأعمال التي يثاب عليها الإنسان لأنه إذا اشتد عوده وتقوى بها على طاعة الله يشاركه المطعم في الثواب

يا أحبة الخير فلنبدأ سنة جديدة بنفوس جديدة في رمضان، فقد ولد فيه سيد شباب أهل الجنة كريم أهل البيت، ورحل فيه سيدنا و مولانا أمير المؤمنين مُطعم الفقراء والمساكين. رمضان ليس للقرآن وصلاة الليل وأدعية ليلة القدر فحسب، إنه للوصل، للتسامح، لتحرير النفس من الشهوات، للعطاء، للسكنى إلى الأهل، للسعي في حوائج الناس، للانتباه أن أجسادنا تحملنا على الخير فلنجملها فالله عز وجل جميل يحب الجمال. أجل سنلبس الجديد ونفرح ونوزع السكاكر على أطفال الحي ونغني لكريمنا الحسن في مولده. ثم سنلبس السواد على مولانا علي كي نعرف أن الدنيا كانت لهم بمجامع العلم والنور وإن لم تكن لهم بزخرفها وزبرجها فالفقر أجل يمحق النفس ولكنه يربيها ويعلمها إذا كان في بيت كبيت علي وكلي أمل بأن بيوتنا كلها بيوت علي

سلمكم الله فيه وسلمكم له وأعادكم على أمثاله لا فاقدين ولا مفقودين

إعداد وتصميم : سعيد الرمضان