عرش بني بويعڨوب التاريخي
تقع بلدية العمارية 40 كم شمال شرق مدينة المدية، على السفوح الجنوبية للأطلس البليدي لما يلتقي بهضبة تيطري ، تحدها
شمالا : بلدية حمام ملوان ( عرش بني ميصرا ، البليدة ) التي يفصلها عنها واد لاخرة ، بلدية بعطة ( عرش بني سيلم ) في الشمال الشرقي ، و بلدية الحمدانية ( عرش بني مسعود ) في الشمال الغربي
شرقا : بلدية سيدي نعمان ( عرش بني سيلم )
غربا : بلدية وزرة ( عرش وزرة )
جنوبا : بلدية أولاد براهيم ( عرش حسن بن علي )
تبلغ مساحتها 116 كم2 ، عدد سكانها حوالي 50 ألف نسمة ، العمارية بلدية جبلية ، أعلى قممها جبل مصلّى ( 1276 م ) و يقع غرب البلدية ، أخفض مكان يقع أقصى شمال البلدية ( على ضفاف واد لاخرة ) بمنطقة تالا ييلف ( تعني عين الحلوف ) بالعواوقة ( 550م ) ، يقع مركز البلدية على ارتفاع 760م تقريبا فوق سطح البحر
يسكن العمارية عرش بني بو يعڨوب التاريخي ، الذي يسميه البعض بني يعڨوب تسهيلا ، وهو اتحاد قبلي تأسس منذ قرون ، أقدم ذكر له وجدته في وثيقة ملكية أراضي ، تعود إلى القرن 16 م ( ذكرت في الأرشيف الفرنسي ) ، المكان كانت تسكنه قبائل صنهاجة الأمازيغية منذ قرون ( أجداد أعراش المنطقة ) ، حسب ابن خلدون و البكري و الإدريسي ... الخ ، أصل تسمية العرش تعود حتما إلى شخص إسمه أبو يعقوب ، الذي يبدو أنه كان شخصا قويا ، مهما و أجنبيا عن المنطقة ، لأن سكان المنطقة ككل الجبايلية ، لا يسمون كثيرا إسم يعقوب ، و لا يكنون ب "بو" بل ينسبون الرجل إلى أبيه ( موحا قدور ، امحمد وعلي ... الخ ) ، لما ندرس تاريخ المنطقة ، نجد أن شخصيتين هامتين مرّتا بالمنطقة ، و أثرتا فيها سياسيا و اجتماعيا ، تحملان إسم " أبو يعقوب " و هما :
- السلطان أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن : ثاني خلفاء الموحدين .... البطل الذي كان يحفظ القرآن و صحيح البخاري ، البطل الأديب الشاعر الذي كان فصيحا بالعربية و محبا لها و متقنا لأمازيغية أجداده ، البطل الذي بنى الجامع الكبير بإشبيلية ، و الكتبية بمراكش ، و صومعة حسان بالرباط .... البطل الذي يقال أنه أمّن بني عمه ، عرش سوماتة الأمازيغي ، على ممر واجر الإستراتيجي ، و قد يكون هو من أمن أجداد عرش بني بو يعقوب على ممر واد لاخرة ، الذي كان آنذاك ، أحد أهم الطرق بين متيجة و تيطري !!! البطل الذي جاهد طول حياته ، و استشهد في معركة شنترين بالأندلس سنة 1138م ، و دفن في تينمل بقلب الأطلس المغربي
- السلطان أبو يعقوب يوسف : سلطان بني مرين ، بطل معركة إستجة بالأندلس ( 1275 م ) ، السلطان الذي بنى المنصورة بتلمسان ، و حاصر الزيانيين في تلمسان لقرابة 8 سنوات ( من أطول الحصارات التي عرفها التاريخ ) ، أثناء الحصار يقال أنه توجه غربا ، و ضم قسما هاما من بلدنا ، و وصل حتى المدية ، التي كانت آنذاك تحت حكم المغراويين و الزيانيين ، توفي السلطان أبو يعقوب سنة 1307 م
تكون عرش بني بويعقوب عبر القرون ، من اتحاد عدة قبائل أو فرق ، حول فرقة المرابطين الذين كانوا يحضون باحترام و تقدير كل سكان المنطقة ، و حول قرية مادالا التاريخية ، من فرق بني بويعقوب التاريخية نجد : فرنة ( إسم قبيلة من لواتة ) ، البدارنة ( إسم قبيلة زناتية ) ، أولاد مڨبل ( سيدي سالم ) ، أولاد تركي ، مادالا ، أولاد عامر ، أولاد بوهري ، العواوقة ، أولاد علي ، طواطيو .... إلخ ، عند مجيء الفرنسيين كان قسم من السكان لا يزالون يتكلمون الأمازيغية كما شهد بذلك المؤرخ يوربان سنة 1843 ( أول من تكلم عن المنطقة ) ثم روني باسي ( الوثيقة في آخر صورة من المقال ) .... كما أن كل الأرشيف الفرنسي يذكر بني بويعقوب على أنهم من أصل أمازيغي ( الفرنسيون كانوا يستعملون مصطلح kabyles للدلالة على الأمازيغ ) ، كما تقول الرواية الشعبية أن أجداد بني بويعقوب و بني ميصرا و بني صالح و بني مسعود إخوة من أصل واحد ، و أنهم اتوا من الساقية الحمراء ( كناية عن الغرب ) .....
أسس الفرنسيون مركزا استيطانيا قرب سوق الثلاثا ( الذي كانت تجتمع فيه كل أعراش المنطقة كل أسبوع ) بداية القرن العشرين ، و سموه شامبلان ( Champlain ) نسبة لمغامر فرنسي شهير .... و رغم اندثار الأمازيغية عند عرش بني بويعقوب كلغة ( لا تزال مستعملة عند جيرانهم بني ميصرا ، و عند بعض اليعقوبيين الذين صاهروا الميصراويين ) إلا أنها لا تزال حاضرة بقوة في أسماء الأماكن : تافالا ، سبيكا ، واد أزرو ، تالا أوليلي ، إيسياخن ، تالا عنتر ، سيدي زرمان ، تاڨلالت ، عين تيسملان ، واد إسلان ، عين ادرار ، إجداين ، تالا تاغلالت ، بو واظو .... إلخ ، في أسماء العائلات : زروالي ، هني ، وعليلي ... إلخ ، في عادات و تقاليد السكان من أكل تقليدي و منزل تقليدي و النسيج و صنع الأواني الفخارية و الملحفة و الإحتفال بناير و بوغنجا ... إلخ ، العمارية مشهورة كذلك بمساجدها العتيقة و زواياها ، التي تخرج منها الآلاف من حفظة القرآن الكريم ، مثل جامع الشارف بمادالا الذي بني قسم من زاويته بحجارة المباني الرومانية ، و زاوية المرابطين و زاوية اولاد تركي و سيدي سالم ... الخ
العمارية من أغنى المناطق بالآثار القديمة، إذ نجد بها منطقة الغاسول بواد الثلاثا (أو واد العظام) التي صنّفت كمكان تاريخي وطني، إذ تعجّ بآثار ماقبل التاريخ، ووجد بها عظام إنسان تعود لآلاف السّنين !!!!!!
في سنة 2013 م اكتشف كنز آخر بقرية مدالة، أثناء أعمال حفر عادية، عثر السكّان على أوانٍ فخارية عديدة، ثمّ أوكلت أعمال التنقيب إلى فريق متخصّص من المركز الوطني للبحث في علم الآثار (CNRA) الذي اكتشف :
-عدة قطع فخارية أمازيغية
-عدة قطع فسيفساء وأعمدة رخامية رومانية
-آثار حمّام روماني
-قطع نقدية أمازيغية ورومانية
ويرجح الفريق أن المكان كان مدينة رومانية قديمة جدّا، وأن القسم الأكبر من الكنوز لم يكتشف بعد ...... مؤكّدين ما يتناقله شيوخ بني بو يعقوب، وحتّى الأعراش المجاورة، أنّ مدالة مدينة رومانية قديمة، وقد يعود تأسيسها لآلاف السنين !!!
كنز من كنوز أطلسنا الغالي ، يجب حمايته والحفاظ عليه، في منطقة مباركة كتب أبناؤها تاريخ بلدنا بدمائهم، منذ حروب يوغرطة وتاكفاريناس، إلى حرب التحرير ، أين قدّمت العمارية أكثر من 3200 شهيد دفاعا عن أرضنا الطاهرة ، في منطقة أنجبت أبطالا مثل سي طيب الجغلالي رحمه الله ولخضر بورقعة حفظه الله و آلاف المشايخ و المجاهدين و الأبطال ، في منطقة جبالها ساحرة ، ماؤها عذب و وفير ، تربتها المباركة تنتج كل أنواع الخيرات منذ آلاف السنين ..... في منطقة لا تزال تعاني الفقر و العزلة والحرمان ، ولا يزال قسم من أهلها ينتظرون وصول غاز المدينة إلى بيوتهم و قراهم التي يحلمون بالعودة إليها !!!!!
تحية إلى كل أهلنا بأرض بني بو يعقوب الأبية، من تافالا إلى ثنية سبعة إبريدن ، و من تاڨلالت إلى عين الزواوية
د. معمر امين بن سونة