فهرس القصائد والمقطوعات الشِّعرية
١. شاعرة أندلسية تُبْدعُ في وصْف وادٍ (حَمدة أو حمدونة بنت المُؤدِّب)
٢. أباحَ الدمعُ أسراري (حَمدة أو حمدونة بنت المُؤدِّب)
٣. الولد العاقّ (أُميَّة بنُ أبي الصَّلْت)
٤. هذي دمشقُ (نزار قَبّاني)
٥. من مُفكّرة عاشق دمشقي (نزار قَبّاني)
٦. يا رَجُل ( نزار قباني)
٧. ماذا أقولُ لهُ؟ (نزار قباني)
٨. إلى تلميذة (نزار قَبّاني)
٩. قصيدة أسماء (فالح بن طفلة)
١٠. قصيدة ألمى (فالح بن طفلة)
١١. قُمْ للمعلّم (أحمد شوقي)
١٢. رد إبراهيم طوقان على قصيدة شوقي "قُم للمعلّم"
١٣. أبو القاسم الشابي (١٩٠٩-١٩٣٤ م)
١٤. الغنيّ والفقير (أبو العَيْناء)
١٥. في مَساوئ الفقر
١٦. فيا عَجَباً لِمَن ربّيتُ طفلاً
١٧. كعب بن زهير
١٨. عنترة بن شَدّاد العَبْسيّ
١٩. شكوَى العُشّاق من طول الليل
٢٠. وصف الخيزران جاريةِ هارون الرشيد (أبو نُواس)
٢١. وصف الخمر والجواري (أبو نُواس)
٢٢. أبو نُواس ودَنُّ الخمر
٢٣. من غزليّات أبي نواس
٢٤. مقطوعة غزلية (ابن الرومي)
٢٥. رشيد سليم الخوري الملقّب بالشاعر القروي (١٨٨٧-١٩٨٤ م)
٢٦. من قصيدة فلسفة الحياة ( إيليا أبو ماضي)
٢٧. في الابتسام والتفاؤل (إيليا أبو ماضي)
٢٨. القصيدة الزَّيْنَبيّة (صالح بن عبد القدّوس)
٢٩. لقد ترجو فيَعسُرُ ما تُرجّي (الزُّبَير بن عبد المُطَّلب)
٣٠. مساوئ الإكثار من الأصدقاء (ابن الروميّ)
٣١. نُبذة عن حياة أبي العلاء المعري
٣٢. أبو العلاء المعري: شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء
٣٣. جبل التوباد (أحمد شوقي)
٣٤.سَجَا اللّيل (أحمد شوقي)
٣٥. قصيدة اللغة العربية تَنْعَى حَظَّها بين أهلها (حافظ إبراهيم)
٣٦. حافظ إبراهيم ورأيُهُ في المرأة
٣٧. ابن الرومي يرثي ابنه الأوسط
٣٨. رثاء معن بن زائدة ( الحسين بن مُطَيْر الأسدي)
٣٩. لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَهُ (المُتوكِّل الليثي أو أبو الأسود الدؤلي)
٤٠. عُرْوة بن أُذَيْنَة الليثي
٤١. شعر طريف عن الزواج باثنتين
٤٢. في تَقلُّب الأحوال
٤٣. من قصيدة فلسفيه يرثي فيها لَبِيد بن ربيعة أخاهُ أَربَد
٤٤. نماذج من شعر الحُطَيئة في الهجاء
٤٥. قصيدة عن مزايا الحَبْس (عليّ بن الجَهْم)
٤٦. أبو الحسن التِّهامي يرثي ولدَهُ الصغير
٤٧. قصيدة عن فوائد السفر (الإمام الشافعي)
٤٨. في سوء الحظّ ( إدريس جَمّاع)
٤٩. قمرٌ تكاملَ في نهايةِ حُسْنهِ
٥٠. تَرَى الرَّجُلَ النحيفَ فَتَزْدريهِ ( العباس بن مِرداس)
٥١. في حُبّ الأوطان
٥٢. متى يَحْسُنُ أن تقول"نَعَمْ" أو "لا"؟ (المُثَقِّب العَبْدي)
٥٣. الحَلّاج: نماذج من شِعره الصوفيّ
٥٤. ابن الفارض: مختارات من شَعره الصوفي
٥٥. لَبيتٌ تَخفِقُ الأرياحُ فيهِ (مَيْسون بنت بَحدل النجدية)
٥٦. أبيات لعِدّة شعراء عن الشباب والشيب
٥٧. بشّار بن بُرْد: من شِعره الغزليّ
٥٨. بشّار بن بُرد: في الصداقة والأصدقاء
٥٩. الناس أجناس
٦٠. أبو الطيب المتنبي
٦١. أبو الطيب المتنبي: أمثالُهُ وحِكَمُهُ الشعرية
٦٢. أعذبُ الشِّعْر أكْذَبُهُ
٦٣. قصيدة هيَ الأخلاقُ تَنبُتُ كالنباتِ (معروف الرُّصافيّ)
٦٤.قصيدة الشِّعرُ مُفتقرٌ منّي لِمُبتكرٍ (معروف الرُّصافيّ)
٦٥. تقليدُ الأبناءِ للآباء
٦٦. اللسان
٦٧. داليّةُ الأَفْوَه الأَوْديّ
٦٨. قصيدة من عيون الشعر الصوفي (أبو مَديَن التِّلِمْساني)
٦٩. جَرَيْتُ معَ العُشّاقِ في حَلْبةِ الهَوَى (عِشْرقة المُحاربيّة)
٧٠. الدنيا والأيام: أبيات شعرية مختارة لعدّة شعراء
٧١. ابن عبد ربّه: نماذج من شعره
٧٢. شاعرات الأندلس: أمُّ الهناء
٧٣. من قصيدة غُربة الروح (يحيى توفيق حسن)
٧٤. صفيّ الدين الحِلّيّ: نموذج من شعره الغزلي
٧٥. الإمام الشافعي: مختارات من أجود أشعاره
٧٦. كيفَ يَعيبُ العُورَ مَنْ هوَ أعورَ
٧٧. مختارات من شعر مجنون ليلى
٧٨. من فلسفة أبي الطيّب المتنبي
٧٩. حِوار بين القلب والعين
٨٠. في النميمة
٨١. الصِّمّة القُشَيْري: قِفا وَدِّعا نَجْداً
٨٢. أبو حَيَّةالنُّمَيْريّ: الإنسانُ وعامِلُ الزمن
٨٣. شاعرات الأندلس: حفصة بنت الحاج الركونيّة
٨٤. الظُّلمُ وعواقبه الوخيمة
٨٥. عَمْرو بن قَمِيئة
٨٦. قضيّة بين أمير الشعراء شوقي وأبي العَلاء المَعَرِّي
٨٧. ما قالهُ أميرُ الشعراء شوقي عن الأخلاق
٨ ٨. كُلُ هَمٍّ إلى فَرَج
٨٩. وِحدتُنا في لغتنا (حليم دَمَوس)
١. شاعرة أندلسية تُبْدعُ في وصْف وادٍ
حديثنا اليوم عن شاعرة أندلسية من شاعرات غرناطة يُقالُ لها حَمْدة أو حَمْدونة بنت المؤدِّب (توفيت عامَ ١٢٠٤م)، وهي أشعرُ شاعرات الأندلس في عصر ملوك الطوائف. فقد كانت تُلقَّب بشاعرة الأندلس وبخنساء المغرب لأنها كانت تُجيدُ فنَّ الرثاء. نشأت حمدة في بيت عِلْم وأدب وكان والدُها زياد مُؤدِّباً فعُرِفتْ به، وكانت لها أخت شاعرة اسمها زينب أقلّ شهرة منها. اتّخذ شعرها طابع الغزل العفيف وكانت من عُشّاق طبيعة الأندلس الخلّابة فنظمت أجودَ أشعارها في وصف تلك الطبيعة. ترجمتها وأخبارها في كتاب "نَفْح الطِّيب من غصن الأندلس الرطيب" للمَقَّريّ التِّلِمْساني" و"الإحاطة في أخبار غرناطة" للسان الدين بن الخطيب. من أشهرأشعارها قولُها:
١- وَقانا لَفْحةَ الرَّمْضاءِ وادٍ
سَقاهُ مُضاعَفُ الغيثِ العميمِ
٢- حَلَلْنا دَوْحَهُ فَحَنا علينا
حُنُوَّ المُرْضعاتِ على الفَطيمِ
٣- وأَرْشَفَنا على ظَمَإ زُلالاً
أَلَذَّ مِنَ المُدامةِ للنَّديمِ
٤- يَصُدُّ الشَّمْسَ أَنَّى واجَهَتْنا
فَيَحْجُبُها ويأْذَنُ للنَّسيمِ
٥- يَرُوعُ حَصاهُ حالِيَةَ العَذارَى
فَتَلْمَسُ جانِبَ العِقْدِ النَّظيمِ
————————
شرح المفردات:
لفحته الشمسُ لَفْحاً: أصابت وجهَهُ وأحْرَقَتْهُ. الرمضاء: الأرض أو الحجارة التي حَمِيت من شدة حر الشمس، ومنه المثل القائل: كالمُسْتجير من الرمضاء بالنار. العميم: الكثير الذي يعُمّ البقاعَ. دَوْح: جمع دَوْحة وهي الشجرة العظيمة المتشعبة الممتدة الفروع. أرْشَف: الفعل المتعدي من رَشَفَ، أي سقانا. المدامة: الخمر. النديم: المُصاحِب على الشراب. أَنّى: من أينَ أو متى أو كيفَ. يروعُ: يُفْزِعُ. حالِيَة العذارَى: اللواتي يلبسنَ الحِلْيَة والزينة. النظيم: المنظوم في سِلك.
٢. أباحَ الدمعُ أسراري
ها هي قصيدة أخرى لشاعرة الأندلس حَمْدَة (أو حَمْدونة) بنت المُؤدِّب، وهي تُحْفَة أدبية تَحْفِلُ بالصور الشعرية البديعة وبالمعاني المبتكرة لا تقلُّ روعةً وجمالاً عن أُختها التي سبقَ أن اخترتُها لكم. والقصيدة خليط ٌ من وصفٍ لمنظر طبيعي وغزل عفيف يفيضُ رِقَّةً وعذوبةً. وقد اخترتُ نصَّ هذه المقطوعة الشعرية من معجم الأدباء لياقوت الحَمَويّ وفيه يقول: "خرجتْ حمدة متنزّهةً بالرملة من نواحي وادي آش، فرأت ذاتَ وَجْهٍ جميل وسيم أعجبها، فأنشأت تقول:
١- أَباحَ الدمعُ أسراري بِوادي
لهُ للحُسْنِ آثارٌ بَوادي
٢- فَمِنْ نهرٍ يطوفُ بِكُلِّ رَوْضٍ
ومِنْ رَوْضٍ يَرِفُّ بكلِّ وادي
٣- ومِنْ بينِ الظِّباء مَهاةُ أُنْسٍ
سَبَتْ لُبّي وقدْ مَلَكَتْ فؤادي
٤- لها لحظٌ تُرَقّدُهُ لأَمْرٍ
وذاكَ الأمرُ يَمْنَعُني رُقادي
٥- إذا سَدَلتْ ذوائِبَها عليها
رأيتَ البدرَ في أُفْقِ السوادِ
٦- كأنَّ الصُّبْحَ ماتَ لهُ شقيقٌ
فَمِنْ حُزْنٍ تَسَرْبَلَ بالحِدادِ
_______________
شرح المفردات:
أباح: أظهرَ وكشفَ. بَوادي: جمع بادية، أي ظاهرة. يَرِفُّ: يُحيط. الظباء: جمع ظبية وهي الغزالة. مهاة: بقرة وحشية تشتهر بجمال عيونها. تُرَقِّدُهُ: تُغْمِضُهُ وتُنيمُهُ. ذوائب: جمع ذُؤابة وهي شَعْرُ مُقدَّم الرأس. تسربلَ بالحِداد: لبسَ سِرْبال الحداد.
٣. الولد العاقّ (أُميَّة بنُ أبي الصَّلْت)
حديثنا لهذا اليوم المبارك يتناول قصيدة قصيرة من أجمل القصائد التي قرأتها ومن أبلغها تأثيراً في النفس لأنها تُحرّك الوجدان وتثير مشاعر الشفقة على أب خاب ظنُّه بابنه الذي طالما تعب في تربيته وتنشئته والسهرعلى مصلحته، حتى إذا كبُر وشبَّ عن الطّوْق لم يكن منه إلا أنْ قابلَ إحسانَ والده بالإساءة والجفوة والعقوق. ولكَ، عزيزي القارئ، أن تتخيل مدى ما يحس به الأب المخذول من الحزن والألم والحسرة وخيبة الأمل.
هذه القصيدة قرأتها منذ سنين طويلة خلت في ديوان الحماسة لأبي تمام، وهي لشاعر جاهلي أدرك الإسلام اسمه اُميّة بن أبي الصَّلْت شُهر بعزوفه عن عبادة الأوثان وميله إلى التوحيد، وكان ممن عُرفوا بالحُنَفاء قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم أمثال قُسّ بن ساعدة الإيادي وورقة بن نوفل وعثمان بن الحُوَيْرث. والآن فلننتقلْ إلى هذه القصيدة الرائعة:
١- غَذوْتُكَ مولوداً وعُلْتُكَ يافعاً
تُعَلُّ بما أُدني إليكَ وتُنْهَلُ
٢- إذا ليلةٌ نابَتْكَ بالشَّكْوِ لمْ أبِتْ
لشكواكَ إلّا ساهراً أتململُ
٣- كأنّي أنا المطروقُ دُونكَ بالذي
طُرِقتَ به دوني وعيْنِيَ تَهْمُلُ
٤- تخافُ الرَّدَى نفسي عليكَ وإنها
لَتَعْلَمُ أنَّ الموتَ حَتْمٌ مُؤجَّلُ
٥- فلمّا بلغتَ السنَّ والغايةَ التي
إليها مَدَى ما كنتُ فيكَ أُؤمِّلُ
٦- جعلتَ جزائي غِلْظةً وفظاظةً
كأنَّك أنتَ المُنْعمُ المُتَفَضّلُ
٧- وسَمَّيْتَني باسمِ المُفَنَّدِ رأيُهُ
وفي رأيكَ التفنيدُ لو كنتَ تَعقِلُ
٨- فليْتَكَ إذ لمْ تَرْعَ حقَّ أُبُوَّتي
فعلتَ كما الجارُ المُجاوِرُ يفعلُ
——————————
شرح المفردات:
غذوتك:أطعمتك وقمت بمؤونتك. عُلتك: أنفقت عليك. اليافع: مَن قارب الاحتلام وهو دون المراهق. تُعلّ: من العَلَل وهو الشرب الثاني، وتُنهَل من النَّهَل وهو الشرب الأول. نابتك بالشكو: أصابك مرضٌ أو شكوتَ من علة. أتململ: أتقلّب على المَلَّة وهي الجمر أو الرماد الحارّ. المطروق: في هذا السياق معناه المصاب بالمرض. تهمُل: تفيض بالدمع. الردى: الهلاك والموت. فَنّد الرأيَ: أضعفَهُ وسخَّفَهُ. ومنه قولُهُ تعالى في الآية ٩٤ من سورة يوسف: "ولمّا فَصَلتِ العِيرُ قال أبوهم إنّي لَأجدُ ريحَ يوسفَ لولا أنْ تُفَنِّدونِ" .
٤. هذي دمشقُ (نزار قَبّاني)
شاعر سوري مبدع غنيّ عن التعريف لعُشّاق الأدب والمثقفين، ولكن لا بد من كلمة قصيرة عنه. وُلد نزار في دمشق وهو ممن شاركوا في تأسيس مدرسة الشعر العربي المعاصر ومهّدوا لأسلوب جديد في نظم القصيدة العربية من حيث ألفاظها ومعانيها وأغراضها وأوزانها. معظمُ شِعره في الحُبّ والمرأة والوطن وقضايا الأمة العربية وهمومها وأحوالها، وقصائده من أشهر وأجمل ما نُظِم في العصر الحديث. ارتبطت تجربته الشعرية الناضجة بحياته في دمشق التي عَشِقها عشقاً منقطعَ النظير. يقول في قصيدة رائعة بعنوان "من مفكرة عاشق دمشقي":
فَرَشْتُ فوقَ ثَراكِ الطاهرِ الهُدُبا
فيا دمشقُ لماذا نبدأُ العَتَبا
حبيبتي أنتِ فاسْتلقي كأُغنيةٍ
على ذراعي ولا تَسْتَوْضِحي السَّبَبا
أنتِ النساءُ جميعاً ما مِنِ امْرأةٍ
أحْبَبْتُ بَعْدكَ إلّا خِلْتُها كَذِبا
ومن أشهر قصائده في دمشق وأحبّها إليَّ "القصيدة الدمشقية" التي نظمها عامَ ١٩٨٨ وفيها يصف دمشق وذكرياته فيها ويَحِنُّ إلى أيام طفولته وعائلته بعد أن عاش في الغُربة طوالَ ما يزيد على خمسين عاماً. وكان نزار قد أوصى بأن يُدْفَنَ في دمشق وهو الذي قال عنها: "دمشق هي الرَّحِمُ الذي عَلّمني الشِّعر، وعلّمني الإبداع، وأهداني أبجديةَ الياسمين". اخترنا لكم من هذه القصيدة الغَرّاء الأبياتَ التالية:
١- هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أُحِبُّ وبعضُ الحُبِّ ذبّاحُ
٢- أنا الدمشقيُّ لوْ شَرَّحْتُمُ جسدي
لَسالَ منهُ عناقيدٌ وتُفّاحُ
٣- ولو فَتَحْتُمْ شراييني بِمُدْيَتِكُمْ
سَمِعْتُمُ في دمي أصواتَ مَنْ راحوا
٤- زراعةُ القلبِ تَشْفي بعضَ مَنْ عَشِقوا
وما لقلبي إذا أحبَبْتُ جَرّاحُ
٥- مآذنُ الشام تَبْكي إذْ تُعانقني
وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
٦- للياسمينِ حُقُوقٌ في منازِلنا
وقِطّةُ البيتِ تَغْفو حيثُ تَرْتاحُ
٧- طاحونةُ البُنِّ جُزءٌ من طفولتِنا
فكيفَ أنسى وعِطْرُ الهالِ فَوّاحُ
٨- هنا جُذوري هنا قلبي هنا لُغتي
فكيف أُوضِحُ؟ هل في العِشْقِ إيضاحُ
٩- كَمْ من دمشقيةٍ باعتْ أَساورَها
حتّى أُغازِلَها والشِّعْرُ مِفْتاحُ
١٠- خمسونَ عاماً وأجزائي مُبَعْثَرَةٌ
فوقَ المُحيطِ وما في الأُفْقِ مِصْباحُ
١١- تَقاذَفَتْني بِحارٌ لا ضِفافَ لها
وطاردتني شياطينٌ وأشْباحُ
١٢- أُقاتِلُ القُبْحَ في شِعْري وفي أدبي
حتّى يُفَتِّحَ نُوّار ٌوقَدّاحُ
١٣- ما للعُروبةِ تبدو مِثْلَ أرملةٍ
أليسَ في كُتُبِ التاريخِ أَفراحُ
١٤- والشِّعْرُ ماذا سَيَبْقَى مِن أَصالتهِ
إذا تَوَلّاهُ نَصّابٌ ومَدّاحُ
١٥- وكيفَ نكتُبُ والأقفالُ في فَمِنا
وكُلَّ ثانيةٍ يَأْتيكَ سَفّاحُ
١٦- حَمَلْتُ شِعْري على ظهري فأَتْعَبَني
ماذا مِنَ الشِّعْر يَبْقَى حينَ يَرْتاحُ
__________________
شرح المفردات:
الرّاح: الخمر. المُدْية: الشّفْرة الكبيرة. حقوق: يقصد به حقوق الرعاية. والشعر مفتاح: يقصد بذلك يفتح مغاليقَ القلوب بلُطف المغازلة. قَدّاح: زهر أبيض قبلَ أن يتفتّح.
٥. من مُفكّرة عاشق دمشقي (نزار قَبّاني)
رائعة من روائع الشاعر السوري الفذّ نزار قبّاني يصفُ فيها عشقه الجنوني وحنينه الجارف لمسقط رأسه دمشق ويتحدث عن ذكرياته الجميلة في دمشق الفيحاء التي هامَ بها هيامَ قيس بليلى أو روميو بجولييت بعد أن ارتحل عنها كارهاً مُضطراً وعاش في الغُربة نحو نصف قرن من الزمان. إنها قصيدة تفيضُ حُبّاً وحناناً ووفاءً وإخلاصاً وألماً ولوعةً لا يملك معها القارئ إلّا أنْ يُشْفقَ على هذا الشاعر الذي حُرِمَ من العيش في مدينة ذاقَ فيها كلَّ ألوان النعيم وأن يألمَ لألمه ويحزنَ لحزنه على فِراق وطنه الحبيب على قلبه وروحه. اخترنا لكم من هذه القصيدة الطويلة الأبيات التالية:
١- فَرشتُ فوق ثَراكِ الطاهرِ الهُدُبا
فيا دمشقُ لماذا نبدأُ العَتَبا
٢- حبيبتي أنتِ فاسْتَلْقي كأُغنيةٍ
على ذراعي ولا تستوضحي السَّبَبا
٣- أنتِ النساءُ جميعاً ما مِنِ امْرأةٍ
أحبَبْتُ بَعْدَكَ إلّا خِلْتُها كَذِبا
٤- يا شامُ إنّ جِراحي لا ضفافَ لها
فَمَسِّحي عن جبيني الحُزنَ والتَّعَبا
٥- أَتيتُ مِنْ رَحِم ِ الأحزانِ يا وطني
أُقَبِّلُ الأرضَ والأبوابَ والشُّهُبا
٦- حُبّي هنا وحبيباتي وُلِدْنَ هنا
فَمَنْ يُعيدُ لِيَ العُمْرَ الذي ذَهبا
٧- أنا قبيلةُ عُشّاقٍ بكامِلها
ومِنْ دموعي سَقَيْتُ البحرَ والسُّحُبا
٨- فكُلُّ صفصافةٍ حَوَّلْتُها امْرأَةً
وكلُّ مِئْذنةٍ رَصَّعْتُها ذَهَبا
٩- هذي البساتينُ كانت بين أمتعتي
لمّا ارْتَحَلْتُ عن الفَيْحاءِ مُغْتَرِبا
١٠-كمْ مْبْحرٍ وهُمومُ البرِّ تَسْكُنُهُ
وهاربٍ مِنْ قضاءِ الحُبِّ ما هَرَبا
١١-دمشقُ يا كنزَ أحلامي ومِرْوحتي
أَشكو العُروبةَ أَمْ أشكو لكِ العَرَبا؟
١٢-ماذا سأَقرأُ مِنْ شِعْري ومِنْ أدبي
حوافِرُ الخَيْلِ داستْ عندنا الأَدَبا
١٣-وحاصَرَتْنا وآذَتْنا فلا قَلمٌ
قالَ الحقيقةَ إلّا اغْتِيلَ أَوْ صُلِبا
١٤-مَنْ جَرَّبَ الكَيَّ لا ينسى مَواجِعَهُ
ومَنْ رأَى السُّمَّ لا يَشْقى كَمَنْ شَرِبا
١٥-حَبْلُ الفَجيعةِ مُلْتَفٌّ على عُنُقي
مَنْ ذا يُعاتِبُ مَشْنوقاً إذا اضْطَرَبا؟
٦. يا رَجُل ( نزار قباني)
عودة إلى شعر نزار قبّاني، شاعر الحُبّ في العصر الحديث غيرَ مُدافَع، وإلى رائعة من روائعه الغزلية. هذه القصيدة بسيطة في ألفاظها، عميقة في معانيها، غنيّة بصورها وأخيلتها الشعرية. ومَنْ من شعرائنا المعاصرين يُحْسنُ وصفَ مشاعرَ الحب وتَخيُّر الكلمات كنزار في فن من فنون الشعر
خُلِقَ لهُ وتخصّصَ فيه فَبَرعَ وتألّقَ تألُّقَ النجم الساطع. وهذه القصيدة غنّتها المطربة المصرية نجاة الصغيرة ولحّنها الموسيقار محمد عبد الوهاب.
والآن إليكم، أعزائي القُرّاء، هذه القصيدة:
١- متى ستعرفُ كمْ أهواكَ يا رجُلاً
أبيعُ من أجلهِ الدنيا وما فيها
٢- يا مَنْ تَحَدّيْتُ في حُبّي لهُ مُدُناً
بحالِها وسأَمضي في تَحدّيها
٣- لو تطلبُ البحرَ في عينيكَ أسْكُبُهُ
أو تطلبُ الشمسَ في كَفَّيْكَ أرميها
٤- أنا أُحبّكَ فوقَ الغيمِ أكتُبُها
وللعصافيرِ والأشجارِ أَحكيها
٥- أنا أُحبّكَ فوقَ الماءِ أنْقُشُها
وللعناقيدِ والأقداحِ أَسْقيها
٦- أنا أُحبّكَ يا سيفاً أَسالَ دمي
يا قِصّةً لستُ أدري ما أُسمّيها
٧- أنا أُحبّكَ حاولْ أنْ تُساعدني
فإنَّ مَنْ بدأَ المأساةَ يُنْهيها
٨- وإنَّ مَن فتحَ الأبوابَ يُغْلقُها
وإنَّ مَن أشعلَ النيرانَ يُطفيها
٩- يا مَن يُدخّنُ في صَمْتٍ ويترُكني
في البحرِ أرفعُ مِرْساتي وأُلْقيها
١٠-ألا تراني ببحرِ الحُبِّ غارقةً
والموجُ يمضغُ آمالي ويَرْميها
١١-إنّزِلْ قليلاً عن الأهدابِ يا رجُلاً
ما زالَ يقتُلُ آمالي ويُحْييها
١٢-كفاكَ تلعبُ دَوْرَ العاشقينَ معي
وتنتقي كلماتٍ لسْتَ تَعنيها
١٣-كمِ اخْترعتُ مكاتيباً ستُرْسِلُها
وأسْعَدَتْني ورودٌ سوفَ تُهْديها
١٤-وكمْ ذهبتُ لِوَعْدٍ لا وجودَ لهُ
وكمْ حَلمتُ بأثوابٍ سأشْريها
١٥-وكمْ تمنَّيتُ لوْ للرّقصِ تطلُبُني
وحَيّرَتْني ذِراعي أينَ أُلقيها
١٦-إرجِعْ إليَّ فإنَّ الأرضَ واقفةٌ
كأنّما الأرضُ فَرّتْ مِن ثَوانيها
١٧-إرْجِعْ فبَعْدكَ لا عِقْدٌ أُعلِّقُهُ
ولا لمسْتُ عُطوري في أوانيها
١٨-لِمَنْ جمالي لِمَنْ شالُ الحريرِ لِمَنْ
ضفائري منذِ أعوامٍ أُرَبِّيها
١٩-إرجِعْ كما أنتَ صَحْواً كنتَ أم مطراً
فما حياتي أنا إنْ لم تَكُنْ فيها
٧. ماذا أقولُ لهُ؟ (نزار قباني)
اسمحوا لي، أعزّائي القُرّاء، أن أعودَ للمرة الرابعة لشعر نزار قبّاني، هذا الشاعر المُلهَم الذي افْتَنَّ في وصف مشاعر الحب وذهبَ كلَّ مذهب في صوره وأخْيلته وشطحاته الشعرية الفريدة، وفي انتقاء كلماته وألفاظه، وفي تخيّر البحور الشعرية الموسيقية التي تتلاءم مع موضوع القصيدة وجوّها العام. وأجِدُني، كلما قرأتُ في ديوانه وتنزّهت معه في عالمه الشعري الفسيح، مضطراً، من باب الواجب والوفاء له ولذكراه، إلى تعريف عامّة القراء، والشباب منهم على وجه الخصوص، ببعض روائع أعماله الشعرية .
واليوم اخترت لكم قصيدة جميلة غنّتها المطربة المصرية نجاة الصغيرة وهي من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب.
١- ماذا أقولُ له لو جاء يسألني
إن كنتُ أكرهُهُ أو كنتُ أهْواهُ
٢- ماذا أقولُ إذا راحتْ أصابعُهُ
تُلَمْلِمُ الليلَ عن شَعْري وتَرْعاهُ
٣- وكيف أسمحُ أنْ يدنو بمَقعدهِ
وأنْ تنامَ على خَصْري ذراعاهُ
٤- غداً إذا جاءَ أُعطيهِ رسائلَهُ
ونُطعمُ النّارَ أحلى ما كتبناهُ
٥- حبيبتي! هل أنا حقّاً حبيبتُهُ
وهل أُصدِّقُ بَعْدَ الهَجْرِ دعواهُ
٦- أما انتهتْ من سنينٍ قصّتي معهُ
ألَمْ تَمُتْ كخيوطِ الشمسِ ذكراهُ
٧- أما كَسَرْنا كؤوسَ الحُبِّ مِنْ زَمَنٍ
فكيفَ نبكي على كأسٍ كسرناهُ
٨- رَبّاهُ أشياؤهُ الصُغرى تُعذِّبُني
فكيفَ أنجو من الأشياءِ ربّاهُ
٩- هنا جريدتُهُ في الرُّكْنِ مُهْمَلةٌ
هنا كِتابٌ مَعاً كُنّا قَرأْناهُ
١٠-على المَقاعد بعضٌ من سجائرهِ
وفي الزوايا بقايا مِن بقاياهُ
١١-ما لي أحَدِّقُ في المرآةِ أسألها
بأيِّ ثوب مِنَ الأثوابِ ألقاهُ
١٢-أَأَدّعي أنّني أصبحتُ أكرهُهُ
وكيفَ أكرهُ مَنْ في الجفنِ سُكْناهُ
١٣-وكيفَ أهرُبُ منهُ إنّهُ قَدَري
هَلْ يَمْلِكُ النهرُ تغييراً لِمَجْراهُ
١٤-أُحِبُّهُ لستُ أدري ما أُحِبُّ بهِ
حتّى خطاياهُ ما عادتْ خطاياهُ
١٥-الحبُّ في الأرضِ بعضٌ مِنْ تَخَيُّلِنا
لَوْ لَمْ نَجِدْهُ عليها لاخْتَرَعْناهُ
١٦-ماذا أقولُ لهُ لَوْ جاءَ يسألُني
إنْ كنتُ أهواهُ إنّي ألْفُ أهواهُ
٨. إلى تلميذة (نزار قَبّاني)
١- ما زِلتِ في فَنِّ المَحبَّةِ طفلةً
بيني وبينَكِ أبْحُرٌ وجِبالُ
٢- إنّي لَأرفضُ أنْ أكونَ مُهَرِّجًا
قَزَمًا على كلماتِهِ يُحْتالُ
٣- فإذا وقفتُ أمامَ حُسْنِكِ صامتًا
فالصَّمْتُ في حَرَمِ الجَمالِ جَمالُ
٤- كلماتُنا في الحُبِّ تَقْتُلُ حُبَّنا
إنَّ الحروفَ تموتُ حينَ تُقالُ
٥- قِصَصُ الهَوَى قدْ أفْسدَتْكِ فكُلُّها
غيبوبةٌ وخُرافةٌ وخَيالُ
٦- الحُبُّ ليسَ روايةً شرقيّةً
بِخِتامها يَتزَوّجُ الأبطالُ
٧- لكنّهُ الإبحارُ دُونَ سفينةٍ
وشعورُنا أنّ الوصولَ مُحالُ
٨- هُوَ أنْ تَظلَّ على الأصابعِ رَعْشَةٌ
وعلى الشِّفاهِ المُطْبِقاتِ سؤالُ
٩- هو جدولُ الأحزانِ في أعماقنا
تنمو كُرومٌ حولَهُ وغِلالُ
١٠-هو هذه الأزماتُ تَسْحقُنا معًا
فنموتُ نحنُ وتُزْهِرُ الآمالُ
١١-هُوَ هذهِ الكَفُّ التي تغتالُنا
ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ
١٢-حَسْبي وحَسْبُكِ أن تَظَلّي دائمًا
سِرًّا يُمَزِّقُني وليسَ يُقالُ
٩. قصيدة أسماء (فالح بن طفلة)
حديثنا هذه المرة عن شاعر وجداني من أبناء الكويت تبدو عليه مَخايل الإبداع والنبوغ واسمه فالح بن طفلة. معظم شعره في الغزل الرومانسي العفيف. وُلد هذا الشاعر الشابّ في الكويت عامَ ١٩٨٥ وتخرج من قسم اللغة العربية بجامعة الكويت عامَ ٢٠٠٩ وهو حاصل على شهادة الماجستير في الدراسات الأدبية والنقدية من جامعة الإسكندرية. نُشرت قصائده في عدد من المجلات المحلية والعربية وله ديوان شعر بعنوان "نوافذ الروح". من أحدث قصائده "بقايا حب" و"رفيق الأمس" و"من قناديل الدُّجى" و"أسماء" أخترتُ لكم من القصيدة الأخيرة الأبيات التالية:
١- الحُبُّ تعرفهُ النفوسُ فترتقي
وتَضِلُّ عنه الأنفُسُ العمياءُ
٢- أَأُلامُ في حبي لها وهي التي
منها تَرِقُّ الصخرةُ الصمّاءُ
٣- منذُ التقتْ نظراتُنا وعزائمي
زَعْمٌ وصبري في الغرام هَباءُ
٤- لو هتلرُ النازيُّ حالفَ جَفْنَها
في حربهِ لاستسلمَ الحُلفاءُ
٥- ما بالُكُمْ في مَنْ يُواجهُ حُسْنها
فرداً أتبقى من دِماهُ دِماءُ
٦- فأنا القتيلُ بما جناهُ نِقابُها
وبما حَوَتْهُ عباءةٌ سوداءُ
٧- ضَمَّتْ قَواماً بالأُنُوثةِ صارخاً
تُخْفيهِ لكنْ لا يُفيدُ خَفاءُ
٨- إنْ حَدَّثَتْني فالحديثُ كأنّهُ
نغمٌ يَهيمُ بسحره الإصغاءُ
٩- للهِ ساعةُ وَصْلها كمْ أسرعتْ
حتى كأنَّ نعيمَها إغفاءُ
وأجمل أبيات القصيدة عندي هما البيتان التاليان لما فيهما من صُوَر وأخيلة شعرية بديعة:
١٠- مُرّي على صحراءِ عُمْري غيمةً
فصلاةُ روحي كُلُّها اسْتسقاءُ
١١- لا تتركيني للحنينِ فإنَّهُ
ذئبٌ لهُ خَلْفَ الضُّلوعِ عُواءُ
١٠. قصيدة ألمى (فالح بن طفلة)
كنتُ قد تناولتُ في منشور سابق قصيدة رائعة بعنوان "أسماء" لشاعر شاب من أبناء الكويت اسمه فالح بن طفلة، وها أنا ذا اليومَ أُتحفُكم بقصيدة أخرى لهذا الشاعر المبدع لا تقلُّ روعةً وجمالًا عن سابقتها. القصيدة هي بعنوان " أَلْمَى" وقد نظمها شاعرنا في فتاة بوسنية من سراييفو أثناء زيارته لهذا البلد. اقتطفنا لكم من هذه القصيدة الأبياتَ التالية:
١- ألْمَى البدورُ تغارُ منها إنْ مَشتْ
والأرضُ من خُطُواتها تتعطَّرُ
٢- وتطوفُ ألمَى حولنا كفراشةٍ
وتُذيقُنا مِنْ غُنْجِها ما يَسْحَرُ
٣- هَيْفاءُ يشكو خصرُها من رِدْفها
وبها الأُنوثَةُ كُلُّها تتفجَّرُ
٤- بيضاءُ أنْقَى من ثلوجِ بلادها
والشعرُ منها كالسبائكِ أشقرُ
٥- أحداقُها تطغَى على مُشْتاقها
فكأنّما فيها الدَّلالُ يُعَسْكرُ
٦- ترنو فتهزِمُ مَنْ تشاءُ بنظرةٍ
وعلى نفوسِ العاشقينَ تُسيطِرُ
٧- ماذا أقولُ إذا انْبَرَيتُ لِوَصْفها
وبِوَصْفها كلُّ الحروفِ تُقَصِّرُ
٨- بلغتْ صِفاتُ الحُسْنِ فيها المُنْتَهَى
فَكأنَّها لِصِفاتِها تَتَخيَّرُ
٩- قلبي الرقيقُ يقودني لعوالمٍ
عنها يَغِيبُ العالَمُ المُتَحجِّرُ
١٠-أصفو فتصفو في الغَرامِ جوارحي
ويُضيءُ لي المعنى ويدنو الجوهرُ
١١-فأرَى المَحبَّةَ جَنّةً لِمُريدِها
فيها العذابُ هو النّعيمُ الأكبرُ
١٢-أَلْمَى وإنْ كانَ الوداعُ مصيرَنا
سيظلُّ طيفُك ِ في المَشاعِرِ يُبْحِرُ
١٣-لا لن تغيبي عن خيالي ساعةً
ما دامَ حُبُّكِ في ضميري يُمْطِرُ
١١. قُمْ للمعلّم (أحمد شوقي)
للمعلم الناجح المخلص في عمله دورٌ لا غِنىً عنه في تربية الأجيال الناشئة، وتهذيب النفوس، وتقويم الأخلاق، وإشراب الطُّلاب المُثُلَ العليا اللازمة لصلاح المجتمع بشتّى فئاته وأطيافه.
وبمناسبة يوم المُعلِّم وتنويهاً بفضله وأهمية دوره في المجتمع، وإيماناً مني برسالته المقدسة، وحرصاً على تعريف شباب اليوم بذاك الفضل وتلك الرسالة اخترتُ لكم اليوم أبياتاً من قصيدة رائعة لأمير الشعراء أحمد شوقي حول هذا الموضوع يقولُ فيها:
١- قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا
كادَ المعلمُ أنْ يكونَ رسولا
٢- أعَلِمْتَ أشرفَ أو أَجَلَّ مِنَ الذي
يَبْني ويُنْشِئُ أنْفُساً وعقولا
٣- سُبحانَكَ اللهُمَّ خيرَ مُعلِّمٍ
علَّمتَ بالقلمِ القرونَ الأولى
٤- أخرجتَ هذا العقلَ مِنْ ظُلُماتِهِ
وهديتَهُ النورَ المُبينَ سَبيلا
٥- أرسلتَ بالتوراةِ موسى مُرْشِداً
وابْنَ البَتولِ فعَلَّمَ الإنجيلا
٦- وفَجَرْتَ يَنْبوعَ البيانِ مُحمّداً
فَسَقَى الحديثَ وناولَ التنزيلا
٧- عَلَّمْتَ يوناناً ومِصْرَ فَزالَتا
عَنْ كُلِّ شمسٍ ما تُريدُ أُفولا
٨- واليومَ أصبحتا بِحالِ طفولةٍ
في العِلْمِ تَلْتَمِسانِهِ تَطْفيلا
٩- مِنْ مَشْرِقِ الأرضِ الشموسُ تظاهرتْ
ما بالُ مَغْرِبها عليهِ أُدِيلا
١٠-يا أرضُ مُذْ فَقَدَ المُعلِّمُ نَفْسَهُ
بَيْنَ الشموسِ وبينَ شَرْقِكِ حِيلا
١١-وإذا النساءُ نَشَأنَ في أُمِّيَّة
رَضعَ الرِّجالُ جَهالةً وخُمولا
١٢-ليسَ اليتيمُ مَنِ انْتَهَى أبَواهُ مِنْ
هَمّ ِ الحياةِ وخَلّفاهُ ذَليلا
١٣-إنَّ اليتيمَ هو الذي تَلْقَى لَهُ
أُمّاً تَخَلَّتْ أوْ أَباً مشغولا
١٢. رد إبراهيم طوقان على قصيدة شوقي "قُم للمعلّم"
حديثنا اليوم عن قصيدة طريفة نظمها الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، الملقب بشاعر الجامعة، رداً على قصيدة أمير الشعراء "قم للمعلم". وُلد شاعرنا في مدينة نابلس عامَ ١٩٠٥ وتوفي في القدس عامَ ١٩٤١ وهو في ريعان الشباب عن عمر يناهز ٣٦ عاماً. وهو أخ شقيق لفدوى طوقان الملقبة بشاعرة فلسطين. تلقّى إبراهيم طوقان التعليم الإبتدائي في المدرسة الرشيدية بالقدس وأكمل دراسته الثانوية بمدرسة المطران في القدس، ثم التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت عام ١٩٢٣ ونال منها شهادة الجامعة في الآداب عامَ ١٩٢٩.
اشتغل ابراهيم طوقان مُدرّساً للغة العربية في مدرسة النجاح بنابلس ثُمَّ في الجامعة الأمريكية مدّةَ عامين انتقل بعدها إلى العراق حيث عمل مُدرّساً في دار المعلمين العالية، ولكن المرض عاجله فعاد إلى وطنه وتوفي في القدس عامَ ١٩٤١.
كان شعره يُنشَر في الصحف والمجلات ثم جُمع بعد وفاته في مجلد واحد تحت عنوان "ديوان إبراهيم طوقان". من أشهر قصائده "موطني" التي لاقت رواجاً منقطع النظير في أرجاء الوطن العربي وأصبحت نشيداً وطنياً للشعب الفلسطيني، وقصيدة "يا شهيد الوطن" التي نظمها بالاشتراك مع الشاعر المصري محمود أبو الوفا وخلّدت ثورة تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي.
اخترنا لكم من هذه القصيدة الأبيات التالية:
١- شوقي يقولُ وما دَرَى بمصيبتي
"قم للمعلم وَفِّهِ التبجيلا"
٢- لو جرّب التعليمَ شوقي ساعةً
لَقَضى الحياةَ شقاوةً وخُمولا
٣- حَسْبُ المعلم غُمّةً وكآبةً
مرأى الدفاترِ بُكرةً وأصيلا
٤- لو أنَّ في التصليحِ نفعاً يُرتَجَى
وأبيكَ لمْ أَكُ بالعيونِ بخيلا
٥- لكنْ أصلّحُ غلطةً نحويةً
مَثَلاً واتخذُ "الكتابَ" دليلا
٦- مُستشهداً بالغُرِّ من آياتهِ
أو "بالحديثِ" مُفصّلاً تفصيلا
٧- وأغوصُ في الشعرِ القديمِ فأنتقي
ما ليسَ مُلتبساً ولا مبذولا
٨- وأكاد أبعثُ سيبويهِ مِنَ البِلَى
وذويهِ من أهلِ القرونِ الأولى
٩- فأَرَى حِماراً بعدَ ذلكَ كُلّهِ
رَفَعَ المُضافَ إليهِ والمفعولا
١٠-لا تعجبوا إنْ صِحْتُ يوماً صيحةً
ووقعتُ ما بينَ البنوكِ قتيلا
١١-يا مَنْ يُريدُ الإنتحارَ وَجدْتُهُ
إنَّ المعلمَ لا يعيشُ طويلا
١٣. أبو القاسم الشابي (١٩٠٩-١٩٣٤ م)
وُلد في قرية الشابية بجنوب تونس، وكان والده الشيخ محمد بلقاسم الشابي فقيهاً من خريجي الأزهر الشريف وقاضياً شرعياً في عدد من الديار التونسية. التحق الشاعر وهو في سن الثانية عشرة بجامع الزيتونة الشهير حيث درس آداب اللغة العربية والعلوم الدينية ثم الشريعة في كلية الحقوق. بدأ ينظم الشعر ولم تتجاوز سنه الرابعة عشرة، وظهرت أولى قصائده في "مجلة النهضة" التونسية ثم تتابعَ ظهورُها في "مجلة أبولو" المصرية التي كان يشرف على إصدارها الدكتور أحمد زكي أبو شادي. أُصيب بداء في قلبه وتوفي في مدينة تونس وهو في شَرْخ الشباب وذروة العطاء، ودُفن جثمانه في مدينة تُوزَر. له، فضلاً عن ديوان شعره، كتاب بعنوان "الخيال الشعري عند العرب". فيما يلي نماذج من شعره:
١- إذا الشعبُ يوماً أراد الحياةَ
فلا بُدَّ أنْ يستجيبَ القَدَرْ
٢- ولا بُدَّ لليلِ أن ينجلي
ولا ُ بُدَّ للقيدِ أن ينكسِرْ
٣- إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ
ركبتُ المُنَى ونسيتُ الحذَرْ
٤- ومن لا يُحبُّ صعودَ الجبالِ
يَعِشْ أبَدَ الدّهرِ بين الحُفَرْ
٥- هو الكونُ حيٌّ يُحبُّ الحياةَ
ويحتقرُ المَيْتَ مهما كَبُرْ
٦- فلا الأُفْقُ يَحضنُ مَيْتَ الطيورِ
ولا النَّحلُ يَلثِمُ مَيْتَ الزَّهَرْ
ويقول في قصيدة أخرى:
١- سأعيشُ رغمَ الداءِ والأعداءِ
كالنَّسرِ فوقَ القمةِ الشَّمّاءِ
٢- أرنو إلى الشمسِ المُضيئةِ هازئاً
بالسُّحْبِ والأمطارِ والأنواءِ
٣- لا أرمُقُ الظلَّ الكئيبَ ولا أرى
ما في قَرارِ الهُوّةِ السوداءِ
٤- وأسيرُ في دنيا المشاعرِ حالماً
غَرِداً وتلكَ سعادةُ الشعراءِ
٥- أُصغي لموسيقى الحياةِ ووحيِها
وأُذيبُ روحَ الكونِ في إنشائي
٦- سأظلُّ أمشي رغمَ ذلك عازفاً
قيثارتي مُترنِّماً بغنائي
٧- النورُ في قلبي وبينَ جَوانحي
فعلامَ أخشى السيرَ في الظلماءِ
٨- إنّي أنا النايُ الذي لا تنتهي
أنغامُهُ ما دامَ في الأحياءِ
٩- إنَّ المَعاوِلَ لا تَهُدُّ مَناكبي
والنّارُ لا تأتي على أعضائي
ومن أبياته المشهورة:
١- عشْ بالشعورِ وللشعورِ فإنما
دنياكَ كَوْنُ عواطفٍ وشعورِ
٢- شِيدتْ على العطفِ العميقِ وإنها
لَتَجِفُّ لو شِيدتْ على التفكيرِ
١٤. الغنيّ والفقير (أبو العَيْناء)
١- مَن كان يملكُ دِرْهمينِ تعلّمتْ
شفتاهُ أنواعَ المقالِ فقالا
٢- وتقدّمَ الفصحاءُ فاسْتَمَعوا لهُ
ورأيتَهُ بينَ الوَرَى مُخْتالا
٣- لولا دراهمُهُ التي في كيسهِ
لَرَأَيْتَهُ شَرَّ البَريَّةِ حالا
٤- إنّ الغنيَّ إذا تكلّمَ كاذباً
قالوا صَدَقْتَ وما نَطَقْتَ مُحالا
٥- وإذا الفقيرُ أصابَ قالوا لمْ تُصِبْ
وكذبتَ يا هذا وقُلْتَ ضلالا
٦- إنّ الدراهمَ في المَواطنِ كلِّها
تكسو الرِّجالَ مَهابةً وجلالا
٧- فهيَ اللسانُ لِمَنْ أرادَ فصاحةً
وهيَ السلاحُ لِمَنْ أرادَ قتالا
نَسبَ ياقوت الحَمَويّ في كتابه معجم الأدباء هذه الأبيات إلى أبي العَيْناء.
١٥. في مَساوئ الفقر
قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: " كادَ الفقرُ أن يكونَ كُفراً". وقال الخليفة عمر بن الخطّاب: " لو كانَ الفقرُ رَجُلاً لَقَتَلْتُهُ".
وقال أحدُ الشعراء:
١- يمشي الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضِدُّهُ
والأرضُ تُغْلِقُ دونَهُ أبوابَها
٢- وتراهُ مبغوضاً وليس بمُذنبٍ
ويَرَى العداوةَ لا يَرَى أسبابَها
٣- حتّى الكلابُ إذا رأتْ ذا ثروةٍ
خضعتْ لديهِ وحرَكتْ أذنابَها
٤- وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً
نَبَحتْ عليهِ وكشّرتْ أنيابَها
نَسبَ مؤلف كتاب المستطرف هذه الأبيات إلى العباس بن الأحنف ولم أعثر عليها في ديوانه.
١٦. فيا عَجَباً لِمَن ربّيتُ طفلاً
من أشهر الأبيات الشعرية التي تناقلتها كتب الأدب واللغة بهذا المعنى الأبيات التالية:
١- فيا عجباً لِمَنْ ربّيتُ طفلًا
أُلقِّمُهُ بأطرافِ البنانِ
٢-أُعلّمهُ الرمايةَ كلَّ يومٍ
فلما اسْتَدَّ ساعدُهُ رماني
٣- وكم علّمتُه نظمَ القوافي
فلما قالَ قافيةً هجاني
٤- أُعلّمهُ الفُتوَّةَ كلَّ وقتٍ
فلمّا طَرَّ شارِبُهُ جَفاني
٥- تَوخّاني بقِدْحٍ شَكَّ قلبي
دقيقٍ قد بَرَتْهُ الراحتانِ
٦- فأَهْوَى سهمُهُ كالبرقِ حتى
أصابَ به الفؤادَ وما اتَّقاني
٧- فلا ظَفِرتْ يداهُ حين يرمي
وشَلَّتْ منهُ حاملةُ البنانِ
٨- فابْكُوا يا بَنِيَّ عليَّ حَوْلاً
وارْثُوني وجازوا مَن رماني
٩- جزاهُ اللهُ مِنْ ولدٍ جزاءً
سُلَيْمَةَ إنه شرّاً جزاني
هذه الأبيات تُروَى لأوس بن معن الأزدي وقد قيلت في ابن أخت له. يقول عنه ابن سلّام الجُمَحي في طبقات فحول الشعراء:
"شاعر مُجيد فَحْل من مخضرمي الجاهلية والإسلام. له مدائح في جماعة من الصحابة. رحل إلى الشام والبصرة وكُفَّ بصرُه في آخر أيامه. له أخبار مع عمر بن الخطاب وكان معاوية يفضّله ويقول: أشْعَرُ أهل الإسلام كعب بن زهير ومعن بن أوس، وهو من شعراء الطبقة الثانية".
ونسبَ آخرون هذه الأبيات إلى مالك بن فهم الأزدي وكان له أبناء كثيرون يُقال لأحدهم سُليمة رمى أباهُ بسهم فقَتَلهُ.
والرواية المتداولة على ألسنة الناس لعجز البيت الثاني هي "فلما اشْتَدَّ ساعدُهُ رماني"، غير أنّ الرواية التي ترد في جُلِّ كتب اللغة والأدب هي "اسْتَدَّ" من السداد في الرمي، وهو أقرب إلى المنطق لأنّ الرمي لا يُوصفُ بالشدة، بل بالسداد ودقّة الإصابة. وقد نبَّهَ علماء اللغة إلى هذا في مصنّفاتهم وكذلك أصحاب المعاجم اللغوية في مادة "سدد" ومنهم الخليل بن أحمد في قاموس العين، والجوهري في قاموس الصحاح، وابن منظور في لسان العرب، والحريري في درة الغواص، والميداني في مَجْمَع الأمثال والأصمعي وغيرهم.
______________________
شرح المفردات:
سَدَّ السهمُ واسْتدَّ: استقام، وسَدَّ القولُ والفعلُ أي استقامَ وأصابَ فهو سديد. وطَرَّ الشّاربُ: نَبَتَ وظَهَرَ. والقِدْح وجمعُها قِداح هو السَّهْم. أما القَدَح وجمعُها أقداح فهي الكأس. وكان العرب في الجاهلية يستخدمون القِداح في المَيْسِر. ومن تعابيرهم الإصطلاحية: فلان له القِدْحُ المُعَلَّى أي الحظ الأوفر . يقول أبو فراس الحمداني:
لسيف الدولةِ القِدْحُ المُعَلَّى
إذا استبقَ الملوكُ إلى القِداحِ
وأَهْوَى: سقطَ من عُلُوّ. وحاملةُ البنان: اليد. ما اتّقاني: ما أخْطَأَني.
١٧. كعب بن زهير
هو كعب بن زهير بن أبي سلمى وأبوه من شعراء المعلقات المعروفين الذين اشتهروا بالحكمة، وهو شاعر مخضرم أدرك الإسلام وحسُن إسلامه بعد أن كان قد هجا النبي صلى الله عليه وسلم فأُهْدِرُ دمُهُ. جاء كعب، امتثالاً لنصيحة أخيه جُبَيْر، النبيَّ صلّى اللهُ عليه وسلّم معتذراً وتائباً وأنشده قصيدتَهُ المشهورة ومطلعُها:
بانَتْ سعادُ فقلبي اليومَ مَتْبولُ
مُتَيَّمٌ إِثْرَها لمْ يُفْدَ مَكْبولُ
التي بلغت من إعجاب النبي بها حداً جَعَلَهُ يخلعُ بُردته ويلقيها على الشاعر بعد أن فرغ من إنشادها، فسمّيت "البُرْدَة".
يروقني من شعره، إضافةً إلى قصيدة "البردة" بالطبع، الأبيات الثلاثة التالية التي تتحدث عن سعي الإنسان، هذا المخلوق الضعيف، إلى تحقيق طموحاته، غيرَ مدرك لما يخبئه له القدر، وعن همومه وآماله التي تُعايشه حتى يفارقَ الحياةَ على هذه الأرض:
١- لو كنتُ أَعْجَبُ مِنْ شيءٍ لَأَعْجَبَني
سَعْيُ الفَتَى وهوَ مخبوءٌ لهُ القَدَرُ
٢- يَسْعَى الفَتَى لأمورٍ ليسَ يُدركُها
والنَّفسُ واحدةٌ والهَمُّ مُنْتَشِرُ
٣- والمرءُ ما عاشَ ممدودٌ لهُ أملٌ
لا تنتهي العينُ حتّى ينتهي الأثَرُ
١٨. عنترة بن شَدّاد العَبْسيّ
الكلُّ سَمِعَ ولا شكّ عن عنترة. فقصةُ فروسيته وشجاعته في الحروب وحُبّه الشديد لعبلة ابنة عَمِّهِ مالك يعرفها الخواصُّ والعوامُّ. فقد أضحت قصةُ عنترة منذُ تدوينها في أواخر القرن الرابع الهجري أدباً شعبياً وملحمةً بطوليةً اختلطتْ فيها الحقيقةُ بخيالِ الرُّواةِ والقُصّاص.
والذي يسترعي الانتباه في قصائد عنترة هو عذوبةُ جرْسها، ودقَّةُ أوصافها، وجَزالةُ ألفاظها، وسهولةُ مفرداتها حتى يُخيَّلَ إليكَ وأنتَ تقرؤُها أنك تقرأ لشاعر معاصر، لا لشاعر جاهليّ من شعراء المُعلَّقات.
استمعْ إليه وهو يفخرُ بشجاعته وشدّة بأسه في الحروب:
١- ولولا سِناني والحُسامُ وهِمّتي
لَمَا ذُكِرتْ عَبْسٌ ولا نالَها فخرُ
٢- سَيَذْكُرني قومي إذا الخيلُ أقبلَتْ
وفي الليلةِ الظلماءِ يُفْتَقدُ البدرُ
٣- يَعيبونَ لوني بالسواد ِ جَهالةً
ولولا سوادُ الليلِ ما طلعَ الفجرُ
٤- مَحَوْتُ بِذِكْري في الوَرَى ذِكْرَ مَنْ مَضى
وسُدْتُ فلا زيدٌ يُقالُ ولا عَمْرو
ويقولُ أيضاً:
١- لا تسقني ماءَ الحياةِ بذِلَّةٍ
بَلْ فاسْقِني بالعِزِّ كأسَ الحنظلِ
٢- ماءُ الحياةِ بذلّةٍ كجهنمٍ
وجهنَّمٌ بالعزِّ أطيبُ منزلِ
ثم استمعْ إليه وهو يرسمُ لكَ هذا المشهدَ الرائعَ وهذه الصورةَ البديعة. متى؟ والحربُ حاميةُ الوطيسِ والسيوفُ تتلاطمُ تلاطُمَ أمواجِ البحر الهائج من حوله:
١- ولقد ذكرتكِ والرماحُ نواهلٌ
مِنّي وبيضُ الهندِ تقطرُ مِنْ دمي
٢- فَوَدَدْتُ تقبيلَ السيوفِ لأنَّها
لَمَعَتْ كبارقِ ثغركِ المُتَبَسِّمِ
١٩. شكوَى العُشّاق من طول الليل
١- شَكَوْنا إلى أحبابنا طُولَ ليلنا
فقالوا لنا ما أقصرَ الليلَ عندنا
٢- وذاكَ لأنَّ النومَ يَغْشَى عيونَهمْ
سِراعاً وما يَغْشَى لنا النومُ أعْيُنا
٣- إذا ما دنا الليلُ المُضِرُّ بِذي الهَوَى
جَزِعْنا وهم يَسْتبْشرونَ إذا دنا
٤- فلوْ أَنّهمْ كانوا يُلاقونَ مِثْلما
نُلاقي لكانوا في المَضاجعِ مِثْلَنا
( من كتاب الأغاني لأبي الفرج الإصفهاني)
٢٠. وصف الخيزران جاريةِ هارون الرشيد (أبو نُواس)
دخلَ هارون الرشيد يومًا قبلَ وقتِ الظهرِ في مقصورة جارية له تُسَمَّى الخيزران على غفلةٍ منها، فوجدها تغتسلُ، فلمّا رأتهُ تجلَّلتْ بشعرها حتى لم يرَ من جسدها شيئًا، فأعجَبَهُ ذلك الفعلُ واسْتَحْسنهُ، ثُمّ عاد إلى مجلسه وقال: مَنْ بالباب من الشعراء؟ قالوا له: أبو نواس وبشّار. فأمر الرشيد بإحضارهما ولمّا حَضرا قال: لِيَقُلْ كلٌّ منكما أبياتًا توافقُ ما في نفسي. فأنشد بشّار أبياتًا قال له الرشيد بعد إنشادها: أحسنتَ، ولكنْ ما أصبتَ ما في نفسي، فقُلْ أنتَ يا أبا نواس، فجعلَ يقول:
١- نَضَتْ عنها القميصَ لِصَبِّ ماءٍ
فَوَرَّدَ خَدَّها فَرْطُ الحياءِ
٢- وقابلتِ الهواءَ وقدْ تَعَرّتْ
بِمُعْتدِلٍ أرَقَّ منَ الهواءِ
٣- ومَدّتْ راحةً كالماءِ منها
إلى ماءٍ مُعَدٍّ في إناءِ
٤- فلمّا أنْ قَضَتْ وَطَرًا وهَمّتْ
على عَجَلٍ إلى أخْذِ الرِّداءِ
٥- رأتْ شخصَ الرقيبِ على التداني
فأسْبَلَتِ الظلامَ على الضِّياءِ
٦- فغابَ الصبحُ منها تحتَ ليلٍ
وظلَّ الماءُ يقطُرُ فوقَ ماءِ
٧- فَسُبْحانَ الإلهِ وقد بَراها
كأحسنِ ما يكونُ منَ النساءِ
فقال الرشيد: سَيْفًا ونَطْعًاً. فقال له أبو نواس: ولِمَ يا أميرَ المؤمنين؟ قال الرشيد: أمعنا كنتَ؟ قال أبو نواس: لا واللهِ شيءٌ خطرَ ببالي. فأمرَ له الرشيد بأربعة آلاف درهم وصَرَفَهُ.
(من كتاب نوادر الخلفاء للإتْليدي)
____________________
شرح المفردات:
نَضَت عنها القميص: خَلعته عن بدنها. بمعتدل: أي بقامة معتدلة منتصبة. قضت وطرا: انتهت من الاغتسال. والمقصود بالظلام والليل شَعْرُ الجارية الشديد السواد، وبالضياء والصبح وجهها الوَضّاء المُشرِق. براها: خَلَقها وأوجدَها. سيفًا ونَطْعًا: أي أحْضِروا السيفَ والنَّطعَ، والنَّطْعُ بساطٌ من الجِلْد يُفْرَشُ تحتَ المحكوم عليه بقطع الرأس.
٢١. وصف الخمر والجواري (أبو نُواس)
١- لا تَبْكِ ليلى ولا تَطْرَبْ إلى هِندِ
واشْرَبْ على الوَرْدِ مِن حَمْراءَ كالوردِ
٢- كأساً إذا انحدرتْ في حَلْقِ شاربها
أجْدَتْهُ حُمْرَتَها في العَيْنِ والخَدِّ
٣- فالخمرُ ياقوتةٌ والكأسُ لُؤلؤةٌ
مِن كَفِّ جاريةٍ ممشوقةِ القَدِّ
٤- تَسْقيكَ من عينِها خمراً ومن يدِها
خمراً فما لكَ مِنْ سُكْريْنِ مِنْ بُدِّ
٥- لي نَشْوَتانِ وللنَّدْمانِ واحدةٌ
شيءٌ خُصِصْتُ بهِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَحْدي
—————————-
شرح المفردات:
يقول في صدر البيت الأول: دعكَ من البكاء على الأطلال ومن النَّسيب، أي الغزل في مطالع القصائد كما كان يفعل الشعراء القُدامى. أجْدَتْهُ: أعطتهُ وأَكْسَبَتْهُ. الياقوت حجر كريم أحمر اللون. الكأسُ لؤلؤة: أي بيضاء وصافية كاللؤلؤ.
النديم (وتُجمَع على نَدامَى ونَدْمان): المُصاحب على الشراب.
٢٢. أبو نُواس ودَنُّ الخمر
ما زلتُ أستلُّ روحَ الدَّنِّ في لُطُفٍ
وأسْتَقي دمَهُ من جوفِ مجروحِ
حتى انثنيتُ ولي روحانِ في جسدٍ
والدنُّ مُنطرحٌ جسمًا بلا روحِ
صورة شعرية بديعة يرسمها أبو نُوَاس، شاعرُ الخمرِ غَيْرَ مُدافَع، لما آلَ إليه حالُهُ بعدما انتهى من ارتشاف كُلِّ ما في زِقّ الخمر من شراب وحالُ الزِّقّ بعدما أُفْرِغَ من دَمهِ (أي النبيذ الأحمرالذي فيه) فانطرحَ على الأرض جُثَّةً هامدةً كجُثَّة جريحٍ نَزَفَ دَمُهُ فَفارَق الحياةَ. وقد كَنَّى الشاعرُ بروح الدن عن الخمرة التي في داخله.
٢٣. من غزليّات أبي نواس
١- تَصَبَّحْتُ في وَعْدٍ وبِتُّ على وَعْدِ
لمَنْ زارَني بَعْدَ التَّجَنُّبِ والصَّدِّ
٢- فَجاءَ بُعَيْدَ الظُّهْرِ لِلغَدِ مُوفِياً
وبِتُّ على مَهْدٍ وباتَ على مَهْدِ
٣- وما زالَ يَسْقينا ويَشْرَبُ لَيْلَنا
فَعَيْنٌ على عَيْنٍ وخَدٌّ على خَدِّ
٤- فَبِتْنا مِنَ السُّكْرِ الشديدِ كأنَّنا
قَتيلانِ لُفَّا في الرياحينِ والوَرْدِ
__________________
شرح المفردات:
مُوفياً: أي بِوعده. مَهْد: سرير. لَيْلَنا: أي طَوالَ لَيْلِنا.
٢٤. مقطوعة غزلية (ابن الروميّ)
١. أعانقُها والنَّفْسُ بعدُ مَشوقةٌ
إليها وهلْ بعدَ العِناقِ تَداني
٢- فألْثِمُ فاها كي تزولَ حرارتي
فيشتدُّ ما ألقَى مِنَ الهَيَمانِ
٣- وما كانَ مقدارُ الذي بي مِنَ الجَوَى
لِيَشْفِيَهُ ما تَرشُفُ الشفتانِ
٤- كأنّ فؤادي ليسَ يَشْفي غليلَهُ
سِوَى أن يَرَى الروحَيْنِ تَمْتَزِجانِ
( ديوان ابن الرومي)
٢٥. رشيد سليم الخوري الملقّب بالشاعر القروي (١٨٨٧-١٩٨٤ م)
شاعر لبناني من شعراء المهجر. هاجرَ بِرِفْقة أخيه قيصر إلى البرازيل في عام ١٩١٣ وتولّى رئاسة تحرير مجلة " الرابطة القلمية" لفترة ثلاث سنوات، ثُمّ رئاسة مجلة "العُصبة الأندلسية" عامَ ١٩٥٨. عُرِفَ بِحُبّه للعروبة وللشرق الإسلامي وكان يدعو إلى التآخي والتَّحابِّ بين المسلمين والمسيحيين، ولهُ، شأنَ شعراء مسيحيين كثيرين أمثال خليل مطران وإلياس فرحات وإلياس قنصل وجاك شمّاس وجورج صيدح، قصائدُ في مَدْحِ النبيّ محمد صلّى الله عليه وسَلّمَ.
يقول شاعرنا في النَّهْي عن ضَرْب الأبناء:
١- لا تَرْضَ صَفْعاً ولوْ مِنْ كَفِّ والدةٍ
ما قالَ ربُّكَ أنْ يُسْتَعْبَدَ الولدُ
٢- ما أبعدَ العِزَّ عن بيتٍ وعنْ وَطنٍ
بالذُّلِّ فيهِ تُرَبّي الأُمُّ مَنْ تَلِدُ
٣- أسْمَى التعاليمِ ما تَرْضَى العقولُ بهِ
ويَطْمَئِنُّ إليه الروحُ والجسدُ
٤- إذا اسْتَمَرَّ على حَمْلِ الأذى أسَدٌ
تَنْسَى الكِلابُ ويُنْسَى أنّهُ الأسَدُ
ومن أجود شعره عن العِزَّ والذُّل قولُهُ أيضاً:
١- إنَّ الذليلَ ولوْ أصْفَى مَوَدَّتَهُ
ففي النفوسِ انْقِباضٌ عن مَوَدَّتِهِ
٢- كلُّ الفضائلِ بَعْدَ العِزِّ ضائعَةٌ
أمانةُ الكلبِ لَمْ تَشْفَعْ بِذِلَّتِه
٢٦. من قصيدة فلسفة الحياة ( إيليا أبو ماضي)
١- أيُّهذا الشاكي وما بكَ داءٌ
كيف تغدو إذا غَدَوْتَ عليلا
٢- إنَّ شَرَّ الجُناةِ في الأرضِ نَفْسٌ
تتوقّى قبلَ الرحيلِ الرحيلا
٣- وترى الشوكَ في الورودِ وتَعْمَى
أنْ تَرَى فوقَها النَّدَى إكليلا
٤- هوَ عبءٌ على الحياةِ ثقيلٌ
مَنْ يظنُّ الحياةَ عبئاً ثقيلا
٥- والذي نفسُه بِغيْرِ جمالٍ
لا يرى في الوجودِ شيئاً جميلا
٦- ليس أشقى مِمَّنْ يرى العيشَ مُرّاً
ويظنُّ اللّذاتِ فيهِ فُضولا
٧- أحكمُ الناسِ في الحياةِ أناسٌ
عَلّلوها فأحسنوا التعليلا
٨- فتمتعْ بالصبحِ ما دمتَ فيهِ
لا تَخَفْ أن يزولَ حتى يزولا
٢٧. في الابتسام والتفاؤل (إيليا أبو ماضي)
وردت أحاديث من السُّنة النبوية تحثُّ على البشاشة وطلاقة الوجهِ نذكر منها ما يلي:
"تَبسُّمكَ في وجهِ أخيكَ صَدَقة"، و"إنّكم لن تَسَعُوا الناسَ بأموالكم فَلْيَسَعْهُمْ منكم بَسْطُ الوجهِ وحُسْنُ الخُلُق" . وعن الصحابي عبدالله بن الحارث قال: "ما رأيتُ أحداً أكثرَ تبسُّماً من رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال محمود الورّاق:
أخو البِشْرِ محمودٌ على كُلِّ حالةٍ
ولنْ يَعْدَمَ البَغْضاءَ مَنْ كانَ عابِسا
ويقول إيليا أبو ماضي الشاعر اللبناني في إحدى قصائده الجميلة:
١- قالَ السماءُ كئيبةٌ وتَجهّما
قُلْتُ ابتسِمْ يكفي التَّجَهُّمُ في السّما
٢- قالَ الليالي جَرّعتني عَلْقَماً
قُلتُ ابتسمْ ولَئِنْ جُرِّعْتَ العَلْقَما
٣- فلَعلّ غَيْرَكَ إنْ رآكَ مُرَنِّماً
طَرَحَ الكآبةَ جانباً وتَرَنَّما
٤- أتُراكَ تَغْنَمُ بالتَّبَرُّمِ دِرْهماً
أَمْ أنتَ تَخسرُ بالبشاشةِ مَغْنَما
ويقولُ في قصيدة أخرى:
١- كُنْ بلسماً إنْ صارّ دهرُكَ أَرْقَما
وحلاوةً إنْ صارَ غيرُكَ عَلْقَما
٢- أحْسِنْ وإنْ لمْ تُجْزَ حتّى بالثّنا
أيَّ الجزاءِ الغيثُ يَبْغي إنْ هَمَى
٣- مَنْ ذا يُكافئُ زهرةً فَوّاحَةً
أوْ مَنْ يُثيبُ البلبلَ المُتَرَنِّما
٤- أحْبِبْ فيغدو الكوخُ قَصراً نَيِّراً
وابْغِضْ فيُمسي الكونُ سِجْناً مُظْلِما
كلام يقعُ في النفوس المكتئبة مَوْقِعَ الغيث في الأرضِ الميتة فيُحْييها.
___________________
شرح المفردات:
تَجهَّمَ: كَشّرَ وقَطّبَ جَبينَهُ. تَبَرَّم. تضَجَّرَ. الأرقم: ذَكَرُ الحيّات أو أخبثُها. هَمَى الغيث: سالَ وانسكبَ. يثيبُ: .يكافئ ويجازي. نيّر: مُضيء.
٢٨. القصيدة الزَّيْنَبيّة (صالح بن عبد القدّوس)
من أروع القصائد التي طالعتها في كُتُب الأدب وأجودها وأغناها بالحِكَم والعِبَر والمواعظ والتي تنم عن تجارب عميقة في الحياة القصيدة "الزَّيْنبيّة" للشاعر العباسي صالح بن عبد القدّوس الذي عاصر الخليفتين العباسيين المهدي والرشيد، وكان واعظاً يعظُ الناسَ بالبصرة.
تتسمُ هذه القصيدة، التي يبلغُ عددُ أبياتها نحوَ خمسة وستين بيتاً، بجزالة الألفاظ، وروعة التصوير، وجمال التعبير، ومتانة النَّظْم.
والقصيدة، على اختلاف طفيف في الألفاظ وترتيب الأبيات، تُنسَبُ أيضاً إلى الإمام عليّ، ولكنّ معظم مؤرخي الأدب والرُّواة ينسبونها إلى صالح بن عبد القدوس، مستندين في ذلك إلى أدلّةٍ من داخل النص ومن خارجه.
اخترنا لكم من هذه القصيدة الغَرّاء الأبيات التالية:
١- صَرَمتْ حِبالَكَ بعدَ وَصْلكَ زَينبُ
والدهرُ فيه تَغيُّرٌ وتَقَلُّبُ
٢- ذهبَ الشبابُ فما لهُ من عودةٍ
وأَتَى المَشيبُ فأينَ منهُ المَهْرَبُ
٣- لا تَأمَنِ الدهرَ الخَؤونَ فإنّهُ
ما زالَ قِدْماً للرجال ِ يُؤدِّبُ
٤- واقنَعْ ففي بعض ِالقناعةِ راحةٌ
واليأسُ مِمّا فاتَ فهو المَطلَبُ
٥- وإذا طَمِعتَ كُسِيتَ ثوبَ مَذلَّةٍ
فلقدْ كُسِي ثوبَ المَذلّةِ أشْعبُ
٦- إخْتَرْ قرينَكَ واصطفيهِ تفاخُراً
إنّ القرينَ إلى المُقارن يُنْسَبُ
٧- واحْذرْ مُصاحبةَ اللئيمِ فإنَّهُ
يُعْدي كما يُعدي الصحيحَ الأجرَبُ
٨- واحْرصْ على حفظ القلوبِ من الأذى
فرجوعُها بعدَ التنافُرِ يَصعُبُ
٩- إنّ القلوبَ إذا تنافَرَ وُدُّها
شِبْهُ الزُّجاجة ِ كَسْرُها لا يُشْعَبُ
١٠- واحفظْ لسانَكَ واحْتَرزْ مِنْ لَفْظهِ
فالمرءُ يَسْلَمُ باللسانِ ويَعْطَبُ
١١- وكذاكَ سِرُّ المرءِ إنْ لَمْ يَطْوِهِ
نَشَرَتْهُ ألسِنةٌ تَزيدُ وتَكْذبُ
١٢- إنَّ الحقودَ وإنْ تَقادمَ عهدُهُ
فالحِقْدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَيَّبُ
١٣- لا خيرَ في وُدِّ امْرئٍ مُتملِّقٍ
حُلْوِ اللسانِ وقلبُهُ يتلهَّبُ
١٤- يلقاكَ يَحْلِفُ أنّه بكَ واثقٌ
وإذا توارَى عنكَ فهو العقربُ
١٥- يُعطيكَ من طَرَفِ اللسانِ حلاوةً
ويروغُ منكَ كما يَروغُ الثعلبُ
١٦- واجِهْ عدوَّكَ بالتحيةِ لا تكُنْ
منهُ زمانَكَ خائفاً تَتَرقَّبُ
١٧- واحْذَرْهُ إنْ لاقَيْتَهُ مُتبَسِّماً
فالليثُ يبدو نابُهُ إذْ يَغْضَبُ
١٨- واحذَرْ منَ المظلومِ سهماً صائباً
واعلَمْ بأنَّ دُعاءَهُ لا يُحْجَبُ
١٩- وإذا أصابكَ في زمانكَ شِدَّةٌ
وأصابكَ الخَطْبُ الكريهُ الأصعبُ
٢٠- فالْجَأْ لِرَبِّكَ إنّهُ أَدْنَى لِمَنْ
يَدعوهُ مِنْ حَبْل ِ الوَريدِ وأقْرَبُ
٢١- فلقدْ نَصَحْتُكَ إنْ قَبلتَ نصيحتي
فالنُّصْحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَبُ
——————————-
شرح المفردات:
صرمت حبالك: قطعتها، أي هَجَرَتْكَ. شَعَبَ وأَشْعَبَ الصّدْعَ: لَمَّهُ وأصلحَهُ. أشعب: رجل اشتهر بالطمع.
يَعْطَب: يَهْلَك. البيت رقم ١٧ يُذَكّر بقول المتنبي:
إذا رأيتَ نيوبَ الليثِ بارزةً
فلا تَظُنَّنَّ أن الليثَ يبتسمُ
في البيت رقم ١٨ إشارة إلى الحديث الشريف: "اتَّقِ دعوةَ المظلوم فإنها ليس بينَها وبين الله حِجاب" . في البيت رقم ٢٠ إشارة إلى قوله تعالى: "ونحنُ أقرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الوريد" (ق: ١٦).
٢٩. لقد ترجو فيَعسُرُ ما تُرجّي (الزُّبَير بن عبد المُطَّلب)
اخترتُ لكم اليومَ قصيدةً نَسَبها صاحبُ ديوان "الحماسة البصرية" إلى الزُّبير بن عبد المُطّلب، وهي قصيدة تزخرُ بالحكمة وتنمُّ عن رجاحةِ عقلِ ناظِمِها، وسَدادِ رأيهِ، وثُقُوبِ نظرته إلى الأمور، وسِعة تجاربه في الحياة. آمل أن تنالَ إعجابَكم وأنْ تجدوا فيها المتعةَ والفائدة.
١- لقد ترجو فيَعْسُرُ ما تُرَجِّي
عليكَ وينجحُ الأمرُ العسيرُ
٢- وما تدري أَفي الأمرِ المُرَجَّى
أمِ الأمرُ الذي تخشَى السرورُ
٣- لَوَ انَّ الأمرَ مُقْبِلُهُ جَليٌّ
كَمُدْبِرهِ لَمَا عَمِيَ البصيرُ
٤- إذا ما العقلُ لمْ يُعْقَدْ بقلبٍ
فليسَ يَجيءُ بالعقلِ الدُّهورُ
٥- وليسَ الفقرُ مِنْ إقْلالِ مالٍ
ولكنْ أحمقُ القومِ الفقيرُ
٦- تُصيبُ الخيرَ مِمّنْ تَزْدَريهِ
ويُخْلِفُ ظَنّّكَ الرَّجلُ الطّريرُ
٧- صغيرُ القومِ في التأديبِ يُرْجَى
ولا يُرْجَى على الأدبِ الكبيرُ
٨- متى تُطْفي كبيرَ الشرِّ يُطْفَا
وإنْ أوْقَدْتَهُ كَبُرَ الصغيرُ
٩- كمالُ المرءِ حُسْنُ الدِّينِ منهُ
ويَنْقُصُهُ وإنْ كَمُلَ الفُجورُ
١٠- إذا لمْ تَدْرِ ما الإنسانُ فانْظُرْ
مَنِ الخِدْنُ المُفاوِضُ والوَزيرُ
_____________________
شرح المفردات:
الطّرير: ذو المنظر الحسن أو الهيئة الحسنة. تُطْفي: أي تُطْفِئ. يُطْفا: أي يُطْفَأ. كبُرَ الصغيرُ: أي الشرُّ الصغير. ينقُصُهُ الفجورُ : يُصَيِّرُهُ الفجورُ ناقصاً، وهو هنا فعل مُتعَدٍّ وليس فعلاً لازماً، ومنه قوله تعالى: "أوَلَمْ يَرَوْا أنّا نأتي الأرضَ نَنْقُصُها مِنْ أطرافها" (الرعد: ٤١). الخِدْنُ: الصديق والصاحب. الوزير: المُعِين على تَحَمُّلِ ثِقَلِ الأعباء والمُهِمّات. ومنه قوله تعالى: "واجْعَلْ لي وزيراً من أهلي هارونَ أخي اشْدُدْ بهِ أزْري" (طه: ٢٩-٣١).
٣٠. مساوئ الإكثار من الأصدقاء (ابن الروميّ)
الشاعر العبّاسيّ ابن الرومي يُقْنِعُنا بالحُجَج والأدِلّة بأنّ من غير الصوابِ الإكثارَ من الأصدقاء، مُخالِفاً بذلكَ الحِكْمة المأثورة التي يُلَخِّصها قولُ الشاعر محمود الورّاق:
١- تَكَثَّرْ مِنَ الإخوانِ ما اسْطَعْتَ إنّهُمْ
عِمادٌ إذا اسْتَنْجَدْتَهُمْ وظُهورُ
٢- وليسَ كثيراً ألْفُ خِلٍّ وصاحِبٍ
وإنَّ عدوًّا واحداً لَكثيرُ
يقولُ شاعرنا:
١- عَدُوُّكَ مِنْ صديقِكَ مُسْتَفادٌ
فلا تَسْتَكْثِرَنَّ مِنَ الصِّحابِ
٢- فإنَّ الدّاءَ أكثرَ ما تَراهُ
يكونُ مِنَ الطعامِ أوِ الشَّرابِ
٣- إذا انْقَلَبَ الصّديقُ غَدا عَدوًّا
مُبِيناً والأمورُ إلى انْقِلابِ
٤- ولوْ كانَ الكثيرُ يَطيبُ كانتْ
مُصاحَبةُ الكثيرِ مِنَ الصَّوابِ
٥- ولكنْ قَلَّ ما اسْتَكْثَرْتَ إلّا
سَقَطْتَ على ذِئابٍ في ثِيابِ
٦- فَدَعْ عنكَ الكثيرَ فَكَمْ كَثيرٍ
يُعافُ وكَمْ قليلٍ مُسْتَطابِ
٧- وما اللُّجَجُ المِلاحُ بمُرْوياتٍ
وتَلْقَى الرِّيَّ في النُّطَفِ العِذابِ
(ديوان ابن الروميّ)
——————————-
شرح المفردات:
مُسْتفاد: مُكتسَب. مُبِيناً : ظاهرَ العداوة. في ثياب: أي في ثياب بشريّة. يُعافُ: تكرهُهُ النفسُ وتنفرُ منه. لُجَج: جمعُ لُجّة وهي معظمُ البحر حيثُ تتلاطمُ أمواجُه ولا يُدرَكُ قعرُهُ. المِلاح: المالِحة. نَُطَف: جمع نُطْفَة وهي القَطْرة. العِذاب: العَذْبة.
٣١. نُبذة عن حياة أبي العلاء المعري
وُلد أبو العلاء المعري في معرّة النعمان (٩٧٣-١٠٥٧ م) بسوريا وقد كُفَّ بصرُهُ وهو في الرابعة من عمره إثر إصابته بمرض الجُدَري. اشتُهر بالتشاؤم وسوء الظن بالناس والحكام ورجال الدين، وكان يعتقد أن البشر فُطِروا على الشر والظلم والفساد والكذب والاحتيال. وقد انتشرت هذه الآفات في عصره انتشاراً واسعاً جعله يعتزل الناس في بيته في معرّة النعمان نحو أربعين عاماً وشُهر بين الناس برهين المحبسين- العمى والمنزل. ولكنه يذكر في شعره أنه رهينُ ثلاثة سجون، لا سجنين فحسب:
أراني في الثلاثةِ من سجوني
فلا تسألْ عن الخبر النبيثِ
لفقدي ناظري ولزومِ بيتي
وكونِ النفس في الجسد الخبيثِ
وعن شرور الناس وظلمهم يقول:
حوتنا شرورٌ لا صلاحَ بمِثلها
فإنْ شذَّ منها صالحٌ فهو نادرُ
ويقول أيضاً:
ومن أتاهمْ بظلمٍ فهوَ عندَهُمُ
كجالبِ التمرِ مُغترّاً إلى هَجَرِ
كان المعري يؤمن بتحكيم العقل حتى في المعتقدات الدينية الموروثة وفي المسائل الفلسفية والأمور الغيبية. واعترض على الحج إلى الكعبة ولثم الحجر الأسود باعتبارهما عادات وثنية، كما اعترضَ على قطع يد السارق في ربع دينار، وفي ذلك يقول:
يدٌ بخمسِ مِئينَ عسجدٍ وُدِيت
ما بالُها قُطعتْ في رُبعِ دينارِ
تناقُضٌ ما لنا إلّا السكوتُ لهُ
وأنْ نَعوذَ بِمولانا مِنَ النّارِ
كما عابَ سبيَ النساء في الحروب فقال:
وهلْ أبيحتْ نساءُ الرومِ عن عُرُضٍ
للعُرْبِ إلا بأحكامِ النبواتِ
كما كان يؤمن بأن الإنسان مسيَّر، لا مخير. فهو يقول:
ما باختياريَ ميلادي ولا هرمي
ولا حياتي فهل لي بعدُ تخييرُ
ولا إقامةَ إلا عن يَدَيْ قَدَرٍ
ولا مَسيرَ إذا لمْ يُقْضَ تسييرُ
ألزمَ نفسَه ما لا يلزم في نظم معظم شعره وله ديوان يقع في مجلدين اسمه " اللزوميات" أو " لزوم ما لا يلزم"، وحرّم على نفسه أكل اللحوم والطيور والسمك والبيض واللبن والحليب والعسل وكل المنتجات الحيوانية. اقرأ له إن شئت القصيدة التي مطلعها:
غدوتَ مريضَ العقلِ والدينِ فالقَني
لتسمعَ أنباءَ الأمورِ الصَّحائحِ
ففيها التفصيل الشافي.
كان يؤمن بأن هذه الحياة شقاء وعذاب لا تستحق أن تُعاش، فأوصى الناس بعدم إنجاب الأطفال حتى ينقرض الجنس البشري. وقد أوصى أن يُكتب على شاهد قبره بعد مماته البيت التالي:
هذا جناهُ أبي عليَّ وما جَنَيتُ على أحَدْ
له مؤلفات شعرية ونثرية عديده أشهرها ديوان سِقط الزند، واللزوميات، والفصول والغايات، وشرح ديوان الحماسة، وشروح دواوين المتنبي وأبي تمام والبحتري، ورسالة الغفران التي تأثر بها كُتّاب غربيون أشهرهم الشاعر الإيطاليّ دانتي في "الكوميديا الإلهية".
٣٢. أبو العلاء المعري: شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء
سبقَ أن كتبتُ منشوراً عن أبي العلاء المعري وفلسفته قبل نحو ستة أشهر، وهذا هو المنشور الثاني الذي يتناول على وجه الحصر رأيَهُ في الأديان والشرائع والمعتقدات الدينية الموروثة. ورغم أنّ بعضَ علماء الدين وغيرهم رَمَوْا أبا العلاء بِرِقَّةِ الدين والزندقة، بل والإلحاد، إلّا أنّه يُسْتفادُ من شعره، وخاصّةً من ديوانه المسمَّى " لزوم ما لا يلزم" أو " اللزوميات"، أنّه كان يُؤمِن بوجود الله وقضائه إيماناً غيرَ تقليديّ رغم عجز عقله عن إدراك كُنهِ الذات الإلهية وحِكْمة الخالق في بعض الأمور والمسائل الشرعية والفرائض الدينية. وفي ذلك يقول:
وليسَ لنا عِلْمٌ بِسِرِّ إلهِنا
فهلْ عَلِمَتْهُ الشمسُ أو شَعَرَ النَّجْمُ
واللهُ حَقٌّ وابْنُ آدمَ جاهلٌ
من شأنهِ التفريطُ والتكذيبُ
وقُدْرةُ اللهِ حقٌّ ليسَ يُعْجِزُها
حَشْرٌ لِخَلْقٍ ولا بَعْثٌ لِأمْواتِ
١- إذا كنتَ مِنْ فَرْط السَّفاهِ مُعَطِّلاً
فيا جاحِدُ اشْهَدْ أنَّني غيرُ جاحدِ
٢- أخافُ من اللهِ العقوبةَ آجِلاً
وأزعُمُ أنَّ الأمرَ في يَدِ واحدِ
وكان أبو العلاء، كما يتّضحُ من شِعره، لا يؤمن بالرسُل ويعتقد أنّ الديانات هي من اختراع الإنسان وأنّها لا تخدم إلّا مصالحَ المؤسسة الدينية والمنتفعين منها. وكان يؤمن إيماناً راسخاً بأنّ العقل رغمَ حدوده المعروفة هو المُرْشد الأوحد الذي يُعَوَّل عليه في فَهْمِ ما أشْكَلَ أو اسْتَغْلَقَ من المسائل الدينية والفلسفية والأخلاقية. وفي ذلك يقول:
١- جاءتْ أَحاديثٌ إنْ صَحّتْ فَإنَّ لها
شَأْناً ولكنْ فيها ضَعْفُ إسنادِ
٢- فَشاوِرِ العقلَ واتْرُكْ غَيْرَهُ هَدَراً
فالعقلُ خيرُ مُشيرٍ ضَمَّهُ النّادي
ويقول:
أمّا اليقينُ فلا يَقينَ وإنَّما
أقْصَى اجْتهادي أنْ أظُنَّ وأحْدِسا
وأنا أعلم أنّ فلسفةَ أبي العلاء المعري وآراءَهُ في الأديان لنْ تَروقَ المُتزَمِّتين والمُتَنطِّعين، ولكنني أرى أنّ مِنْ حقِّ القُرّاء الاطِّلاع على شيءٍ من الإرث الأدبي والفكري والفلسفي لهذا الشاعر الكبير الذي سبقَ بفِكره النَّيِّر المتحرر من رِبْقَةِ التقاليد والعقائد الموروثة كبارَ المفكرين والفلاسفة في أوروبا بمئات السنين. وأخيراً لا بُدَّ من التنويه بأنَّ آراء أبي العلاء هذه في الأديان لا تعكسُ بَتاتاً رأيي الشخصي في الموضوع ولا قناعاتي الدينية.
يقول المعري في لزومياته:
١- هَفَتِ الحنيفةُ والنصارى ما اهتدتْ
ويهودُ حارتْ والمَجوسُ مُضلّلَهْ
٢- إثنانِ أهلُ الأرضِ ذو عقلٍ بلا
دِينٍ وآخَرُ دَيِّنٌ لا عقلَ لَهْ
ويقول:
١- دِينٌ وكُفرٌ وأنباءٌ تُقَصُّ وَفُرْ
قانٌ يُنَصُّ وتوراةٌ وإنجيلُ
٢- في كل جيلٍ أباطيلٌ يُدانُ بها
فهلْ تَفرَّدَ يوماً بالهُدى جيلُ
ويقول:
١- أفيقوا أفيقوا يا غُواةُ فإنما
دياناتُكمْ مَكْرٌ منَ القُدماءِ
٢- أرادوا بها جَمْعَ الحُطامِ فأدركوا
وبادوا ودامتْ سُنَّةُ اللؤماءِ
ويقول:
١- ولا تُطِيعَنَّ قوماً ما ديانتُهُمْ
إلّا احْتِيالٌ على أخْذِ الإتاواتِ
٢- وإنَّما حَمَّلَ التوراةَ قارِئَها
كَسْبُ الفوائدِ لا حُبُّ التِلاواتِ
٣- إنَّ الشرائعَ ألقتْ بَيْنَا إِحَناً
وأوْدعَتْنا أفانينَ العَداواتِ
ويقول:
١- أُمورٌ تُسْتَخَفُّ بها حُلومٌ
وما يدري الفتى لِمَنِ الثُّبورُ
٢- كتابُ محمدٍ وكتابُ موسى
وإنجيلُ ابن مريمَ والزَّبورُ
٣- نَهتْ أُمماً فما قَبِلتْ وبارتْ
نصيحتُها فكلُّ القومِ بُورُ
ويقول:
١- فلا تَحْسَبْ مَقالَ الرُّسْلِ حقّاً
ولكنْ قوْلَ زُورٍ سطَّروهُ
٢- وكانَ النّاسُ في عيشٍ رَغيدٍ
فجاؤوا بالمُحالِ فكَدَّروهُ
ويقول:
١- في اللاذقية ضجّةٌ ما بينَ أحمدَ والمسيحْ
٢- هذا بناقوسٍ يَدُقُّ وذا بمِئْذنةٍ يصيحْ
٣- كُلٌّ يُعظِّمُ دِينَهُ يا ليتَ شِعْري ما الصحيحْ
وكان أبو العلاء يُؤمِنُ بأنّ الأديان والمعتقدات الدينية إنَّما تُتَوارَثُ بالتلقين والتقليد يأخذها اللاحق عن السابق والصغيرُعن الكبيرِ دُونَ إعمال فِكْر ومن غير ما تمحيص. وفي ذلك يقول:
١- وينشأ ناشئُ الفتيانِ مِنّا
عَلَى ما كانَ عَوَّدَهُ أبوهُ
٢- وما دانَ الفتى بِحِجىً ولكنْ
يُعَلِّمُهُ التَّدَيُّنَ أَقْرَبًوهُ
ويقول أيضاً:
١- في كلِّ أمْرِكَ تقليدٌ رَضيتَ بهِ
حتّى مَقالُكَ ربّي واحدٌ أحَدُ
٢- وقدْ أُمِرْنا بِفِكْرٍ في بدائعهِ
وإنْ تَفَكَّرَ فيهِ مَعْشرٌ لَحَدُوا
ويقول كذلك:
١- عاشوا كما عاشَ آباءٌ لهمْ سَلَفوا
وأَوْرَثوا الدِّينَ تقليداً كما وَجَدوا
٢- فما يُراعون ما قالوا وما سَمِعوا
ولا يُبالونَ، مِنْ غَيٍّ، لِمَنْ سَجَدوا
ويقول:
١- والعقلُ يَعْجَبُ والشرائعُ كُلُّها
خَبَرٌ يُقَلَّدُ لم يَقِسْهُ قائِسُ
٢- مُتَمَجِّسُونَ ومُسْلمونَ ومَعْشرٌ
مُتَنَصِّرُونَ وهائِدونَ رَسائِسُ
٣- وبيوتُ نيرانٍ تُزارُ تَعَبُّداً
ومساجدٌ معمورةٌ وكنائسُ
٤- والصابئونَ يُعظِّمونَ كواكباً
وطِباعُ كُلٍّ في الشرورِ حَبائسُ
٣٣. جبل التوباد (أحمد شوقي)
موضوعنا لهذا اليوم قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي اخترتها لكم من مسرحيته الشعرية "مجنون ليلى". قرأتُ هذه القصيدة وأنا في المدرسة الثانوية وعدتُ فقرأتها اليوم وأنا في خريف العمر فوجدتُ فيها من الجمال والعذوبة والنغم والسحر والصور والأخْيِلَة الشعرية ما لم أجده في حداثتي. في هذه القصيدة يناجي قيس بن الملوح جبلَ التوباد بكلمات رقيقة تذيب الصخر وهو يتفجع على هاتيك الأيام الخوالي التي أمضاها مع ابنة عمه ليلى العامرية وهما صغيران يرعيان الماشية معا على سفوح ذاك الجبل وروابيه ويستنطق حجارةَ الجبل فلا تجيبه ويطلب من أيام الشباب أن ترجع فتأبى الرجوعَ.
أما بيت القصيد عندي فهو البيت الأخير الذي يلخص فيه الشاعر فحوى القصيدة كلها: العمر كله وليلى بعيدة عنه لا يساوي ساعة واحدة وهي معه، وجميعُ بقاع الأرض لا تعدل البقعةَ التي فيها نشأ وأحبَّ ابنة عمّه ليلى.
يقول شوقي على لسان قيس:
١- جبلَ التَّوْبادِ حيّاكَ الْحَيَا
وسَقَى اللهُ صِبانا ورَعَى
٢- فيكَ ناغَيْنا الهَوَى في مهدهِ
ورَضِعْناهُ فكنتَ المُرْضِعا
٣- وحَدَوْنا الشمسَ في مَغْرِبِها
وبَكَرْنا فسَبَقْنا المَطْلَعَا
٤- وعلى سَفْحِكَ عِشْنا زَمَنًا
ورَعَيْنا غنمَ الأهلِ مَعا
٥- هذهِ الربوةُ كانت مَلْعَبًا
لشبابَيْنا وكانتْ مَرْتَعا
٦- كمْ بَنَيْنَا مِنْ حَصاها أرْبُعًا
وانْثَنَيْنا فَمَحَوْنا الأربُعا
٧ - وخَطَطْنا في نَقَا الرَّمْلِ فلَمْ
تحفظِ الريحُ ولا الرملُ وَعَى
٨ - لمْ تَزَلْ ليلى بعينيَ طفلةً
لمْ تزِدْ عن أمسِ إلا إصْبَعا
٩ - ما لأحجاركَ صُمّاً كلما
هاجَ بيَ الشوقُ أبتْ أنْ تَسْمَعا
١٠- كلما جئتكَ راجعتُ الصِّبا
فأبَتْ أيامُهُ أن تَرْجِعا
١١- قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً
وتهونُ الأرضُ إلا مَوْضِعا
هذا هو شوقي الشاعر المُلْهَم، وهذا هو شعره الفَتّان، وتلك هي عبقريته الفذة.
—————————
شرح المفردات:
الحيا: المطر. ناغى: لاطفَ بالمحادثة والملاعبة. حَدَا الشمسَ: تَبِعَها. المطلع: طلوع الشمس. المرتع: مكان اللهو واللعب. إنثنينا: انعطفنا ورجعنا. أرْبُع:
جمع ربع أي المنزل أو الدار. نقا الرمل: كثبان الرمال. وَعَى: حفظ وأبقى. راجعتُ الصبا: طلبتُ منه أن يرجع.
٣٤.سَجَا اللّيل (أحمد شوقي)
يسرني أن أعود لشعر أمير الشعراء بعد ما كتبته عن قصيدة "جبل التوباد" قبل أيام معدودة. هذا الشاعر الفذ الذي يُخيَّل إليّ أحياناً أن روحه موصولة بمنابع الإلهام الرباني يشدني إليه شدّاً كلما قرأتُ في ديوان شعره. والسبب في ذلك على ما أرى أن شعر شوقي على كثرة أغراضه يتميز برهافة الحس، وسعة الخيال، ودقة الوصف، وروعة البيان، وسلاسة الأسلوب، وحلاوة الجرس، وبراعة الاستهلال في كثير من القصائد، وثراء المفردات وحسن اختيارها. اقرؤًوا إن شئتم ما نظمه شوقي عن النيل وأبي الهول والحضارة الفرعونية، وعن قصف دمشق من قبل الفرنسيين، وعن المعلم، وقصائده في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم وفي ذكرى المولد النبوي، ومعارضاته الشعرية للبحتري والمتنبي وابن زيدون والحصري وستكتشفون بأنفسكم، إن كنتم ممن يتذوقون الشعر، أنكم أمام شاعر عبقري قلما يجود الزمان بمثله.
أما اليوم فقد اخترت لكم عدداً من الأبيات الشعرية من مسرحيته الشعرية " مجنون ليلى" وجدت فيها جمالاً وسحراً وروعةً تأخذ بمجامع القلوب في جوّها العام وبحر نظمها وصورها الشعرية وخيالاتها ومعانيها وتأوّهاتها وما فيها من لواعج الحب والشوق والحنين.
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي على لسان قيس بن المُلوَّح:
١- سَجا الليلُ حتى هاجَ ليَ الشِّعرَ والهَوَى
وما البيدُ إلا الليلُ والشِّعْرُ والحبُّ
٢- ملأتَ سماءَ البيدِ عشقاً وأرضَها
وحُمِّلتُ وحدي ذلك العشقَ يا ربُّ
٣- ألَمَّ عَلى أبياتِ ليلى بيَ الهَوَى
وما غيرَ أشواقي دليلٌ ولا رَكْبُ
٤- وباتتْ خيامي خُطوةً من خيامها
فلمْ يَشْفِني منها جِوارٌ ولا قُرْبُ
٥- إذا طافَ قلبي حولَها جُنَّ شوقُهُ
كذلك يُطفي الغُلّةَ المَنْهَلُ العذبُ
٦- يَحِنُّ إذا شَطّتْ ويصبو إذا دنتْ
فيا وَيْحَ قلبي كَمْ يَحِنُّ وكمْ يصبو
ما هذا الحُبُّ الذي يملأ سماءَ البِيد وأرضَها، وما هذه الأشواق التي تحرق قلب قيس، وما هذا الحب الذي ابتُلي به ذلك المسكين، وما هذا العذاب الذي يعانيه من أجل ليلى، وما أروعك يا شوقي في تصوير ما يختلجُ في نفس ذلك الشاعر المُستهام من عواطف جَيّاشة!
٣٥. قصيدة اللغة العربية تَنْعَى حَظَّها بين أهلها (حافظ إبراهيم)
كثُرَ الجدلُ في مصر وبعض الأقطار العربية في زمن حافظ إبراهيم حول قدرة اللغة العربية على مجاراة مختلف العلوم والتقنيات الحديثة التي كثرت كثرة بالغة. ورَمَى بعضُ الكُتاب، ومعهم مستشرقون من دول الغرب، لغتَنا الجميلة بالقصورعن التعبير في مختلف العلوم الحديثة، بل منهم من نادى بتدريس هذه العلوم في المدارس والجامعات باللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية. وانبرى للردّ على هؤلاء والدفاع عن العربية كتّاب وأدباء منهم شاعرنا حافظ إبراهيم الذي نظم قصيدة في هذا الموضوع بعنوان "اللغة العربية تنعى حظَّها بين أهلها" اخترنا لكم منها الأبيات التالية:
١- رجعتُ لنفسي فاتهمتُ حَصاتي
وناديتُ قومي فاحتسبتُ حياتي
٢- رمَوْني بعُقم في الشبابِ وليتني
عَقِمْتُ فلم أجزَعْ لقولِ عُداتي
٣- وَلَدْتُ ولمّا لمْ أجدْ لعرائسي
رجالاً وأكْفاءً وأدتُ بناتي
٤- وسِعتُ كتابَ اللهِ لفظاً وغايةً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعظاتِ
٥- فكيف أضيقُ اليومَ عن وصفِ آلةٍ
وتنسيقِ أسماءٍ لمخترعاتِ
٦- أنا البحرُ في أحشائهِ الدرُّ كامنٌ
فهل سألوا الغوّاصَ عن صدفاتي
٧- فيا وَيْحَكُمْ أبلى وتبلى محاسني
وفيكمْ وإن عزَّ الدواءُ أُساتي
٨- فلا تكلوني للزمانِ فإنني
أخافُ عليكم أن تحينَ وفاتي
٩- أيُطْربُكُمْ من جانب الغربِ ناعبٌ
يُنادي بوَأْدي في ربيعِ حياتي
١٠- وأسمعُ للكُتّّابِ في مصرَ ضجةً
فأَعلمُ أنَّ الصائحين نُعاتي
١١- أَيهجرني قومي، عفا اللهُ عنهمُ،
إلى لغةٍ لم تتصلْ برُواةِ
١٢- سَرَتْ لَوْثَةُ الإفرنجِ فيها كما سَرَى
لُعابُ الأفاعي في مَسِيلِ فُراتِ
١٣- فجاءتْ كثَوْبٍ ضمَّ سبعينَ رقعةً
مُشكَّلةَ الألوانِ مختلفاتِ
١٤- إلى معشر الكُتّابِ والجمعُ حافلٌ
بسطتُ رجائي بَعدَ بَسْطِ شَكاتي
١٥- فإما حياةٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى
وتُنْبِتُ في تلك الرموسِ رُفاتي
١٦- وإما مَماتٌ لا قيامةَ بَعْدَهُ
مماتٌ لَعَمْري لمْ يُقَسْ بمماتِ
____________________
شرح المفردات:
حصاتي: عقلي ورأيي. وناديت قومي: أي أن يهبوا لنُصرتي والدفاع عني فلم يسمعني أحد. احتسبت: عددتها عند الله فيما يُدَّخر. عرائسي: ألفاظي الحسنة المجلوة. أُساة (جمعُ آس ٍ): أطباء. الناعب: الذي يُصوّت بما هو مستكره. اللوثة: أي التخليط وعدم الإبانة. لُعاب الأفاعي: سُمّها. فُرات: ماء عذب. شكاة: شكوى. رُموس (جمعُ رَمْس): قبور. رُفات: ما بَليَ وتَفَتَّتَ من العِظام أو نحوه.
٣٦. حافظ إبراهيم ورأيُهُ في المرأة
حديثنا لهذا اليوم عن قصيدة طويلة لشاعر النيل تناولَ فيها فيما تناولَ وضعَ المرأة المُزري في مصر وفي الشرق الإسلامي، وحثَّ على تعليمها والنهوض بها لما فيه مصلحة المجتمع، ودعا إلى تحريرها من القيود المفروضة عليها، ولكن في حدود معقولة. يقول شاعرنا في هذه القصيدة الطويلة:
١- مَنْ لي بتربيةِ النساءِ فإنها
في الشرقِ عِلةُ ذلكَ الإخفاقِ
٢- الأمُّ مدرسةٌ إذا أعددتَها
أعْدَدتَ شعباً طيّبَ الأعراقِ
٣- الأُمُّ رَوْضٌ إنْ تَعَهَّدَهُ الحَيا
بِالرِّيِّ أَورقَ أيَّما إيراقِ
٤– الأمُّ أُستاذُ الأساتذةِ الأُلى
شَغلتْ مآثِرُهمْ مَدَى الآفاقِ
٥- أنا لا أقولُ دعُوا النساءَ سوافراً
بينَ الرِّجالِ يَجُلْنَ في الأسواقِ
٦- يَدْرُجْنَ حيث أردْنَ لا مِن وازعٍ
يَحْذرْنَ رِقْبَتَهُ ولا مِن واقي
٧- كلا ولا أدعوكُمُ أنْ تُسرفوا
في الحَجْبِ والتضييقِ والإرهاقِ
٨- ليست نساؤكُمُ حُلىً وجواهراً
خوفَ الضياعِ تُصانُ في الأَحْقاقِ
٩- ليست نساؤكُمُ أثاثاً يُقْتَنَى
في الدُّورِ بين مَخادعٍ وطِباقِ
١٠- تتشكَّلُ الأزمانُ في أدوارها
دُولاً وهُنَّ على الجمودِ بواقي
١١- فَتوسَّطوا في الحالتينِ وأنْصفوا
فالشرُّ في التقييدِ والإطلاقِ
١٢- رَبُّوا البناتِ على الفضيلةِ إنّها
في المَوْقفينِ لهنَّ خيرُ وَثاقِ
١٣- وعليكُمُ أن تَسْتبينَ بناتُكُمْ
نورَ الهُدَى وعلى الحياءِ الباقي
———————————-
شرح المفردات:
الأعراق: الأصول. الحيا: المطر. مآثرهم: أعمالُهم الباقية. سوافر: منكشفات الوجوه. رِقبته: مراقبته. الأحقاق واحدها حُقّ: وعاء صغير ذو غطاء يُصنع من زُجاج أو عاج أو غيرهما. مخادع واحدها مِخدَع: حُجرة في البيت أو خزانة. طِباق: طبقات.
في الموقفين: في حالتي التضييق على النساء والتوسيع عليهن. وَثاق: قَيْد أو رِباط.
٣٧. ابن الرومي يرثي ابنه الأوسط
حديثنا اليوم عن قصيدة مؤثرة جدا للشاعر العباسيّ ابن الرومي مشحونة بالحُزن والأسى والتَّفَجُّع يرثي فيها ابنَه الأوسط الذي ظلَّ ينزفُ، كما تقول المصادر، أيّاماً حتّى فارقَ الحياة وهو لم يَزَلْ في مَيْعَةِ الطفولة. ولا أراني أُبالغ إذا قُلتُ إنّهُ لم تُنْظَمْ في تاريخ الشعر العربي قديمِهِ وحديثِه مَرْثاةٌ تُداني هذه المَرْثِيَةَ في صِدقِ المشاعر، وعُمق الحُزْن، وشدّة اللوعة، وجَزالة الألفاظ، وروعة المعاني، وجمال الصور الشعرية، وعُذوبة الجَرْس، وبراعة الاستهلال والاختتام. إنّها حقّاً من عيون الشعر العربي، ومفخرةٌ من مَفاخره، وإكْليلٌ في مَفْرِقِهِ. والقصيدة طويلة يبلغُ عددُ أبياتها ٤١ بيتاً اخْترتُ لكم منها الأبيات التالية:
١- بكاؤُكما يَشْفي وإنْ كان لا يُجْدي
فجُودا فقد أَوْدَى نظيرُكما عِندي
٢- بُنَيَّ الذي أهْدَتْهُ كَفّايَ للثَّرَى
فيا عِزّةَ المُهْدَى ويا حَسْرَةَ المُهْدِي
٣- ألا قاتَلَ اللهُ المَنايا ورَمْيَها
مِنَ القومِ حَبّاتِ القُلوبِ على عَمْدِ
٤- تَوَخَّى حِمامُ الموتِ أَوْسطَ صِبْيَتي
فللّهِ كيفَ اختارَ واسِطةَ العِقْدِ
٥- طواهُ الرَّدَى عنّي فأضحَى مَزارُهُ
بعيداً على قُرْبٍ قريباً على بُعْدِ
٦- لقد قَلَّ بينَ المَهْدِ واللَّحْدِ لُبْثُهُ
فَلَمْ يَنْسَ عهدَ المهد ِإذْ ضُمَّ في اللّحدِ
٧- عَجِبْتُ لقلبي كيفَ لمْ يَنْفَطِرْ لهُ
ولوْ أنَّهُ أقْسَى منَ الحَجَرِ الصَّلْدِ
٨- وما سَرَّني أنْ بِعتُهُ بثَوابِهِ
ولوْ أَنَّهُ التخليدُ في جَنّة ِ الخُلْدِ
٩- وإنّي وإنْ مُتِّعْتُ بابْنَيَّ بَعْدَهُ
لَذاكِرُهُ ما حَنَّتِ النِّيبُ في نَجْدِ
١٠- وأولادُنا مِثْلُ الجوارِح ِ أَيُّها
فَقَدْناهُ كانَ الفاجِعَ البَيِّنَ الفَقْدِ
١١- هلِ العينُ بَعْدَ السَّمْعِ تَكْفي مَكانَهُ
أَمِ السَّمْعُ بعدَ العينِ يَهْدي كما تَهْدي
١٢- ثَكِلتُ سُروري كُلَّه إذْ ثَكِلْتُهُ
وأصبحتُ في لذّات ِعَيْشي أخا زُهْدِ
١٣- أَرَيْحانةَ العينينِ والأنفِ والحَشا
ألا ليتَ شِعْري هلْ تَغَيَّرْتَ عن عَهْدي
١٤- أَعَيْنَيَّ جُودا لي فقد جُدتُ للثَّرَى
بأَنْفَسَ مِمّا تُسْأَلانِ منَ الرِّفْدِ
١٥- أَقُرَّةَ عيني قد أَطَلْتُ بُكاءّها
وغادَرْتُها أَقْذَى منَ الأَعْيُنِ الرُّمْدِ
١٦- أَقُرَّةَ عيني لوْ فَدَى الحَيُّ مَيِّتاً
فَدَيْتُكَ بالحَوْباءِ أَوَّلَ مَنْ يَفْدي
١٧- كأَنِّيَ ما اسْتَمْتَعْتُ منكَ بنظرةٍ
ولا قُبْلَةٍ أحْلى مَذاقاً منَ الشَّهْدِ
١٨- كأنِّيَ ما اسْتَمْتَعْتُ منكَ بِضَمَّةٍ
ولا شَمَّةٍ في مَلْعَبٍ لَكَ أوْ مَهْدِ
١٩- أُلامُ على ما أُبْدي عليكَ منَ الأسى
وإنّي لأُخْفي منهُ أَضعافَ ما أُبْدي
٢٠- أَرَى أَخَوَيْكَ الباقِيَيْنِ فإنَّما
يكونانِ للأحْزانِ أوْرَى مِنَ الزَّنْدِ
٢١- إذا لَعِبا في مَلْعَبٍ لكَ لَذَّعَا
فؤادي بِمِثْلِ النّارِ عَنْ غيرِ ما قَصْدِ
٢٢- فما فيهما لي سَلْوَةٌ بلْ حَزازَةٌ
يَهِيجانِها دُوني وأَشْقَى بها وَحْدي
٢٣- وأَنتَ وإنْ أُفْرِدْتَ في دارِ وَحْشَةٍ
فإنّي بِدارِ الأُنْسِ في وَحْشَةِ الفرْدِ
٢٤- أَوَدُّ إذا ما الموتُ أوْفَدَ مَعْشَراً
إلى عَسْكَرِ الأمْواتِ أَنّي مِنَ الوَفْدِ
٢٥- ومَنْ كانَ يَسْتَهْدي حَبِيباً هَدِيَّةً
فَطَيْفُ خَيالٍ مِنكَ في النَّوْم ِ أَسْتَهْدي
٢٦- عليكَ سلامُ اللهِ مِنّي تَحِيَّةً
ومِنْ كُلِّ غَيْثٍ صادِقِ البَرْقِ والرَّعْدِ
____________________
شرح المفردات:
بكاؤكما: الخطاب لعينيه. أَوْدى: هلكَ وماتَ. نظيرُكما: مثيلُكما في المَعَزّة. بُنَيَّ الذي: أي هو الذي والكلمتان مبتدأ وخبر. حَبَّةُ القلب: مُهْجَتُهُ وسُوَيْداؤُهُ. الرّدى: الموت. لُبْثُهُ: بقاؤُهُ. ينفطر: ينشَقّ. الصّلْد: الصّلب. النِّيب: مُفردها النّاب وهي الناقةُ المُسِنَّة. الجوارح: مفردها جارحة وهي العضو من أعضاء الإنسان التي يعمل بها كاليد والرِّجْل. ثَكِلْتُ: فَقَدْتُ. أَريحانةَ وأَعَيْنَيَّ وأَقُرَّةَ: الهمزة في هذه الكلمات الثلاث هي حرف نداء. ليتَ شِعْري: ليتني أعْلَم. أنْفَس: أغْلَى وأثْمَن. الرِّفْد: العَطاء. الرُّمْد: المُصابة بالرَّمَد وهو داء التهابيّ يُصيب العَيْنَ. ألْحَوْباء: النَّفْس. الشّهْد (بفَتْح الشين وضَمّها): العسل في شَمْعها. الزَّنْد (وجمعُها زِناد وأَزْنُد وأَزْناد): العُود الذي تُقْدَحُ به النار. أوْرَى (وهي صيغة تفضيل): أَوْقَدُ. يقال: أوْرَى الزَّندُ أي خَرَجت نارُه، وأوْرَى النارَ أي أَوْقَدَها. سلْوة (بفتح السين وضمّها): كلُّ ما يُسْلي أي يُنْسي وتطيبُ به النفسُ بعدَ فراقه. حَزازة : ألمٌ يَحُزُّ في القلب. يستهدي: يطلبُ منه هَدِيَّةً.
٣٨. رثاء معن بن زائدة ( الحسين بن مُطَيْر الأسدي)
من دُرر المراثي في أدبنا العربي القديم مرثيةٌ نظمها الحسين بن مُطَيْر الأسدي في معن بن زائدة الشيباني، الأمير العربي وأحد أبطال الإسلام الذي كان يُضرب به المثل في الجود والشجاعة والحِلم. وقد أوردها أبو تمام في مختاراته الشعرية التي أطلق عليها اسم "ديوان الحماسة ".
هذه القصيدة تنبض في كل بيت منها بصدق العاطفة والحب الذي كان يُكِنُّه الشاعر لمعن بن زائدة. يقول الشاعر:
١- ألِمّا على معنٍ وقُولا لقبرهِ
سقتكَ الغوادي مَرْبعاً ثُمَّ مَرْبعا
٢- فيا قبرَ معنٍ أنتَ أوّلُ حُفرةٍ
من الأرضِ خُطَّت للسماحةِ مَضْجعا
٣- ويا قبرَ معنٍ كيفَ واريتَ جودَهُ
وقد كان منهُ البرُّ والبحرُ مُتْرَعا
٤- بلى قد وَسِعتَ الجودَ والجودُ ميّتٌ
ولو كان حيّاً ضِقْتَ حتى تَصدّعا
٥- فتى عِيشَ في معروفِه بعدَ موتهِ
كما كان بعدَ السيلِ مَجْراه مَرْتَعا
٦- ولما مضى معنٌ مضى الجودُ فانقضَى
وأصبحَ عِرنينُ المكارمِ أجْدَعا
٧- أبَى ذِكْرُ معنٍ أن تموتَ فِعالُهُ
وإن كان قد لاقى حِماماً ومَصْرَعا
_________________
شرح المفردات:
الغوادي: جمع غادية وهي السحابة التي تمطر في الغداة. المَرْبَع: المطر الذي ينزل في الربيع. مُتْرَعاً: مليئاً. مَرْتعا: مكاناً خصيباً ترعى فيه الماشية. عرنين: الجزء الصلب من الأنف وهو رمز العزة والإباء عند العرب، يُقال عرانينُ العرب أي ساداتهم وأشرافهم. أجدعا: مقطوعاً. حِماماً: موتاً.
٣٩. لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَهُ (المُتوكِّل الليثي أو أبو الأسود الدؤلي)
أبيات من الشعر قرأتها في كتب الأدب منذ زمن طويل أحببتُ أن يشاركني في التمتع بقراءتها أصدقائي القراء. الأبيات تتحدث عن صنف من الناس يتكرر في كل زمان ومكان، مَثلُهم في ذلك مَثلُ الشعراء الذين نراهم في كل وادٍ يهيمون ويقولون ما لا يفعلون. والأبيات التي سنوردها أدناه تُنسب في كتب التراث بترتيب مختلف وبروايات مختلفة بعضَ الاختلاف إلى الشاعر الأموي المتوكل الليثي وإلى أبي الأسود الدؤلي:
١ - يا أيُّها الرَّجُلُ المُعلّمُ غَيْرَهُ
هلّا لنفْسكَ كانَ ذا التعليمُ
٢ - تصفُ الدواءَ لذي السَّقامِ وذي الضَّنَى
كيما يَصِحَّ بهِ وأنتَ سقيمُ
٣ - ونراكَ تُصْلحُ بالرّشادِ عقولَنا
أبداً وأنتَ من الرّشادِ عَديمُ
٤ - إبدأْ بنفسكَ فانْهَها عن غَيّها
فإذا انتهتْ عنهُ فأنتَ حكيمُ
٥ - فهناك يُقبَلُ ما تقولُ ويُهتَدَى
بالقولِ منكَ وينفعُ التعليمُ
٦ - لا تَنْهَ عن خُلُقٍ وتَأتِيَ مِثْلَهُ
عارٌ عليكَ إذا فَعلتَ عظيمُ
٤٠. عُرْوة بن أُذَيْنَة الليثي
اخترتُ لكم اليوم أبياتًا من قصيدة جميلة لشاعر مُجيد يُقال له عُرْوة بن أُذَيْنة، وهو شاعر غزل بارع من أهل المدينة المنورة ومعدود في الفقهاء والمُحدّثين من التابعين (توفّيَ عام ١٣٠ للهجرة)، ولكن الشِّعر غلبَ عليه. يقول أُذَيْنة في هذه القصيدة:
١- لقدْ عَلِمتُ وما الإسرافُ مِنْ خُلُقي
أنّ الذي هُوَ رزقي سوفَ يأتيني
٢- أَسْعَى لهُ فَيُعَنِّيني تَطَلُّبُهُ
ولوْ جلستُ أتاني لا يُعَنّيني
٣- وأَنَّ حَظَّ امْرئٍ غيري سَيَبْلُغُهُ
لا بُدَّ لا بُدَّ أنْ يَحْتازَهُ دُوني
٤- لا خيرَ في طَمَعٍ يُدْني إلى طَبَعٍ
وغُفَّةٌ مِنْ قَوامِ العيشِ تَكْفيني
٥- لا أركبُ الأمرَ تُزْري بي عَواقِبُهُ
ولا يُعابُ بِهِ عِرْضي ولا دِيني
٦- كمْ مِنْ فقيرٍ غَنِيِّ النَّفْسِ تَعْرِفُهُ
ومِنْ غَنِيٍّ فقيرِ النَّفْسِ مِسْكينِ
٧- إنّي لَأَنْطِقُ فيما كانَ مِنْ أَرَبي
وأُكْثِرُ الصَّمتَ فيما ليسَ يَعْنيني
٨- لا أبتغي وَصْلَ مَنْ يَبْغي مُفارقَتي
ولا ألِينُ لِمَنْ لا يَبْتَغي لِيني
____________________
شرح المُفردات:
الطَّبَعُ: الدَّنَس والوسَخ. وغُفَّة: بُلْغَة مِنْ العيش أي ما يكفي من العيش ولا يَزيد. الأرَب: الحاجة أو البُغْيَة.
٤١. شعر طريف عن الزواج باثنتين
من قصيدة لأعرابيّ نُصِح بأن يتزوّج امرأتين ففعلَ ونَدِمَ على ذلك أشدَّ الندم فأَنشا يقول:
١- تزوّجتُ اثنتينِ لفرطِ جهلي
بِما يشقَى بهِ زوجُ اثْنتينِ
٢- فقلتُ أصيرُ بينَهما خَروفًا
أُنعَّمُ بينَ أكرمِ نعجتينِ
٣- فصِرتُ كنعجةٍ تُضحي وتُمسي
تُداوَلُ بينَ أخبثِ ذئبتينِ
٤- رِضا هذي يُهيّجُ سُخْطَ هذي
فما أَعْرَى مِنِ احْدَى السُّخْطتَيْنِ
٥- وألقَى في المعيشةِ كُلَّ ضُرٍّ
كذاكَ الضُّرُّ بينَ الضَّرَّتيْنِ
٦ -لهذي ليلةٌ ولتلكَ أُخرَى
عتابٌ دائمٌ في الليلتينِ
(من كتاب الأمالي لأبي عليّ القالي)
٤٢. في تَقلُّب الأحوال
من أحسنِ ما قيلَ في هذا الباب الأبياتُ التالية التي تُنسَب إلى الأمير الفارسي قابوس بن وَشْمَكِير المُلَقَّب بشمس المَعالي (توفي ١٠١٢ م):
١- قُلْ للذي بصُروفِ الدهرِ عَيَّرَنا
هلْ عاندَ الدهرُ إلّا مَنْ لهُ خَطَرُ
٢- فإنْ تكنْ نَشِبتْ أيدي الزمانِ بنا
ومَسّنا مِنْ تَمادي بُؤْسِهِ ضَررُ
٣- ففي السماءِ نجومٌ ما لها عددٌ
وليسَ يَكْسِفُ إلّا الشمسُ والقمرُ
٤- أما تَرَى البحرَ تَعْلو فوقَهُ جِيَفٌ
وتستقرُّ بأقصى قَعْرِهِ الدُّرَرُ
(وردت هذه الأبيات في يتيمة الدهر، ومعجم الأدباء، والذخيرة، ووفيات الأعيان، وديوان المعاني).
وقول الشاعر العباسي ابن الرومي:
١- رأيتُ الدهرَ يَرْفعُ كُلَّ وَغْدٍ
ويَخْفِضُ كُلَّ ذي شِيَمٍ شريفهْ
٢- كَمِثْلِ البحرِ يَرْسُبُ فيهِ حَيٌّ
ولا يَنْفَكُّ تَطْفو فيهِ جِيفَهْ
٣- وكالمِيزانِ يَخْفِضُ كُلَّ وافٍ
ويَرْفعُ كُلَّ ذِي زِنَةٍ خَفيفَهْ
(ديوان ابن الرومي)
٤٣. من قصيدة فلسفيه يرثي فيها لَبِيد بن ربيعة أخاهُ أرْبَد
١- بَلينا وما تَبلَى النجومُ الطوالعُ
وتَبْقَى الجبالُ بعدَنا والمَصانعُ
٢- وما الناسُ إلّا كالديارِ وأهلِها
بِها يومَ حَلُّوها وغَدْوًا بَلاقِعُ
٣- وما المرءُ إلّا كالشِّهابِ وضَوْئِهِ
يَحورُ رمادًا بَعْدَ إذْ هُوَ ساطِعُ
٤- وما المالُ والأهلونَ إلّا وديعةٌ
ولا بُدَّ يومًا أنْ تُرَدَّ الودائعُ
٥- وما الناسُ إلّا عاملانِ فعامِلٌ
يُتَبِّر ما يَبْني وآخَرُ رافِعُ
٦- أليسَ ورائي إنْ تراخَتْ مَنِيَّتي
لُزومُ العصا تُحْنَى عليها الأصابعُ
٧- أُخَبِّرُ أخبارَ القُرونِ التي مَضَتْ
أَدِبُّ كأنّي كُلّما قُمْتُ راكِعُ
٨- أعاذِلَ ما يُدْريكَ إلّا تَظَنِّيًا
إذا ارتحلَ الفتيانُ مَنْ هُوَ راجعُ
٩- أتَجْزعُ مِمّا أحدثَ الدهرُ بالفتى
وأيُّ كريمٍ لمْ تُصِبْهُ القوارعُ
١٠- لَعَمْرُكَ ما تَدْرِي الضَواربُ بالحَصَى
ولا زاجِراتُ الطيرِ ما اللهُ صانعُ
١١- سَلُوهُنَّ إنْ كَذَّبْتُموني متى الفَتَى
يَذوقُ المَنايا أو مَتَى الغيثُ واقعُ
———————————-
شرح المُفردات:
المصانع: القصور والقِلاع. بلاقع (ومفردها بلقع) الأرض القَفْر لا شيءَ فيها. يحورُ. يصيرُ وينقلب. يُتَبِّر: يَهدِمُ أو يُدمِّر. وفي القرآن الكريم: "ولِيُتَبِّروا ما عَلَوْا تَتْبيرًا" (الإسراء: ٧). أليس ورائي: أليسَ ما ينتظرني مستقبلًا. تراخت مَنِيّتي: تأخّرَ أجلي فعشتُ طويلًا. القُرونِ: الأجيال. القوارع: الدواهي والمصائب. الضوارب بالحصى: الراجمات بالغيب. وزجرَ الطيرَ: رماهُ بحصاة فإذا طار من الجهة اليمنى للرامي كان ميمونًا ودلَّ على فألٍ حَسَن، وإذا طار شِمالًا كان مشؤومًا.
٤٤. نماذج من شعر الحُطَيئة في الهجاء
هجاء أُمّه
١- جَزاكِ اللهُ شَرًّا مِنْ عجوزٍ
ولَقّاكِ العُقوقَ مِنَ البَنينا
٢- تَنَحَّيْ فَاجْلسي مِنّي بعيدًا
أراحَ اللهُ منكِ العالَمينا
٣- أَغِرْبالًا إذا اسْتُودِعْتِ سِرًّا
وكانونًا على المُتحدِّثينا
٤- أَلَمْ أُوضِحْ لكِ البَغْضاءَ مِنّي
ولكنْ لا إِخالُكِ تَعْقِلينا
٥- حياتُكِ ما عَلِمْتُ حياةُ سُوءٍ
وموتُكِ قدْ يَسُرُّ الصّالِحينا
هجاء أبيه
١- لحاكَ اللهُ ثُمَّ لَحاكَ حَقًّا
أَبًا ولَحاكَ مِنْ عَمٍّ وخالِ
٢- فَنِعْمَ الشيخُ أنتَ على المَخازي
وبئسَ الشيخُ أنتَ لَدَى المَعالي
٣- جَمَعْتَ اللؤمَ لا حَيَّاكَ رَبّي
وأبوابَ السَّفاهَةِ والضّلالِ
هجاء نفسه
١- أَبَتْ شَفتايَ اليومَ إلّا تَكَلُّمًا
بِسُوءٍ فما أدري لِمَنْ أنا قائلُهْ
٢- أرَى ليَ وَجْهًا شَوَّهَ اللهُ خَلْقَهُ
فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ وقُبِّحَ حامِلُهْ
٤٥. قصيدة عن مزايا الحَبْس (عليّ بن الجَهْم)
أوردَ أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني وياقوت الحَمَويّ في كتابه معجم الأدباء قصيدة للشاعر العباسي عليّ بن الجَهْم (٨٠٣-٨٦٣ م) عن الحَبْس هي من أحسنِ ما نُظِمَ في هذا الباب. وكان بعضُ جُلساءِ الخليفة المتوكل قد أوْغروا صَدْرَه على الشاعر بتُهَم باطلة أُسنِدتْ إليه، فأمر الخليفةُ بِزَجّه في السجن. اخترنا لكم من هذه الداليَّة الأبياتِ التالية:
١- قالتْ حُبستَ فقلتُ ليس بضائري
حبسي وأيُّ مُهَنَّدٍ لا يُغمَدُ
٢- أَوَما رأيتِ الليثَ يألفُ غِيلَهُ
كِبْراً وأوباشُ السِّباعِ تَرَدَّدُ
٣- والشمسُ لولا أنّها محجوبةٌ
عنْ ناظِرَيْكِ لَمَا أضاءَ الفَرْقَدُ
٤- والبدرُ يُدْرِكُهُ السَّرارُ فَتَنْجلي
أيّامُهُ وكأنّهُ مُتَجَدِّدُ
٥- والغيثُ يَحْصُرُهُ الغَمامُ فما يُرَى
إِلّا ورَيِّقُهُ يَروعُ ويَرْعُدُ
٦- والنارُ في أحجارِها مَخْبوءةٌ
لا تُصْطَلَى إنْ لمْ تُثِرْها الأزْنُدُ
٧- والحَبْسُ ما لمْ تَغْشَهُ لِدَنِيّةٍ
شنعاءَ نِعْمَ المنزلُ المُتَوَرَّدُ
٨- ولِكُلِّ حالٍ مُعقِبٌ ولَرُبَّما
أَجْلَى لكَ المكروهُ عَمّا يُحْمَدُ
٩- لا يُؤْيِسَنَّكَ مِنْ تَفَرُّجِ كُرْبَةٍ
خَطْبٌ رَماكَ بهِ الزمانُ الأنْكَدُ
١٠- كَمْ مِنْ عليلٍ قدْ تَخَطَّاهُ الرَّدَى
فَنَجا وماتَ طبيبُهُ والعُوَّدُ
——————————-
شرح المفردات:
المُهَنّد: السيف المصنوع من حديد بلاد الهند. الغِيل: الأجَمَة وموضعُ الأسد. تردَّدُ: تتردَّدُ أي تتجوّل وتتنقّل. الفرقد: نجم قريب من القطب الشمالي يُهتَدَى به. السَّرار أو سَرارُ الشهر: آخر ليلة قمرية فيه. رَيِّقُ المطر: أوّلُهُ. تُصْطَلَى: يُسْتَدْفَأُ بها. الأزْنُدُ: جمعُ زناد وهو العود الذي تُقْدَحُ به النار. المُتورَّد: الذي يورَدُ ويُزارُ. أجْلَى: تَكشَّفَ. الرَّدَى: الموتُ والهلاك. العُوَّدُ: جمعُ العائد وهو زائرُ المريضَ.
٤٦. أبو الحسن التِّهامي يرثي ولدَهُ الصغير
هذه القصيدة من عيون الشعر العربي يرثي فيها الشاعر ولدَهُ الصغير. والقصيدة طويلة جداً اخترنا لكم مِنها الأبيات الحِكَميّة التالية:
١- حُكْمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جارِ
ما هذهِ الدنيا بِدارِ قَرارِ
٢- بَيْنا يُرَى الإنسانُ فيها مُخْبِراً
حَتَّى يُرَى خَبَراً مِنَ الأخْبارِ
٣- طُبعَتْ على كَدَرٍ وأنتَ تُريدُها
صَفْواً مِنَ الأقذاءِ والأكدارِ
٤- ومُكلِّفُ الأيامِ ضِدَّ طِباعِها
مُتَطلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ
٥- وإذا رَجَوْتَ المُستحيلَ فإنّما
تبني الرَّجاءَ على شَفيرٍ هارِ
٦- فالعيشُ نومٌ والمَنِيَّةُ يقظةٌ
والمرءُ بينهما خَيَالٌ سارِ
٧- والنَّفْسُ إنْ رَضِيتْ بذلكَ أو أبَتْ
مُنْقادَةٌ بِأزِمَّةِ المِقْدارِ
٨- فاقْضُوا مَآرِبَكُمْ عِجالاً إنَّما
أعْمارُكُمْ سَفَرٌ مِنَ الأسفارِ
٩- ثَوبُ الرِّياءِ يَشِفُّ عَمّا تَحْتَهُ
فإذا الْتَحَفْتَ بهِ فَإنّكَ عارِ
١٠- شيئانِ يَنْقَشِعانِ أوَّلَ وَهْلَةٍ
شَرْخُ الشبابِ وخُلَّةُ الأشرارِ
١١- لا حَبّذا الشَّيْبُ الوَفِيُّ وحَبَّذا
ظِلُّ الشبابِ الخائنِ الغَدّارِ
١٢- وَطَرِي مِنَ الدُّنيا الشبابُ ورَوْقُهُ
فإذا انْقَضَى فقدِ انْقَضَتْ أوْطاري
١٣- قَصُرَتْ مَسافتُهُ وما حَسَناتُهُ
عِنْدي ولا آلاؤُه بِقِصارِ
١٤- نَزْدادُ هَمّاً كُلّما ازْدَدْنا غِنىً
والفَقْرُ كُلُّ الفقرِ في الإكْثارِ
١٥- إنّي لَأرْحَمُ حاسِدِيَّ لِحَرِّ ما
ضَمَّتْ صُدورُهُمُ مِنَ الأوْغارِ
١٦- نَظَروا صَنيعَ اللهِ بِي فَعُيونُهُمْ
في جَنَّةٍ وقُلوبُهُمْ في نارِ
١٧- لا ذَنْبَ لي كَمْ رُمْتُ كَتْمَ فَضائلي
فَكأنّما بَرْقَعْتُ وَجْهَ نَهارِ
١٨- ومِنَ الرِّجالِ مَعالِمٌ ومَجاهِلٌ
ومِنَ النُّجومِ غَوامِضٌ ودَراري
١٩- ولَرُبّما اعْتَضَدَ الحَليمُ بِجاهِلٍ
لا خيرَ في يُمْنَى بِغَيْرِ يَسارِ
٢٠- لِلّهِ دَرُّ النائباتِ فإنّها
صَدَأُ اللِّئامِ وصَيْقَلُ الأحرارِ
———————————
شرح المفردات:
الأقْذاء مُفردُها قَذىً وهو ما يتكوّن من وسخ أبيض جامد يتجمعُ في مجرَى الدمع. جذوة: جمرة ملتهبة. شَفير هارٍ: حافّة مُتصدِّعة. أَزِمَّة مُفردُها زِمام أي مِقْودُ الحيوان. المِقْدار: القَدَر. شَرْخُ الشباب: ريعانُهُ ونضارتُه. خُلّة الأشرار: مُصاحَبتُهم. الوَطَر هو البُغْيَة والحاجة. رَوْقُ الشباب: رَوْنقُهُ. آلاؤُه: نِعَمُهُ. الأوْغار: الضغائن والأحقاد. بَرْقَعْتُ: غَطّيتُ بالبُرقع وهو النِّقاب أو الحِجاب. الدراري: النجوم المضيئة كالدُّرّ. اعتضدَ بالشيء: اسْتعانَ بهِ وتَقَوَّى. النائبات: المَصائب. الصَيْقَل: الشخص الذي يجلو السيوفَ ويشحذها.
٤٧. قصيدة عن فوائد السفر (الإمام الشافعي)
من أجمل الأبيات التي قرأتُها في فوائد السفر والتنقّل الأبياتُ التالية للإمام الشافعي رَحِمَهُ الله:
١- ما في المُقامِ لذي عَقْلٍ وذِي أَدَبٍ
من راحةٍ فدعِ الأوطانَ واغْتَرِبِ
٢- سافرْ تجدْ عوَضاً عمّنْ تُفارِقُهُ
وانْصَبْ فإنَّ لذيذ العيشِ في النَّصَبِ
٣- أني رأيتُ ركودَ الماءِ يُفْسِدُهُ
إنْ ساحَ طابَ وإن لمْ يَجْرِ لم يَطِبِ
٤- والأُسْدُ لولا فِراقُ الغابِ ما افترستْ
والسهمُ لولا فِراقُ القوسِ لم يُصِبِ
٥- والشمسُ لو وقفتْ في الفُلْكِ دائمةً
لَمَلَّها الناسُ من عُجْمٍ ومن عَرَبِ
٦- والبدرُ لولا أُفولٌ منهُ ما نَظَرَتْ
إليهِ في كُلِّ حينٍ عينُ مُرْتَقِبِ
٧- والتِّبْرُ كالتُّرْبِ مُلْقًى في أماكنهِ
والعُودُ في أرضِهِ نوعٌ من الحَطَبِ
٨- فإن تغرَّبَ هذا عَزَّ مَطْلَبُهُ
وإن تغرّبَ ذاكَ عَزَّ كالذهبِ
————————————
شرح المفردات:
النَّصَب: التعَب والإعياء. الفُلْك والأفلاك: جمعُ فَلَك وهو مَدارُ الجِرْم السماوي. التِبْر: فُتات الذهب المختلط بالتراب قبل أن يُصاغ. العود: نوع من الطيب يُتَبَخَّرُ به. عَزَّ مَطلبُهُ: قَلَّ فلا يكادُ يوجَدُ. عَزَّ كالذهب: غَلا وأصبحَ نَفيساً كالذهب.
٤٨. في سوء الحظّ ( إدريس جَمّاع)
يقول الشاعر السوداني إدريس محمد جَمّاع :
١- إنّ حظّي كدقيقٍ
فوقَ شوكٍ نَثروهُ
٢- ثمّ قالوا لحُفاةٍ
يومَ ريحٍ إجمعوهُ
٣- صعُب الأمرُ عليهمْ
ثُمّ قالوا أُتْركوهُ
٤- إنّ مَنْ أشقاهُ ربّي
كيف أنتم تُسْعدوهُ
٤٩. قمرٌ تكاملَ في نهايةِ حُسْنهِ
هذه المقطوعة الغزلية الجميلة ، التي لا يُعرَف ناظمُها على وجه الدقّة، تزخر بالصور الشعرية البديعة والتشبيهات الرائعة. ومن الكتّاب من يُرجِّح أنها لشاعر أندلسيّ يُقالُ له أبو بكر محمد بن عيسى اللخمي الداني (نسبةً إلى مدينة دانية مسقط رأيه) المشهور بلقب "ابن اللبّانة" لأنّ أمُّهُ كانت تعمل في تجارة اللبن. عاش ابن اللبانة في عهد ملوك الطوائف ومدح في وقت متأخر من حياته المعتمدَ بن عبّاد حاكم إشبيلية، ثم ناصرَ الدولة حاكم ميوركا، والمعتصمَ بن صمادح حاكم ألْمَرِيّة. توفي عامَ ١١١٣ للميلاد.
١- قمرٌ تكاملَ في نهاية ِ حُسْنِهِ
مثلُ القضيبِ على رشاقةِ قّدّهِ
٢- فالبدرُ يطلعُ من ضياء جبينهِ
والشمسُ تغرُبُ في شقائقِِ خَدّهِ
٣- مَلكَ الجمالَ بأسرهِ فكأنّما
حُسْنُ البرِيَّةِ كُلِّها مِنْ عندِهِ
٤- يا مَنْ حَوَى وَرْدَ الرياضِ بخَدّهِ
وحَكَى قضيبَ الخيزرانِ بقَدّهِ
٥- دَعْ عنكَ ذا السيفَ الذي جَرَّدْتَهُ
عيناكَ أمْضَى مِنْ مَضارِبِ حَدِّهِ
٦- كلُّ السيوفِ قواطِعٌ إنْ جُرِّدَتْ
وحُسامُ لحظِكَ قاطِعْ في غِمْدِهِ
٧- إنْ شِئتَ تقتُلُني فأنتَ مُحَكّّمٌ
مَنْ ذا يُطالِبُ سَيِّداً في عَبْدِهِ
والمعروف أن المطربة فيروز غنّت بعضَ هذه الأبيات وهي من ألحان الأخوين الرحباني.
٥٠. تَرَى الرَّجُلَ النحيفَ فَتَزْدريهِ ( العباس بن مِرداس)
أبيات جميلة قرأتها منذ وقت طويل في كتب الأدب لمعت في خاطري فأيقظت ذاكرتي من سُباتها العميق وفرضت نفسَها عليَّ فرضاً، فلا أملك إلّا أن أحدّثكم عنها لما لها من صلة وثيقة بواقع عالمنا المُرّ - عالم المظاهر الزائفة والخدّاعة التي لا يكاد يخلو مجتمع من المجتمعات المعاصرة من آفاتها وشرورها. الأبيات هي لشاعر جاهلي يُقال له العباس بن مِرداس بن أبي عامر السُّلَمي وأمه الخنساء، شاعرة الرثاء المشهورة. كان العباس سيداً من سادات قومه وكان يُدْعَى فارس العُبَيد وهو اسم فرسه. أدرك الإسلام فأسلم وحسُن إسلامه واشترك في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم وأبلى في الفتوحات الإسلامية بلاءً حسناً. وكان ممن ذمّ الخمر وحرّمها في الجاهلية. تُوفّي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه نحو سنة ١٨ للهجرة. يقول شاعرنا:
١- تَرى الرَّجلَ النّحيفَ فتزدريهِ
وفي أثوابهِ أسدٌ هَصُورُ
٢- ويُعجبكَ الطّريرُ فتَبْتليهِ
فيُخلِفُ ظنَّكَ الرجلُ الطريرُ
٣- فما عِظَمُ الرجالِ لهمْ بفخرٍ
ولكنْ فخرُهُمْ كرمٌ وخِيرُ
٤- بُغاثُ الطيرِ أكثرُها فِراخاً
وأُمُّ الصقرِ مِقْلاةٌ نَزُورُ
٥- ضِعافُ الطيرِ أَطولُها جُسُوماً
ولمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصقورُ
٦- لقد عَظُمَ البعيرُ بغيرِ لُبٍّ
فلمْ يَسْتَغْنِ بالعِظَمِ البعيرُ
٧- يُصرِّفُهُ الصبيُّ بكُلِّ وَجْهٍ
ويَحبِسُهُ على الخَسْفِ الجريرُ
٨- وتَضْربُهُ الوليدةُ بالهَراوَى
فلا غِيَرٌ لديهِ ولا نَكيرُ
٩- فإنْ أكُ في شِراركُمُ قليلاً
فأنّي في خِيارِكُمُ كثيرُ
———————————-
شرح المفردات:
الهصور: الذي يكسر عنق الفريسة. الطرير: الذي له منظر حسن. الخِير: الشرف. بغاث الطير: الطيور غير الجارحة. المقلاة: الأنثى التي تضع مرةً ثم لا تحمل. النزور: قليلة الولد أو اللبن. اللب: العقل. الوجه: الجهة والناحية. الخسف: الضيم والذلّ. الجرير: الخُطام أو الزِّمام وهو الحبل الذي يُقادُ به البعير. الوليدة: الجارية. الهَرَاوَى: واحدها هِراوة وهي العصا. الغِيَر: واحدها الغِيرة وهي الحَمِيَّة. النكير: الإنكار والاعتراض. ومعنى البيت الأخير : إن لم يعرفني إلّا القليل من أشراركم لأني لستُ منهم فإنني معروف عند الكثيرمن خياركم لأني منهم.
٥١. في حُبّ الأوطان
يقول ابن الرومي:
١- ولي وطنٌ آلَيْتُ ألّا أبيعَهُ
وألّا أرَى غَيْري لهُ الدهرَ مالِكا
٢- عَهِدْتُ به شَرْخَ الشبابِ ونعمةً
كنعمةِ قومٍ أصْبَحوا في ظِلالِكا
٣- فَقَدْ أَلِفتْهُ النفسُ حتى كأنهُ
لها جسدٌ إنْ بانَ غُودِرْتُ هالِكا
٤- وحَبَّبَ أوطانَ الرِّجالِ إليهمُ
مآربُ قَضّاها الشبابُ هُنالِكا
٥- إذا ذَكَروا أوطانَهُمْ ذَكَرَتْهُمُ
عهودُ الصِّبا فيها فَحَنُّوا لِذلِكا
ويقول أحمد شوقي في قصيدته التي مطلعها:
اختلافُ النهارِ والليلِ يُنْسي
اذْكُرا ليَ الصِّبا وأيامَ أُنْسي
والتي عارضَ بها سِينِيَّةَ البحتري في وصف إيوان كسرى:
وطني لو شُغِلْتُ بالخُلْدِ عنهُ
نازَعَتْني إليهِ في الخُلْدِ نَفْسي
ويقول أبو تمام في هذا الصدد:
١- نَقِّلْ فؤادَكَ حيثُ شئتَ مِنَ الهوى
ما الحُبُّ إلا للحبيبِ الأوّلِ
٢- كمْ منزلٍ في الأرضِ يَأْلَفُهُ الفَتَى
وحنينُهُ أبداً لأوَّلِ منزلِ
————————————-
شرح المفردات:
آليتُ: أقْسَمْتُ. شَرْخُ الشباب: رَيْعانُهُ ونَضارتُهُ. مآرب: جمعُ مَأرَب ومَأرُبة أي بُغْيَة وحاجة مُلِحَّة. وفي المثل: "مأْرُبةٌ لا حَفاوةٌ" وهو مَثَلٌ يُضرَبُ لِمَنْ يُكرِمُ الناسَ لمصلحةٍ، لا لِمَحبَّة. نازعتني: جاذبتني ودَفَعتني.
٥٢. متى يَحْسُنُ أن تَقول "نَعَمْ" أو "لا"؟ (المُثَقِّب العَبْدي)
يقول شاعر جاهلي يُقال له المُثَقِّب العَبْدِيّ بهذا السياق:
١- لا تقولَنَّ إذا لمْ تُرِدْ
أنْ تُتِمَّ الوعدَ في شيءٍ "نَعَمْ"
٢- حسنٌ قولُ "نَعَمْ" من بَعْدِ "لا"
وقبيحٌ قولُ "لا" من بَعْدِ "نَعَمْ"
٣- إنَّ "لا" من بَعْدِ "نَعَمْ" فاحشةٌ
فَبِلا فابْدَأْ إذا خِفْتَ النَّدَمْ
٤- وإذا قلت "نَعَمْ" فاصْبِرْ لها
بِنِجازِ الوعدِ إنَّ الخُلْفَ ذَمْ
وردت هذه الأبيات في المُفَضَلِيّات، والحماسة البصرية، ومحاضرات الأدباء، وخِزانة الأدب، و مجمع الأمثال ، وشعراء النصرانية قبل الإسلام.
٥٣. الحَلّاج: نماذج من شِعره الصوفيّ
يقولُ الحَلّاج (٨٥٨-٩٢٢ م)، وهو عَلَمٌ من أعلام المُتصوّفة:
١- واللهِ ما طلعتْ شمسٌ ولا غَرَبَتْ
إلّا وحُبُّكَ مَقرونٌ بأنفاسي
٢- ولا خَلَوْتُ إلى قومٍ أُحدِّثُهُمْ
إلّا وأنتَ حديثي بينَ جُلّاسي
٣- ولا ذَكَرْتُكَ محزونًا ولا فَرِحًا
إلّا وأنتَ بقلبي بينَ وَسْواسي
٤- ولا هَمَمْتُ بِشُرْبِ الماءِ مِنْ عَطَشٍ
إلّا رأيتُ خيالًا منكَ في الكاسِ
٥- ولوْ قَدَرْتُ على الإتْيانِ جِئْتُكُمُ
سَعْيًا على الوجهِ أو مَشْيًا على الراسِ
٦- ويا فَتَى الحَيِّ إنْ غَنَّيْتَ لي طَرَبًا
فَغَنِّني وأَسَفَا مِنْ قلبِكَ القاسي
٧- ما لي وللناسِ كَمْ يَلْحُونَني سَفَهًا
دِيني لِنَفْسي ودِينُ النّاسِ للنّاسِ
ويقول أيضاً:
١- ونظرةٌ منكَ أُلْقيها على عَجَلٍ
أشهى إِلَيَّ مِنَ الدنيا وما فيها
٢- نَفْسُ المُحبِّ على الآلام ِ صابرةٌ
لعلَّ مُتْلِفَها يوماً يُداويها
ويقولُ كذلك:
١- مكانُكَ مِنْ قلبي هُوَ القلبُ كُلُّهُ
فليسَ لشيءٍ فيهِ غَيْرَكَ مَوْضِعُ
٢- وحَطَّتَهُ روحي بينَ جِلدي وأعْظُمي
فكيفَ تَراني إنْ فَقَدْتُكَ أصنعُ
٥٤. ابن الفارض: مختارات من شَعره الصوفي
١- أُخْفي الهَوَى ومَدامعي تُبْديهِ
وأُمِيتُهُ وصَبابتي تُحْييهِ
٢- ومُعَذّبي حُلْوُ الشمائلِ أهْيَفٌ
قْدْ جُمِّعَتْ كُلُّ المَحاسِنِ فيهِ
٣- فكأنّهُ بالحُسْنِ صورةُ يوسُفٍ
وكأنّني بالحُزْنِ مِثْلُ أبيهِ
٤- يا مُحْرِقاً بالنارِ وَجْهَ مُحِبِّهِ
مَهْلاً فإنّ مَدامِعي تُطْفيهِ
٥- اِحْرقْ بِها جسدي وكُلَّ جَوارحي
واحْرِصْ على قلبي فإنّكَ فيهِ
٦- إنْ أنْكَرَ العُشّاقُ فيكَ صَبابتي
فأنا الهَوَى وابْنُ الهَوَى وأخيهِ
ويقول في قصيدة أخرى مشهورة:
١- أخفيتُ حُبَّكُمُ فأخفاني أسىً
حتّى لَعَمْري كِدْتُ عنّي أخْتَفي
٢- وكَتَمْتُهُ عنّي فلوْ أبدَيتُهُ
لَوَجَدْتهُ أخْفَى مِنَ اللُّطْفِ الخَفِي
ويقول في قصيدة غيرها:
١- فَطوفانُ نُوحٍ عندَ نَوْحي كأدمُعي
وإيقادُ نِيرانِ الخليلِ كَلَوْعَتي
٢- ولولا زَفيري أغْرَقَتْني مَدامِعي
ولولا دموعي أَحْرَقَتْني زَفْرَتي
٣- وحُزْنِيَ ما يعقوبُ بَثَّ أَقَلَّهُ
وكُلُّ بِلَى أيّوبَ بعضُ بَلِيَّتي
( ديوان ابن الفارض)
٥٥. لَبيتٌ تَخفِقُ الأرياحُ فيهِ (مَيْسون بنت بَحدل النجدية)
جاء في كتاب "حياة الحيوان الكبرى" للدَّمِيري وفي مراجعَ كثيره غيره أنّ مَيْسون بنت بَحْدَل النجديّة كانت ذات جمال باهر فأُعجبَ بها معاوية وتزوّجها وهيَّأَ لها قصراً مُشْرفاً على الغوطة بدمشق وزيَّنه بأنواع الزخارف ووضعَ فيه من أواني الذهب والفضة ما لا يُضاهَى ونقلَ إليه من الديباج الرومي الملوّن ما يليق به. ثُمّ أسكنها فيه مع وصيفات لها فلبست أفخرَ الثياب وتزيّنت وتطيّبت بما أُعِدّ لها من الحُليّ والجواهر، ثُمّ جلست في رَوْشَنِها (أي شُرْفَة القصر) فنظرت إلى الغوطة وأشجارها وسمعت تَجاوبَ الطير في أوكارها، وشمّت نسيمَ الأزهار وروائح الرياحين، فتذكرّت نجداً مسقطَ رأسها وحنّت إلى أترابها وأُناسها فبكتْ وتنهّدت، فقالت لها إحدى وصيفاتها: ما يُبكيكِ؟ فقالت مُشتاقةً إلى حياة البادية:
١- لَبيتٌ تَخفِقُ الأرياحُ فيهِ
أحَبُّ إليَّ مِنْ قصرٍ مُنيفِ
٢- ولُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عيني
أَحَبُّ إليَّ مِن لُبْسِ الشُّفوفِ
٣- وأكْلُ كَسيرةٍ في كِسْرِ بيتي
أحَبُّ إليَّ مِن أكْلِ الرغيفِ
٤- وأصواتُ الرياحِ بِكُلّ فَجٍّ
أحبُّ إليَّ مِن نَقْرِ الدُّفوفِ
٥- وكلبٌ ينبحُ الطُّرّاقَ دوني
أحبُّ إليَّ مِن قِطٍّ أليفِ
٦- وخِرْقٌ مِن بَني عَمّي نحيفٌ
أحبُّ إليَّ مِن عِلْجٍ عَليفِ
٧- خُشونةُ عيشتي في البدوِ أشهَى
إلى نفْسي من العيشِ الطريفِ
٨- فما أبغي سِوَى وطني بَديلاً
وما أبهاهُ مِنْ وطَنٍ شريفِ
فلمّا دخلَ معاوية عَرّفَتْهُ الوصيفةُ بما قالت ميسون، وقيل إنه سمعها وهي تنشد هذه الأبيات، فطلّقها وأعطاها جميعَ ما في القصر، ثُمّ سَيَّرَها إلى أهلها بنجد وكانت حاملاً بيزيد فولدتهُ بالبادية وأرضعتهُ سنتين ثُمَّ أخذهُ معاوية بعد ذلك.
(وهذه الأبيات أوردها أيضاً البغدادي في كتابه خزانة الأدب باختلاف طفيف في المفردات).
________________________
شرح المفردات:
الأرياح (ويُرْوَى الأرواح): كلاهما جمعُ ريح. مُنيف: عالٍ مُشْرِف. تَقَرّ عيني: أُسَرُّ وأَرْضَى . الشفوف: جمْعُ الشِّف وهو الثوب الرقيق الشفّاف. كَسِيرة (مُصغَّر كِسْرَة): قطعة مكسورة من الخبز. كِسْرِ بيتي: جانبه وناحيته. فَجّ: طريق واسع بين جبلين. الطُّرّاق: جمع الطارق وهو الزائر ليلاً. خِرْقٌ: كريم شَهْم. عِلْج: جافٍ غليظ الطبع. عليف: ما يُعلَفُ لِيُسَمَّنَ من الدواب ولا يُرْسَل للرعي. الطريف: الطيب المستحسن.
٥٦. أبيات لعِدّة شعراء عن الشباب والشيب
يزخرُ الأدب العربي القديم بالأبيات والمقطوعات الشعرية القصيرة التي تناولت موضوع الشباب والمشيب ويندُرُ أن تجدَ شاعراً قديماً لم يطرقْ هذا الباب من أبواب الشِّعر. وإليكم طائفةً من عُيون الأشعار التي نُظمت في هذا الغرض.
قال أبو العتاهية:
١- بكيْتُ على الشبابِ بدمعِ عيني
فلمْ يُغْنِ البُكاءُ ولا النحيبُ
٢- فيا أسَفاً أسِفْتُ على شبابٍ
نَعاهُ الشيبُ والرأسُ الخضيبُ
٣- عَريتُ منَ الشبابِ وكانَ غَضّاً
كما يَعْرَى مِنَ الوَرَقِ القضيبُ
٤- فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً
فَأُخْبِرَهُ بما فَعَلَ المَشِيبُ
وقال محمد بن حازم الباهلي:
١- لا حِينَ صَبْرٍ فَخلِّ الدمعَ ينهملُ
فَقْدُ الشبابِ بيومِ المرءِ مُتَّصِلُ
٢- لا تَكْذِبَنَ فما الدنيا بأَجْمَعِها
مِنَ الشبابِ بيومٍ واحدٍ بَدَلُ
٣- كَفاكَ بالشَّيْبِ عَيْباً عندَ غانيةٍ
وبالشبابِ شَفيعاً أيُّها الرَّجُلُ
وقال أعرابيّ:
١- للهِ أيّامُ الشبابِ وعَصْرُهُ
لَوْ يُستَعارُ جديدُهُ فَيُعارُ
٢- ما كانَ أقصرَ ليلَهُ ونهارَهُ
وكذاكَ أَيَّامُ السُّرورِ قِصارُ
وقال أبو العَيْناء ويُنْسَبُ لغيره:
١- شيئانِ لوْ بَكتِ الدِّماءَ عليهِما
عَيْناكَ حتّى يُؤْذِنا بِذهابِ
٢- لمْ يَبْلُغا المِعْشارَ مِنْ حَقَّيْهِما
فَقْدُ الشبابِ وفُرْقَةُ الأحبابِ
وقال منصور النَّمَريّ:
١- ما تنقضي حَسْرَةٌ منّي ولا جَزَعٌ
إذا ذَكَرْتُ شباباً ليس يُرْتَجَعُ
٢- بانَ الشبابُ وفاتَتْني بِلَذَّتِه
صُروفُ دَهْرٍ وأيامٌ لها خُدَعُ
٣- ما كانَ أحسنَ أيّامَ الشبابِ وما
أبْقَى حَلاوَةَ ذِكْراهُ التي تَدَعُ
٤- ما كنتُ أُوفي شبابي كُنْهَ عِزَّتِهِ
حتّى انْقَضَى فإذا الدُّنيا لهُ تَبَعُ
٥- أَبكي شَباباً سُلِبْناهُ وكانَ وما
تُوفِي بِقيمته ِالدنيا وما تَسَعُ
(ملاحظة: ويُرْوَى " وفاتَتْني بِشِرَّتِه"
وشِرَّةُ الشباب قوتُهُ ونشاطه. ويُرْوَى
"كُنْهَ غُرَّته"وغُرَّةُ الشباب أوَّلُهُ وأَحْسَنُهُ)
وقال بشّار بن بُرْد:
١- الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أنْ يُفارِقَني
أَعْجِبْ بشيءٍ على البَغْضاءِ مَوْدودِ
٢- يَمْضي الشبابُ ويَأْتي بَعْدَهُ خَلَفٌ
والشَّيْبُ يَذْهَبُ مَفْقوداً بِمَفْقودِ
وقال دِعْبِل الخُزاعيّ:
١- أينَ الشبابُ وأَيَّةً سَلَكا
لا أَيْنَ يُطلَبُ ضلَّ بلْ هَلَكا
٢- لا تَعْجَبي يا سَلْمَ مَنْ رُجُلٍ
ضَحِكَ المَشِيبُ بِرَأْسهِ فَبَكَى
(ملاحظة: "سَلْمَ" ترخيم "سَلْمَى")
وقال المتنبي:
١- وإذا الشيخُ قالَ أُفٍّ فما مَلَّ
حياةً وإنمّا الضَّعْفَ مَلَّا
٢- آلةُ العيشِ صِحَّةٌ وشَبابٌ
فإذا وَلّيَا عنِ المرءِ وَلَّى
وقال مَلِيح الأندلس ابن عبد ربه:
١- قالوا شبابُكَ قدْ مَضتْ أيّامُهُ
بالعيشِ قلتُ وقدْ مَضَتْ أيّامي
٢- للهِ أَيَّةُ نِعمةٍ كان الصِّبا
لْوْ أنّها وُصِلتْ بِطُولِ دَوامِ
٣- حَسَرَ المَشيبُ قِناعَهُ عن رأسِهِ
وصحا العواذلُ بعدَ طُولِ مَلامِ
٤- فَكأَنَّ ذاكَ العيشَ ظِلُّ غَمامةٍ
وكأنَّ ذاكَ اللَّهْوَ طَيفُ مَنامِ
وقال الشاعر الأندلسي والزاهد أبو عِمْران المِيرتلي:
١- ذَهَبَ الشبابُ بِجهلِهِ وبِعارِهِ
وأتَى المَشِيبُ بِحِلْمِهِ ووَقارِهِ
٢- شَتّانَ بينَ مُبْعِدٍ مِنْ رَبِّهِ
بِغُرورِهِ ومُبَشِّرٍ بِجِوارِهِ
٣- لهْفي على عُمْرٍ يَمُرُّ مُضَيَّعاً
مُحْصىً عَليَّ بِلَيْلهِ ونَهارِهِ
وقال صريع الغواني مُسْلِم بن الوليد:
١- واهاً لأَيّامِ الصِّبا وزمانِهِ
لوْ كان أسْعَفَ بالمُقام ِ قليلا
٢- سَلْ عيشَ دهرٍ قدْ مَضَتْ أيّامُهُ
هلْ يستطيعُ إلى الرُّجوعِ سبيلا
٥٧. بشّار بن بُرْد: من شِعره الغزليّ
هذة قصيدة غزلية قصيرة للشاعر العباسي الضرير بَشّار بن بُرْد تمتاز بإيقاعها الموسيقي الهادئ، وحلاوةِ جَرْسها، وعُذوبة ألفاظها، ووضوح معانيها، وجمال صُوَرها الشعرية.
١- عَجِبَتْ فَطْمَةُ مِنْ نَعْتي لها
هلْ يُجيدُ النَّعتَ مَكْفوفُ البَصَرْ
٢- بنتُ عَشْرٍ وثلاثٍ قُسِّمتْ
بينَ غُصْنٍ وكَثيبٍ وقَمَرْ
٣- دُرَّةٌ بَحْريَّةٌ مَكْنونَةٌ
مازَها التاجرُ مِنْ بينِ الدُّرَرْ
٤- أَذرَتِ الدَّمْعَ وقالتْ وَيْلتي
مِنْ وَلُوعِ الْكَفِّ رَكّابِ الخَطَرْ
٥- أُمَّتي بَدَّدَ هذا لُعَبي
وَوِشاحي حَلَّهُ حَتَّى انْتَثَرْ
٦- فدَعِيني معهُ يا أُمّتي
عَلَّنا في خَلْوَةٍ نَقْضي الوَطَرْ
٧- أَقْبَلَتْ في خَلْوَة ٍ تَضْرِبُها
واعْتَراها كَجُنونٍ مُسْتَعِرْ
٨- بأبي واللهِ ما أَحْسَنَهُ
دَمْعُ عينٍ غَسَلَ الكُحْلَ قَطَرْ
٩- أيُّها النُّوّامُ هُبّوا وَيْحَكُمْ
وسَلُوني اليومَ ما طَعْمُ السَّهَرْ
(ديوان بشّار بن بُرْد)
_____________________
شرح المفردات والمعاني:
يقصد الشاعر بعَجُز البيت الثاني أن الفتاة ممشوقة القامة وليّنة، ضخمةُ الرِّدْفَين، جميلة الوجه. درّة مكنونة: لؤلؤة مَخبَّأة وهي أنْقَى وأبهَى ما تكون. مازها: فَرزَها عن غيرها وانتقاها لتمَيُّزها عن باقي اللآلئ. أذرت الدمعَ: ذَرَفَتْهُ وأسالته. أُمّتي: ترخيم أُمِّي. الوِشاح: نسيج عريض مرصَّع بالجواهر تشدُّهُ المرأة بين عاتقها وخَصْرها. الوطر: البُغْية والمَأرَب والحاجة. اعتراها: أصابها. مستعر: شديد. هُبّوا: استيقظوا من نومكم.
٥٨. بشّار بن بُرد: في الصداقة والأصدقاء
أبيات طالعتُها في ديوان الشاعر العباسي بَشّار بن بُرْد هي غاية في جمال الصورة الشعرية والمعنى والسَّبك اللفظي والجَرْس الموسيقي الهادئ تُفيدنا بأنّ كثرة معاتبة الأصدقاء ومحاسبتهم على كُلِّ ما يبدُرُ منهم من هفوات وزَلّات وتصرفّات لا تُعجبنا هي مَدْعاةٌ للقطيعة. فالإنسان أمامَهُ خَيارانِ لا ثالثَ لهما: إمّا أن يتقبّلَ أصدقاءَهُ على عِلّاتهم وإمّا أن يعيشَ وحيدًا في هذه الدنيا. وإذا قرّر الإنسانُ ألّا يُغضي عن سَقَطات أصحابه وأخِلّائه كانَ حالُهُ كَحالِ مَنْ يبحثُ عن الماء الذي لا تُعكّرُ صَفْوَهُ أيّةُ شائبة، وحينئذ يظماُ لأنّ الماء الزُّلال أو القَراح غير مُتاح له في كل الأمكنة والأزمنة. ولمّا كانَ النقصُ والعيبُ من طبيعة البشر فيكفينا أنْ نُعاشرَ منهم مَنْ كانت معايبهُ ومَساوِئُهُ قليلةَ العدد بحيث نستطيع عدَّها وإحصاءَها. يقول شاعرنُا:
١- إذا كنتَ في كلِّ الأمورِ معاتبًا
صديقَكَ لمْ تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ
٢- فَعِشْ واحدًا أو صِلْ أخاكَ فإنَّهُ
مُقارِفُ ذَنْبٍ مرَّةً ومُجانِبُهْ
٣ - ومَنْ ذا الذي تُرْضي سَجاياهُ كُلُّها
كَفَى المرءَ نُبْلًا أَنْ تُعَدَّ مَعايِبُهْ
٤ - إذا أنتَ لمْ تَشربْ مِرارًا على القَذَى
ظَمِئْتَ وأيُّ النّاسِ تصفو مَشارِبُهْ
(ديوان بشّار بن بُرْد)
٥٩. الناس أجناس
من الناس مَنْ لا تساوي حياتُه على هذه الأرض قُلامَةَ ظُفْرٍ ولا تُجْدي فَتِيلاً. فهو لا يُقدّمُ ولا يُؤخِّرُ في شيء، ولا يضرُّ ولا ينفعُ، ولا يتعلّمُ شيئاً ولا يُعلّمُ أحداً. فهذا الصنف من الناس حياتُه كمَماتِه، لا تشعرُ بوجوده ولا يهمك غابَ أم حضر، تكلّمَ أم سكتَ، عاشَ أم ماتَ.
يقول قيس بن الخطيم، ويُرْوَى البيت للنابغة الجَعْديّ:
إذا أنتَ لمْ تنفعْ فَضُرَّ فإنّما
يُرَجَّى الفتى كيما يَضُرُّ وينفعُ
ويقول الإمام الشافعي:
قد ماتَ قومٌ وما ماتتْ مَكارِمُهمْ
وعاشَ قومٌ وهُمْ في النّاسِ أمواتُ
ويقول أبو الطّيّب المتنبي:
في النّاسِ أمثِلةٌ تَدورُ حياتُها
كَمَماتِها ومَماتُها كحياتها
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
والناسُ صِنْفانِ مَوْتَى في حياتِهِمُ
وآخرونَ بِبَطْنِ الأرضِ أحياءُ
فَلْتَكُنْ مِمّن يذكرُهم الناسُ بعدَ موتهم بالخير، ويدعون لهم بالرحمة والمغفرة والثواب وحُسْنِ المآب.
٦٠. أبو الطيب المتنبي
المتنبي هو من أحبِّ الشعراء على قلبي ومن آثَرِهم عندي، وقد كتبتُ رسالة الدكتوراه عن شعره في سيف الدولة الحمداني وكافور الإخشيدي. لازمتُ شعره ملازمةَ الظل لصاحبه طوال ما ينوف على ثلاث سنوات كاملة، فكنتُ كلما تعمقتُ في دراسة ديوان شعره ازددتُ إعجاباً بقوة شاعريته، وشموخه، وثقته بنفسه، وكبريائه، وعلو همته، وفهمه العميق للنفس البشرية، وحكمته الفطرية، وقدرته على الوصف بعبارات تأخذ بالألباب. أفضل شعره وأصدقه في سيف الدولة الحمداني الذي قضى حياته في الدفاع عن الثغور الإسلامية ضد الدولة البيزنطية في وقت باتَ فيه الخليفة العباسي في بغداد ألعوبةً في أيدي الوزراء وقادة الجُنْد وأغلبهم من غير العرب. فُتن شاعرنا بشخصية سيف الدولة فجاء شعره في قوته وجزالته وجودته تعبيراً صادقاً عن حبه لهذا البطل المغوار. كما عُرف المتنبي بتمكّنه من اللغة العربية وسعة علمه بقواعدها، وله مناظرات ترويها كتب الأدب مع كبار علماء اللغة والنُّحاة ممن كانوا في بلاط سيف الدولة أمثال ابن خالَوَيْه وابن جِنّي.
غطّى المتنبي على جميع شعراء زمانه وأشهرهم أبو فراس الحمداني، وقد طبّقتْ شهرتُه الآفاق حتى قال عنه ابن رشيق القيرواني في كتابه المسمّى العمدة في صناعة الشعر ونقده: " ثُمّ جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغلَ الناسَ". ولم يزل المتنبي يشغل الشعراء والأدباء والمتأدبين وعموم المثقفين إلى يومنا هذا. أَوَليْسَ هو القائل:
١- أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبي
وأسمعتْ كلماتي مَنْ بهِ صَمَمُ
٢- أنامُ مِلْءَ جفوني عن شواردها
ويسهرُ الخَلْقُ جَرَّاها ويختصمُ
٣- الخيلُ والليلُ والبيداءُ تعرفني
والسيفُ والرُّمحُ والقِرطاسُ والقلمُ
والقائل أيضاً:
١- ولا تحسبنَّ المجدَ زِقّاً وقَيْنَةً
فما المجدُ إلّا السيفُ والطّعنةُ البِكْرُ
٢- وتَرْككَ في الدّنيا دوّياً كأنّما
تَداولَ سَمْعَ المرءِ أنْمُلُهُ العَشْرُ
شُهر أبو الطيب المتنبي بأشعاره الحِكَميّة حتى لُقّب بالشاعر الفيلسوف. وسنُفْرِد الجزء الثاني من هذا االمنشور بعون الله لأشعاره التي جرت مجرى الأمثال والتي لا يزال الناس إلى عصرنا هذا يتمثلون بها في كتاباتهم ومجالسهم الأدبية.
٦١. أبو الطيب المتنبي: أمثالُهُ وحِكَمُهُ الشعرية
اخترنا لكم اليوم، أعزائي القراء، مجموعة أبيات متنوعة من شعر المتنبي تنم عن صفاء قريحته، وفهمه العميق للنفس البشرية بنوازعها وتطلعاتها وآمالها وهمومها، وقدرته العجيبة على اختيار المفردات وصوغها في قوالب لغوية تصلح لأن يتمثل بها الناس في كل زمان ومكان. إليكم هذه الباقة من الأبيات الحِكمية المشهورة:
١- ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يُدركُهُ
تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُّفُنُ
٢- وإذا أتتكَ مَذمّتي من ناقصٍ
فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ
٣- إذا رأيتَ نُيوبَ الليثِ بارزةً
فلا تظنَّنَّ أنّ الليثَ يبتسمُ
٤- وليس يصِحُّ في الأفهام شيءٌ
إذا احتاجَ النهارُ إلى دليلِ
٥- ذو العقلِ يشقى في النعيمِ بعقلهِ
وأخو الجهالةِ في الشّقاوةِ يَنعمُ
٦- بِذا قَضتِ الأيامُ ما بينَ أهلِها
مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ
٧- إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ مَلَكْتَهُ
وإنْ أنتَ أكرمتَ اللئيمَ تمرّدا
٨- لولا المَشقّةُ سادَ الناسُ كلُّهمُ
الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قَتّالُ
٩- وإذا كانت النّفوسُ كِباراً
تَعِبت في مُرادها الأجسامُ
١٠- وكم مِن عائبٍ قولاً صحيحاً
وآفتُهُ مِنَ الفهمِ السّقيمِ
١١- وإذا لم يكنْ من الموتِ بُدٌّ
فمِنَ العجزِ أن تموتَ جبانا
١٢- ومن يكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ
يجدْ مُرّاً بهِ الماءَ الزُّلالا
١٣- سِوَى وجعِ الحُسّادِ داوِ فإنّهُ
إذا حلَّ في قلبٍ فليس يَحُولُ
١٤- مَنْ يهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليهِ
ما لجُرحٍ بميّتٍ إيلامُ
١٥- تُريدين لُقيانَ المعالي رخيصةً
ولا بُدَّ دُون الشّهدِ من إبرِ النّحلِ
١٦- ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرّ أن يرى
عدواً له ما من صداقتهِ بُدُّ
١٧- أعزُّ مكانٍ في الدُّنَى سرجُ سابحٍ
وخيرُ جليسٍ في الأنامِ كتابُ
١٨- وفي تعبٍ من يحسدُ الشمسَ نورَها
ويَجْهدُ أن يأتي لها بضريبِ
١٩- لا يُعجِبنَّ مَضِيماً حُسنُ بِزّتِهِ
وهل تروقُ دفيناً جودةُ الكفنِ
٢٠- كلُّ حِلم أتى بغير اقتدارٍ
حُجّةٌ لاجئٌ إليها اللِّئامُ
٢١- وشِبهُ الشيء مُنجذبٌ إليهِ
وأشبهُنا بدنيانا الطَّغامُ
٢٢- يرى الجبناءُ أنّ العجزَ عقلٌ
وتلك خديعةُ الطّبعِ اللّئيم
٢٣- إذا ساءَ فِعلُ المرءِ ساءت ظنونُهُ
وصدّقَ ما يعتادُهُ من توهُّمِ
٢٤- إذا غامرتَ في شرفٍ مَرومٍ
فلا تقنعْ بما دونَ النّجومِ
٢٥- خليلكَ أنتَ لا مَن قُلتَ خِلّي
وإنْ كثُرَ التجمُّلُ والكلامُ
٢٦- ومن البليّةِ عَذلُ من لا يرعوي
عن غَيّهِ وخطابُ مَن لا يفهمُ
٢٧- ومَن ينفق الساعاتِ في جمعِ مالهِ
مخافةَ فقرٍ فالذي فَعلَ الفقرُ
٢٨- ومَن يجعل الضّرغامَ بازاً لصيدِهِ
تصيّدَهُ الضرغامُ فيمن تصيّدا
٢٩- على قدر أهلِ العزم تأتي العزائمُ
وتأتي على قدر الكرامِ المكارمُ
٣٠- وتعظُمُ في عين الصغيرِ صغارُها
وتصغُرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ
٣١- وما انتفاعُ أخي الدنيا بناظرهِ
إذا استوت عنده الأنوارُ والظُّلمُ
٣٢- وما التأنيثُ لاسم الشمسِ عيبٌ
ولا التذكيرُ فخرٌ للهِلالِ
٣٣- وكلُّ امرئٍ يُولي الجميلَ مُحبَّبٌ
وكلُّ مكانٍ يُنْبِتُ العزَّ طيّبُ
٣٤- إنّا لفي زمنٍ تَرْكُ القبيحِ بهِ
مِن أكثر النّاسِ إحسانٌ وإجمالُ
٣٥- في النّاسِ أمثلةٌ تدورُ حياتُها
كمَماتها ومَماتُها كحياتها
٣٦- ما كلُّ من طلبَ المعالي نافذاً
فيها ولا كلُّ الرّجالِ فُحُولا
٣٧- ومنَ العداوةِ ما ينالُكَ نَفْعُهُ
ومن الصداقةِ ما يَضُرُّ ويُؤلمُ
٦٢. أعذبُ الشِّعْر أكْذَبُهُ
عبارة وردت في كتاب "نقد الشعر" لقُدامة بن جعفر، وهو من أوّل مَنْ ألّفوا في النقد الأدبي عند العرب.
يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه "العُمْدة في صناعةِ الشعر ونقْده":
"ومن فضائل الشعر أنّ الكَذِب الذي اجْتَمَعَ الناسُ على قُبْحِهِ حَسُنَ فيه، وحَسْبُكَ ما حسَّنَ الكَذِبَ، واغتفرَ لهُ قُبْحَه".
وقد أشار القرآن الكريم إلى دأب الشعراء في الكَذِب والمبالغات بقوله في الآيات ٢٢٤-٢٢٦ من سورة الشعراء: "والشُّعراءُ يَتّّبِعُهُمُ الغاوون ألمْ تَرَ أنّهمْ في كلِّ وادٍ يَهِيمون وأنّهمْ يقولونَ ما لا يفعلون".
وأكثر ما يكونُ الكَذِب في شِعْر الفخر والمديح والهِجاء وفي غير ذلك من الأغراض الشعرية.
أمّا المُراد بهذه العبارة فليس هو الحثُّ على قول الأباطيل والأضاليل والكَذِب الصُّراح في نقل الأخبار والروايات والأحداث والوقائع، وإنمّا المقصود هو أنّه كُلّما بالغَ الشاعر في الوصف والتشبيه والتمثيل وشَطَحَ في أخْيِلتهِ ووَثَباته وصُوَرِه الشعرية كان ذلك أجملَ وأشدَّ وَقعاً وترسيخاً للمعنى في نفوس السامعين وأذهانهم.
وممّا يُسْتعذَبُ ويُسْتَمْلَحُ من أكاذيب الشعر ومبالغاته العديدة قولُ شاعرِ المُعلّقات عمرو بن كلثوم:
إذا بلغَ الفِطامَ لنا صبيٌّ
تَخِرُّ لهُ الجبابرُ ساجِدينا
وقول ابن المعتمر:
مررتُ على الفُراتِ وليس تَجْري
سفائِنُهُ لنُقْصانِ الفراتِ
فلما أنْ ذَكَرْتُكِ فاضَ دمعي
فأجْراهُنَّ جَرْيَ العاصفاتِ
وقول الحسين بن مُطَيْر الأسدي يَرْثي معنَ بن زائدة:
فيا قَبْرَ مَعْنٍ أنتَ أوّلُ حُفْرةٍ
مِنَ الأرضِ خُطَّتْ للسّماحةِ مَضْجَعا
ويا قَبْرَ مَعْنٍ كيفَ وارَيْتَ جُودَهُ
وقدْ كانَ منهُ البَرُّ والبحرُ مُتْرَعا
وقول أبي الطيّب المتنبي:
وَرْدٌ إذا وَرَدَ البحيرةَ شارباً
وَرَدَ الفراتَ زئيرُهُ والنِّيلا
٦٣. قصيدة هي الأخلاق تنبتُ كالنبات (معروف الرُّصافيّ)
عالج هذا الشاعر العراقي الشهيرعدداً من قضايا الوطن العربي والإسلامي والمجتمع والحياة بأسلوب ٍ نقديّ جَذّاب، وكان من رُوّاد أنصار المرأة في زمانه وممّن نادَوْا بتعليمها ومشاركتها الفعّالة والنَّشِطة في جميع مناحي الحياة إيماناً منه بأهميّة دور المرأة في تَنْشِئة الأجيال والمجتمعات المستنيرة والصالحة باعتبارها حجرَ الزاوية في مشروع النهضة العربية، فانطلقَ كغيره من معاصريه من المنطلق الصحيح- حِضْن الأمّ المتعلمة القادرة على إشراب أبنائها وبناتها الأخلاقَ والخصالَ الحميدة والقِيَمَ والمُثُلَ والمبادئَ السامية التي تُنير أفكارَهم بنور العِلْم والمعرفة. وقد أجادَ شاعرنا في طَرْح قضية تعليم المرأة وخروجها من بيتها وسُفُورها وفي الدفاع عنها بأَدِلَّة ٍ وحُجَج ٍ وبراهينَ شرعية وعقلية ومنطقية بحيث لم يتركْ للظلاميين من أنصار تجهيل المرأة وحَبسِها وتَهميشِها ذريعةً يتذرّعون بها. والقصيدة التي نحن بصددها طويلة يبلغ عدد أبياتها ٥٢ بيتاً اخترتُ لكم منها الأبيات التالية:
١- هيَ الأخلاقُ تنبتُ كالنباتِ
إذا سُقِيتْ بماءِ المَكْرُماتِ
٢- تقومُ إذا تَعَهَّدَها المُربّي
على ساقِ الفضيلةِ مُثْمِراتِ
٣- ولمْ أرَ للخلائقِ مِن مَحَلٍّ
يُهَذِّبُها كحِضْنِ الأُمّهاتِ
٤- فَحِضْنُ الأمِّ مدرسةٌ تَسامتْ
بتربيةِ البنينَ أو البناتِ
٥- وأخلاقُ الوليدِ تُقاسُ حُسْناً
بأخلاقِ النساءِ الوالداتِ
٦- فيا صَدْرَ الفتاةِ رَحُبْتَ صَدْراً
فأنتَ مَقَرُّ أسْنَى العاطفاتِ
٧- فكيفَ نظنُّ بالأبناءِ خيرًا
إذا نشأوا بحِضنِ الجاهلاتِ
٨- أَأُمَّ المؤمنينَ إليكِ أشكو
مُصيبتَنا بِجهْلِ المؤمناتِ
٩- فَتِلْكَ مُصيبةٌ يا أُمُّ منها
نكادُ نَغَصُّ بالماءِ الفُراتِ
١٠- تَخِذْنا بَعْدَكِ العاداتِ دِيناً
فأَشْقَى المُسْلمونَ المُسْلماتِ
١١- فقدْ سَلكوا بِهِنَّ سبيلَ خُسْرٍ
وصَدُّوهُنَّ عن سُبُلِ الحياةِ
١٢- بحيثُ لَزِمْنَ قَعْرَ البيتِ حتّى
نَزَلْنَ بهِ بِمَنْزِلةِ الأداةِ
١٣- وقالوا شِرْعةُ الإسلامِ تَقْضي
بتفضيلِ " الّذينَ على اللواتي"
١٤- لقدْ كَذَبوا على الإسلامِ كِذباً
تَزولُ الشُّمُّ منهُ مُزَلْزَلاتِ
١٥- أليسَ العِلْمُ في الإسلام فَرْضاً
على أبنائهِ وعلى البناتِ
١٦- وكانتْ أمُّنا في العِلمِ بحراً
تَحُلُّ لسائليها المُشْكلاتِ
١٧- وعَلَّمَها النبيُّ أَجَلَّ عِلْمٍ
فكانت مِنْ أَجَلِّ العالِماتِ
١٨- ألمْ نَرَ في الحِسانِ الغِيدِ قَبْلاً
أَوانِسَ كاتباتٍ شاعِراتِ
١٩- وقد كانت نِساءُ القومِ قِدْماً
يَرُحْنَ إلى الحروبِ معَ الغُزاةِ
٢٠- يَكُنَّ لَهُمْ على الأعداءِ عَوْناً
ويَضْمِدْنَ الجُروحَ الدامياتِ
٢١- فماذا اليومَ ضَرَّ لَوِ الْتَفَتْنا
إلى أسلافِنا بعضَ الْتِفاتِ
٢٢- فَهُمْ ساروا بِنَهْجِ هُدًى وسِرْنا
بمِنْهاجِ التفَرُّقِ والشَّتاتِ
٢٣- نَرَى جَهْلَ الفتاةِ لها عَفافاً
كأَنَّ الجهلَ حِصْنٌ للفتاةِ
٢٤- لَئِنْ وأَدُوا البناتِ فقدْ قَبَرْنا
جميعَ نِسائِنا قبلَ المَماتِ
٢٥- ولوْ عَدِمتْ طِباعُ القومِ لُؤْماً
لَما غَدَتِ النساءُ مُحَجَّباتِ
٢٦- وتهذيبُ الرِّجالِ أَجَلُّ شَرْطٍ
لِجَعْلِ نِسائِهمْ مُتَهَذِّباتِ
٢٧- وما ضَرَّ العفيفةَ كَشْفُ وَجْهٍ
بدا بينَ الأَعِفّاءِ الأُباةِ
٢٨- فِدًى لِخَلائقِ الأعرابِ نَفْسي
وإنْ وُصِفوا لَدَيْنا بالجُفاةِ
٢٩- فَكَمْ بَرَزَتْ بِحَيِّهِمُ الغواني
حَواسِرَ غَيْرَ ما مُتَرَيّباتِ
——————————————-
شرح المفردات:
أَسْنَى: أرْفعُ وأسْمَى. أُمُّ المؤمنين: يُقصَد بها عائشة زوجة النبيّ. الفُرات: الشديدُ العذوبة. الذين على اللواتي: أي الذكور على الإناث. الشُّمُّ (جمع أشَمّ وشَمّاء): العالية، ويُرادُ بها الجبال العالية. أجلّ عِلْم: الفقه وعلوم الدين. الغيد (جمع غيداء): الفتاة الناعمة. أوانس: جمع آنِسة. حواسِر: سافرات لا يرتدين الحِجاب. غيرَ ما مُتَرَيّبات: غير مشكوك في عفافهنّ، وما هنا تُسمَّى ما الزائدة.
٦٤.قصيدة الشِّعرُ مُفتقرٌ منّي لِمُبتكرٍ (معروف الرُّصافيّ)
حديثنا لهذا اليوم عن قصيدة أخرى للشاعر العراقي معروف الرُّصافي يفخر فيها بشعره المُبتَكر، ويبكي على ذهاب مجد العرب والمسلمين، ويحن إلى عصور العرب الزاهرة. والقصيدة طويلة يبلغ عددُ أبياتها ٣٠ بيتاً ونَيِّفاً اخترنا لكم منها الأبيات التالية:
١- الشِّعرُ مُفْتَقِرٌ مِنّي لِمُبْتَكِرٍ
ولستُ للشِّعرِ في حالٍ بِمُفْتقرِ
٢- دَعَوْتُ غُرَّ القوافي وهي شاردةٌ
فأَقْبلتْ تمشي مَشْيَ مُعْتَذِرِ
٣- وسَلَّمَتْنِيَ عنْ طَوْعٍ مَقادَتَها
فَرُحْتُ فيهِنَّ أَجْري جَرْيَ مُقْتَدِرِ
٤- إذا أقَمْتُ أقامتْ وهيَ مِنْ خَدَمي
وأينما سِرْتُ سارتْ تَقْتَفي أثَري
٥- صَرَّفْتُ فِيهِنَّ أقلامي ورُحْتُ بها
اُُعَرِّفُ النّاسَ سِحْرَ السَّمْعِ والبَصَرِ
٦- مَلَكْنَ مِنْ رِقَّةٍ رقَّ النُّفوسِ هَوًى
مِنْ حيثُ أَطْرَبْنَ حتّى قاسيَ الحَجَرِ
٧- سَقَيْتُهُنَّ المعاني فارْتَوَيْنَ بها
وكُنَّ فيها مَكانَ الماءِ في الثَّمَرِ
٨- كَمْ تَشْرَئِبُّ لها الأسماعُ مُصْغِيَةً
إذا تُنُوشِدْنَ بينَ البَدْوِ والحَضَرِ
٩- طابَقْتُ لَفْظِيَ بالمَعْنَى فطابَقَهُ
خُلْواً مِنَ الحَشْوِ مملوءاً مِنَ العِبَرِ
١٠- إنّي لَأَنْتَزِعُ المَعْنَى الصَّحيحَ على
عُرْي ٍفأَكْسوهُ لفظاً قُدَّ مِنَ دُرَرِ
١١- سَلِ المنازلَ عنّي إذْ نَزَلْتُ بها
ما بينَ بغدادَ والشّهباءِ في سَفَري
١٢- ما جئْتُ مَنْزلَةً إلّا بَنَيْتُ بها
بيتاً منَ الشِّعْرِ لا بيتاً من الشَّعَرِ
١٣- وأَجْوَدُ الشِّعْرِ ما يَكْسوهُ قائِلُهُ
بِوَشْيِ ذا العَصْرِ لا الخالي مِنَ العُصُرِ
١٤- لا يَحْسُنُ الشِّعْرُ إلّا وهوُ مُبْتَكَرٌ
وأَيُّ حُسْنٍ بِشِعْرٍ غَيْرِ مُبْتَكَرِ
١٥- ومَنْ يَكُنْ قالَ شِعْراً عنْ مُفاخَرَةٍ
فلستُ واللهِ في شِعْرٍ بِمُفْتَخِرِ
١٦- وإنَّما هيَ أَنْفاسٌ مُصَعَّدَةٌ
تَرْمي بها حَسَراتي طائرَ الشَّرَرِ
١٧- وهُنَّ إنْ شِئتَ مِنّي أَدْمُعٌ غُزُرٌ
أَبكي بِهِنَّ على أَيّامِنا الغُرَرِ
٦٥. تقليدُ الأبناءِ للآباء
من أجملِ ما قيل من الشعر في تقليد الأبناء للآباء وفي محاكاة الصِّغار للكبار في سلوكهم وتصرُّفاتهم وألفاظهم وأخلاقهم ونَهْجِ حياتهم الأبيات التالية:
١- مَشَى الطّاووسُ يَوْماً باعْوِجاجٍ
فَقَلَّدَ شَكْلَ مَشْيَتِهِ بَنُوهُ
٢- فقالَ علامَ تَخْتالونَ قالوا
بَدَأْتَ بِهِ ونحنُ مُقَلِّدُوهُ
٣- فخالِفْ سَيْرَكَ الْمُعْوَجَّ واعْدِلْ
فَإنّا إنْ عَدَلْتَ مُعَدِّلُوهُ
٤- أما تَدْري أبانا كُلُّ فَرْعٍ
يُجاري بالخُطَى مَنْ أدّبُوهُ
"٥-ويَنْشَأُ ناشِئُ الفِتْيانِ مِنّا
عَلَى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
"٦-وما دانَ الفَتَى بِحِجىً ولكنْ
يُعَلِّمُهُ التديُّنَ أَقْرَبوهُ"
ملاحظة: لم أعثُرْ رغمَ بَحْثي الطويل على اسم قائل الأبيات الأربعة الأولى. أمّا البيتان الأخيران فهما لأبي العلاء المعري (ديوان لزوم ما لا يلزم). وأغلبُ الظنّ أنّ الشاعرَ ضَمّنَ قَصيدَتَه هذين البيتين على سبيل الاقتباس، لا الإنتحال.
والحِجَى هو العَقْل.
٦٦. اللسان
موضوع حديثنا لهذا اليوم اللسان وما يترتب على الأقوال الصادرة عنه من مخاطر وعواقب وخيمة على صاحبه.
ولأهمية اللسان قالت العرب في أمثالها: "مَقْتَلُ الرّجُلِ بينَ فَكَّيْه". وقالت أيضا: "المرءُ بأَصْغَرَيْهِ: قلبه ولسانه".
وقال شاعر المعلّقات زهير بن أبي سلمى:
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُهُ
فلم يبقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِ
وقال آخر:
جِراحاتُ السِّنانِ لها الْتِئامٌ
ولا يَلْتامُ ما جرَحَ اللسانُ
(يلتام أي يلتئم)
وقد حذرنا رسول الهدى من مغبة كلمة السوء فقال: "إن المرءَ لَيتكلَّمُ بالكلمة من سخط الله لا يُلْقي لها بالًا تَهْوِي به في نار جهنم". وقال أيضا حين سئل عن اللسان: "وهل يَكُبُّ الناسَ في النارِ على وجوهِهم إلا حصائدُ ألسنتهم".
٦٧. داليّةُ الأَفْوَه الأَوْديّ
حديثنا لهذا اليوم عن شاعر يماني جاهلي صافي القريحة جَزْلِ الألفاظ لُقِّب بالأفْوَه الأوْدي لأنّه كان غليظ الشفتين ظاهر الأسنان، واسمه صلاءة بن عمرو بن مالك من بَنِي أود بن مَذْحِج. كان الأفوهُ، وكنيتُه أبو ربيعة، سيدَ قومه وقائدَهُم في حروبهم، وكان من كبار الشعراء القدماء في عصره، والعربُ تَعُدُّهُ من حُكمائها. تُوفِّيَ عام ٥٧٠ م. وتُعَدُّ دالِيَّتُهُ من حكمة العرب وآدابها وقد اخترنا لكم منها الأبيات التالية:
١- فينا مَعاشِرُ لمْ يَبْنُوا لِقومِهِمُ
وإنْ بَنَى قومُهُمْ ما أفسدوا عادوا
٢- لا يَرْشُدونَ ولن يَرْعَوْا لِمُرْشدهمْ
فالغَيُّ منهمْ معاً والجَهْلُ مِيعادُ
٣- والبيتُ لا يُبْتَنَى إلّا لهُ عَمَدٌ
ولا عِمادَ إذا لمْ تُرْسَ أوْتادُ
٤- فإنْ تَجَمّعَ أوتادٌ وأعْمِدةٌ
وساكِنٌ بلغوا الأمرَ الذي كادوا
٥- لا يَصْلُحُ الناسُ فَوْضى لا سَراةَ لهُمْ
ولا سَراةَ إذا جُهّالُهُمْ سادوا
٦- تُلْفَى الأمورُ بأهلِ الرُّشْدِ ما صَلحتْ
فإنْ تَوَلَّوْا فبالأشرارِ تَنْقادُ
٧- إذا تَوَلَّى سَراةُ القومِ أمرَهُمُ
نما على ذاكَ أمرُ القومِ فازْدادوا
٨- كيفَ الرّشادُ إذا ما كُنتَ في نَفَرٍ
لَهُمْ عن الرُّشْدِ أغْلالٌ وأَقْيادُ
٩- أعْطَوْا غُواتَهُمُ جهلاً مَقادَتَهُمْ
فكُلُّهُمْ في حِبالِ الغَيِّ مُنْقادُ
١٠- فسوفَ أجعلُ بُعْدَ الأرضِ دُونَكُمُ
وإنْ دَنَتْ رَحِمٌ منكُمْ ومِيلادُ
١١- إنَّ النَّجاةَ إذا ما كنتَ ذا بَصَرٍ
مِنْ أَجَّةِ الغَيِّ إبْعادٌ فإبعادُ
١٢- والخَيْرُ تَزْدادُ منهُ ما لَقِيتَ بهِ
والشَّرُّ يَكْفيكَ منهُ قَلَّ ما زادُ
(ديوان الأفوه الأودي)
__________________
شرح المفردات:
مَعاشر: جماعات من الناس. عادوا: أي عادوا للإفساد. لم يرعوا لمرشدهم: لم يأخذوا بنصيحته. كادوا: أرادوا تحقيقه. سَراة: جمع سَرِيّ وهو السيد الشريف. أغلال: جمع غُلّ وهو الطوق يُجْعَلُ في العنق أو اليدين. أقياد: جمع قَيْد وهو حبل يُجْعل في رجل الدابة وغيرها فيُمسكها. الرَّحِم: القرابة وأسبابها. أَجَّة الغيّ: حَرُّهُ ولهيبُه.
ومعنى البيت الأخير أنّ الخير مهما اكتسبتَ منه فذلك لا يكفيك. وأمّا الشر فاكْتَفِ بأقلّ القليل منه.
٦٨. قصيدة من عيون الشعر الصوفي (أبو مَديَن التِّلِمْساني)
القصيدة التي اخترناها لكم اليوم، أعزائي القُرّاء، هي من أجمل ما قيل في الحُبّ الإلهي، وقد نظمها عَلَمٌ من أعلام الصوفية يُقالُ له أبو مَدْين شُعَيب بن الحسين الأندلسي (٥٠٩-٥٩٤ للهجرة) المعروف بأبي مدين التلمساني. ولشدة ورعه وشهرته لُقِّبَ بشيخ الشيوخ ولَقَّبه ابن عربي بمُعلّم المعلّمين. اخترنا لكم من هذه القصيدة الرائعة الأبيات التالية:
١- تَمَلَّكتُمُ عقلي وطَرْفي ومَسْمَعي
وروحي وأحشائي وكُلّي بِأجْمعي
٢- وتَيَّهْتُموني في بديعِ جَمالكُمْ
فلمْ أدْرِ في بحرِ الهَوَى أينَ مَوْضِعي
٣- واُوصَيْتُموني لا أبوحُ بسِرّكُمْ
فباحَ بما أُخْفي تَفَيُّضُ أدمُعي
٤- ولمّا فَنِي صبري وقَلَّ تَجلُّدي
وفارَقَني نومي وحُرِّمْتُ مَضْجعي
٥- أتيتُ لِقاضي الحُبِّ قلتُ أحِبَّتي
جَفَوْني وقالوا أنتَ في الحُبِّ مُدَّعي
٦- وعندي شهودٌ للصبابةِ والأسَى
يُزَكُّونَ دَعْوايَ إذا جئتُ أَدَّعي
٧- سُهادي ووَجْدي واكْتئابي ولوعتي
وشوقي وسُقْمي واصْفِراري وأدْمُعي
٨- ومِنْ عَجَبٍ أنّي أَحِنُّ إليْهِمُ
وأسألُ شوقاً عنهُمُ وَهُمُ مَعي
٩- وتَبْكيهُمُ عيني وهمْ في سَوادِها
ويشكو النَّوَى قلبي وهمْ بينَ أضْلُعي
٦٩. جَرَيْتُ معَ العُشّاقِ في حَلْبةِ الهَوَى (عِشْرقة المُحاربيّة)
تقول هذه الشاعرة الجاهلية وقدْ تقدّمت بها السنُّ فصارت عجوزا:
١- جَرَيْتُ معَ العُشّاقِ في حَلْبةِ الهَوَى
فَفُتُّهُمْ سَبْقاً وجِئْتُ على رِسْلي
٢- تسربلتُ ثوبَ الحُبِّ مُذ أنا يافعٌ
ومُتِّعْتُ منهُ بالصُّدودِ وبالوَصْلِ
٣- فما لَبِسَ العُشّاقُ مِن حُلَلِ الهَوَى
ولا خَلَعوا إلّا الثِّيابَ التي أُبْلي
٤ -ولا شَرِبوا كأْساً مِنَ الحُبِّ مُرَّةً
ولا حُلْوَةً إلّا شَرابُهُمُ فَضْلي
__________________
شرح المفردات:
على رِسْلي: على مَهْلي. تسربلتُ: لبستُ السِّرْبال، أي القميص. يافع: مَنْ شارفَ الاحتلام وهو دون البلوغ. حُلل: جمع حُلَّة وهو الثوب الجيّد. فَضْلي: بقيّةُ شرابي.
٧٠. الدنيا والأيام: أبيات شعرية مختارة لعدّة شعراء
من أحسن ما قيل في الدنيا وتَقَلُّب الدهر قولُ الإمام عليّ كرّمَ اللهُ وجهَهُ: "إذا أقْبلتِ الدنيا على أحدٍ أعارتهُ مَحاسنَ غَيْرِهِ وإنْ أدبرتْ عنه سَلَبَتْهُ مَحاسنَ نفسه"، وقوله أيضاً:"أهْلُ الدنيا كَرَكْبٍ يُسارُ بِهمْ وهُم نِيامٌ"، وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "الدنيا سِجْنُ المؤمنِ وجنّةُ الكافر"، وقول القائل:"الدنيا غُرورٌ حائِل، وزُخْرُفٌ زائِل، وظِلٌّ آفِل".
يقول أبو الفرج السّاويّ:
١- هيَ الدنيا تقولُ بِمِلْءِ فيها
حَذارِ حَذارِ مِن بَطْشي وفَتْكي
٢- فلا يَغْرُرْكُمُ مِنّي ابْتسامٌ
فقولي مُضْحِكٌ والفِعْلُ مُبْكي
ويقول ابن المُعتزّ:
١- ألا إنّما الدنيا كَظِلِّ غَمامةٍ
إذا ما رجاها المُسْتَظِلُّ اضْمَحَلَّتِ
٢- فلا تَكُ مِفْراحاً إذا هيَ أقْبلتْ
ولا تَكُ مِجْزاعاً إذا هيَ وَلَّتِ
ويقول المتنبي:
١- سُبِقْنا إلى الدنيا فلوْ عاشَ أهلُها
مُنِعْنا بِها مِن جِيئةٍ وذُهُوبِ
٢- تَمَلَّكها الآتي تَمَلُّكَ سالبٍ
وفارَقَها الماضي فِراقَ سَلِيبِ
ويقول آخر:
١- الدهرُ أبْلاني وما أبْلَيْتُهُ
والدهرُ غَيّرَني وما يَتَغيَّرُ
٢- والدهرُ قَيَّدني بِخَيْطٍ مُبْرَمٍ
فَمَشيتُ فيهِ وكُلَّ يَومٍ يَقْصُرُ
ويقول أبو العلاء المعريّ:
١- مَنْ ساءَهُ سَببٌ أوْ هالَهُ عَجَبٌ
فَلِي ثمانونَ حَوْلاً لا أرَى عَجَبا
٢- الدهرُ كالدهرِ والأيامُ واحِدةٌ
والناسُ كالناسِ والدنيا لِمَنْ غَلَبا
ويقول ابن سَناء المُلْك:
والمرءُ بالدهرِ لا ينفكُّ مُنْكَسِراً
قَهْراً وغَيْرُ عَجيبٍ كَسْرُ فَخّارِ
ويقول آخر:
ومَنْ يَأْمَنِ الدنيا يَكُنْ مِثْلَ قابضٍ
على الماءِ خانَتْهُ فُرُوجُ الأصابعِ
ويقول ابن عبد ربه:
١- أَلا إنّما الدنيا كأحلام ِ نائمٍ
وما خيرُ عيشٍ لا يكونُ بدائمِ
٢- تأَمَّلْ إذا ما نلتَ بالأمسِ لذَّةً
فأفْنَيْتَها هلْ أنتَ إلّا كَحالِمِ
ويقول سابِق البربريّ:
والنَّفْسُ تَكْلَفُ بالدنيا وقدْ عَلِمَتْ
أنَّ السلامةَ منها تَرْكُ ما فِيها
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
١- أخا الدنيا أَرَى دنياكَ أَفْعَى
تُبَدِّلُ كُلَّ آونةٍ إِهابا
٢- ومِنْ عَجَب ٍ تُشَيِّبُ عاشِقيها
وتُفْنيهِمْ وما بَرِحَتْ كَعابا
٣- فمَنْ يَغْتَرُّ بالدنيا فإنّي
لَبِسْتُ بها فأبْلَيْتُ الثِّيابا
٤- جَنَيْتُ بِرَوْضِها وَرْداً وشَوْكاً
وذُقْتُ بكأسِها شَهْداً وصابا
٧١. ابن عبد ربّه: نماذج من شعره
حديثنا هذا الصباح عن شاعر وأديب أندلسي بارع هو أحمد بن محمد بن عبد ربّه الملقَّب بمليح الأندلس. وُلِدَ ابن عبد ربه في قرطبة سنةَ ٨٦٠ م ونشأ وترعرعَ فيها. عُرِفَ بسعة اطّلاعه في الشعر والرواية والعلم، ونظمَ الشعر في الحب والغزل، ثُمّ تاب وكتبَ أشعاراً في الزهد والمواعظ سمّاها "المُمَحَّصات". مَدحَ أمراءَ عصره ويقال إنه جمعَ ثروة كبيرة من هذا المديح. يُعتَبر من رُوّاد فَن الموشّحات، غيرَ أنّ أشهرَ آثاره الأدبية وأَجَلَّها كتابُ "العقد الفريد"، وهو بحق موسوعة أدبية وتاريخية واجتماعية شاملة في الشعر والنثر والأمثال والحِكَم والخطب والوصايا والرسائل والأخبار وأيام العرب والموسيقى وآداب الطعام والشراب إلى غير ذلك من الموضوعات. تُوفِّي سنةَ ٣٢٨ للهجرة في قرطبة وفيها دُفِنَ. وكان قد أصيبَ بالفالج في أواخر حياته.
قال عنه الثعالبي في يتيمة الدهر: "إنه أحد محاسن الأندلس عِلْماً وفضلاً وأدباً، وشِعرُهُ في نهاية الجزالة والحلاوة، وعليه رونقُ البلاغة والطلاوة". وقال عنه ابن خلَِّكان في وفيات الأعيان: "كان من العلماء المُكْثِرين من المحفوظات والاطّلاعِ على أخبار الناس".
اخترنا لكم من قصائده الغزلية الأبيات التالية:
١- الجِسْمُ في بلدٍ والروحُ في بلدِ
يا وَحْشَةَ الرُّوحِ بلْ يا غُرْبَةَ الجسدِ
٢- إنْ تَبْكِ عيناكَ لي يا مَنْ كَلِفْتُ بهِ
مِنْ رحمة ٍ فَهُما سهمانِ في كَبِدي
١- كتمتُ الهَوَى جَهْدي فَجَرّدَهُ الأَسَى
بماءِ البُكا هذا يَخُطُّ وذا يُمْلي
٢- وأحببتُ فيها العَذلَ حُبّاً لذِكرها
فلا شيءَ أشهى في فؤادي من العَذلِ
٣- أقولُ لقلبي كلما ضامَهُ الأسَى
إذا ما أبَيْتَ العِزَّ فاصْبِرْ على الذُّلِّ
٤- برأيكَ لا رأيي تعرّضتُ للهوى
وأمْرِكَ لا أمْري وفِعْلِكَ لا فِعْلي
٥- وجدتُ الهَوَى نَصْلاً لِمَوْتِيَ مُغْمَداً
فجَرَّدْتُهُ ثُمَّ اتَّكَأْتُ على النَّصْلِ
١- يا ذا الذي خَطَّ الجَمالُ بخَدِّهِ
خَطَّيْنِ هاجا لوعةً وبَلابِلا
٢- ما صَحَّ عندي أَنَّ لحظَكَ صارمٌ
حَتَّى لبِسْتَ بِعارِضَيْكَ حَمائِلا
(بلابل جمعُ بَلْبال وهو شدة الهمّ والوسواس. العارضان: جانبا الوجه أو صفحتا الخدّ. الحمائل جمعُ حِمالة: عِلاقة السيف أو نِجادُه).
ومن بديعِ ما قاله في الزهد:
١- ألا إنما الدنيا نَضارةُ أَيْكَةٍ
إذا اخْضَرَّ منها جانبٌ جَفَّ جانبُ
٢- هيَ الدّارُ ما الآمالُ إلّا فجائعٌ
عليها ولا اللذاتُ إلّا مصائبُ
٣- فكمْ سَخنتْ بالأمسِ عينٌ قريرةٌ
وقَرَّتْ عُيونٌ دمعُها اليومَ ساكِبُ
٤- فلا تَكْتَحِلْ عيناكَ فيها بِعَبْرةٍ
على ذاهِبٍ منها فإنَّكَ ذاهِبُ
٧٢. شاعرات الأندلس: أمُّ الهناء
هذا نموذج آخر اخترته لكم، أعزائي القراء، من الشعر الغزلي النسائي لشاعرات الأندلس، وهو شعر غزليّ عفيف غاية في الرقة والعذوبة لشاعرة غرناطية من أهل القرن السادس الهجري تُكنَى أم الهناء بنت القاضي أبي محمد بن عبد الحق بن عطية. قال عنها المَقّري التِّلِمْسانيّ في كتابه " نَفْحُ الطيب من غُصْن الأندلس الرطيب": "كانت حاضِرة النادرة، سريعة التمثيل، من أهل العلم والفهم والعقل". تقول أمُّ الهناء:
١- جاءَ الكتابُ مِنَ الحبيبِ بأنَّهُ
سيزورني فاسْتَعْبَرَتْ أجفاني
٢- غلبَ السرورُ عليَّ حتى إنَّهُ
من فَرْطِ ما قَدْ سَرّني أبْكاني
٣- يا عينُ صارَ الدمعُ عندكِ عادةً
تبكينَ في فَرَحٍ وفي أحزانِ
٤- فاسْتَقْبِلي بالبِشْرِ يومَ لِقائِهِ
وَدَعِي الدموعَ لليلةِ الهِجْرانِ
_________________
شرح المفردات:
اسْتَعْبَرت أجفاني: سالت أو جَرَت عَبَراتُها، أي دموعها. البِشْر: طَلاقَةُ الوَجْه.
٧٣. من قصيدة غُربة الروح (يحيى توفيق حسن)
١- ما أتْفَهَ العُمرَ لوْ عشنا نُبَدِّدُهُ
كما يُبدِّدُ حُرَّ المالِ أغْرارُ
٢ - أكْلٌ ونومٌ بلا فكرٍ ولا هدفٍ
كأننا في بقاعِ الأرضِ أبْقارُ
٣ - فالعيشُ مُتْعتُهُ فيما نكابدهُ
عسرٌ فيسرٌ وأفراحٌ فأَكْدارُ
٤ - والفكرُ كالحُبِّ أحلى ما نُزاوِلُهُ
لولاهُ لمْ تَحْلُ آمالٌ وأعمارُ
٥ - والناسُ في رحلةِ الأيامِ أوعيةٌ
للخيرِ والشرِ والإنسانُ يختارُ
٧٤. صفيّ الدين الحِلّيّ: نموذج من شعره الغزلي
١- الوجهُ منكِ عن الصوابِ يُضِلّني
وإذا ضللتُ فإنّهُ يَهْديني
٢- وتُميتني الألحاظُ منكِ بنظرةٍ
وإذا أردتِ بنظرةٍ تُحْييني
٣- وكذاكَ مِن مرضِ الجفونِ بَليَّتي
وإذا مَرِضتُ فإنّها تَشْفيني
٤- فلذاكَ أشري الوصلَ منكِ بمهجتي
وأبيعُ دُنْيايَ بِذاكَ ودِيني
(ديوان صفي الدين الحِلّي)
٧٥. الإمام الشافعي: مختارات من أجود أشعاره
هذه أبيات جميلة متنوعة الأغراض اخترناها لكم من ديوان الإمام الشافعي رحمه الله.
١- نَعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا
وما لزماننا عيبٌ سِوانا
٢- ونهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ
ولو نطقَ الزمانُ إذاً هجانا
٣- وليس الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ
ويأكلُ بعضُنا بعضاً عِيانا
١- إذا نَطَقَ السفيهُ فلا تُجِبْهُ
فخيرٌ من إجابتهِ السكوتُ
٢- فإنْ كَلّمتَهُ فَرَّجتَ عنهُ
وإنْ خَلَّيْتَهُ كَمَداً يموتُ
١- تَموتُ الأُسْدُ في الغاباتِ جُوعاً
ولحمُ الضأْنِ تأكُلُه الكِلابُ
٢- وعبدٌ قد ينامُ على حريرٍ
وذو نَسَبٍ مَفارشُهُ التُّرابُ
١- يا واعظَ النّاسِ عمّا أنتَ فاعلُهُ
يا مَنْ يُعَدُّ عليهِ العُمْرُ بالنَّفَسِ
٢- احفظْ لِشيْبِكَ مِن عيبٍ يُدنّسُهُ
إنَّ البياضَ قليلُ الحِملِ للدَّنَسِ
٣- كحاملٍ لِثيابِ النّاسِ يَغسِلُها
وثوبُهُ غارِقٌ في الرِّجْسِ والنَّجَسِ
٤- ترجو النجاةَ ولمْ تسلُكْ مَسالِكَها
إنَّ السفينةَ لا تَجري على اليَبَسِ
١- تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهرُ حُبَّهُ
هذا مُحالٌ في القياسِ بديعُ
٢- لوْ كانَ حُبُّكَ صادقاً لَأَطَعْتَهُ
إنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطيعُ
١- تَعلَّمْ فليس المرءُ يُولَدُ عالماً
وليس أخو عِلْمٍ كَمَنْ هو جاهلُ
٢- وإنَّ كبيرَ القومِ لا عِلْمَ عندهُ
صغيرٌ إذا الْتَفَّتْ عليهِ الجَحافِلُ
٣- وإنًَّ صغيرَ القومِ إنْ كانَ عالِماً
كبيرٌ إذا رُدَّتْ إليهِ المَحافِلُ
ومَنْ لمْ يَذُقْ مُرَّ التعلُّمِ ساعةً
تَجَرَّعَ ذُلَّ الجَهْلِ طُولَ حياتِهِ
١- وإنْ كثُرتْ عُيوبُكَ في البرايا
وسَرَّكَ أنْ يكونَ لها غِطاءُ
٢- تَسَتَّرْ بالسخاءِ فكلُّ عيبٍ
يُغطّيهِ كما قِيلَ السخاءُ
٣- ولا تَرْجُ السماحةَ من بخيلٍ
فما في النارِ للظمآنِ ماءُ
٤- ورزقُكَ ليس يُنْقِصُهُ التأنّي
وليس يَزيدُ في الرزقِ العَناءُ
٥- إذا ما كُنتَ ذا قلبٍ قنوعٍ
فأنتَ ومالِكُ الدنيا سَواءُ
٦- ولا حُزنٌ يدومُ ولا سرورٌ
ولا بُؤْسٌ عليكَ ولا رَخاءُ
٧٦. كيفَ يَعيبُ العُورَ مَنْ هوَ أعورَ
أوردَ مُصنِّف كتاب روضة العُقلاء ونُزهة الفُضلاء، محمد بن حِبّان البُستيّ المتوفَّى سنةَ ٣٥٤ للهجرة، أبياتًا في هذا الموضوع لم تُنسَب لقائلها هي من أنفع ما نُظِمَ في هذا الباب. يقول شاعرنا:
١- إذا أنتَ عِبْتَ الناسَ عابُوا وأَكْثَروا
عليكَ وأبْدَوْا منكَ ما كانَ يُستَرُ
٢- فإنْ عِبْتَ قومًا بالذي ليسَ فيهِمُ
فذلكَ عندَ اللهِ والنّاسِ أكبَرُ
٣- وإنْ عِبْتَ قومًا بالذي فيكَ مِثْلُهُ
فكيفَ يَعِيبُ العُورَ مَنْ هوَ أعْورُ
٧٧. مختارات من شعر مجنون ليلى
١. ألستَ وعدتَني يا قلبُ أنّي
إذا ما تُبتُ عن ليلى تَتوبُ
٢. فها أنا تائبٌ عَن حُبِّ ليلى
فما لكَ كُلّما ذُكِرت تَذوبُ
٣. وما لكَ قد حننتَ لِوَصلِ ليلى
وكنتَ حَلفتَ أنّكَ لا تؤوبُ
٤. بَلَى قَد عُدتَ يا قلبي إليها
فهذا الدمعُ مُنسكِبٌ صَبِيبُ
٥. إلى كَم تنحني شوقاً إليها
وأَحناءُ الفؤادِ بها نُدوبُ
١. مَضَى لي زمانٌ لَوْ أُخَيَّرُ بينَهُ
وبينَ حياتي خالداً أَبَدَ الدّهرِ
٢. لَقُلتُ ذروني ساعةً وكَلامَها
على غَفْلةِ الواشينَ ثُمَّ اقْطَعوا عُمْري
١. لَوْ كان لي قلبانِ لَعِشْتُ بِواحدٍ
وأَفردتُ قلباً في هَواكِ يُعَذَّبُ
٢. لكنَّ لي قلباً تَمَلَّكهُ الهَوَى
لا العيشُُ يَحلو لهُ ولا الموتُ يَقْرَبُ
٣. كعُصفورةِ في كَفِّ طِفلٍ يُهينُها
تُعاني عذابَ الموت والطِّفلُ يلعبُ
٤. فلا الطّفلُ ذو عَقْلٍ يَرِقُّ لِحالِها
ولا الطَّيرُ ذو ريشٍ يَطيرُ فَيَذهَبُ
١- وجدتُ الحُبَّ نيراناً تَلَظَّى
قلوبُ العاشقينَ لها وَقودُ
٢- فلوْ كانتْ إذا احترقتْ تَفانَتْ
ولكنْ كلّما احترقتْ تعودُ
٣- كأهلِ النارِ إذْ نَضِجَتْ جلودٌ
أُعيدتْ للشقاءِ لهمْ جُلودُ
١. تَداوَيتُ مِن ليلَى بِليلَى عنِ الهَوَى
كما يَتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ
٢. لَقد فُضِّلتْ ليلَى على الناسِ مِثْل ما
على ألفِ شهرٍ فُضِّلتْ ليلةُ القِدرِ
(ديوان مجنون ليلى)
٧٨. من فلسفة أبي الطيّب المتنبي
إذا ساءَ فِعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُهُ
وصَدّقَ ما يَعْتادُه من تَوهُّمِ
وعادَى مُحبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ
وأصبحَ في ليلٍ مِنَ الشَّكِّ مُظْلِمِ
ما أصحَّ هذا القولَ وما أصْدَقَهُ! فالعملُ السيّءُ ينعكسُ على مِرْآةِ الفِكْرِ والظنّ والاعتقاد، ويُفَرِّخُ في السرائر الخبيثة والضمائر الفاسدة والقلوب المريضة. فإذا كانَ المرءُ كَذّاباً ظنَّ بالناس الكَذِبَ، وإذا كانَ مُنافِقاً ظَنَّ بهمِ النِّفاقَ، وإذا كانَ مُحْتالاً ظَنَّ بهمِ الاحتيالَ، وإذا كانَ خائناً ظَنَّ بهمِ الخيانةَ وهكذا.
وحيثُ إِنَّ سُوءَ ظنّه واعتقاده لا يعكسُ بالضرورة حقيقةَ فَسادَ النوايا والأعمال عند غيره من الناس، تراهُ وقد التبستْ عليه الأمورُ، وعَشْعَشَتْ في رأسهِ الشكوكُ والظنون، فأصبح عاجزاً عن التمييز بين الوهم والحقيقة، وصارَ فريسةً سهلةً للقلق والحَيْرة والتشوُّش والاضطراب تُؤرِّقُهُ وتَقُضُّ عليه مَضْجَعَهُ.
٧٩. حِوار بين القلب والعين
١- يقول قلبي لطَرْفي إذْ بَكَى جَزَعاً:
"تبكي وأنتَ الذي حمّلتني الوَجَعا؟"
٢- فقال طَرْفي لهُ فيما يُعاتِبُهُ:
"بل أنتَ حمّلتني الآمالَ والطَّمَعا"
٣- حتى إذا خَلا كُلٌّ بصاحبهِ
كِلاهُما بطويل السُّقْم ِ قدْ قَنِعا
٤- نادَتْهُما كَبِدي لا تَتْعَبا فَلقَدْ
قَطّعْتُماني بِما لاقَيْتُما قِطَعا
وَرَدتْ هذه الأبيات بدون نسبة في كتاب روضةُ المحبين ونزهةُ المشتاقين لمؤلفه ابن قيّم الجوزية.
وهذه الأبيات تذكّرني بأغنية جميلة للمطربة الراحلة سُعاد محمد عنوانها "مين السبب في الحب - القلب ولّا العين؟".
٨٠. في النميمة
١- مَنْ نَمّ في الناس لمْ تُؤْمَنْ عقارِبُهُ
على الصديقِ ولم تُؤمَنْ أفاعيهِ
٢- كالسَّيلِ بالليلِ لا يدري بهِ أحدٌ
مِنْ أينَ جاءَ ولا مِنْ أينَ يأتيهِ
٣- الويلُ للعهدِ منهُ كيفَ يَنْقُضُهُ
والويلُ لِلْوُدِّ منهُ كيفَ يُفْنيهِ
.الأبيات بدون نسبة في ثمار القلوب، ونهاية الأرب، والمُستطرَف
٨١. الصِّمّة القُشَيْري: قِفا وَدِّعا نَجْداً
١- قِفا وَدِّعا نجداً ومَن حلَّ بالحِمَى
وقَلَّ لنجدٍ عندنا أن يُودَّعا
٢- بنفسيَ تلكَ الأرضُ ما أطيبَ الرُّبَى
وما أحسنَ المُصْطافَ والمُتَرَبّعا
٣- وأذكرُ أيامَ الحِمَى ثم أنثني
على كبدي من خشيةٍ أن تَصَدَّعا
٤- فليست عشيّاتُ الحِمَى برواجعٍ
عليكَ ولكنْ خلِّ عينيكَ تَدْمَعا
٥- كأنّا خُلقنا للنَّوَى وكأنما
حرامٌ على الأيام ِ أن نَتَجَمّعا
__________________
شرح المفردات:
بنفسي: أي أفدي بنفسي. المُصْطاف: مكان الإقامة في فصل الصيف. المُتَرَبَّع: مكان الإقامة في فصل الربيع. النَّوَى: البُعْدُ أو الفراق.
٨٢. أبو حَيَّةالنُّمَيْريّ: الإنسانُ وعامِلُ الزمن
أبيات جميلة لأبي حَيَّة النُّمَيْريّ، وهو شاعر مُخَضْرَم عاصرَ الدولتين الأموية والعباسية، قرأتُها في كتاب "طبقات الشعراء" لابْن المُعْتَزّ وكتاب "زَهْر الآداب وثمر الألباب" لأبي إسحاق الحُصَري القيروانيّ تصفُ وصفاً رائعاً ومُعَبِّراً ما يفعلُ مرورُ الزمنِ بالإنسان وما يفعلُهُ كَرُّ الأيام والليالي من تكدير حياته بَعْدَ صَفْوِها. يقول شاعرنا الحكيم:
١- اذا ما تقاضَى المَرْءَ يَوْمٌ وليلةٌ
تقاضاهُ شيءٌ لا يَمَلُّ التقاضيا
٢- حَنَتْكَ الليالي بعدما كنتَ مَرَّةً
سَوِيَّ العَصا لَوْ كُنَّ يُبْقينَ باقيا
٣- ولمّا أَبَتْ إلّا الْتِواءً بِوُدِّها
وتَكْدِيرَها الشِّرْبَ الذي كان صافيا
٤- شَرِبْتَ بِرَنْقٍ مِنْ هَواها مُكَدَّرٍ
وكيفَ يَعافُ الرَّنْقَ مَنْ كانَ صاديا
____________________
شرح المفردات:
تَقاضَى: طَلَبَ كما يُطْلَبُ الدَّيْنُ. والدَّيْنُ أو السعرُ الذي لا بُدَّ أن يدفعه الإنسانُ مع تطاول عُمره هو الشيخوخة وما يترتّبُ عليها من ضَعْف ِ بُنْيتهِ وقدراته الجسدية والذهنية. حَنَتْكَ: قَوَّسَتْ ظَهْرَك. سَوِيّ العصا: كناية عن انتصاب القامة. الشِّرْب (بكسر الشين): مَوْرِد الماء. الرَّنْقُ: الماءُ الذي يُخالِطُهُ وَحْلٌ. يعافُ: يَكْرَهُ ويَنْفُرُ من الشيء. صاديا: ظمآنَ.
٨٣. شاعرات الأندلس: حفصة بنت الحاج الركونيّة
خصَّصَ المَقَّريّ التِّلِمْساني في كتابه الموسوم "نَفْحُ الطِّيب من غُصن الأندلس الرطيب" فصلاً كاملاً للشواعر من نِساء الأندلس وتحدّثَ عن خمسٍ وعشرين شاعرة أندلسية من أشهرهنَّ ولّادة بنت المستكفي عشيقة الشاعر ابن زيدون، وحفصة بنت الحاج الرُّكونيّة، حبيبة الشاعر أبي جعفر أحمد بن سعيد العنسي وزير بني عبد المؤمن، وحَمْدَة (أو حَمْدونة) بنت زياد المؤدِّب التي كانت تُلقَّب بشاعرة الأندلس وبخنساء المغرب. ومعظمُ شعر شاعرات الأندلس في الغزل وفي وصف جمال الطبيعة الأندلسية.
تقول حفصة بنت الحاج الرُّكونيّة:
١- أغارُ عليكَ من عَيْنَيْ رقيبي
ومنكَ ومن زمانكَ والمكانِ
٢- ولوْ أنّي وضعتُكَ في عيوني
إلى يومِ القيامةِ ما كَفاني
وتقول أيضاً:
١- أزورُكَ أَمْ تزورُ فإنّ قلبي
إلى ما تشتهي أبداً يميلُ
٢- فَثَغْري مَوْردٌ عَذْبٌ زُلالٌ
وفرعُ ذُؤابتي ظلٌّ ظليلُ
٣- وقدْ أُمِّنْتَ أنْ تَظْما وتَضْحَى
إذا وافَى إليكَ بِيَ المَقِيلُ
٤- فَعَجِّلْ بالجواب ِفما جميلٌ
أناتُكَ عنْ بُثينةَ يا جميلُ
_______________
شرح المفردات:
الماء الزُّلال: الصافي البارد. الذؤابة: مُقَدَّم شَعْر الرأس. تظما: أي تظمأ. تَضْحَى: يُصيبكَ حَرُّ الشمس. المَقِيل: القَيْلولة وهي نومة نصف النهار.
٨٤. الظُّلمُ وعواقبه الوخيمة
قالت العرب في أمثالها: "الظلمُ مَرْتَعُهُ وخيم". وقالت أيضاً:"على الباغي تَدورُ الدوائرُ".
ومن الأحاديث النبوية المتفق عليها قولُه صلّى اللهُ عليه وسلّم: "اتَّقِ دعوةَ المظلوم فإنه ليس بينَها وبينَ اللهِ حِجاب"، و"إنّ اللهّ لَيُمْلي للظالم حتى إذا أخذَهُ لم يُفْلِتْهُ"، و"الظلمُ ظلماتٌ يومَ القيامة".
وقال الإمام عليّ كرّمَ الله وجهَهُ:
١- لا تَظْلِمنَّ إذا ما كنتَ مُقْتَدِراً
فالظلمُ مَرتعُهُ يُفْضي إلى الندمِ
٢- تنامُ عينُكَ والمظلومُ مُنْتَبِهٌ
يدعو عليكَ وعينُ اللهِ لمْ تَنَمِ
وقال غيرُهُ:
وما مِن يَدٍ إلّا يدُ اللهِ فوقَها
وما مِنْ ظالمٍ إلّا سَيُبْلَى بِظالمِ
وقال آخر:
لا يَأْمَنِ الدهرَ ذو بَغْيٍ ولوْ مَلِكاً
جنودُهُ ضاقَ عنها السهلُ والجبلُ
وقال آخر:
١- إذا جارَ الأميرُ وكاتِباهُ
وقاضي الأرضِ داهَنَ في القضاءِ
٢- فَوَيْلٌ ثُمَّ ويلٌ ثُمَّ ويلٌ
لقاضي الأرضِ مِنْ قاضي السماءِ
٨٥. عَمْرو بن قَمِيئة
هو من قدماء شعراء الجاهلية عاش فيما تروي كتب الأدب ما يزيد على التسعين عامًا. يبثُّ الشاعر في الأبيات التالية شكواهُ من مصائب الدنيا، وضعف الشيخوخة، وخيبة أمله في الأيام والسنين على كثرة تعاقُبها.
أخباره في "الشعر والشعراء" لابن قُتَيْبة، و" الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، و"معجم الشعراء" للمَرْزُباني. وتذكرُ كُتُب الأدب أنّ هذا الشاعر هُوَ الذي اصطحبه امرؤ القيس في رحلته إلى الروم يستنجدهم للثأر من قَتَلةِ أبيه وفيه يقول امرؤ القيس:
بَكَى صاحبي لمّا رَأَى الدَّرْبَ دونَهُ
وأيقنَ أنّا لاحقانِ بِقيصرا
فقلتُ لهُ لا تَبْكِ عينُكَ إنّما
نُحاولُ مُلْكًا أو نموتَ فَنُعْذَرا
يقول شاعرنا في هذه الأبيات:
١- رمتني بناتُ الدهرِ مِنْ حيثُ لا أَرَى
فكيفَ بِمَنْ يُرْمَى وليس بِرامي
٢- فلوْ أنّها نبلٌ إذًا لَاتَّقيْتُها
ولكنني أُرْمَى بغيرِ سهامِ
٣- إذا ما رآني الناسُ قالوا: ألمْ تكُنْ
حديثاً جديدَ البزِّ غيرَ كَهامِ
٤- وأَفْنَى وما أُفْني من الدهرِ ليلةً
ولم يُغْنِ ما أفنيْتُ سِلْكَ نِظامِ
٥- وأهلكني تأميلُ يومٍ وليلةٍ
وتأميلُ عامٍ بعدَ ذاكَ وعامِ
______________________
شرح المفردات:
بنات الدهر: مصائبه ونوائبه. حديثًا: شابًّا فَتِيًّا. البَزّ: اللباس والهيئة. والكَهام من السيوف الذي لا يقطع، ومجازاً تعني شخصًا يفتقر إلى مَضاء العزيمة. سِلْكَ نِظام: الخيط الذي ينتظم الحَبّ في العِقْد، ولا يُغْني سِلْكَ نِظام: أي لا ينفعُ ولا يُجْدي فتيلًا.
٨٦. قضيّة بين أمير الشعراء شوقي وأبي العَلاء المَعَرِّي
١- بيني وبينَ أبي العَلاءِ قَضيَّةٌ
في البِرِّ أسْتَرْعِي لها الحُكَماءَ
٢- هُوَ قدْ رَأَى نُعْمَى أَبِيهِ جِنايةً
وأَرَى الجِنايَةَ مِنْ أَبي نَعْماءَ
يشير أحمد شوقي هنا إلى بيت أبي العلاء المعري الذي يقول فيه:
هذا جَناهُ أبي عَلَيَّ وما جَنَيْتُ على أحَدْ
وقد أوصى أبو العلاء أنْ يُكتَب هذا البيت على شاهدِ قبره بعد مماته. ومعروف أنَّ أبا العلاء لم يتزوجْ ولم يُنْجبْ أولاداً، ولم يَكْتَفِ بذلك، بلْ كان يحضُّ الناسَ في لزومياته على عدم الزواج وعدم إنجاب الأولاد باعتبار ذلك الحلَّ الوحيدَ في نظره لاستئصال الشرّ المتأَصّل في الإنسان.
٨٧. ما قالهُ أميرُ الشعراء شوقي عن الأخلاق
صلاحُ أمْرِكَ للأَخلاقِ مَرْجِعُهُ
فَقَوِّمِ النَّفْسَ بالأخلاقِ تَسْتَقِمِ
وإنَّما الأُمَمُ الأخْلاقُ ما بَقِيَتْ
فإنْ هُمُ ذَهَبتْ أخْلاقُهُمْ ذَهَبوا
وليسَ بعامِرٍ بُنْيانُ قَوْمٍ
إذا أخْلاقُهُمْ كانتْ خَرابا
صُوَرُ العَمَى شَتَّى وأَقْبَحُها إذا
نَظَرَتْ بِغَيْرِ عُيُونِهِنَّ الْهامُ
ولَقَدْ يُقامُ مِنَ السُّيوفِ وليسَ مِنْ
عَثَراتِ أَخْلاقِ الشُّعُوبِ قِيامُ
٨ ٨. كُلُ هَمٍّ إلى فَرَج
١- تأمّلْ في الحياةِ ترى أمورًا
ستعجبُ إنْ بَدا لكَ كيفَ كانتْ
٢- وكمْ مِن كُربةٍ أبكتْ عيونًا
فَهَوّنها الكريمُ لنا فهانتْ
٣- وكمْ مِن حاجةٍ كانتْ سرابًا
أرادَ اللهُ لُقْياها فَحانَتْ
٤- وكمْ ذُقنا المرارةَ مِن ظروفٍ
برغمِ قساوةِ الأيامِ لانتْ
(الشاعر والكاتب السعودي د. ماجد عبدالله)
٨٩. وِحدتُنا في لغتنا (حليم دَمَوس)
يقول الشاعر اللبناني حليم بن إبراهيم جريس دَمّوس (١٨٨٨- ١٩٥٧م) عن لغتنا العربية:
١. لَوْ لمْ تَكنْ أمُّ اللغاتِ هيَ المُنَى
لَكسرتُ أقلامي وعِفتُ مِدادي
٢. لُغةٌ إذا وَقَعتْ على أسماعِنا
كانتْ لنا بَرداً على الأكبادِ
٣. سَتَظلُّ رابطةً تُؤلِّفُ بَيْننا
فهيَ الرَّجاءُ لناطقِ بِالضّادِ
٤. وتقارُبُ الأَرواحِ ليسَ يَضِيرُهُ
بينَ الدّيارِ تَباعُدُ الأجسادِ
٥. أفَما رأيتً الشّمسَ وهيَ بعيدةٌ
تُهدي الشُّعاعَ لِأَنْجُدٍ ووِهادِ
٦. أنا كيفَ سِرتُ أَرَى الأنامَ أحِبَّتي
والقومَ قومي والبلادَ بِلادي
____________________________
شرح المفردات: المِداد: الحِبر. أنجُد (مفردها نَجْد): ما ارتفعَ من الأرض. وِهاد (مُفردها وَهْدة): ما انخفضَ من الأرض. الأَنام: الخَلْق والبشَر.