دانية محمد

كيف سيكون العالم مكانا أفضل؟

كنت أنتظر قدوم جدّتي بفارغ الصّبر، جدّتي الّتي كانت تزورنا مرّة كلّ أسبوع، بالنسبة الي هي الأمان والحنان ومصدر السّعادة الذي لا ينتهي. كنت أحرص ألا أنشغل بهذا اليوم وألا أخرج لأي مكان لكي أقضي وقتًا أكبر مع جدّتي. حضّرت أمي أطيب الأكلات وساعدتها في ترتيب البيت لكنّني بين الحين والأخر كنت اتفقّد محمولي كذلك أمي انتبهت أن محمولها لا يفارق أناملها فهي تنظر اليه باستمرار فتارة تتبسّم وتارة يتجهّم وجهها

وصلت جدّتي أخيرًا وهذه المرّة حضّرت لي مفاجأة رائعة فقد أحضرت معها خيوط صوفيّة ملونة بألوان مختلفة كذلك صنارة تغزل بها، كان هذا من أجل تعليمي على الحياكة والغزل لأننا بالمدرسة لا نتعلّم هذه الأمور. في البداية تلهفت وأحببت الفكرة لكن سرعان ما شعرت بالملل وبالاشتياق لمحمولي الذّي تركته لمدة ساعة متواصلة دون أن أتفقده

جلسنا مع جدّتي أنا وأمي لكننا وكل منّأ كانت تحمل محمولها وتتفقده بين الحين والأخر، جدّتي تحاول جاهدة تعليمنا الغزل ونحن مستغرقتان في عالمنا الخاص، أمي والفيسبوك أنا ولعبة الببجي جدّتي وصنّارتها ونظراتها الممزوجة بالحزن والأسى. فأطرقت قليلا وقالت

لن يكون العالم مكانّا أفضل طالما نتردّى بهذا الشكل منغمسين في هذا العالم الوهميّ ، فقد رمى ذلك العنكبوت شبكته ليصطاد عقول الكبار والصّغار ويحجب الواقع والتّقدّم عنهم. ضاعت عقول الشّباب والشّابات حتى أولئك الأطفال أجدهم مع محمول كهذا يتحدّثون بلغة غريبة انعكست على تصرفاتهم وملامحهم واستهترنا بتقاليدنا وعاداتنا لنتقمّص شخصيّة جديدة لا تمتّ العروبة بصلة

في الواقع، قضاء الوقت لساعات كثيرة باستخدام المحمول يؤثّر سلبيا كذلك على صحة أجسادنا، فقد يسبب ذلك الاما في الظّهر والرّقبة، ويضعف التركيز لأن التحديق بشاشات

المحمول لمدّة طويلة قد تضُرُّ بمركز الأعصابِ بدماغِنا. يسلب أجمل أوقاتنا يجمعكم أنتم ولكنه في الحقيقة سبب التفرقة والأذى في روابطنا الإجتماعيّة بعد استماعي لهذه الحجج التي ساقتها جدّتي والتركيز بحشرجة صوتها، والتحديق الى يديها الّتان كانتا تغزلان وتجمعان الصوف فلربّما كانت تحاول أن تجمع ما بعثرته مواقع التّواصل الاجتماعي والألعاب الوهميّة الالكترونيّة ، كان هذا المشهد بمثابة كفٍّ ذهني صفعتُ بِهِ فأيقظني من غفوتي وأيقظ أمي كذلك

سيكون العالم أفضل لو عدنا الى ما كنّا عليه قبل اقتحام الهواتف الخلويّة لخصوصياتنا واختراقه لعالمنا وسيطرتها على أفكارنا وبدلا من أن تكون وسيلة لتساعدنا على التقدّم صارت سببا للدّمار الاجتماعي بل وأهلكت أخلاق الكثيرين منا