تحويسة في قلب جبال آيث ميصرا الغالية ومراجعة لأمازيغية الأجداد على ضوء علم الطوبونيميا : علم أسماء الأماكن .... لما تصدح الأرض بهوية شعب !!
الصورة أخذتها في شهر فيفري أعتقد منذ 4 سنوات من قلب الأطلس البليدي ... أنا هنا جنوب غرب شريعة ، بالضبط ب ممر تيزي عصاب المتواجد بقلب جبال عرش آيث ميصرا بأعالي يما حليمة ( حوالي 15 كم جنوب غرب حمام ملوان ) ، نرى في الصورة قلب الأطلس البليدي ..... أقصى اليمين جبال شريعة تحت ثلوج الخير .... في آخر الصورة نرى ممرا جبليا يقسم الجبال إلى قسمين : تيزي مزارعا ( ثنية مزارعا ) الذي يسميه البعض كذلك ثالا فتحا ، المتواجد بقلب جبال بني مسعود ( الحمدانية ) ..... وسط الصورة وعلى اليسار نرى قمة إخف أوڨاذير ( رأس الكدية ) ، الذي تقع في سفحه الشمالي منطقة ثيڨرتس وظغاغ التاريخية .......
ثيڨرتس وظغاغ إحدى قبائل عرش آيث ميصرا التاريخي ، تتواجد في أقصى غرب بلدية حمام ملوان، على الحدود مع بلدية شريعة و ولاية المدية ( بلدية الحمدانية ) ، في قلب الأطلس البليدي جنوب الشريعة ، تتكون منطقة ثيڨرتس وظغاغ من عدة مناطق : إخدّاثن ( الخدادوة ) ، آيث رباح ، آيث قسّوم ( القساسمية ) ..... تنحدر منها عدة عائلات بليدية معروفة كعائلات : خدّاوي ، بوسهلة ، بوصلاح ، عثماني ، حميدي ، بوزوينة ، بوشعيبي ، شعيب ، سماعيل ، قسّوم ، قاسمي ....إلخ ، تمتد أراضيها التقليدية حتى جنوب بلدية شريعة إداريا ، أين يجاور أبناؤها عرشي غلاي وبني مسعود التاريخيين ....
إلى اليوم ، مازال كبار السن يتكلمون الأمازيغية المحلية، بلكنة خاصّة بهم ، يقطن أغلبهم اليوم في البليدة ، الشريعة ، طريق الشريعة ، أولاد يعيش ، بوعرفة ، صومعة ، ڨرواو ...إلخ ، ويعتبرون مع السباغنية وبوقنانة ، من أكثر أبناء عرش آيث ميصرا حفاظا على الأمازيغية المحلية
تقريبا كل أسماء الأماكن في منطقة ثيڨرتس وظغاغ ( تعني بالأمازيغية الحقل الصغير ذو الحجارة ) أمازيغية ورائعة ، هذه الأسماء علمني إياها عمي رابح و عمي احمد ، رحمهما الله تعالى ، و جمعنا بهما في فردوسه الأعلى .... سأنقلها لكم شهادة عن ذاكرة شعب .... حفاظا على تراث الأطلس البليدي ، على تراث البليدة ، على تراث الجزائر من الاندثار ....
إخف أوڨاذير = رأس الكدية ( رمز المنطقة )
إيمي ن تيزي = فم الثنية
ثاڨاديرث أقروي = كدية القروي ( أداة أمازيغية قديمة لوزن الحبوب )
إغيل أويرزيز = ذراع الأرنب البري
إخف ن تزروت = رأس الصخرة
إغيل ثمرزاقوث = ذراع المرورة
إغزر ووشّن = واد الذئب
إغزر ن ايلوڨّي = واد نبتة إيلوڨي ( ذكر نبتة تيلوڨيت ، وهي نبتة جبلية معروفة )
ثالا أوفلّا = العين الفوقانية
ثالا وادّاي = العين التحتانية
ثالا أوجقنون = عين جقنون ( إسم عائلة بمنطقة آيث عباد )
ثاقلمامث = البحيرة الصغيرة ذات المياه الراكدة
إجذ امقران = الرمل الكبير
غار يفيس = غار الضبع
أورثي ملي = البستان ذو التربة البيضاء ، أو البستان المتواجد في ظل ( أو غرب ) الجبل
إظغاغن إملّالن = الحجارة البيضاء
أنّار إيحيي = نادر يحيى
إسل إزڨزاون = أشجار السل ( شجرة معروفة ، البعض يطلق الإسم على الدردار : أولمو ) الخضراء
أڨلّوتس أووّايراذ = خرشة ( أحراش ) الأسد
عشّ أوفالكو = عش الصقر
لاحظوا كيف أن أسماء الأماكن تروي الكثير من تاريخ المنطقة : أسماء العائلات والأشخاص ، طبيعة التربة والتضاريس ، النباتات والحيوانات التي كانت متواجدة بالمنطقة .... إلخ ، علم مهم جدا تخصص له الدول المتطورة كل الاهتمام والتمويل وتجند له الدكاترة والباحثين ..... بينما لا يكاد يعرفه مسؤولوا بلدنا .... للأسف الشديد
تقع كل أراضي منطقة ثيڨرتس وظغاغ حاليا ضمن الحديقة الوطنية للشريعة ، وتتميز بكثرة وديانها وغاباتها ، وسابقا ببساتينها الغنّاء من أشجار التين ، اللوز ، الزيتون ، الجوز ، الكرز ، البرقوق ومختلف أنواع الخضر والفواكه..... بساتين أحرقت و دمرت للأسف ...... الآن المنطقة مهجورة تماما منذ العشرية السوداء ، ويحاول بعض السكان في السنوات الأخيرة إعادة النشاط الفلاحي للمنطقة التي أمدت مدينة البليدة بأجود أنواع المحاصيل لقرون من الزمن ....... عودة نأمل أن تلقى دعم المسؤولين ، بفك العزلة عن المنطقة و إعادة تهيئة طريقي آيث قسّوم عبر إيمي ن تيزي ، و أبريذ وزرو الذي يربط المنطقة بالشريعة .
كما تعرف المنطقة بمسجدها القديم جدّا الذي كانت به مدرسة قرآنية تخرّج منها الكثير، درّس به شيخ آيث ميصرا السّي علي بلهوان رحمه الله تعالى ، قدمت المنطقة العديد من المجاهدين والشهداء إبان ثورة التحرير ، حيث كانت معقلا للمجاهدين ، و منطقة عبور نحو شريعة و بالتالي البليدة ، و جبال ولاية المدية .... منطقة عرفت مرور العديد من أبطال شعبنا ، مثل العربي بن مهيدي ، سي امحمد بوڨرة ، سويداني بوجمعة ، سي زبير طيب سليمان ، سي موسى كلواز ، سي طيب الجغلالي ، الجيلالي بو نعامة ..... رحمهم الله تعالى ...... حتى أن البطل المجاهد الرمز سي لخضر بورڨعة رحمه الله تعالى كان يقول : زيارة بني ميصرا تعدل عمرة ....... منطقة غالية على قلب كل جزائري أصيل ، نأمل أن تعود إليها الحياة يوما .....
حفظ الله أرض الأجداد
د. معمر أمين بن سونة