العراق شعب أنهكه فساد الحكومة

بين أزمات اقتصادية وخدمية ومجتمعية وأمنية، تتجدد معاناة العراقيين المستمرة منذ خمسة عشر عاماً.

وفي الوقت الذي يزداد السخط الشعبي على الحكومة ارتفاعاً؛ متجسداً بتظاهرات واحتجاجات مستمرة، تواصل الأحزاب الكبيرة المسيطرة على المؤسسات الحكومية التي تدير البلاد التحضير للانتخابات النيابية المقبلة.

الفوز بأكبر عدد ممكن من المقاعد في الانتخابات، غاية جميع الأحزاب الكبيرة؛ إذ تمكنها من انتزاع أكبر عدد من المناصب في الوزارات.

بالمقابل فإن التسقيط السياسي، والرفض الشعبي، هو الأكبر في الفترة الدعائية الحالية مقارنة بالفترات الدعائية للانتخابات النيابية الثلاث السابقة، التي جرت عقب غزو البلاد في 2003.

- ميزانيات انفجارية وفقر مدقع!

العراقيون الذين يطلقون على ميزانيات البلاد في الأعوام التي تلت غزو البلاد بأنها "انفجارية"؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط؛ أهمِّ موارد العراق، تعيش طبقة واسعة منهم تحت خط الفقر.

فوفقاً لتقارير حكومية رسمية يعيش نحو 30% من العراقيين تحت خط الفقر.

أما البطالة فقد شهدت مستويات لم يسبق لها مثيل، بوصولها إلى أكثر من 50% في بعض المدن، فضلاً عن البطالة المقنعة التي تلتهم جزءاً كبيراً من ميزانية الدولة.

ملفات الفساد التي كشفها سياسيون وتناولتها تقارير دولية، أبقت على فتيل غضب الشارع مشتعلاً؛ وهو ما تؤكده احتجاجات مستمرة، تندلع باستمرار في بغداد ومختلف المحافظات.

وعلى الرغم من تضارب الأرقام حول الفساد المالي، تتفق جميعها أن السرقات التي طالت موازنات البلاد، منذ 2003 حتى اليوم، فاق ألف مليار دولار، وتتهم الحكومة بالوقوف خلف هذا الفساد.

وفي سابقة غير معهودة، احتل العراق في السنوات الأخيرة المركز الأول بين الدول الأكثر فساداً في العالم، بحسب مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية.

أما العاصمة بغداد ففضلاً عن أنها لم تدخل المنافسة في تصنيف أفضل مدينة للعيش، الذي تصدره مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، فإنها لم ترتق للمدن التي تعتبر أسوأ المدن للعيش.

فبحسب المجلة البريطانية فإن عدداً من العواصم، كبغداد وكابل، لم يتم إدراجها ضمن التصنيف؛ نظراً لأن المسح المستخدم في الدراسة صمم ليشمل المدن التي يمكن زيارتها والعيش فيها.

- الطائفية تقسم المدن

وفضلاً عن التفجيرات الإرهابية التي نُفذت من قبل جهات مسلحة استهدفت المناطق المدنية ومواقع لقوات أمنية، شهدت بغداد والكثير من المحافظات العراقية الأخرى، أعمالاً طائفية، أخطرها كان بين أعوام 2005 - 2009.

وأدت الأعمال الطائفية، كالخطف والقتل، إلى تقسيم الأحياء فيها حسب الطائفة، ما أدى إلى موجة نزوح وهجرة داخلية وخارجية واسعة، تكونت على إثرها تغييرات ديموغرافية.

الطائفية سبقها ظهور تنظيم القاعدة، الذي أسس لانطلاق العنف في البلاد، حيث كان بالإضافة إلى قتاله القوات الدولية التي احتلت العراق، بقيادة الولايات المتحدة، يستهدف المنتمين لصفوف القوات الأمنية.

والأكثر بطشاً وعنفاً دموياً ظهر على يد تنظيم الدولة، الذي سيطر على نحو ثلث مساحة العراق، منذ يونيو 2014، وتسبب بأعمال عنف وتفجيرات وإعدامات وتشريد لسكان المناطق التي سيطر عليها، ما زاد من معاناة السكان.

- 3 ملايين يسكنون في العشوائيات

الفقر في العراق توزع على جميع المحافظات، وهو ما تؤكده آخر إحصائيات وزارة التخطيط العراقية عن العشوائيات في عموم مدن البلاد، صدرت مطلع العام الجاري.

واحتلت بغداد المركز الأول بنسبة تجاوزت ألف منطقة عشوائية، تليها البصرة (جنوب) بـ 677، وكركوك (شمال) بنسبة أقل من 500 عشوائية.

ويقصد بالعشوائيات المنازل التي شيّدها فقراء على أراض مملوكة للدولة، كمزارع أو بساتين أو مساحات سكنية فارغة، أو مبان مشيدة غير مكتملة، أو مقرات ومجمعات تابعة لمؤسسات النظام العراقي السابق، كالجيش والأمن العام والمخابرات وحزب البعث.

وبحسب الإحصائية، يقدر عدد سكان العشوائيات في عموم العراق بنحو ثلاثة ملايين شخص، يشيدون مساكن لهم تبلغ نحو نصف مليون مسكن، وأغلبها فوق أراضٍ تعود ملكيتها للدولة بنسبة 88% مقابل 12% للقطاع الخاص.

- تراجع في التعليم والصحة

العراق وبسبب الأوضاع الأمنية التي عاشها، وسوء إدارة مؤسساته، شهد تراجعاً كبيراً في التعليم والصحة.

دليل هذا افتقار العراق بعد 2003 إلى معايير جودة التعليم العالمي، وهو ما أكده عدم تأهله للدخول ضمن إطار تقييم مؤشر جودة التعليم العالمي لعامي 2016 و2017، الذي اشتمل على 140 دولة في جميع أنحاء العالم.

اقرأ أيضاً :

للتخلص من ملفات الفساد.. أحزاب متنفذة وراء حرائق بمؤسسات عراقية

ويأتي تقييم المؤشر لجودة التعليم وترتيب الدول فيه استناداً إلى مؤشر التنافسية العالمي، الذي حدده المنتدى الاقتصادي العالمي، ويجري احتساب درجات المؤشر عن طريق جمع البيانات العامة والخاصة المتعلقة بنحو (12) فئة أساسية.

وتتمثل هذه الفئات بـ: المؤسسات، والابتكار، وبيئة الاقتصاد الكلي، والصحة والتعليم الأساسي، والتعليم الجامعي والتدريب، وكفاءة أسواق السلع، وكفاءة سوق العمل، وتطوير سوق المال، والجاهزية التكنولوجية، وحجم السوق، وتطور الأعمال والابتكار، وهذه المجالات كلها متدهورة في العراق إلى حد فاق الوصف، بحسب تقييمات مختصين.

قطاع الصحة هو الآخر يعاني تدهوراً خطيراً، فحسب تقارير الرقابة المالية، عن عام 2017، فإن أغلب المستشفيات تشهد تلوثاً خطيراً، خاصة في صالات العمليات.

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، بدوره، أكد في تقرير له أن العراق يعاني من ضعف البنية التحتية للمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية.

وبالنظر إلى القطاعات الأخرى، كالزراعة والصناعة والتجارة، فإن التدهور لا يقل شأناً عن التربية والتعليم والصحة، فضلاً عن الخدمات البلدية، والكهرباء والماء، التي يؤكد العراقيون من خلال تظاهرات مستمرة ونقاشات عبر وسائل الإعلام أنها ساءت بشكل كبير بعد 2003.

- متهمون بالفساد يحشدون للفوز بالانتخابات!

ويعزو السياسيون، قَبل المواطنين، سبب تدهور الخدمات في العراق إلى الفساد الحكومي المستشري داخل المؤسسات الحكومية، وتقوده الأحزاب التي تسيطر على هذه المؤسسات نتيجة فوزها بالانتخابات.

وللمرة الخامسة عشرة يطل الشهر الفضيل في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، يعيشها العراقيون، بينما يختلف من ناحية أمنية عن رمضانات تلت 2003؛ إذ عرفت البلاد تحسناً في مستوى الأمن مؤخراً، خاصة بعد إعلان بغداد تحرير جميع المناطق من سيطرة تنظيم الدولة.

وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي أعلن، في ديسمبر 2017، تحرير كامل الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم الدولة.

الحاج علي الفهد العبادي