فهرس المسائل اللغوية
١. عبقرية اللغة العربية في الاشتقاق وتوليد المعاني
٢. أفعال لا تُستَعملُ إلّا بصيغة المجهول
٣. من معاني الأفعال التي على زِنَة "أفعل"
٤. من معاني الأفعال التي على زِنَة "استفعل"
٥. في اختلاف أنواع الماء
٦. في خروج الماء وسَيَلانِه من أماكِنهِ
٧. في أُصول معاني بعض المفردات اللغوية
٨. اليَتيم واللَّطِيم والعَجِيّ
٩. النَّحت في اللغة العربية
١٠. من دقائق اللغة العربية
١١. بعض صِيَغ المفرد والجمع غير المألوفة
١٢. معنى عبارة "لِلّهِ دَرُّهُ" وعبارة "لا دَرَّ دَرُّهُ"
١٣. أشهر أسماء المطر في اللغة العربية
١٤. معنى عبارة "يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْواء"
١٥. طائفة من الأمثال العربية وشرح مفرداتها ومعانيها
١٦. مسألة التغليب في اللغة
١٧. صِيَغ المثنّى الدالّة على شيئين مختلفين
١٨. الفرق بين "المُرْضِع" و"المُرْضِعَة"
١٩. "لا يُقالُ"
٢٠. من كتاب أبي منصور الثعالبي "فِقهُ اللغة وأسرارُ العربية"
٢١. الفرقُ بين النَّفاد والفَناء
٢٢. هل هناك فرقٌ في المعنى بين الفعل "أوْمَأَ" والفعل "أشار"؟
٢٣. في اتفاق الأفعال واختلاف المصادر
٢٤. الفرق بين كلمتي صَيْرورة وسَيْرورة
٢٥. "ما زال"، "لا زال"، "لا يزال" ، "ما يزال"
٢٦. الفرق بين كلمتي "نَعَمْ" و"أجَلْ"
٢٧. الفَرْقُ بين الحَثّ والحَضّ
٢٨. الفروق بين بعض المترادفات
٢٩. المتلازمات
٣٠. مفردا ت متشابهة يَسْهُلُ الخَلطُ بينَها
٣١. الفرق بين الأفعال "كَبُرَ" و"كَبِرَ" و"كَبَرَ"
٣٢. الأصل اللغوي لكلمة "صُعْلوك"
٣٣. الفرق بين السِبْط والحَفيد
٣٤ . الفرق بين المُقْسِط والقاسِط
٣٥ . أفعال تتغيّر معانيها باختلاف حروف الجر التي تليها
٣٦. معنى خَلّة وخُلّة وخِلّة
٣٧. الجملة الاعتراضية
٣٨. الفرق بين كلمة "مَيْت" وكلمة "مَيِّت"
٣٩. الفرق بين الوَقْر والوِقْر
٤٠. الأنف في لغة العرب
٤١. الأزَل والأبَد والسَّرْمَد
٤٢. معنى كلمة خُنْفُشاريّ
٤٣. من الأمثال العربية القديمة
٤٤. عبارات إصطلاحية في اللغة العربية
٤٥. أفعل وفعلاء
٤٦. الكناية في اللغة
٤٧. أصل كلمة "مَرْحَى"
٤٨. الفرق بين "المُخْلَص" و"المُخْلِص"
٤٩. أمَرَّ وأحْلَى
٥٠. الأيادي الثلاث
٥١. كلمات على وزن مَفْعَلَة
٥٢. المُركَّبات الظَّرْفيّة والمُركَّبات الحاليّة
٥٣. أحرف الاستفتاح
٥٤. أحرف أو أدوات التحضيض
٥٥. الفرق بين لفظَي "أحد" و"واحد" في المعنى والاستعمال
٥٦. الفَرْق بين حَرْفَي الجزم "لَمْ" و "لمّا"
٥٧. في صفة أو درجة بعض الألوان
٥٨. في أسماء أوائل الأشياء
١. عبقرية اللغة العربية في الاشتقاق وتوليد المعاني
تدور مادة (ج ن ن) في المعاجم اللغوية حول معنى الخفاء والاستتار والتغطية. نقول:
١- جَنَّ عليه الليلُ أي أظلمَ وسَتَرَهُ بظلامه. وفي القرآن الكريم: " فلما جَنَّ عليهِ الليلُ رأى كوكباً" (الأنعام: ٧٦).
٢- واسْتَجَنَّ بشيء أي اسْتَتَرَ بِهِ.
٣- وجَنَّ وأجَنَّ الميتَ أي كَفّنهُ أو قَبَرَهُ. وفي الأثر :" وَلِيَ دَفْنَ رسولِ اللهِ وإجْنانَهُ عليٌّ والعباس".
٤- والجَنَنُ هو القبر. يقول الشاعرُ في رفيق السوء:
إنْ عاشَ ذاكَ فأبْعِدْ عنكَ منزلَهُ
أو ماتَ ذاكَ فلا تَقْرَبْ لهُ جَنَنا
٥- والجِنُّ والجِنّة خِلافُ الإنسِ وهي مخلوقات خَفِيَّة سُمِّيتْ بذلك لاستتارها وتَواريها عن الأنظار.
٦- والجنينُ هو الولد ما دام في رَحِمِ أُمّه وهو مستور بثلاثة جُدُرٍ كما جاء في القرآن المُعْجز: "يخلُقُكم في بُطونِ أُمّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ في ظُلُماتٍ ثلاثٍ" (الزُّمَر: ٦). وقد فسّرَ الطبري والقرطبي والآلوسي وغيرهم من المفسّرين الظلماتِ الثلاثَ بأنها ظلمة البطن وظلمة الرَّحِم وظلمة المَشِيمَة.
٧- والجَنان هو القلب. وقديماً قالت العربُ في أمثالها: "طَرْفُ الفَتَى يُخْبِرُ عن جَنانه" و "إذا قَرِحَ الجَنان بكتِ العينان".
٨- والجُنّة هي السُّتْرَة وكلُّ ما وَقَى الجسدَ من سلاحٍ وغيره. وفي الحديث الشريف: "الصُّوْمُ جُنّة" أي وقاية من الشهوات.
٩- والمِجَنَّ والمِجَنَّة: التُّرْس. وفي المثل: "قَلَبَ لهُ ظَهْرَ المِجَنّ"، أي عاداهُ بعدَ مودَّة. يقول عمر بن أبي ربيعة:
فكانَ مِجَنّي دُونَ مَنْ كُنتُ أتَّقي
ثلاثُ شُخُوصٍ كاعبانِ ومُعْصِرُ
ويقول أبو العتاهيه عن الدنيا الفانية:
ولَوْ أنّي صَدَقْتُ الزُّهْدَ فيها
قَلبتُ لأهلِها ظهرَ المِجَنِّ
١٠- والمَجَنّة الموضع يُختَبَأُ أو يُستَتَرُ فيه. ومنه قولُنا للمقبرة مَجَنّة لأنّه فيها يُغَيَّبُ الأمواتُ .
١١- والجُنُون والجِنَّة هو أنْ يُخالِط العقلَ شيءٌ يُغطّي عليه فيُفسده. ومنهُ قولُهُ تعالَى: "أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بالحقِّ وأَكثرُهُمْ لِلحَقِّ كارِهون" (المؤمنون: ٧٠).
١٢- والجَنَّة ( وتصغيرُها جُنَيْنَة) البستان أو الحديقة ذات الأشجار الكثيرة والأغصان المتشابكة تستر وتُخفي مَنْ دخلها عن الأنظار.
تأمّل، عزيزي القارئ، قُدْرةَ هذه اللغة العجيبة على اشتقاق الكلمات وتوليد المعاني من جذر ثلاثي واحد فحسب. ولو حاولت ترجمةَ هذه المُشْتقّات إلى الإنجليزية أو الفرنسية أو إلى غيرهما من اللغات الأوروبية لما وجدتَ أيةَ صلةٍ تربطُ بعضَها ببعض.
٢. أفعال لا تُستَعملُ إلّا بصيغة المجهول
وَرَدَت في كلام العرب أفعال مبنيّة للمجهول سماعاً عن أكثرية القبائل العربية، وهي أفعال يعتبرها النحويّون واللغويّون مبنيّةً للمجهول لفظاً، لا معنًى. ولذلك يُعربون المرفوعَ بها فاعلاً، لا نائبَ فاعل.
١- سُقِطَ (أو أُسْقِطَ) في يَدِه: نَدِمَ وتَحَيَّرَ. ومنه قولُهُ تعالى: "ولَمّا سُقِطَ في أيْدِيهِمْ ورأَوْا أنّهم قد ضَلّوا" (الأعراف: ١٤٩).
٢ - هُرِعَ: مَشَى أو عدا في اضطراب وسرعة. قال تعالى: "وجاءَهُ قومُهُ يُهْرَعُون إليه" (هود: ٧٨).
٣- عُمِّرَ: طال عمرُهُ. قالَ تعالى عن اليهود والمشركين: "يَوَدُّ أحدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ ألفَ سنةٍ وما هوَ بمُزَحْزِحِهِ منَ العذّابِ أنْ يُعَمَّرَ" (البقرة: ٩٦).
٤ - امْتُقِعَ لونُهُ: تَغيّرَ من مَرَضٍ أو فَزَعٍ أو حُزْنٍ.
٥ - اسْتُشْهِدَ فلانٌ: قُتِلَ دِفاعاً عن العقيدة أو الدين أو الحقّ أو الوطن أو نحوَ ذلك.
٦ - انْقُطِعَ بالمسافر أو بابْنِ السبيل: نَفِدَ ما لديهِ من زاد أو مال أو عَتاد.
٧ - حُمَّ فلانٌ أو سُلَّ أو فُلِجَ أو زُكِمَ أو رُحِضَ أصابتهُ الحُمَّى أو السُّلُّ أو الفالجُ أو الزُّكامُ أو الرُّحَضاء. والرُّحضاءً هيَ عَرَقُ الحُمَّى.
٨ - نُكِسَ المريضُ: عاوَدَه المرضُ.
٩ - اسْتُهْتِرَ فلانٌ: ذهبَ عقلُهُ وخَرِفَ من كِبَرٍ.
١٠ - زُهِيَ: حَسُنَ منظرُهُ كأنْ نقول: زُهيَ الشيءُ لِعَيْنِها. وزُهِيَ على أصحابه: تَكَبَّر عليهم.
١١- غُمَّ عليه الهلالُ: حالَ دُونَ رؤيتهِ غَيْمٌ أو ضبابٌ أو نحو َ ذلك. وفي الحديث الشريف: "صوموا لرؤيتهِ وأَفطروا لرؤيته، فإنْ غُمَّ عليكم فأكملوا عِدَّةَ شعبان ثلاثين يوماً".
١٢ - حُمَّ الأمرُ: قُضِيَ وقُدِّرَ.
يقول الشّنْفَرَى في لامية العرب:
فقدْ حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مُقْمِرٌ
وشُدَّتْ لِطَيّاتٍ مَطايا وأَرْحُلُ
والطيّات هي الجهات التي يقصدها المسافرُ.
ويقول أبو فراس الحمداني:
ولكنْ إذا حُمَّ القضاءُ على امْرئٍ
فليسَ لهُ بَرٌّ يقيهِ ولا بحرُ
١٣ - جُنَّ فلانٌ: زالَ عقلُهُ. وفي المبالغة يقالُ جُنَّ جُنونُهُ. وجُنَّ بالشخص: أُعجبَ به حتى صار كالمجنون.
١٤ - أُغْرِمَ وأُولِعَ بالشيء أو بالشخص: تعلّق به تعلقاً شديداً.
١٥ - أُغْمِيَ على فُلان: عَرَضَ لهُ ما أَفْقَدَهُ الحسَّ والحركةََ.
١٦- أُرْتِجَ عليه: استغلقَ عليه الكلام. يُقال، مثلاً: أُرْتجَ على الخطيب، أي لمْ يَقْدرْعلى الكلام كأنّما مُنِعَ منه.
١٧- عُنِيَ بالشيء: شُغِلَ به أو اهتمَّ به.
٣. من معاني الأفعال التي على زِنَة "أفعل"
للأفعال التي على تُصاغُ على هذا الوزن مَعانٍ عِدّة أهمُّها ما يلي:
١- التَّعْدِية: أَجلَسَ الطفلَ (جعلَهُ يجلس)، أقْعَدَهُ المرضُ (جعلَهُ يقعد)، أنضجتِ الشمسُ الثمرَ (جعلته ينضج)، أجاءَها المَخاضُ إلى جذع النخلة (حَمَلَها على المجيء)، أماتَهُ اللهُ (جعله يموت).
٢-اكتسابُ صفةِ الفعل اللازم: أَنْزَفَتِ البئرُ (نَفِدَ أو ذهبَ ماؤُها)، وأقْشَعتِ الغيومُ (انْقَشعتْ وانْجَلتْ)، وأَنْسَلَ ريشُ الطّائر (سَقطَ)، وأجْفَلَ الغزالُ (نَفَرَ وشَرَدَ).
٣ - الإزالة أو السَّلْب: أذْهَبَ اللهُ عنهُ الحزَنَ (أزالَهُ عنه)، وأذهبَ اللهُ بَصَرَهُ (سَلَبَهُ إيّاه)، وأشْكَى فُلانًا (أزالَ شكواهُ)، وأَعْتَبَ فلانًا (أزال عَتَبَهُ بإرْضائه)، وأعْجَمَ الكتابَ (أزالَ عُجْمَتَه، أي أزالَ إبهامَهُ بوضع النُّقَط والحركات على الحروف).
٤ - الحينونة: أحصدَ الزرعُ (حانَ وقتُ حصاده)، وأقْطَفَ الكَرْمُ (حان وقتُ قِطافه)، وأَفْطمَ الرضيعُ (حانَ وقتُ فِطامه)، وأَرْكَبَ المُهْرُ (حانَ وقتُ ركوبه)، وأَفْصَحَ النَّصارى (حانَ عيدُ فِصْحِهِمْ).
٥ - الصيرورة: أورقَ الشجرُ (صار ذا ورق)، وأثمرَ البستانُ (صار ذا ثمرٍ)، وأزهرتِ الحديقة (صارت ذات أزهار).
٦ - الوِجْدان: زرتُ فُلانًا فأَبْخَلتُه (وجدْتُهُ بخيلًا)، وقاتلتُهُ فأَجْبنتُهُ (وجدتُه جَبانًا)، وجِئتُه فأَحْمَدْتُه (وجدتُه محمودًا)، وجئتُه فأَذمَمْتُه (وجدتُه ذَميمًا). وفي القرآن الكريم: "فلمّا رَأَيْنَهُ أكْبَرْنَهُ" (يوسُف: ٣١) أي وَجَدْنَهُ كبيرَ الشّأن عظيمَ القدْر.
٧ - الدخول في المكان أو الزّمان: أَبْحَرتِ السفينةُ (دخلتْ في البحر)، وأسبتَ اليهودُ (دخلوا في السبت)، وأمسى (دخل في المساء)، وأصبحَ (دخلَ في الصباح)، وأظهرَ المسافرُ (دخلَ أو سارَ في الظهيرة)، وأشْتَى (دخلَ في الشتاء)، وأشْأَمَ وأعْرقَ وأنجَدَ وأَتْهَمَ (دخل في الشام والعراق ونَجْد وتِهامة).
٨ - العَرْضُ أو التعريض: أباعَ فلانٌ العَقارَ (عَرَضَهُ للبيع سواءٌ بِيعَ أَمْ لمْ يُبَعْ)، وأَقْتَلَ فُلانًا (عَرَّضَهُ للقتل سواءٌ قُتِلَ أَمْ لمْ يُقْتَل).
٩ - التمكين والإعانة: أظْهَرَ اللّهُ المؤمنين على الكافرين (مَكَّنَهُم من الظّفر بهم)، وأَحفَرْتُهُ البئرَ (أعنْتُهُ على حَفْرها)، وأَحلبتُهُ النّاقةَ (أعنتُهُ على حَلْبها).
٤. من معاني الأفعال التي على زِنَة "استفعل"
للأفعال التي تُصاغُ على هذا الوزن مَعانٍ عِدّة أشهرُها:
١- الصَّيرورة: نحوَ اسْتَرْجَلتِ المرأةُ (صارت كالرَّجُل)، واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ (صارَ كالنّاقة)، واسْتَأْتَنَ الحِمارُ (صارَ كالأَتان وهي أنثى الحِمار)، واسْتَأْسَدَ المُقاتِلُ (صارَ كالأسد في الشجاعة)، واسْتَنْمَرَ الهِرُّ (صارَ كالنَّمِر)، واسْتَنْسَرَ البُغاثُ (صار كالنَّسْر في القوة)، واسْتَحْصَنَ المُهْرُ (صارَ حِصاناً)، واسْتَحْجَرَ الطينُ (صارَ صلباً كالحجارة).
٢- الحَيْنونَة: نحوَ اسْتَحْصَدَ الزَّرعُ (حانَ وقتُ حصادِه)، واسْتَجَزَّ الصُّوفُ والتَّمرُ ( آنَ أَوانُ جَزِّهِ أو قَطْعِهِ)، واسْتَرَمَّ الجِدارُ (حانَ وقتُ ترميمه وإصلاحه).
٣- الطلب: نحوَ اسْتَغْفَرَ اللهَ (طلبَ منه المغفرة)، واسْتَأْذَنَ رئيسَهُ (طلبَ منه الإذْنَ)، واسْتَطعمَ الفقيرُ أهلَ القرية (طَلبَ منهم طعاماً)، واسْتَحْلَفَهُ باللهِ (طلبَ منه أنْ يحلفَ)، واسْتَنْجَدَ (طلبَ النَّجْدة).
٤- الوِجْدان: نحوَ اسْتَجادَ البِضاعةَ (وجدَها جيِّدةً)، واسْتَصْعَبَ الأمرَ (وجدهُ صَعباً)، واسْتَحْسَنَ الرَّأْيَ (وجدَهُ حَسَناً)، واسْتَثْقَلَ السَّفَرَ (وَجَدَهُ ثقيلاً).
٥- الاعتقاد والظَّنّ: نحوَ اسْتَهانَ بِعدوِّه (حَسِبَهُ أو ظَنَّهُ هيِّناً)، واسْتَسْهَلَ المهمّة (ظَنّها سهلةً)، واسْتَخَفَّ بالذَّنْبِ (ظَنَّهُ خفيفاً لا خَطَرَ لهُ).
٦- الاتِّخاذ والجَعْل: نحوَ اسْتَعْبدَهُ (اتّخَذَهُ عبداً له)، واسْتَخْدَمَه (اتَّخَذَهُ خادماً عنده)، واسْتَأْجَرَه (اتّخذهُ أجيراً عنده)، واسْتَوْزَرَهُ (جَعَلَهُ لهُ وزيراً)، واسْتَسْفَرَهُ (جَعَلهُ سَفيراً، أيْ مُصلِحاً، بينَ قومٍ وقوم)، واسْتَقْضاهُ (وَلّاهُ قاضياً)، واسْتَخْلَفَ اللّهُ المؤمنينَ في الأرض (جعلهُمْ خُلَفاءَ فيها).
٧- مُطاوِع "أَفْعَلَ": نحوَ أقَامَ العُودَ فاسْتَقامَ، وأحْكَمَ الأمرَ فاسْتَحْكَمَ، وأراحَ العاملَ فاسْتَراحَ، وأيْقَظَهُ من نَوْمِه فاسْتَيْقَظَ، وأحالَ حياتَهُم جحيماً فاسْتَحالت كذلكَ، وأبْهَمَ كلامَهُ فاسْتَبْهَمَ.
٨- معنى الفعل الثلاثي المُجرَّد: نحوَ اسْتَغْنَى (بمعنى غَنِيَ)، واسْتَأْنَسَ (بمعنى أَنِسَ)، واسْتَيْأَسَ (بمعنى يَئِسَ)، واسْتَهْزَأَ بِهِ (بمعنى هَزَأَ)، اسْتَقَرَّ (بمعنى قَرَّ)، واسْتَعْجَبَ (بمعنى عَجِبَ)، واسْتَبانَ الحقُّ (بمعنى بانَ وظهرَ).
٥. في اختلاف أنواع الماء
١- إذا كان الماءُ شديدَ العذوبة فهو فُرات.
٢- وإذا كان مُرًّا لا يُطاقُ شُرْبُهُ فهو زُعاق.
٣- وإذا كان شديدَ الملوحة فهو حُراق.
٤- وإذا اجتمعت فيه الملوحة والمرارة فهو أُجاج.
٥- وإذا اجتمعَ فيه الصفاء والعذوبة والبَرْد فهو زُلال.
٦- وإذا كانَ عذبًا ينحدرُ في الحلق بسهولة فهو سَلْسَل أو سَلْسال أو سُلاسِل.
٧- وإذا كان خالصًا من الشوائب فهو قَرَاح.
٨- وإذا تغيّر طعمُه ولونُه ورائحتُه فلا يُشرَب فهو آسِن أو آجِن.
٩- وإذا كان يُشرَبُ على كُرْهٍ لقلّة عذوبته فهو شَروب وشَرِيب.
١٠- وإذا كان طيِّباً ناجِعاً في الرِّيّ أو غزيراً فهو نَمِير.
٦. في خروج الماء وسَيَلانِه من أماكِنهِ
١- سَحَّ أو نَطَفَ الماءُ إذا خَرَجَ من السّحاب.
٢- انْبَجَسَ الماءُ إذا خَرجَ من حجر أو صخرة.
٣- رَشَحَ أو قّطَرَ الماءُ إذا خَرجَ من إناء.
٤- وَكَفَ الماءُ إذا خرج من سقف البيت.
٥- سَرَبَ أو نَطَفَ الماءُ إذا خَرجَ من القِرْبة.
٦- نَبَعَ الماءُ إذا خَرجَ من يَنْبوع.
٧- فاضَ الماءُ إذا خرجَ من نهر أو بحيرة.
٨- انسكبَ الماءُ (أي الدمع) إذا خرجَ من العين.
٧. في أُصول معاني بعض المفردات اللغوية
هل تَعْلَمُ؟
١- أَنّ الفَنّان اسمٌ أطلقَهُ العربُ القدامى على الحمار الوحشي لِتَفَنُّنهِ في العدو ثُمّ أطلقَه العرب المُحْدَثون على الشخص صاحب الموهبة الفنيّة كالمُغنّي والمُلحِّن والرسّام والنحّات والراقص وما إلى ذلك.
٢- أنّ كلمة "أُفْنون" (وتُجمَعُ على أفانين) تعني في أصل اللغة الغُصْن المُلْتَفّ ثُمّ استعملت العربُ عبارةَ "أفانين الكلام" بمعنى أنواعه وأساليبه وطُرُقه المتشعبة كأنْ نقول: كان الجاحظُ بارعًا في أفانين الكلام.
٣- أنَّ القريحة هي في أصل اللغة أوّلُ ما يُستخرَج من ماء البئر عند حفرها، ثُمّ استُعيرت للمَلَكة التي بها يستطيع الشاعر أن ينظم القريضَ ويبتكر المعاني.
٤- أنّ المرأة العاطل هي التي خَلَتْ من الحَلْي والزينة. والعَطَل هو خُلُوّ المرأة من الحَلْي. قال الطُّغْرائي في مطلع قصيدته المعروفة بلاميّة العجم:
أصالةُ الرأيِ صانتني عنِ الخَطَلِ
وحِلْيةُ الفضلِ زانتني لَدَى العَطَلِ
٥- أنّ الغانية ( وتُجمع على غانيات وغوانٍ ) هي التي استغنت بحُسنها وجمالها عن الزينة. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته " أيها النيل":
والمجدُ عندَ الغانياتِ رغيبةٌ
يُبْغَى كما يُبغَى الجمالُ ويُعشقُ
٦- أنّ الإسفاف في القول وهو الهبوط إلى مستويات منحطة مشتق في أصل المادة اللغوية من أَسَفّ الطائر أي طار قريباً من وجه الأرض، ومن أَسفَّ السحابُ أي اقتربَ من وجه الأرض.
٧- أنّ العجوز الشّمْطاء (ومذكّرها أشمط) هي التي خالطَ سوادَ شعرها بياضٌ. وهي ليست كلمة بذيئة كما يُخَيَّل إلى البعض.
٨- أنّ المعنى الأصلي للسفير هو الرجل الذي كان يُوفَد لعقد صُلح بين قومين متحاربين أو متنازعين، ثم استخدمت في عصرنا هذا للشخص الذي يمثل دولته لدى دولة أجنبية.
٩- أنّ الفعل" فَشِلَ" لم يُستعمل في القرآن الكريم إلّا بمعنى ضَعُفَ وجَبُنَ وخارت عزيمتُه. وفي القرآن الكريم:"حتى إذا فشلتمْ وتنازعتمْ في الأمر" (آل عِمْران: ١٥٢)؛ و"لا تَنازعوا فتفشلوا وتذهبَ ريحُكم" (الأنفال: ٤٦).
١٠- أنّ الضّيْف هو مصدر الفعل "ضافَ". نقول مثلاً : "ضافَ الأعرابيُّ صديقَهُ ضَيْفاً وضِيافَةً". والمصادر، كما هو معلوم، لا تُجمَع ولا تُثَنَّى ولا تُذَكّر ولا تُؤنّث. فعلى ذلك نقول "هؤلاء ضيفي"، و"هذان الرجلان ضيفي"، و"هي ضيفي" و"هو ضيفي" إلخ. وفي القرآن الكريم "هلْ أتاكَ حديثُ ضيفِ إبراهيمَ المُكْرَمينَ إذْ دخلوا عليه فقالوا سَلامًا قالَ سلامٌ قومٌ مُنْكَرون" (الذاريات: ٢٤-٢٥)؛ و"قالَ إنّ هؤلاءِ ضَيْفي فلا تفضحونِ" (الحِجْر: ٦٨)، ولكن لكثرة الاستعمال أجروا هذا المصدر مجرى الأسماء فجمعوه على ضُيوف وضِيفان وأَضْياف.
١١- أنّ الوَسوَسة (والوسواس) في أصل اللغة هي الصوت الخفيّ من الحَلْي (أي المجوهرات) أو الرِّيح أو القَصَب أو ما شابهَ ذلك. قال الأعشى:
تَسْمَعُ للحَلْيِ وَسْواساً إذا انصرَفَتْ
كما استعانَ بِريحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ
والعِشْرِق شجيرة أو نبتة قصيرة الساق حَبُّها صغير إذا جفَّ صَوّتَ بمرور الريح عليه. وزَجَلَ فهو زَجِلٌ أخرج صوتاً.
١٢- أنّ "الزُّبَى" في المثل العربي القائل: " بَلغَ السَّيلُ الزُّبَى" هي جمعُ "زُبْيَة" وتعني الرابية التي لا يعلوها الماء. وهذا المثل يُضرَبُ للأمر إذا اشتدَّ حتّى جاوزَ الحدّ، ومعناه كمعنى طفحَ الكَيْلُ.
١٣- أنّ كلمة المَجْد معناها الأصلي هو امتلاءُ بطنِ الدابّة عَلَفًا، ثمّ صارت تُستَعملُ بمعنى امتلاء نفس الرجل كَرَمًا وشَرَفاً.
١٤- أنّ العَقيرة في الأصل هي الساق المبتورة، ثمَّ قيلَ لكلّ مَن رفعَ صوتّه "رَفَعَ عقيرَتَه". وأصلُ ذلك أنّ رجُلاً قُطعت ساقُه فرفعها وهو يصيح من الألم.
١٥- أنّ الرائد هو الذي يسبق قومَه بحثاً عن الكَلأ ومَساقط الغيث، ثم صارَ كلُّ مَن يسبق غيره في مجال من المجالات ويستكشف المَجاهل يُسمّى رائدًا كَرُوّاد الفكر والنهضة وروّاد الفضاء.
١٦- أنّ أصلَ معنى الأَفَن هو قِلّةُ لبنِ الناقة ثُمّ صار هذا اللفظ يُطلَقُ على نقْص العقل وقلّة الفهم.
١٧- نّ كلمة العبقريّ، وهو النابغة والشخصُ الفائقُ الذكاء، مشتقٌ في أصل المادة اللغوية من عَبقَر ، وهو موضعٌ في الجزيرة العربية كان العرب يعتقدون أنّهُ مَسْكَنُ الجِنّ وينسِبون إليه كُلَّ عَجيبٍ وعمل خارق للعادة.
وأنّ كلمة "عبقريّ" تعني أيضاً البُسُط الفاخرة ذات النقوش والأصباغ الجميلة. وقد وردت الكلمة بهذا المعنى في الآية ٧٦ من سورة الرحمن: "مُتَّكِئينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ وعَبقريٍّ حِسان".
٨ . اليَتيم واللَّطِيم والعَجِيّ
اليتيمُ من الناس (ويُجْمَعُ على أيتام ويتامَى) هو الذي فقدَ أباهُ قبلَ سِنِّ البلوغ.
واللَّطِيم (ويُجمَعُ على لُطُم) هو الذي فقد أباهُ وأمَّه في صِغَرِهِ.
والعَجِيُّ (ويُجْمَعُ على عَجايا) هو الذي ماتت أمُّهُ وهو طفل وأرْضَعتْهُ امرأةٌ غيرُها. نقولُ: "عَجِيَ الطفلُ عَجًا" أي تعلَّلَ بشيء من اللبن، وعَجَتِ الأُمُّ ولدَها أي سَقَتْهُ اللبنَ وغَذَتْه به.
فائدة: إذا فقدَ الشخصُ أباهُ وقد جاوزَ سِنَّ البلوغ لا يصِحُّ أن يُسمَّى يتيمًا أو لَطِيمًا أو عَجِيًّا.
٩. النَّحت في اللغة العربية
النحت لُغةً هو النَّشْرُ والبَرْيُ والقَطْع. نقول: نحتَ النّجارُ الخشبَ والعودَ إذا بَراهُ وهَذّبَ سطوحَهُ، ونحتَ الحجرَ والصَخْر إذا سَوّاهُ وأصلَحَه.
أمّا اصطلاحًا فهو بناء كلمة جديدة من كلمتين أو أكثر أو من جملة، بشرط أن تكون الكلمتان أو الكلمات مختلفة لفظًا ومعنًى وبحيث تأخذ الكلمة الجديدة منها جميعًا بنصيب في اللفظ والمعنى.
ومن الأمثلة على النحت في العصر القديم:
البَسْمَلة: قولُ "بسمِ الله".
السَّبْحَلة: قولُ "سُبْحانَ اللهِ".
الحَمْدَلة: قولُ "الحمدُ لله".
الهَيْلَلة: قولُ" لا إلهَ إلّا الله".
المَشْأَلة: قولُ "ما شاءَ الله".
الحَوْقَلة: قولُ "لا حولَ ولا قوّةَ إلّا بالله".
الحَيْعَلة: قولُ المُؤذّن "حَيَّ على الصلاة حَيَّ على الفلاح".
السَّمعَلة: قولُ " السلامُ عليكُم".
الدَّمْعَزة: قولُ "أدامَ اللهُ عِزَّكَ".
الجَعْفَدة/الجَعْلَفة: قولُ "جُعِلتُ فِداكَ".
الطَّلْبَقَة: قولُ "أطالَ اللهُ بقاءَكَ".
الفَنْقَلَة: كلمة منحوتة من عبارة "فَإنْ قِيلَ أو فإنْ قلتَ كذا قُلتُ كذا". والفنقلة أسلوب تعليمي يقوم على طرح إشكالات بافتراض أسئلة والإجابة عليها ومناقشة الآراء المعرب عنها وترجيح أصحِّها. وقد اشتهر في استخدام هذا الأسلوب الزمخشري في تفسيره للقرآن الكريم المُسمَّى "الكَشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل".
ونحتت العرب من عبد الشمس عَبْشَمِيّ، ومن عبد الدار عَبْدَريّ، ومن عبد القَيْس عَبْقَسيّ، ومن طبرستان وخُوارِزم طَبَرْخَزِيّ، ومن امْرِئ القيس مَرْقَسِيّ.
ومن الأمثلة على النحت في العصر الحديث:
السَّرْنَمة (sleepwalking) من السير أثناء النوم، والرَّكْمَجة (surf-riding) من ركوب الأمواج، والحَتلنة (updating) من حتّى الآن، ومُجَوْقَل (airborne) من منقول جوًّا، ومُتشائل من متشائم ومتفائل، والزَّمَكان (space-time) من الزمان والمكان، وكَهْرَمائي (hydroelectric) من كهربائي مائي، وكَهْرَطِيسي (electromagnetic) من كهربائي مغناطيسي.
١٠. من دقائق اللغة العربية
إذا قلتَ: "ما أَحَبّني لِعِمْرٍو" أو "ما أبْغَضني لهُ" تكون أنتَ الفاعل، أي أنتَ الذي تُحبُّه جِداً أو تُبْغِضهُ جدّاً. إمّا إذا قلتَ: "ما أحبَّني إلى عَمْرٍو" أو "ما أبْغَضني إليه" فَعَمْرٌو هو الفاعل، أي هو الذي يُحبّك بشِدَّة أو يُبْغِضُكَ بشِدَّة. ومن الشواهدُ اللغوية على هذا الفرق الدقيق قولُهُ تعالَى: "لقدْ كانَ في يوسُفَ وإخوتِهِ آياتٌ للسائلينَ. إذْ قالوا لَيوسُفُ وأخوهُ أحَبُّ إلى أبينا مِنّا ونحنُ عُصْبةٌ إنَّ أبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (يوسف: ٧-٨)؛ وقولُهُ تعالَى أيضا: "قُلْ إنْ كانَ آباؤُكُمْ وأبناؤُكُمْ وإخوانُكُمْ وأزواجُكُمْ وعشيرتُكُمْ وأموالٌ اقترفْتموها وتجارةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها ومساكِنُ تَرْضَوْنها أحَبَّ إليكُمْ مِنَ اللهِ ورسولِهِ وجِهادٍ في سبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حتّى يأتيَ اللهُ بِأمرِهِ واللهُ لا يَهْدي القومَ الفاسِقينَ" (التوبة: ٢٤)، وقولُ مجنون ليلى:
وزادَني كَلَفاً في الحُبِّ أَنْ مُنِعَتْ
أَحبُّ شيءٍ إلى الإنسانِ ما مُنِعا
١١. بعض صِيَغ المفرد والجمع غير المألوفة
١- أُسْطُون، وهي كلمة مُعَرَّبة عن الفارسية "أُسْتُون"، تُجمع على أساطين. نقول: هو من أساطين الأدب أو الفن أو العلم، أي من الثِّقات المُبَرِّزين فيه.
٢- أَنْيٌ وإنْيٌ (ساعة من الليل) يُجمَع على آناء. وفي القرآن الكريم: "ومِن آناءِ اللّيلِ فَسَبِّحْ وأطرافَ النهار" ( طه: ١٣٠).
٣- شِمال (الخُلُق والطَّبْع) يُجمَعُ على شمائل. نقول، مثلاً، فلانٌ كَريمُ الشمائل.
٤- خَصْلة (خُلُق حَسَنٌ أو سَيِّئ) تُجمَع على خِصال، لا خصائل. نقول فلانٌ حَسَنُ الخِصال. ومِثْلها في المَبْنَى خَلّة التي تُجمَع على خِلال.
٥- أَكَمَة (التلّ) تُجمَع على أَكَم وآكام وإِكام. ومِثْلها في المَبْنَى أجَمَة وهي الشجر الكثيف الملتف فتُجمَع على أَجَم وآجام وإجام.
٦- الشِّلْو (تُجمَعُ على أشْلاء): العضو والقطعة من اللحم، والبقية من كل شيء. وأشلاء الإنسان أعضاؤه بعد التفرُّق والبِلى.
يقول أبو المظفَّر الأبِيوَرْدي:
وأشْلاءُ دارٍ بالحِمَى تَلبَسُ البِلى
ومنها بِكَفَّيْ كُلِّ نائبةٍ شِلْوُ
٧ - الدَّلْو (تُذكّر وتُؤنّث): تُجمَعُ على دِلاء ودُليّ. نقول: أدلى بدلوه أو ألقَى دلوَه بين الدِّلاء بمعنى شارك برأيه في أمر ما أو ساهم فيه. يقولُ شاعر الرسول حسّان بن ثابت:
لساني صارمٌ لا عيبَ فيهِ
وبَحْري لا تُكَدِّرُهُ الدِّلاءُ
فَإنّ أبي ووالدَهُ وعِرْضي
لِعِرضِ محمّدٍ منكمْ وِقاءُ
٨ - الحِنْو: كلُّ شيء فيه اعوجاج كالضِّلع وعود الرَّحْل ومُنْعَرَج الوادي وتُجمَع على أحْناء وحُنِيّ (وليس حنايا وهو خطأ شائع). وأحْناء الصدر يُرادُ بها الضلوع لاعوجاجها. نقول، مثلًا: امتلأت أحناءُ صدرِه حِقْدًا. يقول قيس بن الملوّح (مجنون ليلى) في إحدى أجود قصائده الغزلية:
إلى كَمْ تنحني شوقًا إليها
وأحناءُ الفؤادِ بها نُدوبُ
٩ - السّريّ: هو النهر الصغير وتُجمع على أسْرِية وسِرْيان. وفي القرآن الكريم: "فَناداها مِنْ تحتِها ألّا تَحْزني قد جَعلَ ربُّكِ تَحتَكِ سَرِيّا" (مريم: ٢٤). أما السَّرِيّ بمعنى السيد الشريف فتُجمع على سَراة. يقول الشاعر الجاهلي الأَفْوَهُ الأَوْديّ:
لا يصلحُ الناسُ فوضَى لا سَراةَ لهمْ
ولا سَراةَ إذا جُهّالُهُمْ سادوا
١٠ - آوِنَة: ليست هذه الكلمة، كما يظن كثير من الناس، صيغة مفرد ، بل هي صيغة جمع مفردُها أوان ويعني الحِين والوقت. وفي المثل القديم: "هذا أوانُ الشدِّ فاشْتَدّي زِيَمُ". والشدّ في هذا المثل يعني الجَرْي والركض. والخِطاب هو لِفَرَسٍ اسمها زِيَم يحثّها صاحبها على شدّة العدو عند اندلاع القتال.
ويقول المتنبي:
أوانًا في بيوتِ البدوِ رَحْلي
وآوِنةً على قَتَدِ البعيرِ
ويقول أيضا:
لِلَّهْوِ آونةٌ تَمُرُّ كأنّها
قُبَلٌ يُزوِّدُها حبيبٌ راحِلُ
١١ - آنِيَة: ليست آنية صيغة مفرد، بل صيغة جمع مفردُها إناء. وفي القرآن الكريم: "ويُطافُ عليهِمْ بآنِيةٍ مِن فِضَّةٍ وأكوابٍ كانتْ قواريرا" (الإنسان: ١٥). أما أوانٍ فهى جمعُ الجمع.
١٢- رَجًا (ناحية) ، ومُثَنّاهُ رَجَوان كَعَصًا وعَصَوان، يُجمَع على أرجاء. نقول، مثلاً، انتشر الخبرُ في أرجاء المعمورة. وفي القرآن الكريم: "والمَلَكُ على أرْجائها" ( الحاقّة: ١٧).
١٣ - نَديم (المصاحب على الشراب أو المُسامر) يُجمَع على نُدَماء، ويُقال له أيضاً نَدْمان ويُجْمَعُ على نِدام ونَدامَى. قال النعمان بن عديّ:
فإنْ كُنْتَ نَدْماني فبالأكبرِ اسْقِني
ولا تَسْقِني بالأصغَرِ المُتَثَلِّمِ
١٤- أُمْنِيَّة بتشديد الياء (بُغْية) تُجْمَعُ على أَمانِيّ. ومنه قولُهُ تعالى: "وقالوا لَنْ يدخلَ الجنّةَ إلّا مَنْ كانَ هُوداً أو نَصارَى تلكَ أمانِيُّهُمْ قُلْ هاتوا بُرْهانَكمْ إنْ كنتمْ صادقين" (البقرة: ١١١). أما مُنْيَة، ولها المعنى نفسه، فتُجْمَع على مُنًى. يقول المتنبي:
مُنًى كُنَّ لي أنَّ البياضَ خِضابُ
فَيَخْفَى بِتَبْييضِ القُرونِ شَبابُ
١٥- رَبْوَة (ما ارتفعَ من الأرض) تُجمَع على رُبًى. أما رابية، ولها المعنى نفسه، فتُجْمَع على رَوابٍ .
١٢. معنى عبارة "لِلّهِ دَرُّهُ" وعبارة "لا دَرَّ دَرُّهُ"
الدَّرُّ في اللغة هو اللبن (أي الحليب) أو الكثير منه. ومن معاني الفعل "دَرَّ " ما يلي:
دَرَّ الضَّرْعُ أي امتلأ لبناً.
ودَرَّ الدمعُ واللبنُ أي فاضَ وسالَ بكثرة.
ودرَّت السماءُ بالمطر أي صَبَّتُهُ بغزارة.
ودَرَّت العروقُ أي امتلأت دماً.
أمّا عبارة "للّهِ دّرُّهُ فارساً أو للهِ دَرُّهُ مِنْ فارسٍ" فهي تقالُ في مَعْرِض المدح والدعاء ومعناه للهِ ما خرجَ منه من خيرٍ وعطاء. ويُقالُ في الذَّمِّ والدعاء على الرجُل: " لا دَرَّ دَرُّهُ" أي لا أكثرَ اللهُ خيرَهُ ولا زَكا عملُهُ.
يقول الشاعر العباسي أبو نواس في إحدى خمرياته، ناعِياً على الشعراء البكاءَ على الأطلال:
١- عاجَ الشقيُّ على دارٍ يُسائِلهُا
وعُجْتُ أسألُ عن خمّارةِ البلدِ
٢- لا يُرْقِئُ اللهُ عَيْنَيْ مَن بَكى حَجَراً
ولا شَفَى وَجْدَ مَنْ يَصْبو إلى وَتدِ
٣ -قالوا ذَكَرتَ ديارَ الحَيِّ مِنْ أسدٍ
لا دَرَّ دَرُّكَ قُلْ لي مَنْ بنو أسَدِ
٤ -ومَنْ تَميمٌ ومَنْ قيسٌ وإخْوتُهُمْ
ليسَ الأعاريبُ عندَ اللهِ من أحدِ
١٣. أشهر أسماء المطر في اللغة العربية
في لغتنا العربية أسماء كثيرة للمطر نذكر فيما يلي أهمَّها وأكثرَها شيوعًا مع إيراد الشواهد على استعمال بعضها في النصوص اللغوية.
١- الغَيْث: المطر الذي يأتي بعدَ طُول انقطاعٍ أو جَفاف. مِصداقُ ذلك قولُه تعالى: "وهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ويَنْشُرُ رحمتَهُ وهُوَ الوَلِيُّ الحَميدُ" (الشُّورَى: ٢٨)؛ وقوله أيضا بعد السبع سنين الشِّداد التي حَلّت بمصر الفرعونية: "ثُمَّ يَأتي مِنْ بَعْدِ ذلكَ عامٌ فيهِ يُغاثُ النّاسُ وفيهِ يَعْصِرون"(يوسُف: ٤٩).
٢- الحَيَا: المطر الذي يُحْيي الأرض بعد موتها. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في مسرحية "مجنون ليلى":
جبلَ التَّوْبادِ حَيّاكَ الحَيَا
وسَقَى اللهُ صِبانا ورَعَى
٣- الصَّيِّب: المطر الشديد الانصباب. ومنه قولُه تعالى: "أو كَصَيِّبٍ مِنَ السماءِ فيهِ ظُلُماتٌ ورعدٌ وبرقٌ" (البقرة: ١٩).
٤- الوَدْق: المطر النازل من السُّحُب على شكل خيوطٍ مُتّصلة بالأرض، وقد يكون شديدًا أو هَيِّنًا. ومنه قولُه تعالى: "ألَمْ تَرَ أنّ اللهَ يُزْجِي سَحابًا ثُمَّ يُؤلِّفُ بينَهُ ثُمَّ يَجْعلُهُ رُكامًا فَتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خلالِهِ" ( النور: ٤٣).
٥- الوابل: المطر الشديد الوَقْع العظيم القَطْر. والطَّلُّ: المطر الخفيف. وفي مُحكَم التنزيل: "فإنْ لم يُصِبْها وابلٌ فَطَلٌّ" (البقرة: ٢٦٥).
٦- السماء: المطر عامّةً. يقول مُعاوية بن مالك أحدُ شعراء "المُفَضَّليّات":
إذا نَزَلَ السماءُ بأرضِ قومٍ
رَعَيْناهُ وإنْ كانوا غِضابا
وفي القرآن الكريم: "فقُلتُ استغْفِروا ربَّكُمْ يُرْسِلِ السَّماءَ عليكُمْ مِدْرارًا ويُمْدِدْكُمْ بِأموالٍ وبَنِينَ ويَجعَلْ لكمْ جَنّاتٍ ويَجعَلْ لكُمْ أنهارًا (نوح: ١٠-١٢).
٧- القَطْرُ: الماء الذي يسيل قطرةً قطرةً. يقول أبو فراس الحمداني وهو في الأسْر لدى الروم:
مُعَلِّلتي بالوَصْلِ والموتُ دُونَهُ
إذا مِتُّ ظَمْآنًا فلا نَزَلَ القَطْرُ
٨- الدِّيَم (واحدُها دِيمَة): المطر الذي يدوم ساعاتٍ أو أيامًا في سكون بلا رعد ولا برق. ومنه قول المتنبي:
ليتَ الغمامَ الذي عِندي صواعِقُهُ
يُزِيلُهُنَّ إلى مَنْ عِنْدَهُ الدِّيَمُ
٩- الجَوْد: المطر الغزير الذي يُرْوي كلَّ شيء.
١٠- الجَدَا: المطر الذي يَعُمُّ البلادَ. وفي الحديث الشريف: "اللهمَّ أَسْقِنا غَيْثًا غَدَقًا وجَدًا طَبَقًا"، أيْ غيثًا كثيرًا غامرًا.
١١- البَدْريّ: المطر الذي ينزل قُبَيْلَ فصل الشتاء في أوّلِهِ.
١٢- الوَسْمِيّ : أوّلُ مطرِ الربيع.
١٣- الوَلِيّ: المطرُ الذي يأتي بعدَ مطرٍ سابق.
١٤- الهَطْل: المطر المتتابِع.
١٥- الرَّشّ: المطر الخفيف.
١٦- الشآبيب (مفردها شُؤْبوب): المطر الذي يَنزلُ دُفعاتٍ أو زَخّاتٍ. يقول المتنبي مادِحًا كافور الإخشيديّ بعد تركه بلاطَ سيف الدولة الحمدانيّ:
قالوا هَجَرْتَ إليهِ الغيثَ قُلتُ لَهُمْ
إلى غُيُوثِ يَدَيْهِ والشآبيبِ
١٧- الدُّفاق: المطر المُنحدِر من مواقع كثيرة إلى الأودية أو الشِّعاب الكبيرة.
١٨- التَّهْتان: المطر الذي يَفْتُر ثُمَّ يعود.
١٤. معنى عبارة "يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْواء"
يُقال: عَشا يَعْشو عَشْواً، أي ضعُفَ أو ساءَ بصرُهُ ليلاً، فهو أعْشَى وهي عَشْواء. ويُقال: ذهبتْ إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى. وعَشا عن الشيءِ، أي ضعُفَ عنه بصرُهُ فلم يَرَهُ، أو غَفِلَ عنه وأعرضَ. ومنه قولُهُ تعالى: "ومَنْ يَعْشُ عنْ ذِكْرِ الرحمنِ نُقَيِّضْ لهُ شيطاناً فهوَ لهُ قَرينٌ" (الزُّخْرُف: ٣٦).
أمّا عَشا إلى النار فتعني رآها ليلاً فقصدَها مُسْتَضيئاً بها. يقول النابغة الذبياني:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشو إلى ضَوْءِ نارِهِ
تَجِدْ خيرَ نارٍ عندها خيرُ مُوقِدِ
والفعل المتعدي "أعْشَى" يُعْشي إعْشاءً يعني جعله ضعيفَ البصر كأنْ نقول: أعْشَتْهُ كثرةُ القراءة. ومنه قولُ ابن الرومي:
خَفافيشُ أعْشاها النهارُ بِضَوْئهِ
فلاءَمَها قِطْعٌ مِنَ الليلِ غَيْهَبُ
أما عبارة "يَخْبِطُ خَبْطَ عَشْواء" فَتُقال لِمَنْ يُخْطِئُ ويُصيبُ، أو لِمَنْ يأتي بالأمر دون تفكير أو تمييز ويتصرّفُ على غير هُدًى. والعشواء في هذه العبارة هي الناقة التي لا تُحْسِنُ الإبصار في الليل فتدوسُ كلَّ شيء في طريقها دُونَ تمييز. يقول شاعر المعلقات زهير بن أبي سلمى:
رأيتُ المنايا خَبْطَ عَشْواءَ مَنْ تُصِبْ
تُمِتْهُ ومَنْ تُخْطِئْ يُعَمَّرْ فَيَهْرَمِ
١٥. طائفة من الأمثال العربية وشرح مفرداتها ومعانيها
١- حلبَ الدَّهْرَ أَشْطُرَهُ
الأشْطُر جمعُ شَطْر والشطرُ من كلّ شيء نصفُهُ أو جزءٌ منه. معناه: اختبرَ الدهرَ شطرَيْ خيرِهِ وشَرِّه فعرفَ ما فيه. يُضرَبُ لِمَن حَنّكته الأيامُ.
٢- (أسمعُ) جَعْجَعةً ولا أرَى طِحْنًا
الجعجعة هي صوتُ الرَّحَى (حَجَرُ الطاحونة)، والطِحْن هو الدقيق. يُضرَب للكثير الكلام القليل الفِعال أو لمن يعِدُ ولا يُنجِزُ وعدَهُ.
٣- قبلَ الرِماءِ تُملأُ الكَنائِن
الكنائن جمعُ كِنانة وهي جُعْبة من جِلْد تُوضعُ فيها السهام. يُضرَبُ في وجوب التأهُّب للأمر قبل وقوعه. وهو كالمثل القائل: "قبلَ الرمي ِ يُراشُ السهمُ".
٤- اتَّسَعَ الخَرْقُ على الراقِع
معناه: زادَ الضرَرُ أو الفسادُ حتّى فاتَ وقتُ تَلافِيهِ.
٥- الرائدُ لا يَكْذِبُ أهْلَهُ
الرائد هو من يتقدّمُ القومَ يُبْصِرُ لهم الكلأَ ومَساقِطَ الغيث. معناه: أنّ الرَّجُلَ لا يكذبُ في أمر يعودُ وَبالُ كذِبه عليه.
٦- اخْتَلَطَ الحابلُ بالنابِل
الحابل هو صاحبُ الحِبال والنابلُ صاحِبُ النِّبال وذلك أنْ يجتمعَ القُنّاصُ فيختلطُ هؤلاء بهولاء فلا يُصادُ شيء. يُضرَب في اختلاط الأمر على القوم حتى لا يعرفوا وجهَهُ الصحيح.
٧- مَنْ غَرْبَلَ الناسَ نَخَلوهُ
معناه: مَنْ فَتّشَ في أمور الناس وأُصولهم فكشفَ عن عيوبهم الكبيرة بالغوا هم في التنقيب والكشف عن أصغر عيوبه وأتْفَهِها.
٨- مَنِ اسْتَرْعَى الذئبَ (فقدْ) ظَلَم
معناهُ: مَن طلبَ من الذئب، وهو المفطورُ على الغدر، أن يكون راعيًا لغنمه فقد ظَلَمَ نفسه أو ظَلَمَ الذئبَ لأنّه كَلَّفَهُ ما ليس في طبعه. يُضرَبُ لِمَنْ يضعُ الأمانةَ في غير موضعها الصحيح.
١٦. مسألة التغليب في اللغة
هو ترجيح أحد اسمين مختلفين بينهما مناسبة على الآخَر ثُمَّ تَثْنِيتُهُ على أن يُقصَدَ بِمُثَنّاهُ الإسمان معاً، نحوَ :"الوالدانِ" للوالد والوالدة كما في قوله تعالى: "وَوَصَّيْنا الإنسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً" (العنكبوت: ٨)؛ و"الأَبَوانِ" للأب والأُمّ كما في قولِه تعالى: "فلَمّا دَخَلوا على يوسُفَ آوَى إليهِ أبَوَيْهِ" (يوسف: ٩٩)؛ و"المَشْرقانِ" للمشرق والمغرب، ومنه قولُهُ تعالى: "يا لَيْتَ بيني وبينَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ فَبِئسَ القَرينُ" (الزُّخرف: ٣٨)؛ و"العِشاءانِ" للمغرب والعِشاء؛ والبصرتانِ للبصرة والكوفة. وبملاحظة الكلمات التي اسْتُعْمِلَ فيها التغليب يتبيَّنُ أنّ العرب كانت تُغَلِّبُ :
١- الأقوى والأقدرَ، نحو: "الأبوان" للأب والأم؛ و"الوالِدان" للوالد والوالدة.
٢- الأخفَّ نُطْقاً، نحو: "العُمَران" لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطّاب؛ و"الحَسَنان" للحسن والحسين وَلَدَي الإمام عليّ كرّمَ اللهُ وجهَهُ.
٣- المذكرَ على المؤنث، نحو "القَمَران" للشمس والقمر، و"الفُراتان" للفُرات ودجلة، ونحوَ قولِهِ تعالَى: "ومَريمَ ابنةَ عمرانَ التي أحصنتْ فَرْجَها فنفخنا فيهِ مِنْ رُوحِنا وصَدّقتْ بكلمات ربّها وكُتُبهِ وكانتْ من القانتين" (التحريم: ١٢) ولم يَقُلْ من القانتات، وقوله تعالى: "فَأَنْجَيْناهُ وأَهْلَهُ إلّا امْرأَتَهُ كانتْ مِنَ الغابِرين" (الأعراف: ٨٣)، ولم يَقُلْ من الغابرات. ويندُرُ تغليبُ المؤنث على المذكر، نحو "المَرْوَتانِ" للصَّفا والمَرْوَة.
٤- الأعظمَ في الاتساع والضخامة، نحو: "البحران" للبحر والنهر. ومنه قولُهُ تعالى: "وما يستوي البحرانِ هذا عذبٌ فُراتٌ سائغٌ شرابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجاج" (فاطر: ١٢).
٥- العاقلَ على غير العاقل لِشَرَفِه وعُلُوِّ منزلته، كما في قوله تعالى: "واللهُ خلقَ كُلَّ دابّةٍ من ماءً فمنهم مَنْ يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رِجْليْنِ، ومنهم مَنْ يمشي على أرْبعٍ يخْلُقُ اللهُ ما يشاءُ إنَّ الله على كل شيءٍ قدير" (النور: ٤٥) حيثُ استُعملَ الاسمُ الموصول للعاقل" مَنْ" بدلاً من الاسم الموصول لغير العاقل "ما" لأنَّ كلمة "دابَّة" تشمل الإنسانَ وكُلَّ ما يدبُّ، أي يمشي، على وجه الأرض.
٦- غيرَ العاقل على العاقل لكثرته. وخيرُ مثالٍ على ذلك قولُهُ تعالى: "وللّهِ يسجدُ ما في السماواتِ وما في الأرضِ مِنْ دابَّةٍ والملائكةُ وهُمْ لا يَسْتَكْبِرون" (النحل: ٤٩). ومِثْلُهُ قولُهُ تعالى: "سَبَّحَ لِلّهِ ما في السماواتِ وما في الأرضِ وهوَ العزيزُ الحكيمُ" (الحشر: ١؛ والصفّ: ١). فعددُ الجمادات والمخلوقات غير العاقله في هذا الكون الفسيح يفوق بكثير عددَ الكائنات العاقلة.
١٧. صِيَغ المثنّى الدالّة على شيئين مختلفين
في لغتنا العربية التي قال شاعرُ النيل حافظ إبراهيم على لِسانها:
أنا البحرُ في أحشائهِ الدرُّ كامنٌ
فهل سألوا الغَوّاصَ عن صدفاتي؟
وقال عنها أمير الشعراء أحمد شوقي:
إنَّ الذي ملأَ اللغاتِ مَحاسِناً
جَعَلَ الجَمالَ وسِرَّهُ في الضادِ
غرائبُ وعجائبُ قلما تجدها في أي لغة أخرى من لغات العالم. وفيما يلي بعضُ صيغ المثنى الدالة على شيئين مختلفين.
١- الزهراوان: سورتا البقرة وآل عِمْران، وإنَّما سُمِّيتا بهذا الاسم لما فيهما من هداية ونُور.
٢- الشِّفاءان: العسلُ والقرآن، وإنَّما سُمِّيا بذلك لقولهِ تعالى عن النحل: "يَخْرُجُ مِنْ بُطونها شرابٌ مُختلفٌ ألوانُهُ فيه شِفاءٌ للناس" (النحل: ٦٩)، وقوله تعالى: "ونُنَزِّلُ مِنَ القرآنِ ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين" (الإسراء: ٨٢).
٣- الثَّقَلان: الإنس والجن. ومنهُ قولُهُ تعالى: "سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيُّها الثَّقَلان" (الرحمن: ٣١).
٤- الحُسْنَيان: النَّصْرُ والشَّهادة. وفي القرآن الكريم: "قُلْ هلْ تَرَبَّصونَ بِنا إلّا إحْدى الحُسْنَيَيْنِ" (التوبة: ٥٢).
٥- السِّماكان: نَجْمانِ نَيِّرانِ أحدُهما في الشَّمال ويُعْرَفُ بالرّامِح والآخَرُ في الجنوب ويُعرَفُ بالأعزل.
٦- الأزهران أو النَّيِّران: الشمس والقمر.
٧- الخافِقان: أُفُقُ المشرقِ والمَغْرِب لأنّ الليلَ والنهارَ يخفقانِ فيهما. يُقالُ: تَرَدَّدَ ذِكْرُهُ في الخافقين لِمَنْ ذاعَ صيتُهُ وطَبّقتْ شهرتُهُ الآفاقَ.
٨- الجديدان أو الحَدَثان أو الطَّرِيدان: الليل والنهار. يقول محمد بن يزداد بن سُوَيد الكاتب:
المرءُ مِثْلُ هِلالٍ حينَ تُبْصرُهُ
يبدو ضئيلاً ضعيفاً ثُمَّ يَتّسقُ
يزدادُ حتّى إذا ما تمَّ أعْقَبَهُ
كَرُّ الجديدينِ نقصاً ثُمّ ينمحقُ
ويقول أبو نواس:
أخذتُ بِحَبْلٍ مِن حِبالِ محمّدٍ
أمِنْتُ بهِ مِنْ طارقِ الحَدَثانِ
تغطّيتُ مِن دهري بفضلِ جناحِهِ
فعيني تَرَى دهري وليس يَراني
٩- العَجماوان: صلاتا الظهر والعصر (لإسرار الصلاةِ فيهما).
١٠- الأصغران: القلب واللسان. وفي المثَل: " المرءُ بأصْغَرَيْهِ: قَلْبِهِ ولِسانِهِ".
١١- الأمرّان: الفقر والهَرَمُ، أو الهَرَمُ والمَرَضُ.
١٢- الحَرَمان: مكة والمدينة.
١٣- الأعْمَيان: السيل والحريق.
١٤- الأخبثان: البول والغائط. قال صلّى الله عليه وسلّمَ: "لا صلاةَ بِحَضرة الطعام ولا وهو يدافِعُهُ الأخْبَثَان".
١٥- الرافدان: دجلة والفرات (لذلك تُسَمَّى العراقُ بلادَ الرافدين).
١٦- المُعَوِّذَتان: سُورتا الفَلَق والناس.
١٧- النُّسْكان: الحَجُّ والعُمْرَة. نقول: الإحْرامُ هو نِيَّةُ أحَدِ النُّسْكينِ أو نِيَّتُهما معاً.
١٨- القَرْيَتان: مَكّة والطّائف. وفي القرآن الكريم: " وقالوا لولا نُزِّلَ هذا القُرْآنُ على رَجُلٍ مِنَ القريتينِ عظيم" (الزخرف: ٣١).
١٩- الضَّعِيفان: المرأةُ والعَبْدُ. وفي الحديث الشريف: "اتَّقوا اللهَ في الضَّعيفين".
٢٠- الأَنْضَران أو النَّقْدان: الذَّهَبُ والفِضّة.
٢١- الأَذَلّان: الحِمار والوَتَد.
٢٢- الأَكْذَبان: الظَّنُّ والسَّراب.
٢٣- الأصفران: الذهب والزعفران.
١٨. الفرق بين "المُرْضِع" و"المُرْضِعَة"
من المعلوم في لغة العرب أنّ الصفات التي تختص بها الإناث دُونَ الذكور تأتي في الغالب الأعَمّ بصيغة المذكّر، أي من غيرهاء التأنيث. نقول، على سبيل المثال، هي حامِل ومُرْضِع وحائِض وعاقِر وعانِس وناشِز وفارِك وطالِق وكاعِب وناهِد ومُعْصِر.
لم تَرِد كلمة "مُرْضِع" بصيغة المفرَد في القرآن الكريم كُلِّه، ولكنْ جاءت بصيغة الجمع في الآية ١٢ من سورة القَصَص: "وحَرَّمْنا عليهِ المَراضعَ مِنْ قَبْلُ فقالت هلْ أَدُلُّكُمْ على أهلِ بيتٍ يَكْفُلونَهُ لَكُمْ وهُمْ لَهُ ناصحون". أمّا كلمة "مُرْضِعة" فوردتْ مَرّةً واحدةً فقط وذلك في قولِهِ تعالَى:
"يا أيّها الناسُ اتّقوا ربَّكُمْ إنّ زَلْزَلةَ الساعةِ شيءٌ عظيم. يومَ تَرَوْنَها تَذهَلُ كُلُّ مُرْضِعةٍ عمّا أرضَعتْ وتَضَعُ كلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرَى الناسَ سُكارَى وما هُمْ بِسُكارَى ولكِنّ عَذابَ اللهِ شديد" (الحج: ١-٢).
يقول علماءُ اللغة ومفسّرو القرآن الكريم إنَّ المُرْضع هي صِفة لِمَن كان لها ولدٌ تُرْضِعُهُ وإنْ لم تُباشِرالإرضاع في وقت بعينه لأنّنا نصفها بفعلٍ منها واقع أو لازم. يقول امرؤُ القيس في معلَّقته:
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ
فَأَلْهَيْتُها عن ذِي تَمائِمَ مُحْوِلِ
(التمائم مُفردُها تَمِيمة هي التعاويذ التي تُعَلَّق على الصبيّ لِتَقيهِ مِن العين الشريرة، والمُحْوِلُ الذي أتَى عليه حَوْل أي ابن سَنة).
أمّا المُرْضِعة فهيَ التي ألْقَمَت الرَّضيعَ ثَدْيَها، أي مَنْ كانتْ في حالة التلبُّس بالإرضاع.
لذلك قال مفسّرو القرآن إنّ استعمال كلمة "مُرْضِعة" في الآية المذكورة أعلاه أدَقُّ وأبلغُ مِنْ كلمة "مُرْضِع" في هذا السياق لأنّ المرأة قدْ تَذهلُ عن رَضيعها إذا لم تكنْ تُرْضِعُه وهو في حِضْنِها. أمّا إذا التقمَ ثديَها واشتغلتْ بإرضاعهِ لم تَذْهَلْ عنه إلّا لأمرٍ عظيم وخطير يُنْسيها رضيعَها وهو أشدّ ما يكون مُلاصَقَةً لجسدها.
وخُلاصةُ القول أنّنا إذا أردنا صفةَ الإرضاع قُلنا "مُرْضِع"، وإذا أردنا فِعْلَ الإرضاع قُلنا "مُرْضِعة".
١٩. "لا يُقالُ"
قال بعضُ الثقاتِ المحقِّقين من أهل اللغة:
١- لا يُقالُ "رجُلٌ أبكم" إلّا إذا اجتمع فيه الخَرَسُ والبَلَهُ. مصداقُ ذلك قولُهُ تعالى: "إنّ شرَّ الدوابِّ عندَ اللهِ الصُمُّ البُكْمُ الذين لا يعقلون" (الأنفال:٢٢).
٢- لا يُقالُ " الثَّرَى" إلّا إذا كان نَدِيّاً، وإلّا فهو "التراب". وفي الحديث الشريف "أنّ رجُلاً رأى كلباً يأكلُ الثَّرَى من العطش"، وهو التراب المُبَلّل بالماء.
٣- لا يُقال للبكاء "عَوِيل" إلّا إذا ارتفعَ معه صُراخ.
٤- لا يُقالُ للماء المالح "أُجاج" إلّا إذا كان مع ملوحته مُرّاً. ومنه قوله تعالى:"وما يستوي البحرانِ هذا عذبٌ فُراتٌ سائغٌ شرابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجاجٌ" (فاطر: ١٢).
٥- لا يُقالُ للذَّهَبِ "تِبْر" إلّا إذا كان فُتاتاً قبلَ أن يُصاغَ.
٦- لا يُقالُ للجوع "سَغَبٌ" أو "مَسْغَبة" إلّا إذا كانَ معه تعبٌ. ومنه قوله تعالى: "أو إطعامٌ في يومٍ ذِي مَسْغَبةٍ يتيماً ذا مَقْرَبَة أو مِسْكيناً ذا مَتْرَبة" (البلد: ١٤-١٦).
٧- لا يُقال "مائدة" إلّا إذا كان عليها طعام، وإلّا فهي "خُِوان". جاء في القرآن الكريم على لسان السيد المسيح عليه السلام: "رَبَّنا أنْزِلْ علينا مائدةً مِنَ السماءِ تكونُ لنا عِيداً لِأوَّلِنا وآخِرِنا" (المائدة: ١١٤).
٨- لا يُقال " كأسٌ" إلّا إذا كان فيها شرابٌ، وإلّا فهي "زُجاجة". مصداق ذلك قوله تعالى: "إنّ الأبرارَ يشربون مِنْ كأسٍ كان مِزاجُها كافورا"(الإنسان: ٥)، وقوله تعالى: "وكأْساً دِهاقاً" (النبأ: ٣٤)، ودِهاق أي ممتلئة أو مُتْرَعة ومتتابعة على شاربيها.
٩- لا يُقال " كُوز" إلّا إذا كانت له عُرْوة، وإلّا فهو "كُوب".
١٠- لا يُقال "خِدْرٌ" إلّا إذا كان فيه امرأة، وإلّا فهو "سِترٌ ". يقول امرؤ القيس في معلَّقته:
ويومَ دخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَةٍ
فقالتْ لكَ الويلاتُ إنّكَ مُرْجِلي
١١. لا يُقال "نَفَقٌ" إلّا إذا كان له مَنْفَذ، وإلّا فهو سَرَبٌ.
١٢. لا يُقال "عِهْنٌ" إلّا إذا كان مصبوغاَ، وإلّا فهو صوف. وفي القرآن الكريم: "وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ المَنْفوش" (القارعة: ٥).
١٣- لا يُقال للحِجارة "رَضْف" إلّا إذا كانت مُحَمّاة بالنار أو بالشمس.
١٤- لا يُقال للخَيط "سِمط" إلّا ما دام الخَرزُ منظوماً فيه.
١٥- لا يُقال للمرأة "ظَعِينة" إلّا ما دامت راكبةً في الهَوْدَج.
١٦- لا يُقال للرِّسالة " مُغَلغَلة" إلّا إذا كانت محمولةً من بَلدٍ إلى بلد.
١٧- لا يُقال للدَّلو "سَجْل" إلّا ما دام فيه ماءٌ قَلَّ أم كَثُرَ.
١٨- لا يُقال لِمَن أصابَهُ البَردُ "خَرِصٌ" إلّا إذا كان مع ذلك جائعاً.
١٩- لا يُقال للرِّيق "رُضاب" إلّا وهو في الفم، فإنْ خرجَ منهُ فهو بُصاق أو بُزاق.
٢٠- لا يُقال للشمس "غَزالة" إلّا عند ارتفاع النَّهار وامتداده.
٢١. لا يُسّمَّى الجيشُ جَحفَلاً حتَّى يكونَ فيه خَيل.
٢٠. من كتاب أبي منصور الثعالبي "فِقهُ اللغة وأسرارُ العربية"
١- الرُّقْعةُ للثوب والرؤُبَةُ للإناء.
٢- الدَّرَجُ إلى فَوْق والدَّرْكُ إلى أسفل.
٣- البصرُ في العين والبصيرةُ في القلب.
٤- العَمَى في العين والعَمَهُ في الرأي.
٥- الغَلَتُ في الحساب والغلطُ في الكلام.
٦- حَلَا الشيءُ في الفَمِ وحَلِيَ الشيءُ في العَين.
٧- الضُّعْفُ (بضمّ الضاد) في الجسد والضََعْفُ (بفتح الضاد) في الجسد والعَقْل.
٢١. الفرقُ بين النَّفاد والفَناء
قال أبو هلال العسكري في كتابه المسمَّى "الفروق في اللغة":
"الفرقُ بين النَّفاد والفناء أنّ النفاد هو فناءُ آخرِ الشيء بعدَ فناء أوّله، ولا يُستعملُ النفاد فيما يَفْنَى جُملةً. ألا تَرَى أنّك تقول: فَناءُ العالَم، ولا يُقال نفاد العالم. ويُقالُ: نفادُ الزّاد ونفادُ الطعام لأنّ ذلك يَفْنَى شيئاً فشيئاً".
ولذلك أيضا يُقال: فناءُ المادة، ولا يُقال نفادُهما، ودار ُ الفَناء أي الدنيا. وفي المقابل، يُقالُ: نَفادُ السِّلْعة من الأسواق، ونفادُ الذخيرة، ونَفادُ الصَّبْر، ولا يُقالُ فناؤها. قال تعالى: "ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وما عندَ اللهِ باق ٍ (النحل: ٩٦)؛ "إنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفاد" (ص: ٥٤)؛ "قُلْ لوْ كانَ البحرُ مِداداً لكلماتِ رَبّي لَنَفِدَ البحرُ قبلَ أن تَنْفَدَ كلماتُ ربي ولَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدا"(الكهف: ١٠٩)؛ "كلُّ مَنْ عليها فانٍ"(الرحمن: ٢٦)، وهو كقولهِ عزَّ وجلَّ: "كُلُّ شيءٍ هالِكٌ إلّا وجهَهُ" (القَصَص: ٨٨).
٢٢. هل هناك فرقٌ في المعنى بين الفعل "أوْمَأَ" والفعل "أشار"؟
جاء في معاجم اللغة العربية أنّ الفعل أوْمَأَ إليهِ يُومِئُ إيماءً (ومِثْلُهُ الفعلُ وَمَأَ يَمَأُ وَمْئاً) يعني أشارَ إليه بيدهِ أو بعينه أو بحاجِبهِ أو برأسه أو بغير ذلك من الوسائل، معبّرًا عن معنى من المعاني كالموافقة أو عدم الموافقة، أو المعرفة بالشيء، أو الأمر بالدخول أو الخروج، أو السكوت أو الوقوف أو ما شابه ذلك.
يقول الفرزدق:
تَرَى الناسَ ما سِرْنا يسيرونَ خَلْفَنا
وإنْ نحنُ أوْمأنا إلى النّاسِ وَقَّفوا
والإيماء لِمَنْ خَلْفَك لا يكونُ في العادة إلّا برفع اليد.
ويقول آخَرَ:
إذا قلَّ مالُ المرءِ قَلَّ صديقُهُ
وأَوْمَتْ إليهِ باليدينِ الأصابعُ
وأومت هي صيغة مخففة من الفعل أوْمَأت.
ويقول آخر:
أرادتْ كَلامًا فاتَّقَتْ مِنْ رَقيبِها
فلمْ يَكُ إلّا وَمْؤُها بالحواجبِ
وفي الحديث الشريف: "إذا لم يستطعِ المريضُ السجودَ أومأَ برأسهِ إيماءً".
فالإيماء إذاً يكون باليد أو بالحاجب أو بالعين أو بالرأس.
أما الإشارة فأكثر ما تكون باليد والأصابع، ولكنها أيضاً يمكن أن تكون بالعين والحاجب والرأس. نقول: "فلانٌ يُشارُ إليه بالبنان" للشخص المشهور الغنيّ عن التعريف، والبَنان ومفردها بَنانة هي الأصابع أو أطرافها. وفي القرآن الكريم: " فأشارت إليه قالوا كيفَ نُكلِّمُ مَنْ كانَ في المَهدِ صَبيًّا" (مريم: ٢٩)، والإشارة في هذه الآية هي على الأرجح باليد أو بالأصابع.
أما في قول الصَّلَتان الفَهْميّ:
العبدُ يُقْرَعُ بالعصا والحُرُّ تَكفيهِ الإشارة
فالإشارة هنا قد تكون باليد أو بالعين أو بالحاجب أو بالرأس أو بغير ذلك كله.
يقول عمر بن أبي ربيعة:
أشارتْ بِطَرْفِ العينِ خَشْيةَ أهْلِها
إشارةَ محزونٍ ولمْ تتكلَّمِ
فأيقنتُ أنّ الطَّرْف قدْ قالَ مرحبًا
وأهلًا وسهلًا بالحبيبِ المُتيّمِ
ويقول الشاعر الأمويّ المُرّار الفَقْعَسِيّ:
نُسِرُّ الهَوَى إلّا إشارةَ حاجبٍ
هناكَ وإلّا أن تُشيرَ الأصابعُ
يُسْتفادُ مِمّا تقدَّمَ أنْ لا فَرْقَ في المعنى بين الفعلين أومأَ وأشارَ وأنّه يصعبُ تَبيُّنُ الفرق في الاستعمال بين هذين المُترادفين.
٢٣. في اتفاق الأفعال واختلاف المصادر
نقولُ في لغتنا:
١- "غلا السعرُ غَلاءً"، و"غلا في دِينه غُلُوًّا" (أفرط وجاوز الحد).
٢- "عثرَ على المفقود عُثورًا" (وَجَدَه)، و"عثر بحجرٍ عِثارًا" (ارتطم به وسقطَ).
٣- "وَجَدَ ضالّته وُجودًا ووِجدانًا"، و"وجد عليه مَوْجِدةً" (غضِب)، و"وجد وَجْدًا" (حزِنَ) ووجدَ به وَجْداً (أحَبَّهُ أشدَّ الحبّ).
٤- "حَلَّ المسألةَ حَلّاً"، و"حلَّ الشيءُ حِلًّا" (صار حلالاً)، و" حلَّ بالمكانِ حُلولًا" (نَزلَ به).
٥- "جادَ بالمال جُودًا"، و"جادتِ البضاعةُ جَوْدةً"، و"جادَ الغيثُ جَوْدًا" (انهمر).
٦- "خَطَرَ الشيءُ بالبال خُطورًا"، و"خَطَرتِ الفتاةُ في مشيها خَطَرانًا" (تبخترت وتمايلت).
٧- "شَبَّ الصبيُ شَبابًا وشبيبةً"، و"شَبّ الحريقُ شُبُوبًا".
٨- "غارَ الماءُ غَوْرًا"، و"غارت العينانِ غُؤُورًا"، و"غارَ على امرأته غِيرةً".
٩- "وَجَبَ الأمرُ وُجوبًا" (لَزِمَ)، و"وَجَبَ القلبُ وَجيبًا" (خفقَ).
١٠- "بَغَى الحاكمُ على الرعيّة بَغْيًا"، و"بغيتُ الشيءَ بُغْيةً" (طلبتُهُ)، و"بَغت الفتاةُ بِغاءً" (زَنَتْ).
١١- "رأيتُ القائدَ رُؤيةً"، و"رأى القاضي في المسألة رأيًا"، و"رأى يوسفُ في منامه رؤيا" (حُلُماً).
١٢-"تَلا القرآنَ تِلاوةً" ، و"تَلا فُلاناً في سَيْرهِ تُلُوّاً" (تَبِعَهُ ولَحقَ به).
٢٤. الفرق بين كلمتي صَيْرورة وسَيْرورة
يَخْلِطُ الكثيرُ من الناس، وحتى المتعلمون منهم، بين هاتين الكلمتين، ولا يدركون الفرقَ بينهما في المعنى والاستعمال.
الصيرورة مصدر مشتق من الفعل صارَ (بمعنى أصبح) وهي تُفيد معنى الانتقال من حالة معينة إلى حالة أخرى. نقول على سبيل المثال: صيرورةُ قانونِ الجنسيةِ نافذَ المفعولِ مسألةٌ تُحدِّدها الهيئةُ التشريعيةُ التي سَنَّتْهُ، وصيرورةُ الحبةِ شجرةً متكاملةَ النموِ تتوقفُ على صلاحيةِ التربةِ والظروفِ المناخيةِ المناسبة.
أما كلمة "سيرورة" فهي مصدر مشتق من الفعل "سار". ومن مصادر هذا الفعل الأخرى السَّيْر والمَسِير والمَسيرة. وتأتي كلمة سيرورة بمعنيين مُخْتلفين الأول وهو مَسيرَة كما في قولنا مَثَلًا: سيرورةُ الحياةِ الفنية أو سيرورة المُصادقة في البرلمان على المعاهدات الدولية، وبهذا المعنى فهي تقابل
تمامًا كلمةَ process الإنجليزية أو كلمة תהליך العبرية.
والمعنى الثاني لهذه الكلمة هو الذيوع والشيوع والانتشار. وتُستعمَلُ الكلمةُ بمعناها الثاني كما في المثالين التاليين:
١- لم تُكتَبْ لكلمة "مِرْناء" (التِّلْفاز) السيرورةُ على ألسنةِ العامّة ولا على أقلام الكُتّاب.
٢- سيرورةُ المثلِ القائلِ "مَنْ غَرْبَلَ الناسَ نَخلوهُ" إلى يومنا هذا دليلٌ على صحةِ معناهُ وسلامةِ فرَضيّته.
٢٥. "ما زال"، "لا زال"، "لا يزال" ، "ما يزال"
كثير من الكُتّاب والصحفيين وعامّة الجمهور لا يُدركون الفرق بين "ما زالَ" و "لا زالَ"، ويَحْسَبون أنّهما بمعنى واحد، فيقولون على سبيل المثال:
"لا زال لدينا بعضُ الوقت"، و"لا زالتِ الحكومةُ تُواجهُ صعوباتٍ كثيرةً في الحدِّ مِنَ انتشارِ هذا الوباء". والصواب أن يُقال: "ما زالَ (أو لمْ يَزَل) لدينا بعضُ الوقتِ" و" ما زالتِ (أو لم تزلِ) الحكومة تُواجهُ صعوبات...".
يقول طَرَفَة بن العبد في معلّقته:
وما زالَ تَشْرابي الخُمورَ ولَذَّتي
وبَيْعي وإنْفاقي طَريفي ومُتْلَدي
ويقول الأعشى:
وما زلتُ أبغي المالَ مُذْ أنا يافِعٌ
وليدًا وكَهْلًا حِينَ شِبتُ وأمْرَدا
ومن الواضح أنّ الذين يقعون في مِثْلِ هذه الأخطاء يجهلون أن "لا" قبلَ الفعل الماضي تُفيدُ الدعاء (ما لم تتكرَّرْ) كما في عبارة " لا فُضَّ فُوكَ"؛ "لا أَقالَ اللهُ عثرَتَهُ"؛ "لا عَدِمْناكَ مِنْ فارسٍ"؛ لا شَلَّتْ يمينُك"؛ "لا قَدَّرَ اللهُ".
ومن الأمثلة على ورود "لا" قبل الفعل الماضي بمعنى الدعاء قول أبي نواس:
قالوا ذكرتَ دِيارَ الحَيِّ مِنْ أسَدٍ
لا دَرَّ دَرُّكَ قُلْ لي مَنْ بَنو أسَدِ
وقول أوْس بن حَجَر:
لا زالَ مِسْكٌ وريحانٌ لَهُ أرَجٌ
على صَداكَ بِصافي اللونِ سَلْسالِ
وقول ذي الرُّمَّة:
ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيٍّ على البِلَى
ولا زالَ مُنْهَلًّا بِجَرْعائِكِ القَطْرُ
أمّا الفرقُ بين "ما يزالُ" و"لا يزالُ" فبيانُهُ كالتالي:
"ما يزالُ" تُفيد الاستمرارية والديمومة المطلقة .
فعندما نقول: "ما يَزالُ اللهُ غَفورًا رَحيما" نعني أنّ اللهَ مُتَّصِفٌ بهذه الصفات اتصافًا مُطلقًا ودائمًا بلا حدود ولا قيود. وفي الحديث الشريف: "ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنة في نفسه وولدهِ ومالهِ حتّى يَلْقَى اللهَ تعالَى وما عليهِ خطيئة".
أمّا " لا يزال" فلا تُفيد الاستمرارية في جميع الأزمنة، بل الاستمرارية إلى زمن التكلُّم أو إلى وقت مُحدَّد في المستقبل. يقول اللهُ تعالَى: "لا يزالُ بُنْيانُهُم الذي بَنَوْا رِيبةً في قلوبِهِم إلّا أنْ تَقَطَّعَ قلوبُهمْ" (التوبة: ١١٠).
وفي الحديث الشريف: "لا يزالُ اللهُ مُقْبِلًا على العبدِ في صلاته ما لمْ يلتفتْ"؛ و"لا يَزالُ العبدُ في صلاةٍ ما كانَ في المسجدِ ينتظرُ الصلاةَ ما لمْ يُحْدِثْ"؛ و"لا يزالُ الناسُ بِخيْرٍ ما عَجَّلوا الفِطْرَ".
وتلخيصًا للحديث عن هذا الموضوع الشائك نقول:
"ما زالَ" و"لمْ يَزَلْ" بمعنى واحد ويدلّان على استمرار الفعل الماضي إلى الوقت الحاضر.
"لا زال" تُفيدُ الدُّعاء ما لم يتكررْ حرفُ النفى "لا" كما في قولِهِ تعالَى: " فلا صَدَّقَ ولا صَلَّى" (القيامة: ٣١).
"لا يزال" تُفيد الاستمرارية إلى وقت التكلُّم أو إلى وقت ما في المستقبل.
"ما يزال" تُفيد الديمومة المطلقة وهي غير مقيدة بالأزمنة الثلاثة (أي الماضي والحاضر والمستقبل).
٢٦. الفرق بين كلمتي "نَعَمْ" و"أجَلْ"
هناك فرق دقيق في المعنى بين كلمة " نعم" وكلمة " أجلْ" وهو أنّ نعم جوابٌ من المتكلم للمستفهم بالإيجاب، وأجل تصديقٌ لِما أخبركَ به المُخبِر. وفي القرآن الكريم: "ونادَى أصحابُ الجنّةِ أصحابَ النّارِ أَنْ قدْ وَجَدنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حقّاً فهَلْ وَجدتُّم ما وَعَدَ ربُّكم حقّاً؟ قالوا : نعمْ" (الأعراف: ٤٤) . فإذا سُئلتَ: " أقادمٌ أنت معنا غداً؟" قلتَ "نعم " إذا كنت تنوي القدوم، وإذا قيل لك: "أنت قادمٌ معنا غداً" قلتَ " أجل" إذا كنت تريد تأكيدَ كلام ِالمتكلم.
٢٧. الفَرْقُ بين الحَثّ والحَضّ
قال المشاهير من علماء اللغة إنَّ الحَثَّ يكونُ في السَّيْرِ وسَوْق الماشية وكل شيء، والحضّ لا يكون في سير ولا سَوْق. نقول مثلا: "حَثَثْنا الصبيةَ على السَّيْر" ولا نقول "حضضناهم عليه، و"حثثنا خيولنا عند الإغارة" ولا نقول حضضناها. ولم يَرِدْ في القرآن الكريم من الفعل "حَثَّ" ومشتقاته إلّا كلمة "حَثيثاً" في قوله تعالى: "يُغْشي الليلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثيثاً" (الأعراف: ٥٤). ويقول أحمد شوقي في قصيدته "أيّها النيل":
زُفَّتْ إلى مَلِكِ الملوكِ يَحُثُّها
دِينٌ ويَدْفَعُها هَوًى وتَشَوُّقُ
أما الفعل "حَضَّ" ومشتقاته فورد في القرآن الكريم ثلاثَ مرّات في قوله تعالى: "ولا يَحُضُّ على طعامِ المِسْكين" ( الماعون: ٣، والحاقّة: ٣٤)، وقوله عزّ وجلّ: "ولا تَحاضُّونَ على طعامِ المِسْكِين" (الفجر: ١٨)، أي لا يَحُضُّ بعضُكمْ بعْضاً على ذلك. وأكثرُ ما يُسْتعملُ "الحَضّ" في فعل الخير.
٢٨. الفروق بين بعض المترادفات
١-الجُلوسُ والقُعود: الجلوسُ يكونُ عن اضِّجاعٍ أو اتِّكاءٍ أو سُجود، أي هو تحوُّل من أسفل إلى أعلى، والقعودُ يكون عن قيام، أيّ هو تحوُّل من أعلى إلى أسفل. نقول للمُضَّجِع أو المتَّكِئ أو الساجد "اجْلِسْ" وللواقف " اقُْعُدْ".
٢-خَلَطَ ومَزَجَ: الفرقُ بين الخَلْط والمَزْج هو أنّ الخلطَ عامٌّ والمزج مخصوص بالسوائل. نقول: خلطَ القمحَ بالشعير، ومزجَ الخمرَ بالماء.
٣-غَرَسَ وزَرَعَ: نقول: غرسَ الفلّاحُ الأرضَ شَجَرًا، وزرعَ الأرضَ شَعيرًا. فالغرس مخصوصٌ بالشجر والزرع بالحَبِّ والبَذْر.
٢٩. المتلازمات
في ما يلي بعض العبارات الاصطلاحية التي ترد في العربية بصيغ وقوالب لغوية ثابتة لا يصح تغيير ترتيب الكلمات فيها ، وهو ما يمكن أن نطلق عليه اسم المتلازمات ( بالإنجليزية collocations) كقولك في اللغة الانجليزية back and forth (ذهاباً وإياباً) فلا يجوز أن تعكس ترتيب الكلمات فتقول forth and back .
١- كابراً عن كابر: يقال "ورثوا المجدَ كابراً عن كابر" ، أي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم كبيراً عن كبير.
٢- لا في العِ
ير ولا في النفير : يُضرب للرجل الصغير القدر المستهان به.
والعير هي قافلة الإبل، والنفير القوم ينفرون للقتال.
٣- أتى على الأخضر واليابس: أهلك كل شيء. نقول، مثلاً، أتى الجراد أو الحريق أو الحرب على الأخضر واليابس.
٤- اختلط الحابل بالنابل: التبس الأمر، تداخلت الأمور بعضها في بعض.
والحابل هو الصائد بالحبال، والنابل الرامي بالنبال.
٥- شَذَرَ مَذَرَ: يقال "تفرق القومُ شذرَ مذرَ" ، أي تفرقوا في كل جهة.
٦- لا ناقةَ لي في هذا ولا جمل: لا دخْلَ أو لا مصلحة لي فيه.
٧- لا تفوتُهُ شاردة ولا واردة: على دراية بكل شيء.
وشوارد اللغة (مفردها شاردة) غرائبها ونوادرها.
يقول المتنبي:
أنام مِلءَ جفوني عن شوارِدها
ويسهرُ الخلقُ جرّاها ويختصمُ
والشرود من الأمثال هي الأمثال السائرة. يقول أبو تمام:
لا تنكروا ضربي له مَنْ دونهُ
مثلاً شروداً في الندى والباسِ
فاللهُ قد ضربَ الأقلَّ لنورهِ
مثلاً مِنَ المِشْكاة والنِّبْراسِ
٨- جاؤوا من كل حَدَب وصَوْب: أي من كل الجهات أو الأماكن.
٩- أمرٌ يعرفه القاصي والداني: أي البعيد والقريب.
١٠- وقع في حَيْصَ بَيْص: أي في حيرة وارتباك أو في ضيق وشدة.
١١- بالرِّفاء والبنين: دعاء للمتزوج بالاتفاق والإلتئام وإنجاب الأولاد.
١٢- أكلَ الدهرُ عليه وشَرِب: طال عمره أو أصبح شديد القِدم.
١٣- ما له ثاغية ولا راغية: ما له شاة ولا بعير، أو ما له شيء.
١٤- أصبح القومُ في هَرْجٍ ومَرْج: أي في فتنة واختلاط.
١٥- جاء القومُ بقَضّهم وقَضِيضهم: أي جميعهم. والقَضّ هو كبار الحصى والقَضيض صغار الحصى، فكأنه يقول جميعهم الكبار منهم والصغار.
ومثله في المعنى" جاء القومُ بلفّهم ولفيفهم".
١٦- لا يعرفُ الكوع من البوع: جاهل بالأمور.
والبوع هو العظم الذي يلي الإبهام.
ومثله في المعنى "لا يعرف قبيلاً من دبير".
١٧- ما عنده خلٌّ ولا خمر: أي ما عنده خير ولا شر، أو لا ينفع ولا يضر.
١٨- أهل الحلّ والربط: أصحاب النفوذ والسلطان.
١٩- أقام الدنيا وأقعدها: شغل الناس أو أثار الإهتمام.
٢٠- في السّراء والضّراء: في الرخاء والشدة.
٣٠. مفردات متشابهة يَسْهُلُ الخَلطُ بينَها
١- العُدّة والعِدّة
العُدّة (بضمّ العين) ما يُعَدُّ، أي يُهيَّأُ، لأمرما ويشمل هذا ما يُعَدُّ للحرب من أسلحة وعَتاد. نقول مثلًا: "كان العدوُّ أكثرَ منّا عددًا وعُدّةً". وفي محكم التنزيل: "ولوْ أرادوا الخروجَ لَأعَدُّوا لهُ عُدّةً ولكنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وقيلَ اقْعُدوا معَ القاعدين" (التوبة: ٤٦).
أمّا العِدّة (بكسر العين) فتعني العدد أو المقدار. ومنه قولُه تعالى: "إنّ عِدّةَ الشهورِعند الله اثنا عشرَ شهرًا في كتابِ اللّهِ يومَ خلقَ السمواتِ والأرضَ (التوبة: ٣٦)؛ وقوله أيضا: "فمَن كانَ منكم مريضًا أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيامٍ أُخَرَ" (البقرة: ١٤٨).
ومن معاني العِدّة أيضًا المُدّة التي حدّدها الشرعُ للمرأة لِتبقَى بدون زواج. نقول: عِدّةُ المطلَّقة، وعِدّة المُتوفَّى عنها زوجُها، وعِدةُ الحامل.
٢- الشَّمال والشِّمال
الشَّمال (بفتح الشين) هي الجهة التي تقابل الجنوب. أمّا الشِّمال (بكسر الشين)، وتُجمَعُ على أشْمُل وشمائل، فهو اليسار أي ما يُقابل اليمين. وفي القرآن الكريم: "إذ يَتَلقَّى المُتَلَقِّيانِ عنِ اليمينِ وعنِ الشِّمال قَعيد" (ق: ١٧). ووردت الكلمة بصيغة الجمع في قوله تعالى: "ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بينِ أيديهِمْ ومِن خَلْفِهِم وعنْ أيمانِهِمْ وعنْ شَمائِلِهِمْ" (الأعراف: ١٧).
٣- تَضافُر وتَظافُر
نقول: ضَفَرت المرأةُ شَعرَها أي جمعته وضمّت بعضَه إلى بعض وجعلته ضفائرَ. وعلى ذلك فالمعنى هو الجمعُ والربط بإحكام. لذلك يصحُّ أن نقول: تضافُر الجهود، وتضافرُ الأدلّة، وتضافر العُمّال..
أما الفعل تظافَرَ فمشتق من الظَّفَر ويعنى تعاونَ وتناصرَ على شيء ما. نقول مثلًا: تظافرت القبائلُ العربية على محاربة عدوّها ودَحْرِهِ.
٤- الخُطبة والخِطبة
خطبَ الرّجُلُ الفتاةَ خِطبةً من أهلها أي طلبها للزواج فهو خاطب وخطيب والمطلوب زواجها خطيبة. وفي القرآن الكريم: "ولا جُناحَ عليكمْ فيما عَرَّضْتُمْ بهِ مِن خِطْبةِ النساءِ أو أكْنَنْتُمْ في أنفسِكُمْ" (البقرة: ٢٣٥).
أمّا الخُطبة (بضمّ الخاء) فهي ما ينطقُ به الخطيب أو المتحدث من كلام. نقول مثلًا : خُطبة الجمعة، وخُطبة الوداع، وخُطبة رئيس الدولة.
٥- السَّجْن والسِّجن
السَّجن (بفتح السين) مصدر الفعل سَجَنَ أي حبسَ. نقول مثلًا: حُكِمَ على المتَّهم بالسَّجن ثلاثةَ أعوام. أمّا السِّجْن (بكسر السين) فهو مكان الحبس. ومنه قولُهُ تعالى: "قالَ ربِّ السِّجنُ أحَبُّ إليَّ مِمّا يدعونني إليه" (يوسُف: ٣٣)؛ وقولُه أيضا: "فَلَبِثَ في السِّجنِ بِضعَ سِنين" (يوسُف: ٤٢).
٣١. الفرق بين الأفعال "كَبُرَ" و"كَبِرَ" و"كَبَرَ"
يخلط كثير من الناطقين بالعربية بين هذه الأفعال الثلاثة. ولذلك رأيتُ من الخير أن أتناول هذه الأفعال بالشرح الوافي وإيراد الأمثلة لبيان معانيها وأوجُه استعمالها الصحيحة:
١- الفعل "كبُرَ"
كَبُرَ الولدُ يَكْبُرُ كِبَرًا وكُبْرًا أي نما وترعرعَ وعكسها صغُرَ.
وكبُرَ الأمرُ أي عَظُمَ وفَدَحَ. ومنه قولُهُ تعالى: "كَبُرتْ كلمةً تَخْرُجُ مِنْ أفواهِهِمْ إنْ يقولونَ إلّا كَذِبًا" (الكهف: ٥)؛ وقولُه: " يا أيُّها الذينَ آمنوا لِمَ تقولونَ ما لا تفعلونَ كَبُرَ مَقْتًا عندَ اللهِ أنْ تقولوا ما لا تفعلون" (الصَّفّ: ٢-٣)؛ وقولُه: "قُلْ كُونوا حِجارةً أو حَديدًا أوْ خَلْقًا مِمّا يَكبُرُ في صُدورِكُمْ" (الإسراء: ٥١).
وكَبُرَ عليه الشيءُ أي شَقَّ وثَقُلَ. ومنه قولُه تعالى: "إنْ كانَ كَبُرَ عليكَ إعراضُهُمْ" (الأنعام: ٣٥")؛ وقولُه: "كَبُرَ على المُشركينَ ما تَدْعوهُمْ إليهِ" (الشورى: ١٣)؛ وقولُه: "واتْلُ عليهِمْ نَبأَ نُوحٍ إذ قالَ لِقومِه يا قومِ إنْ كانَ كَبُرَ عليكم مَقامي وتَذْكيري بآيات اللهِ" (يونُس: ٧١).
وكبُرَ عن الشيء أي تَرَفَّعَ وتَنَزَّه عنه.
٢- الفعل "كَبِرَ"
(أ) كَبِرَ يَكْبَرُ كِبَرًا وكِبْرَةً أي شاخَ أو تقدَّم في السنّ. ومنه قولُه تعالى: "قالَ رَبِّ أَنَّى يكونُ لي غُلامٌ وكانتِ امْرأتي عاقِرًا وقدْ بَلغتُ مِنَ الكِبَرِ عِتِيًّا" (مريم: ٨).
(ب) وكَبِرَ كِبَرًا أي نما وترعرع. ومنه قولُه تعالى عن أموال اليتامى: "ولا تأكُلوها إسْرافًا وبِدارًا أنْ يَكْبَروا" (النساء: ٦)، أي لا تُسرفوا أيّها الأوصياء في الإنفاق من أموال اليتامى وتُسارعوا في إنفاقها قبلَ أن يصبحوا كِبارًا.
٣- الفعل "كَبَرَ"
كَبَرَ يكبُر كَبْرًا فهو كابر والمفعول مكبور أي زاد عليه في السن. نقول مثلاً: أخي محمد يكبُرُني بخمس سنين.
٣٢. الأصل اللغوي لكلمة "صُعْلوك"
يقول ابن منظور في معجمه "لسان العرب": تصعلكتِ الإبلُ أي خرجتْ أوبارُها وطَرَحَتْها وانْجَرَدَتْ.
ومن هذا الأصل اللغوي أصبحت كلمة "صُعْلوك" تعني الفقير الذي لا مالَ له يستعينُ به على أعباء الحياة ولا اعتمادَ له على شيء أو أحدٍ يَتّكِئُ عليه لِيشقَّ طريقَه في الحياة كسائر البشر الذين يتعاونون على مَشقّات الحياة ويواجهون مشكلاتها متساندين مُتكاتفين. ثُمّ تجاوزت كلمة "صعاليك" دلالتَها اللغوية الأصلية واكتسبت معانيَ أخرى كاللصوص وقُطّاع الطرق الذين يقومون بأعمال السَّلب والنهب. يقولُ حاتم الطائيّ:
غَنِينا زمانًا بالتصعلُكِ والغِنَى
كما الدهرُ في أيّامِهِ العُسْرُ واليُسْرُ
فَما زادَنا بَأْواً على ذِي قَرابةٍ
غِنانا ولا أزْرَى بأحْسابنا الفقرُ
________________
شرح المفردات:
غَنينا: عِشْنا. التصعلك: العَوَز والافتقار. البأو: التكبّر والافتخار. أزرَى به الشيءُ: حَطَّ من قَدْره أو قيمته.
٣٣. الفرق بين السِبْط والحَفيد
السِّبْط في معاجم اللغة هو ولدُ الولد أو ولدُ البنت، ولكن غلبَ استعمالُهُ على ولد البنت. ولذلك يقال: الحسنُ والحسينُ هما سِبْطا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. أما الحفيد (وتجمَعُ على حَفَدة وأحفاد وحُفَداء) فهو ولدُ الإبن. ومنه قولُهُ تعالى: " واللهُ جَعلَ لكُمْ مِنْ أنفُسِكُمْ أزواجًا وجعلَ لكمْ مِنْ أزواجِكُمْ بنينَ وحَفَدَة" (النحل: ٧٢).
٣٤. الفرق بين المُقْسِط والقاسِط
القسط هُوَ العَدْل والإنصاف وعدم الجَوْر. يقول الله تعالَى: "وإذا حكمتَ فاحْكُمْ بينَهُمْ بالقِسْط" (المائدة: ٤٢)؛ "وأَوْفوا الكَيْلَ والمِيزانَ بالقِسْط" (الأنعام: ١٥٢)؛ "كونوا قَوّامينَ للهِ شُهداءَ بالقِسْط" (المائدة: ٨).
والمُقسِط اسم الفاعل من أَقْسطَ يُقْسِطُ إقْساطًا ويعني العادل والمُنْصِف. يقول الله تعالَى في كتابه العزيز: "وأَقْسِطوا إنّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطين" (الحُجُرات: ٩). وقد جاء في الحديث الشريف: "المُقْسِطون على منابرَ من نورٍ يومَ القيامة الذين يعدلون في حُكْمِهِم وأهليهم وما وُلُّوا".
وأمّا القاسِط فهو اسم الفاعل من قَسَطَ يَقْسِطُ قَسْطًا وقُسوطًا ويعنى الجائر والحائد عن الحق. يقول الله تعالَى: "وأمّا القاسِطونَ فكانوا لجهنّمَ حَطَبا" (الجِنّ: ١٥).
٣٥. أفعال تتغيّر معانيها باختلاف حروف الجر التي تليها
في لغتنا العربية، كما في غيرِها من اللغات الأجنبية كالإنجليزية والفرنسية، أفعال عديدة تختلف مدلولاتها ومعانيها باختلاف ما يلحقُها من حروف الجر.
ونُورد فيما يلي نماذجَ من هذه الأفعال مع سَوْق الأمثلة والشواهد على استعمالها الصحيح.
١- صَبَرَ/اصْطَبَرَ على وصَبَرَ عن: صبرَ على الشيء احْتَمَلَهُ ولمْ يجزَعْ. وفي القرآن الكريم: "واصْبِرْ على ما أصابكَ إنّ ذلكَ من عَزْمِ الأمور" (لقمان: ١٧)؛ "وأْمُرْ أَهْلَكَ بالصلاةِ واصْطَبِرْ عليها" (طه: ١٣٢). وتأتي صبرَ بدون حرف جر بمعنى حَبَسَ كما في الآية الكريمة: "واصْبِرْ نَفْسَكَ مع الذين يَدْعونَ ربَّهم بالغَداةِ والعَشِيّ يُريدونَ وجهَهُ" (الكهف: ٢٨). أمّا صبرَ عن الشيء فتعني حَبَسَ نفسَه عمّا يشتهي أو يُحبّ. يقول الإمام علي كَرّمَ اللهُ وجهَهُ في نَهْج البلاغة: "الصبرُ صبرانِ: صبرٌ على ما تَكْرَهُ وصبرٌ عمّا تُحِبُّ".
٢- أَخَذَ بيدِه وأخذَ على يده: أخذَ بيده تعني أعانَهُ وساعدَهُ. أما أخذَ على يده فتعني مَنَعَهُ عمّا يُريد أن يفعلَهُ. وفي الحديث الشريف: "إنَّ الناسَ إذا رأَوا الظالمَ فلمْ يأخذوا على يديهِ يُوشِكُ أن يَعُمَّهُم اللهُ منهُ بعِقاب".
٣- فَزِعَ مِنْ وفَزِع إلى: فزِعَ من الشيء خافَ وذُعِرَ. قال تعالى."إذْ دخلوا على داودَ ففزِعَ منهم قالوا لا تَخَفْ" (ص: ٢٢). وفُزِّعَ عنه كُشِفَ عنهُ الفزعُ وأُزيلَ. وفي التنزيل العزيز: "حَتَّى إذا فُزِّعَ عنْ قُلوبِهم" (سبأ: ٢٣). وفَزِع إليهِ لَجَأَ واسْتغاثَ به. عنْ حُذيفة قال: "كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ (أي اشتدَّ عليه وثَقُلَ) فَزِعَ إلى الصلاة".
٤- رَغِبَ في ورَغِبَ عن: رغبَ في الشيء أرادَهُ وطَمِعَ فيه. ورغبَ عن الشيء زَهِدَ فيه وتركَهُ مُتعمِّداً. وفي التنزيل العزيز: "ومَنْ يَرْغَبُ عن مِلَّةِ إبراهيمَ إلّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ" (البقرة: ١٣٠)؛ "قالَ أراغبٌ أنتَ عنْ آلهتي يا إبراهيم؟" (مريم: ٤٦).
٥- وَجَدَ عَلَيه ووجَدَ به: وَجَدَ عليهِ مَوْجِدةً أيْ غَضِبَ. نقول: وَجَدَ المَلِكُ على وزيرهِ فَعَزَلَهُ. ووَجَدَ به وَجْداً أي أحَبَّهُ وشُغِفَ به. يقول عمر بن أبي ربيعة:
قالَ لي صاحبي لِيعْلَمَ ما بي
أُتُحِبُّ القَتُولَ أُخْتَ الرّبابِ؟
قُلتُ وَجْدي بها كَوَجْدِكَ بالماءِ
إذا ما مُنِعْتَ بَرْدَ الشَّرابِ
٦-عَدَلَ في وعَدَلَ إلى وعدَلَ عن وعدَلَ ب: عدل في الحُكْم بينَ متخاصِمَيْن أَنْصَفَ وتَجَنَّبَ الجَوْرَ. وعَدَلَ إلى الشيء أقْبَلَ إليهِ بعدَ أنْ أعرَضَ عنه. وعَدَلَ عن طريقه وعن رأيهِ رَجَع. وعَدَلَ الشيءَ بالشيءِ سَوّاهُ بهِ. قال تعالى: "ثُمَّ الذين كفروا بِرَبِّهمْ يَعْدِلُون" (الأنعام: ١)، أي يُسَوُّون باللهِ غَيْرَهُ من الأرباب.
٧- اخْتَلفَ في واختلف عن واخْتلَفَ إلى: اختلفوا في الأمر لم يتفقوا عليه. قال تعالى:"وما اخْتَلَفْتُم فيه مِن شيءٍ فحُكْمُه إلى الله" (الشورَى: ١٠). واختلفَ الشيءُ عن الشيء غايرَه ولم يُشابِهْهُ. واختلفَ إلى المكان زارهُ المرّة تِلْوَ الأخرى. نقول مثلاً: كان الرجُلُ في أواخر حياتهِ يختلفُ إلى المسجد.
٨- تَرَدَّدَ في وتَرَدَّدَ إلى وترَدَّدَ على: تَرَدَّد في الأمر أي لم يقطعْ فيه برأي. يقول الشاعر:
إذا كُنتَ ذا رأْيٍ فَكُنْ ذا عَزيمةٍ
فإنَّ فَسادَ الرأيِ أنْ تَتَرَدَّدا
وتردَّدَ إلى مكانٍ ما اختلف إليه أي زارَهُ المَرّة تِلْوَ الأخرى. نقول مثلاً: كُنّا نتردّدُ إلى هذا المَقْهَى ونحنُ طُلّابٌ في الجامعة. وتردَّدَ الخبرُ على ألسنة الناس تناقَلَتْهُ، وتردَّدَ الخطأُ الشائعُ على أقلامِ الكُتّابِ أي تداوَلَتْهُ أقلامُهُم.
٣٦. معنى خَلّة وخُلّة وخِلّة
في اللغة العربية طائفة من الألفاظ تتغيّر دلالاتُها ومعانيها بتغيُّر حركة حرف واحد من حروفها. من ذلك، على سبيل المثال، خَلَّة وخُلَّة وخِلَّة (بفتح الخاء وضمّها وكسرها).
فالخَلَّة (بفتح الخاء وتُجْمَع على خِلال) تعني الخَصْلة حسنةً كانت أو سيّئة. يُقال: فلانٌ فيه خَلّة حسنة أو سيّئة وكأنّها صفة تتخلَّلُ جسدَه أو نفسَه. يقول شاعرُ النيل حافظ إبراهيم:
إنّي لَتُطْرِبُني الخِلالُ كريمةً
طَرَبَ الغريبِ بِأَوْبَةٍ وتلاقي
ومِن معاني الخَلّة أيضًا الثُّقْبَة والفُرْجَة والثُّلْمة. يُقال في الدعاء للميّت: "اللهمَّ اسْدُدْ خَلّتَهُ"، أي الثُّلْمَة التي تَرَكَ وراءَهُ. ومنهُ قول الشاعر:
زَعَمتْ تُماضِرُ أَنَّني إِمّا أَمُتْ
يَسْدُدْ أُبَيْنوها الأصاغرُ خَلَّتي
(أُبَيْنوها تصغير أبناؤها)
والخَلّة أيضاً تعني الحاجة والفقر. يقال: فلان ذو خَلّة، أي محتاج. وفي المثل: "إذا جاءتِ الخَلّة ذهبتِ الخُلّة" ومعناهُ إذا جاء الفقرُ ذهبتِ المَحَبّة.
والخُلَّة (بضم الخاء وتُجمع على خِلال) تعني الصداقة والمحبة التي تخلّلت القلبَ فصارت خِلالَهُ، أي في داخله. يُقال: بين الرَّجُلين خُلّة لأنَّ كلَّ واحد منهما يسدُّ خللَ صاحبه في المودة والحاجة. والخُلّة الصديق (يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع). وخُلَّةُ الإنسان أهل مودته. ومنهُ قولُهُ تعالَى: "يا أيُّها الذين آمنوا أنفِقوا مِمّا رزقناكُمْ مِن قَبْلِ أنْ يأتيَ يومٌ لا بيعٌ فيهِ ولا خُلَّةٌ ولا شَفاعةٌ" (البقرة: ٢٥٤)؛ وقولُهُ أيضًا :"قُلْ لعِباديَ الذين آمنوا يُقيموا الصلاةَ ويُنْفقوا ممّا رزقناهمُ سِرّاً وعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أنْ يأتيَ يومٌ لا بَيْعٌ فيه ولا خِلال" (إبراهيم: ٣١).
والخِلَّة (بكسر الخاء وتُجمَع على خُلَل) تعني بقية الطعام بين الأسنان وتُسمَّى أيضاً الخُلالة. وإنما سُمّيت بذلك لأنها تدخل في كلّ فُرْجة بين سِنّين. ويُقال: تَخَلّلَ فلانٌ بعد الأكل: أَخرجَ ما بين أسنانه من بقية الطعام.
٣٧. الجملة الاعتراضية
الجملة الاعتراضية هي جملة لا محلَّ لها من الإعراب تعترض بين شيئين متلازمين لتأكيد الكلام، أو توضيحه، أو تحسينه، وتكون ذات علاقة معنوية في الكلام الذي اعترضتْ بين جُزْأَيْه. وتقعُ الجملة الاعتراضية في مَواضِعَ عديدةٍ منها:
١- بين المبتدأ والخبر، نحوَ: رؤساؤُنا-أخزاهُمُ اللهُ- آخِرُ مَن يسهرُ على مصالح الأُمّة.
٢- بين الفعل والفاعل، نحوَ: "اجْتازَ - والحقَّ أقولُ- أخي عُمَرُ امتحانَ الدولة في موضوع الطب".
٣- بين الصّفة والموصوف، نحوَ قولِهِ تعالَى: "وإنّهُ لَقَسَمٌ- لوْ تعلمونَ- عظيمٌ" (الواقعة: ٧٦).
٤- بين الشرط وجوابه، كما في قولِهِ تعالَى: "فإنْ لمْ تفعلوا -ولنْ تفعلوا- فاتقوا النارَ التي وَقودُها الناسُ والحِجارةُ أُعِدَّتْ للكافرين" (البقرة: ٢٤)؛ وقولِ زُهير بن أبي سلمى:
سَئِمتُ تَكاليفَ الحياةِ ومَنْ يَعِشْ
ثمانينَ حَوْلًا- لا أبا لَكَ- يَسْأَمِ
٥- بين القَسَم وجوابه، نحوَ قول الخنساء:
لَعَمْري -وما عَمْري عليَّ بِهَيِّنٍ-
لَنِعْمَ الفَتَى أَرْدَيْتُمُ آلَ خَثْعَما
٦- بين اسم الموصول وصلته، نحوَ:
"هذا الذي -واللهِ- سَرَقَ مِحْفَظتي".
٧- بينَ "سَوْفَ" والفعل المضارع الذي يليه، نحوَ قول زُهير بن أبي سلمى:
وما أدري وسوفَ -إخالُ - أدري
أقومٌ آلُ حِصْنٍ أَمْ نِساءُ
٨- بين جملتين كما في قوله تعالى: "ويجعلونَ لِلّهِ البناتِ -سُبحانَهُ- ولَهُمْ ما يشتهون" (النحل: ٥٧).
٣٨. الفرق بين كلمة "مَيْت" وكلمة "مَيِّت"
كلمة "مَيْت" (بتسكين الياء غير المُشدَّدة) تستعمَل لِمَنْ ماتَ فِعْلًا. ومن الأمثله على ورودها في القرآن الكريم قولُهُ تعالَى: " أوَمَنْ كان مَيْتًا فأحْيَيْناهُ وجعلنا لهُ نورًا يمشي بهِ في الناس" (الأنعام: ١٢٢)؛ وقولُهُ تعالَى: "أيُحِبُّ أحدُكُمْ أنْ يأكُلَ لحمَ أَخيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُموهُ" (الحُجُرات: ١٢)؛ وقولُهُ تعالَى: "حُرِّمَتْ عليكُم المَيْتَةُ والدَّمُ ولحمُ الخِنْزيرِ وما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بهِ" (المائدة: ٣).
أمّا كلمة "مَيِّت" (بكسر الياء المُشدَّدة) فتُستعمل لِمَن ماتَ فعلًا ولِمَن هُوَ صائرٌ إلى الموت المحتوم كما في قولِهِ تعالَى: "إنّكَ مَيّتٌ وإنَّهُمْ مَيِّتون" (الزُّمَر: ٣٠)، وقولِهِ تعالَى: "ثُمَّ إنّكُمْ بعدَ ذلكَ لَمَيِّتون" (المؤمنون: ١٥).
ويتضمن بيت الشِّعر التالي لصالح بن عبد القُدّوس (ويُرْوَى لِعَدِيّ بن الرَّعْلاء الغسّاني)
المعنيين كليهما:
ليسَ مَنْ ماتَ فَاسْتَراحَ بِمَيْتٍ
إنّما المَيْتُ مَيِّتُ الأحياءِ
٣٩. الفرق بين الوَقْر والوِقْر
الوَقْرُ (بفتح الواو) هو الصممُ أو الثِّقَل الكبير في السَّمع. ومنه قولُهُ تعالى: "وقالوا قلوبُنا في أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعونا إليهِ وفي آذانِنا وَقْرٌ" (فُصِّلت: ٥).
والوِقْر (بكَسْر الواو) هو الحِمْلُ الثقيل. قال تعالَى: "والذّارياتِ ذَرْوًا فالحامِلاتِ وِقْرًا (الذاريات: ٢). والذاريات هي الرياح التي تَذرو، أي تُفَرِّقُ، الترابَ وغيرَهُ، والحاملات وِقْرا هي السُّحُبُ الثِّقال التي تَحْمِلُ الأمطار.
٤٠. الأنف في لغة العرب
الأَنْفُ- العضو الأبرز في وجه الإنسان-هو في لغة العرب رمزُ العِزّة والإباء والكبرياء. ولأهمية الأنف اشتقت العرب منهُ كلمةَ الأَنَف والأَنَفَة وتعني الإستعلاء والترفُّع عن الدنايا وكل ما يمسُّ كرامةَ الإنسان.
تقول العرب في أمثالها: "كُلُّ شيءٍ أخطأَ الأنْفَ جَلَل" ويرادُ بهذا المثل أنّ كلّ شيء هَيِّنٌ ويسيرٌ ما لم تُمْسَسْ كرامةُ الإنسان. وكلمة "جَلَل" في لغتنا هي من الأضداد وتعني الأمر العظيم الخطير والأمرالهيّن الذي لا خَطَرَ له ولا أهمية.
وجدْعُ الأنف لغةً معناه قَطْعُهُ واصطلاحاً إذلالُ صاحِبِه وإخْزاؤُهُ. يقول الشاعرالأمويّ جرير في ثلاثة شعراء من معاصريه كانوا يُهاجونه، وهم الفرزدق والبَعِيث والأخطل:
١- أعْدَدتُ للشعراءِ سُمّاً ناقِعاً
فَسَقَيْتُ آخِرَهمْ بكأسِ الأوّلِ
٢- لمّا وضعتُ على الفرزدقِ مِيسَمي
وضَغا البعيثُ جدعتُ أنفَ الأخطلِ
المِيسَم هي الآلة التي تُكْوَى بها الدواب وتترك فيها علامةً تُعرَفُ بها، وضغا أي صاحَ وصَوّتَ متصاغراً مُتذلِّلاً.
ونقول: فعلَ الأمرَ رغمَ أنْفِ فُلان، أي وأنفُهُ في الرَّغام وهو التراب بمعنى فَعَلَهُ على كُرْهٍ منه. ونقول أيضاً: رَغِمَ أنفُ فلان، أيّ لصِقَ بالتراب وانقادَ للأمر وهو كارهٌ له. وفي الحديث الشريف: "وإنْ رَغِمَ أنْفُ أبي الدَّرْداء".
يقول أبو الطيب المتنبي في استرداد سيف الدولة الحمداني قلعةَ "الحدث الحمراء" وانتزاعها من أيدي الروم:
طريدةُ دَهْرٍ ساقَها فَرَدَدْتَها
على الدِّينِ بالخَطّيِّ والدهرُ راغِمُ
أي رغمَ أنفِ الدهر.
٤١. الأزَل والأبَد والسَّرْمَد
الأزلُ ما لا نهايةَ لهُ في أوّلُه، أي لا يُعْرَفُ وقتُ بَدْئه.
والأبدُ هو ما لا نهاية له في آخره.
والسَّرْمَدُ ما لا أوَّلَ لهُ ولا آخِر، وهذا الوصف الأخير مقصورٌ على واجبِ الوجود-الله جلَّ جلالُهُ- لأنّه لا يَحُدُّهُ زمانٌ ولا مكان.
٤٢. معنى كلمة خُنْفُشاريّ
لا أصلَ لكلمة "خُنْفُشاريّ" في المعاجم اللغوية، ولكن لها قصة طريفة رواها المَقَّري التِّلِمْساني في مُصَنَّفه المسمَى "نَفْحُ الطِّيب مِن غُصْنِ الأندلسِ الرطيب" وغيرُهُ من الكُتّاب.
والمقصودُ بلفظة " خُنْفُشاريّ" كلُّ شخصٍ مُتَعالِم على غيره يَدَّعي الفهم والمعرفةَ في كُلّ شيء، فلا يُسأَلُ عن أيِّ شيء إلّا ويُجِيبُ عنه.
وقصةُ هذه الكلمة هي أنه كان هناك شيخٌ مُتعالِمٌ لمْ يَكُنْ يُسألُ عن مسألةٍ لُغويةٍ إلّا ويُورِدُ لها على الفور الشواهدَ من الشِّعْرِ والنثرِ، فارْتابَ في أمْرِهِ تلاميذُهُ، وكانوا سِتَّةً، وقرَّروا اختبارَهُ، فاتَّفقوا أنْ يَخْتَرِعوا كلمةً لا أصلَ لها البتَّةَ في اللغة ويسألوهُ عنها لِيَرَوْا إنْ كان صادقاً أو كاذباً. اقترحَ كلُّ واحِدٍ منهم حَرْفاً من حروف الهجاء، ورَكّبوا من هذه الحروف كلمة " خُنْفُشار"، ثُمّ انطلقوا إلى شيخهم وسألوهُ عن معناها، فأجابَهُمْ على الفور، قائلاً:
"الخنفشار نباتٌ طيّب الرائحة ينبُتُ بأرضِ اليمن، وهو يُدِرُّ اللبنَ ويَعْقِدُ الحليبَ، وقد قالَ فيه الشاعرُ:
لقدْ عَقَدتْ مودَّتُكُمْ فؤادي
كما عَقَدَ الحليبَ الخُنْفُشارُ ".
فقال التلاميذُ: واللهِ ما نَدْري أنَعْجَبُ مِنْ تَعالُمِهِ أَمْ من ذَكائهِ وسُرْعةِ بديهته.
٤٣. من الأمثال العربية القديمة
١- عندَ الرِّهان تُعْرَفُ السوابق
الرِّهان هو السباق على الخيل وغيرها. ومنه المثل "هما كَفَرَسَيْ رِهان" للمتساوِيَيْنِ في الفضل وغيره. معناه: أنّ الاختبار هو المعيار الأوحد للتثبُّت من صحّة الدعاوى العريضة ومعرفة الحقائق.
٢- مَقْتَلُ الرَّجُلِ بينَ فَكّيْهِ
معناه: إذا أطلقَ الإنسانُ لسانَهُ في ما لا ينبغي قَتَلَهُ. يُضرَبُ في التحذير من مَخاطر اللسان.
٣- ما كُلُّ بيضاءَ شَحْمَة ولا كُلُّ سوداءَ تمرة
يُضْرَبُ في التحذير من المظاهر الخدّاعة.
٤- زادَ ضِغْثاً على إبّالة
الضِّغْث هي القبضة من الحشيش، والإبّالة هي الحُزْمة من الحشيش والحطب. ومعناه كمعنى المثل القائل: "زادَ الطّينَ بِلَّةً". يُضرَبُ لِمَن يَزيدُ الأمورَ سوءاً أو فساداً.
٥- كُلُّ شيءٍ أخْطَأَ الأنفَ جَلَل
الجَلَل هو الشيء الكبير الخطير والصغير الحقير، وهو لفظٌ من الأضداد. معناه: كلُّ شيء لمْ يَمْسَسْ عِزّةَ المرءِ وكرامتَهُ هَيِّنٌ لا خَطَرَ له.
٦- مِنْ مأْمَنِهِ يُؤْتَى الحَذِرُ
معناه: أنّ الحَذرَ لا يدفعُ المقدورَ عن صاحبه.
٧- زُرْ غِبّاً تَزْدَدْ حُبّاً
غَبَّ في الزيارة غِبّاً أي زار يوماً وترَكَ يوماً، أو زار في الحينِ بعدَ الحين. يُضرَبُ في حَثِّ المرء على الإقلال من الزيارات حتّى لا يَمَلَّهُ الناسُ.
٤٤. عبارات إصطلاحية في اللغة العربية
١- لا يُشَقُّ لهُ غُبار أو لا يُشَقُّ غبارُه: عبارة معناها لا يُلَحق أو لا يُسبَق، وكان يُستخدم للفارس الذي لا يستطيع أحد أن يدركه أو يسبقه ويشق الغبار الذي يُثيره فرسُه وراءه. أما مجازاً فالتعبير يُستخدم لوصف الشخص الذي لا يُدانيه أحد، المتفوّق على أقرانه. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدة له عن نكبة دمشق:
بَنيتِ الدولةَ الكبرى ومُلكاً
غُبارُ حضارتَيْهِ لا يُشَقُّ
ويقصد شوقي بذلك الدولة الأموية في سوريا وفي الأندلس.
٢ - لا تُقْرَعُ له العصا: عبارة تُستخدم للرجل المحنّك المُجرِّب. وأصله أنه لمّا هَرِمَ عامر بن ظرب العدواني وضعُفَ عقلُه، وكان قاضياً من قضاة الطائف وحُنفاء العرب وأئمتهم الذين كان الناس يتحاكمون إليهم وله أحكام فقهية أقرّها الإسلام كتحريم أكل الميتة والزنا والخمر، قال لابنته: إذا أنكرتِ من عقلي شيئاً عند الحُكْم فاقْرَعي لي الترسَ بالعصا لأنتبهَ، فكانت تفعل ذلك معه.
٣ - قَلبَ لهُ ظهرَ المِجَنّ: عاداه وتَنَكَّرَ له بعد مَوَدَّة. والمِجَنُّ والمِجَنَّة: التُّرْس. يقول أبو العتاهية عن الدنيا الفانية:
ولوْ أنّي صَدَقْتُ الزُّهدَ فيها
قَلبْتُ لأهلِها ظهرَ المِجَنِّ
٤ - بينَ سَمْعِ الأرضِ وبَصَرِها: عبارة تُستخدم لمن يكون في أرض بعيدة منقطعة لا يَسمَعُ فيها كلامَهُ أحدٌ ولا يراه أحدٌ.
٥ - تَقطّعتْ بهم الأسباب: أعيتهم الحِيَل وأصبحوا عاجزين عن فعل أي شيء. والأسباب جمع سبب وهو الحَبْل أو الوسيلة أو كل شيء يُتَوَصَّلُ به إلى غيره. قال تعالى: "إذْ تَبرَّأ الذين اتُّبِعوا منَ الذين اتَّبَعوا ورأوا العذابَ وتقطّعتْ بهمُ الأسباب" (البقرة: ١٦٦).
٦ - بَلَغَ السيْلُ الزُّبَى: يُضرَب للأمر إذا بلغَ غايتَه في الشدة وجاوزَ الحدَّ. وهذه العبارة هي بمعنى طفحَ الكيلُ. والزُّبَى مفردها الزُّبْية وهي الرابية لا يعلوها الماء.
٧ - ذهبَ كأَمسِ الدابر: ذهب أو اختفَى دون أن يتركَ أثراً وراءه. والدابر اسم فاعل من الفعل دَبَرَ . نقول دبرَ الشيءُ أي ذهبَ وولَّى، ودبرَ الشخصُ هلكَ.
٨- دُونَهُ خَرْطُ القَتاد: مثلٌ يُضرَبُ للشيء لا يُنالُ إلّا بِشِقِّ الأنْفُس. والقتاد نبات صلب له شوك كالإبر ومنه يُستخرجُ أجودُ الصمغ.
٩ - لا فُضّ فوك: دعاء لمن تكلمَّ فأجادَ. أما معناها الحرفي فهو لا تَفرّقتْ ولا تكسَّرتْ أسنانك. ومثلها في المعنى عبارة " لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ". ويُرْوَى أن النابغة الجَعْديّ لمّا أنشدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قصيدته الرائيّة وانتهى إلى قوله:
بلغنا السماءَ مجدُنا وسناؤُنا
وإنّا لَنرجو فوقَ ذلكَ مَظْهرا
قال له النبي: إلى أينَ يا أبا ليلى؟ فقال النابغة: إلى الجنّةَ يا رسولَ الله، فقال له النبي: "لا يَفْضُضِ اللهُ فاكَ". أما عبارة "فَضَّ اللهُ فاكَ" فهي دعاء على الشخص بأن تذهبَ أسنانُه وتتكسّرَ.
٤٥. أفعل وفعلاء
إذا كان "أَفْعَل" الذي مؤنَّثُهُ "فَعْلاء" صِفَةً جُمِعَ المذكر على وزن "فُعْل" والمؤنث كذلك على وزن "فُعْل"، وغالباً أيضاً وليس دائماً، على وزن "فَعْلاوات"، فنقول رِجالٌ سُودٌ ونِساءٌ سُودٌ (وسَوْداوات)، ورجالٌ زُرْقُ العيون ونساءٌ زُرْقُ (وزَرْقاوات ) العيون، وحقولٌ خُضْرٌ وحدائقُ خُضْرٌ (وخَضْراوات).
أما "فَعْلاء" التي ليس مُذَكَّرُها "أفعل" المُتَمَكِّن في الصفة فَتُجمعُ على "فَعْلاوات" أو "فَعالَى" نحوَ: عَذْراء وتُجمَعُ على عَذراوات وعَذارَى، وصَحراء وتُجمَعُ على صَحْراوات وصَحارَى. وأمّا "أفعل" الذي ليس بمُتَمَكِّن في الصفة نحوَ "الأصْغَر" و"الأكبر" فإنّهُ يُجْمَعُ على "أفاعِل" (أي أصاغِر وأكابر) لأنّنا لا نقول: "رجلٌ أصغر" ولا "رجُلٌ أكبر" كما نقول: "رجل أشقر" أو "رجلٌ أعْوَر" . ويصحُّ أيضاً أن يُجمَعَ أصغر وأكبر جمعَ مذكّرٍ سالماً فنقول: "الأصْغَرونَ والأكْبَرونَ".
٤٦. الكناية في اللغة
الكناية عن الشيءِ هي الدلالة عليه من غير تصريحٍ باسْمِهِ، وهي أن يريد المتكلمُ إثبات معنى من المعاني فلا يَذْكُرُه باللفظ الصريح الموضوع له في اللغة، ولكنْ يَعْمَدُ إلى معنى هو رديفُهُ ويجعلهُ دليلاً عليه.
وقد اشتمل القرآنُ الكريم ومنثورُ كلام ِالعرب ومنظومُهم على الكثير من الكنايات. فمن كنايات القرآن الكريم اللطيفة قوله تعالى: "أو لامَسْتُمُ النساءَ"(المائدة: ٦، والنساء: ٤٣) كنايةً عن الجِماع، وقوله تعالى: "فيهنَّ قاصراتُ الطَّرْف" (الرحمن: ٥٦) كنايةً عن العَفاف لأنَّ المرأة إذا عَفّتْ قَصَرَتْ نَظَرَها على زوجها ولم تنظر إلى رَجُلٍ غيرِه، وقوله تعالى: "إنّ هذا أخي له تِسْعٌ وتسعونَ نعجةً ولي نعجةٌ واحدةٌ" (ص: ٢٣) حيثُ كُنِّيَ عن المرأة بالنعجة.
ومن الأمثلة على كنايات العرب قولهم: "فلانٌ كثيرُ الرماد" كنايةً عن كَرَمِهِ، و" فلانٌ طويلُ النِّجاد" كنايةً عن طُولِ قامته" لأنّ النجاد معناها حمائل السيف"، وقولهم:"فلان طويلُ الذيل" كنايةً عن غِناهُ، أو "فلانٌ عفيفُ الإزار أو المِئْزَرِ" كنايةً عن عِفَّته عَمّا يَحْرُم عليه من النساء. وكَنَّتِ العربُ عن المرأة المَصونة أو الصافية الرقيقة بِبَيْضَةِ الخِدْر كقول امرئ القيس:
وبيضةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِباؤُها
تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بها غَيْرَ مُعْجَلِ
ومن الكنايات عن طُولِ العُنُق وجمالِه قولُهُم: "فلانةٌ بعيدةُ مَهْوَى القُرْطِ". يقول عمر بن أبي ربيعة في إحدى قصائده الغزلية:
بعيدةُ مَهْوَى القُرْطِ إمّا لَنَوْفَلٌ
أبوها وإمّا عبدُ شمسٍ وهاشمُ
ويقول أحد الأعراب:
أكلتُ دَماً إنْ لمْ أَرُعْكِ بِضَرَّة
بعيدةِ مَهْوَى القُرْطِ طَيِّبةِ النَّشْرِ
ويقولُ أمير الشعراء أحمد شوقي:
يا ابْنةَ اليَمِّ ما أبوكِ بخيلٌ
ما لَهُ مُولَعاً بِمَنْعٍ وحَبْسِ
حيثُ كَنَّى عن السفينةِ بابْنةِ اليمّ وعن الجُود بكلمة اليَمّ وهو البحر.
٤٧. أصل كلمة " مَرْحَى"
مَرْحَى كلمةُ استحسانٍ أو تعجُّبٍ كانت العرب تقولها للرامي إذا أصابَ الهدف أو للخطيب إذا أصابَ في كلامه.
وإذا أخطأ الرامي الهدفَ أو جانبَ الخطيبَ الصوابُ كانوا يقولون له " بَرْحَى" وهي كلمة مشتقةً من البَرَح وهو الأذى الشديد.
أما في العربية المعاصرة فهي كلمة تقال عند الإجادة والإتقان استحساناً لقول أو فعل، كما تُستَعملُ بمعنى "أهلاً ومرحباً" كأنْ تقول: "مَرْحَى بالربيع".
٤٨. الفرق بين "المُخْلَص" و"المُخْلِص"
"المُخلَص" (بفتح اللام) تعني مَنْ أخلصهُ اللهُ، أي اخْتارَهُ واخْتَصَّه، لِعبادته وطاعته.
أمّا "المُخلِص" (بكسر اللام) فتعني مَنْ أخلص نفسَه لعبادة اللهِ وطاعته، أي أَصْفَى سريرتَه من الرِّياء والنِّفاق والشِّرْك.
ومن الأمثلة على استعمال هاتين المُفْردتين في القرآن الكريم قولُهُ تعالَى:
"كذلكَ لِنَصْرِفَ عنهُ السوءَ والفحشاءَ إنّهُ مِنْ عِبادِنا المُخْلَصين" (يوسف: ٢٤)؛ وقوله تعالَى: "وما أُمِروا إلّا لِيَعْبُدوا اللهَ مُخْلِصينَ لهُ الدِّينَ حُنَفاءَ" (البَيِّنة: ٥).
٤٩. أمَرَّ وأحْلَى
قال المُحقِّقون من أهل اللغة:
كُلُّ طعامٍ أو شَرابٍ فيه مَرارة أو حَلاوة يُقالُ فيه "مَرَّ يَمَرُّ " و"حَلا يَحْلو".
أمّا ما يكونُ مِن عيشٍ أو دهرٍ أو أيّ شيء آخر يَقْسو ويَلينُ فيُقالُ فيه "أَمَرَّ يُمِرُّ" و"أحْلَى يُحْلي".
قال أبو نواس:
فَتًى كُلّما نادَيْتُهُ لِمُلِمّةٍ
دَعوتُ مِثالاً لا يُمِرُّ ولا يُحْلي
(أي دعوتُ صنماً لا يَضُرُّ ولا يَنفَع)
وقال مُعاوية بن أبي سُفيان:
غَمزتَ قَناتي بعدَ ستّينَ حِجّةً
تِباعاً كَأنّي لا أُمِرُّ ولا أُحْلي
وقال آخر:
إذا ما العطايا لمْ تكنْ برمكيّةً
فتلكَ العطايا لا تُمِرُّ ولا تُحلي
٥٠. الأيادي الثلاث
قال يونُس بنُ حبيب النَّحوي: "الأيادي ثلاث: يدٌ بيضاء، ويدٌ خضراء، ويدٌ سوداء. فاليدُ البيضاء هي الابتداء بالمعروف، واليدُ الخضراء هي المكافأة على المعروف، واليدُ السوداء هي المَنُّ مع المعروف".
ومن أحسن ما قِيل في هذا الموضوع أنّه لا يتمُّ المعروف إلّا بثلاثة أمور: تصغيرُهُ وتَعْجيلُهُ وسَتْرُهُ، أيْ أن يكونَ المعروف في عينِ أو نَفْسِ باذلِهِ صغيراً، وأنْ يُعجّلَ في اتخاذه فلا يَتَلكَّأ، وأن لا يَذكُرَهُ لأحد من الناس.
يقول الله تعالى في الآية ٢٦٤ من سورة البقرة: "يا أيُّها الّذينَ آمَنوا لا تُبْطِلوا صَدَقاتِكُمْ بالمَنِّ والأذَى".
ومن أجمل ما قيل في هذا الصدد قولُ أحد الشعراء:
١- أفْسدتَ بِالمَنِّ ما أسْدَيْتَ من حَسَنٍ
ليسَ الكريمُ إذا أسْدَى بِمَنّانِ
٢- المَنُّ يَهدِمُ ما شَيَّدتَ من كَرَمٍ
هلْ يَرْغبُ الحُرُّ في هَدْمٍ لِبُنْيانِ
ويقول البُحْتُريّ:
فَكَمْ من يَدٍ بيضاءَ منكَ بِلا يَدٍ
ومن مِنَّةٍ زَهْراءَ منكَ بِلا مَنِّ
٥١. كلمات على وزن مَفْعَلَة
تُصاغُ الكلماتُ الدّالّة على الأماكن التي تكثُرُ فيها بعضُ الحيوانات أو الحشرات أو الأشجار أو النباتات أو غيرها من الأشياء على وزن "مَفْعَلَة". ومن الأمثلة على ذلك:
مَأْسَدة (أسود)، مَسْبَعَة (سِباع)، مَذْأبَة (ذئاب)، مَثْعَلة (ثعالب)، مَظْباة (ظِباء)، مَذَبَّة (ذُباب)، مَفْأرَة (فئران)، مَفْعاة (أفاعٍ)، مَقْصَبة (قَصَب)، مَبْقَلة (بَقْل)، مَقْثَأة (قثّاء)، مَكْلأة (كَلَأ)، مَتْفَحَة (تُفّاح)، مَتانة (تين)، مَلازة (لوز)، مَجازة (جَوْز)، مَرْمَنة (رُمّان)، مَحْصَبة (حصباء اي الحَصَى)، مَقْطَنة (قُطْن).
كما أنّ للمفردات التي تُصاغ على هذا الوزن معنىً آخرَ يَدُلُّ على سبب كثرة الشيء. ومن الأمثلة على ذلك:
مَضْيَعة، مَغْضَبة، مَسْخَطة، مَجْهَدة، مَفْسَدَة، مَلْهَبَة، مَدْعاة.
كأنْ نقول: "الكسَل مَدْعاةٌ للفشَل". وفي المثل العربي: "إذا كان الشُّغْلُ مَجْهدَة فإنّ الفَراغَ مَفْسَدة".
وجاء في وصيّة أُمامة بنت الحارث الشيباني لابنتها أُمّ إياس عشيّةَ زفافها إلى عمرو بن حجر أمير كندة: "وأمّا الخامسةُ والسادسةُ فالتَّعَهُّدُ لوقتِ طعامهِ والهدوءُ عندَ مَنامهِ، فإنّ الجوعَ مَلْهَبة وتنغيصُ النومِ مَغْضَبة".
٥٢. المُركَّبات الظَّرْفيّة والمُركَّبات الحاليّة
المُرَكَّب الظَّرفيّ هو ذاك الذي يتكوّن من ظرفين اثنين متجاورَيْن سواءٌ كانا ظَرْفَي زمان أو ظرفَي مكان، وعندئذٍ يُبْنَيانِ على فَتْحِ الجزأين، نحوَ: "أرَى جاري صَباحَ مساءَ"، و "عَمِلَ المؤلفُ ليلَ نهارَ على كتابِه الأخير"، و"أُكلِّمُهُ عن هذا الموضوعِ ظُهْرَ عَصْرَ"، و"جَلسَ مِن الرئيسِ في مكانٍ بَيْنَ بَيْنَ"، أي في مكان متوسِّط.
أمّا المُرَكَّبُ الحاليّ فهو ذاك الذي يتكوّنُ أيضا من كلمتين متجاورتين مبنيّتَيْن على فتحِ الجزأينِ وتكونان في محلّ نَصْب على الحال كما في الأمثلة التالية:
"تَفرَّقَ القومُ شَذَرَ مَذَرَ"، أيْ في كلّ جِهة، و"هو جاري بَيْتَ بَيْتَ"، أي بيتُهُ مُلاصقٌ لبيتي، و"كَلّمتُ الرّئيسَ وَجْهَ وَجْهَ"، أي وجهاً لوجهٍ، و"لَقِيتُ الولدَ المفقودَ صَحَرَ بَحَرَ"، أيْ في مكانٍ مكشوف لا شَجرَ فيه ولا ظِلّ.
٥٣. أحرف الاستفتاح
الاستفتاح هو استهلال الجملة بأحد حَرْفَي الاستفتاح وهما: "ألا" و"أَما" . أمّا الغرضُ من استعمال أحد هذين الحرفَيْن فهو تنبيهُ السامعِ إلى ما سيقولُهُ المتكلم وما يعتبرُه أمراً هامًّا وخطيراً يستحقُّ الانتباه.
ومن الأمثلة الكثيرة على ورود "ألا" في القرآن الكريم قولُهُ تعالى:
"ألا إنّ نصرَ قريب" (البقرة: ٢١٤)؛ "ألا إنَّ أولياءَ اللّهِ لا خوفٌ عليهِم ولا هُمْ يَحْزنون" (يونُس: ٦٢).
يقول شاعر المُعلّقات لَبِيد بن ربيعة:
ألا كُلُّ شيءٍ ما خَلا الّلهَ باطِلُ
وكُلُّ نَعيمٍ لا مَحالةَ زائلُ
ومن الأمثلة على ورود "أما" في الحديث الشريف قولُهُ صلّى الله عليه وسلَّم:
"أما واللّهِ إنّي لَأَتقاكم وأَخشاكُم للّه".
ومن الأمثلة على استعمال "أما" في الشعر القديم قولُ حاتم الطّائيّ:
أما والذي لا يَعْلمُ الغَيْبَ غَيْرُهُ
ويُحْيي العِظامَ البيضَ وهيَ رَميمُ
وقولُ أبي صخر الهُذَليّ:
أما والذي أبكَى وأضحكَ والذي
أماتَ وأحيا والذي أمرُهُ الأمرُ
٥٤. أحرف أو أدوات التحضيض
التحضيض في اللغة هو الحثُّ على فعل شيء والترغيب القويّ فيه . وأحرفُ التحضيض تتصدّرُ الكلامَ سواء تلاها فِعلٌ ظاهر أو اسمٌ ظاهر. وأشهرُ هذه الأحرف: هَلّا، لولا، لوما، أَلا، أما.
إذا تَلا أحدَ هذه الأحرف فعلٌ مضارع كان معناه الحضّ على فعل شيء ما. ولكن إذا تلاهُ فعلٌ ماضٍ أفاد معنى اللوم أو العتاب أو التوبيخ.
وإليكم أمثلة على استعمال هذه الأحرف:
هَلّا
هَلّا تقولُ كلمةَ حقّ تُنصِفُ بها المظلومَ.
هلّا لِسانَك تصونُ عن النَّميمة.
يقول عنترة بن شدّاد:
هَلّا سألتِ الخيلَ يا ابْنَةَ مالكٍ
إنْ كُنتِ جاهلةً بِما لمْ تَعْلمي
لولا
"فَلولا إنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينينَ تَرْجِعونَها إنْ كنتم صادقين" (الواقعة: ٨٦-٨٧).
"لولا إذْ سَمِعتُموهُ ظَنَّ المؤمنونَ والمُؤمناتُ بأنفسِهمْ خيراً وقالوا هذا إفكٌ مبين" (النور: ١٢).
لوما
"لَوْما تَأتِينا بالمَلائكةِ إنْ كنتَ مِنَ الصّادقين" (الحِجر: ٧).
ألا
"ألا تُقاتِلونَ قوماً نَكَثوا أيْمانَهُم وهَمّوا بِإخراجِ الرّسول" (التوبة: ١٣).
يقول أحد الشعراء:
يا ابْنَ الكِرامِ ألا تدنو فَتُبْصرَ ما
قَدْ حَدّثوكَ فَما راءٍ كَمَن سَمِعا
أَما
يقول أحد الشعراء:
أما تُضيفُ إلى ما أَسديْتَ مِن نِعَمٍ
فَضْلَ المَعونةِ في اللَّأْواءِ والمِحَنِ
(اللّأواء هي الشِّدّة).
٥٥. الفرق بين لفظَي "أحد" و"واحد" في المعنى والاستعمال
أحد وواحد لفظان كلاهما مشتق من الجذر الثلاثي (و ح د) يشتركان ويختلفان من وجوه عِدّة أبرزُها وأهمُّها ما يلي:
١- أحد صفة من صفات الله استأثر بها لا يُشركهُ فيها مخلوق، ولا يوصَفُ بالأحدية شيءٌ غيرُ اللّه. بيّنَ اللّهُ تعالى ذلك في سورة الإخلاص مُخاطبًا نبيَّه الخاتم: "قُلْ هوَ اللّهُ أحَد اللّهُ الصَّمَد لمْ يَلِدْ ولمْ يُولَدْ ولمْ يكنْ لهُ كُفُوًا أحَد". ومعنى هذه السورة أن الله تعالى لا يماثله أحدٌ أو شيءٌ من مخلوقاته: لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله. وبالإضافة إلى ذلك، وصفَ الله تعالَى ذاته العَليَّة بلفظ "واحد" معرَّفًا وغيرَ مُعرَّفٍ في آيات كثيرة من القرآن الكريم فقال: "لِمَنِ المُلْكُ اليومَ لِلّهِ الواحدِ القَهّار" (غافر: ١٦)؛ "وإلهكُمْ إلهٌ واحدٌ لا إلهَ إلّا هُوَ الرحمنُ الرّحيم" (البقرة: ١٦٣).
٢- أحد لفظٌ أعمُّ وأشمَلُ من لفظ واحد. فإذا قلتَ: "فلانٌ لا يَقْوَى عليه واحدٌ" جاز لكَ أن تستدرك فتقول: "بل اثْنانِ فأكثرُ"، بخِلاف قولك: "لا يقوَى عليه أحدٌ" فلا يجوز بعدَها أن تستدرك فتقول: "بل اثنان فأكثر".
٣- يُستعمل لفظ واحد لمُفْتَتَحِ العدد فنقول: واحد وإثنان وثلاثة. أمّا لفظ أحد فينقطع معه العدد فلا يُقال: أحد إثنان ثلاثة. فالأحد، بخلاف الواحد، لا يدخل في العمليات الحسابية كالجمع والطرح والضرب والقسمة.
٤- أحد، بخلاف الواحد، لفظٌ يستوي فيه المذكّر والمؤنث كما يتضح من قولِهِ تعالَى: "يا نساءَ النبيِّ لستُنَّ گأحدٍ مِنَ النِّساءِ" (الأحزاب: ٣٢)، فلا يُقال كواحد من النساء، بل كواحدة من النساء.
٥- لفظ أحد مخصوص بالآدميّين ومنحصرٌ فيهم دُونَ سائر المخلوقات من الحيوانات والوحوش والطيور وما شابههم. فإذا قلنا: "ليس في الدار أحد" فالمقصود من بَنِي البشر حصرًا.
٦- يُستعمل لفظُ أحد في الجُملة الشرطية وجُملة النَّفْي كما في قولِهِ تعالَى: " وإنْ أحدٌ مِنَ الُمشركينَ اسْتَجارَكَ فأَجِرْهُ حَتَّى يسمعَ كلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ" (التوبة: ٦)؛ "ولمْ يَكُن لهُ كُفُوًا أحد" (الإخلاص: ٤)؛ "أيحسَبُ أن لن يَقْدِرَ عليهِ أحَد" (البلد: ٥). كما يُستعمل أحد، بخلاف واحد، مُضافًا كما في قولِهِ تعالَى: "أَيُحبُّ أحدُكُمْ أن يأكلَ لحمَ أخيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُموهُ" (الحُجُرات: ١٢). نقول: "وصَلَ أحدُ الشعراء"، ولا نقول: "وَصلَ واحدُ الشعراءِ" إلّا إذا قصدنا بذلك أنّه لا يُدانيه ولا يُجاريه شاعرٌ آخر. ولذلك يجوز أن نقول بهذا المعنى: "كان المتنبي واحدَ عصره".
٧- إذا استعمل لفظُ أحد بصيغة النَّفْي قُصِدَ به استغراق الجنس واستوى فيه المذكّر والمؤنث والمفرد والجمع. نقول: "ما في القاعة أحدٌ"، ولا نقول في الإثبات: "في القاعة أحد". ونقول: "ما رأيتُ مِنْ أحدٍ في الدار"، ولا نقول"رأيتُ مِنْ أحدٍ في الدار".
٨- في العدد المركَّب نقول: "أَحَدَ عَشَرَ" للمذكّر و"إحْدَى عَشْرَةَ" للمؤنث، ولا نقول: "واحد عَشَرَ وواحدة عشرة"، بينما في العدد المعطوف نقول: "وَصلَ واحدٌ وخمسونَ زائرًا (لا أحدٌ وخمسون)؛ و"وصلتْ واحدةٌ (أو إحْدَى) وخمسونَ زائرةً.
٩- للفظِ "أحد" جمعٌ مِنْ لفظه وهو آحاد وأَحَدُون. أمّا لفظُ "واحد" فلا جمعَ له مِنْ لفظه فلا يُقال "واحدون".
هذه هي خُلاصة ما قاله علماءُ اللغة في مُطوَّلاتهم.
٥٦. الفَرْق بين حَرْفَي الجزم "لَمْ" و"لمّا"
لمْ ولمّا كلاهما حرفُ جزْم لنفي المضارع وقلبه ماضياً. أما الفرقُ بينهما في الاستعمال والمعنى فبيانُهُ كالآتي:
يتّصلُ نَفْيُ "لم" بزمن التَّكَلُّم نحوَ: "لَمْ يَلِدْ ولمْ يُولَد" (الإخلاص: ٣)، وقد ينقطعُ نفيُها كما في الآية الكريمة: "هلْ أتَى على الإنسانِ حينٌِ من الدهرِ لمْ يكنْ شيئاً مذكورا" (الإنسان: ١)، أي ثمَّ كان شيئاً مذكوراً.
وتدخلُ همزة الاستفهام عليها فتفيد التقرير والتوبيخ ويصير النفيُ إيجاباً كما في قوله تعالى: "أَلَمْ نَشرَحْ لكَ صَدْرَك" (الشرح: ١)، و"أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَليداً" (الشعراء: ١٨). وقد يُفصَلُ بالواو أو بالفاء بين همزة الاستفهام ولمْ نحوَ: "أوَلَمْ يَكْفِ بربِّكَ أنّهُ على كلِّ شيءٍ شهيد" (فُصِّلت: ٥٣)، و "أَفَلَمْ يَنظروا إلى السماءِ فوقَهُمْ كيفَ بَنَيْناها" (ق: ٦).
وتختصُّ "لم" بمصاحبة الشرط فيقال "إن لَمْ" و"لَوْ لَمْ" نحوَ: "فإن لَمْ تَفعلوا ولَن تفعلوا" (البقرة: ٢٤) و "لوْ لَمْ تأْتِ لَفاتَكَ الشيءُ الكثير".
أمّا "لَمّا" فتختصُّ بالمضارع فَتَجْزِمُهُ وتَنْفيهِ وتَقْلِبُهُ ماضياً شأنَ "لَمْ"، إلّا أنها تختلفُ عنها في جملة أمور منها:
١-أنَّ مَنْفِيَّها مستمرُّ النفي إلى زمن التكلُّم نحوَ: "قالتِ الأعرابُ آمنّا قُلْ لمْ تُؤْمِنوا ولكنْ قولوا أسْلَمْنا ولَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قلوبِكُمْ" (الحجرات: ١٤) وقول المُمَزَّق العَبْديّ:
فإنْ كنتُ مأكولاً فكُنْ أنتَ آكِلي
وإلّا فأَدْرِكْني ولَمّا أُمَزَّقِ
ومَنْفِيُّ "لمْ" يَحْتَمِلُ الاتصالَ بزمن التكلُّم نحو: "ولمْ أَكُنْ بدُعائِكَ ربِّ شَقِيّا" (مريم: ٤)، أي لم أكن شقياً في الماضي ويُحتَمَلُ ألّا أكون كذلك في الحاضر، كما أنّه يَحْتَمِلُ الانقطاعَ. ولهذا جازَ أن نقول: "لم يكن ثم كان" ولا يجوز أن نقول: "لمّا يكنْ ثم كانَ"، بل نقول: "لمّا يكُنْ وقد يكونُ".
٢-أنّها لا تقترنُ بأداة شرط فلا يصحُّ أن يقال "إنْ لمّا تَفعلْ" و "لَمْ" تقترنُ بها.
٣-أنّ مَنْفِيَّ "لمّا" لا يكون إلّا قريباً من زمن التكلُّم، ولا يُشتَرَطُ ذلك في منفيّ "لمْ". تقول: "لم يكن عندي بيت قبلَ سنة" ولا يجوز أن تقول: "لمّا يكُنْ عندي بيت قبل سنة".
٤-أنّ مَنْفِيَّ "لمّا" مُتَوَقَّعٌ حدوثُه على عكس مَنْفِيّ "لمْ". فمعنى قولُه تعالى "بلْ لَمّا يَذوقوا عذابِ" (ص: ٨) هو أنّهم لم يذوقوه حتى الآن وأنّه من المتوقع أن يذوقوه في المستقبل.
٥-أنّ مَنْفِيَّ "لمّا" يجوزُ حَذْفُهُ لِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عليه. نقول مثلاً: "كادَ الولدُ يَغْرَقُ ولمّا"، أي ولكنه لم يَغْرَقْ"، ولا يجوزُ أنْ نقول: "وصلَ إلى البيت ولَمْ" نريد بذلك أنه ولم يدخُلْه.
٥٧. في صفة أو درجة بعض الألوان
١-أحمرُ قانٍ أو قانِئ: شديدُ الحُمرة.
قَنَا اللونُ يَقْنو قُنُوّاً، وقَنَأَ يَقْنَأُ قُنُوءاً، أي اشتدّت حُمْرتُه. نقول مثلاً: قَنا لونُ الدمِ وقَنا لونُ الوردة.
٢-أبيضُ ناصِع: شديدُ البياض أو صافي البياض.
نَصَعَ اللونُ يَنْصَعُ نُصوعاً ونَصاعةً فهو ناصِع. وهذه الصفة وإن كانت في غير ذلك من الألوان إلّا أنها تغلبُ على البياض. يُقالُ أيضأ: نصعَ الأمرُ أي بانَ ووضحَ، ونَصَعَ الحقُّ أي انكشفَ وتَجَلَّى.
٣-أسودُ حالِك: شديد السواد.
سَوِدَ الشيءُ يَسْوَدُ سَوَداً أي صار لونُهُ كلونِ الفحم. والفعلُ من حالِك هو حَلَكَ يَحْلَكُ حَلَكاً وحُلْكَةً. نقول: ليلٌ حالِك وظلامٌ حالِك كما نقول ليلٌ دامِس وظلام دامِس.
٤-أصفرُ فاقِع: أي صافٍ.
فَقَعُ اللونُ فَقَعاً وفُقوعاً أي صَفا ولمعَ، ويَغْلِبُ في اللون الأصفر. "وفي القرآن الكريم: " إنّها بقرةٌ صَفراءُ فاقِعٌ لونُها" (البقرة: ٦٩).
٥- أخضرُ ناضِر: شديدُ الخُضرة مع لمعان.
نَضَرَ ينضُرُ نضورًا ونَضْرَةً أي كانَ ذا رَوْنَق وبَهْجة. يُقالُ: نَضرَ النباتُ ونضرَ اللونُ ونَضرَ الوجهُ. وفي القرآن الكريم: "وُجوهٌ يَومئذٍ ناضِرة إلى رَبِّها ناظِرة" (القيامة: ٢٢-٢٣) ؛ "تَعْرِفُ في وُجوهِهِمْ نَضْرةَ النَّعيم" (سورة المُطفِّفين: ٢٤) .
٥٨. في أسماء أوائل الأشياء
- شَرخُ الشَّبابِ ومَيْعَتُهُ ورَيْعانُهُ وعُنْفُوانُه وغُلَواؤُه: أوّلُهُ وفَوْرتُهُ.
- الوَسمِيُّ: أوّلُ مطرِ الربيع.
- النَّهْلُ: الشُّرب الأوَّل.
- الاستهلال: أوّلُ صِياحِ الطِّفل عند ولادته.
- سُلافَةُ كُلِّ شيءٍ عُصِرَ: أوّلُهُ وأفْضلُهُ.
- النَّبَط: أوّلُ ما يخرُج من ماءِ البئر عند حَفْرها.
- الوَخْط: أوّلُ الشَّيْب في سواد الشَّعر. يقول أحدُ الشعراء:
أَتَيْتُ الذي يَأْتي السَّفيهُ لِغِرَّتي
إلى أنْ عَلا وَخْطٌ مِنَ الشَّيبِ مَفْرِقي
(أتيتُ أي فعلتُ، والغِّرَّة أي الغَفْلة وقِلّة الفِطنة والتجرِبة)
- النَّشْوَة: أوّلُ السُّكْر.
- الغَسَقُ: أوّلُ اللّيل.
- اللِّبَأُ: أوّلُ اللبَن (أي الحليب) عند الوِلادة قبل أنْ يَرِقَّ.
بَشائرُ أو تَباشِير الصُّبح أو الزرع أو الثمر أو الزهر أو نحوَ ذلك: أوائلُهً.
- الباكورة: أوّلُ ما يَنضج أو يُدرَكُ من الثَّمَر. وتوسُّعاً أوَّلُ عملٍ أدبيّ أو فنّيّ لصاحبه.
- الطليعة من الجيش: مُقَدِّمتُه.
- صَدرُ كُلِّ شيء وغُرَّتُهُ: أوّلُهُ.