فهرس الموضوعات المتفرقة
١. المرأة في الإسلام وفي الأعراف الاجتماعية
٢. الرِّفْق
٣. الحَسَد
٤. لا للتقليد الأعمى، نعم للأصالة والعَراقة
٥. المعاناة وسِرُّ الإبداع والعبقرية
٦. مواد للتفكير
٧. سِحْرُ الكلمات
٨. من آفات مجتمعنا العربي في إسرائيل
٩. من الأقوال المأثورة للإمام علي كرّم اللهُ وجهَه
١٠. من فلسفة جبران خليل جبران
١١. الفيسبوك وما أدراكَ ما الفيسبوك؟
١٢. رحلةُ الأيام
١. المرأة في الإسلام وفي الأعراف الاجتماعية
بَنُونا بَنُو أبنائِنا وبناتُنا
بَنُوهُنَّ أبناءُ الرِّجالِ الأباعدِ
هذا البيت من الشعر العربي القديم- وهو من شواهد كُتُب النحو في تقديم الخبر على المبتدأ- من الأدلّة الواضحة على أن إقصاء المرأة قديمٌ قِدَمَ العرب في جاهليتهم. ولا يزال عدد كبير من الناس في القرن الحادي والعشرين يؤمن بصحة معنى هذا البيت ويُطبّق هذا المبدأ في حياته اليومية، بل ويُدافع عنه أشدَّ الدفاع. وتترتَّبُ على هذا الإقصاء أمورٌ عِدّة ليس أقلّها خطرًا وإثمًا حرمان المرأة من نصيبها الشرعي من ميراث أبيها أو بَخْسِ حقَّها من الإرث في أحسنِ الأحوال، وتهميش دورها في المجتمع، وتسفيه تصرفاتها وآرائها من قِبَل البعض. وينسَى أو يتناسَى الذين يؤمنون بهذه العقيدة الجاهلية قولَ الله عزّ وجلّ: "للرِّجالِ نصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالدانِ والأقربونَ وللنساءِ نصيبٌ مِمّا تركَ الوالدانِ والأقربونَ مِمّا قَلَّ منهُ أو كَثُرَ نصيبًا مفروضًا" (النساء: ٧) وقوله تعالى بعد ذلك في الآية ١١ من السورة نفسها: "يُوصيكُمُ اللهُ في أولادِكُمْ للذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ"؛ وقوله تعالى وإن كان موجَّهًا لليهود فهو ينطبق على المسلمين أيضا: "أَفَتُؤْمنون ببعضِ الكتابِ وتكفرونَ ببعضٍ فما جزاءُ مَن يفعلُ ذلكَ منكمْ إلّا خِزْيٌ في الحياةِ الدنيا ويومَ القيامةِ يُرَدُّونَ إلى أشدِّ العذابِ وما اللهُ بِغافلٍ عَمّا تَعْمَلون" (البقرة: ٨٥).
وهذا الموقف من المرأه لا سندَ لهُ من دِينٍ أو عقْلٍ أو منطق. والإسلامُ يُوجِبُ إبقاءَ نَسَبَ المرأةِ إلى أبيها حتى بعد زواجها. أما الذي ينسب المرأة المتزوجة لعائلة زوجها فهو الغرب المسيحي والأعراف الغربية. فخديجة زوجة النبي (صلعم) الأولى ظلّت تُعرَف بعد زواجها بخديجة بنت خُوَيلد، وأمُّ النبيّ (صلعم) ظلت تُعرف بعد زواجها بعبدالله والد النبيّ (صلعم) بآمنة بنت وهب، وعائشة بعد أن تزوّجها النبيّ (صلعم) ظلّت تُعرَف بعائشة بنت أبي بكر.
وحتّى لو نُسِبت المرأة المتزوجة في عصرنا هذا لعائلة الزوج لأسباب تقتضيها نُظُم الدول العصرية المدنية والإدارية أَتُلغي تلك النسبة صلةَ الدم والقرابة وما يترتّبُ عليها من حقوق وواجبات شرعية وغير شرعية؟ فأحفادُ الرجل من بناته كأحفاده من أبنائه سواءٌ بسواء. وقد ذَكرَ الله تعالى في الآية ٨٥ من سورة الأنعام أنّ من نسلِ إبراهيم عليه السلام عيسى ابن مريم الذي وُلد بكلمة من الله بلا أب بيولوجي.
وأخيرا فمن المعروف أن المرأة تعتز وتفخر بأهلها وهي في الغالب الأَعمّ أبرُّ بوالديها من إخوتها الذكور وأرحمُ وأحْنَى عليهما منهم. فأيُّ منطق وأيُّ فِكْر يُبرّرُ هذا التمييز المُجْحِف بين الذكور والإناث؟ إنّها التقاليد البالية والعقليات المُتحجرة والمعتقدات الفاسدة التي تأبَى أنْ تُنصف المرأة وتُعطيها حقّها، أُمًّا كانت أو بنتًا أو أختًا أو زوجةً، في كُلّ ما فَرَضهُ الله تعالى لها من حقوق في كتابه وما بيّنَهُ رسولُهُ الكريم في سُنَّته المُطهّرة.
٢. الرِّفْق
الرِّفقُ من أبرز سمات الهَدْي المحمّدي ومن أهمّ تعاليم الإسلام وإرشاداته وتوجيهاته الربّانية. والرفق هو اللطف في المعاملة ولِينُ الجانب والأناة والأخذ بالأسهل والأيسر في أمور الدين والدنيا. وهو عكسُ العنف والقسوة والفظاظة والتعسير والتشدُّد. والرفق مِفتاح كلّ خير إذ به يتحقق المطلوب ويحصل المنشود بأيسر الطرق وأنجعها. وللرفق فوائدُ جَمّة في إقبال الناس على دين الله وتأليف القلوب وتنمية روح المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع الواحد والأُسرة البشرية جمعاء. وتحقيقًا لهذه الفوائد حَضّ الله تعالى نبيَّه الكريم على دعوة الناس إلى دين الله باللين والكلمة الطيبة حيث قال: "ادْعُ إلى سبيلِ ربّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادِلْهُم بالتي هيَ أحسنُ إنَّ ربَّكَ هُوَ أعلمُ بِمَن ضَلَّ عن سبيله وهو أعلمُ بالمُهتدين"(النحل: ١٢٥). كما أرشدَ رسولَه الكريم إلى التحلّي بالرفق وحُسْن المعاملة فقال: "فَبِما رحمةٍ مِن اللهِ لِنتَ لَهُمْ ولوْ كنتَ فَظًّا غليظَ القلبِ لَانْفَضُّوا مِن حولِكَ فَاعْفُ عنهمْ واسْتَغْفرْ لَهُمْ وشاوِرْهُمْ في الأمر" (آل عِمْران: ١٥٩).
ومن مأثور الأحاديث الشريفة الكثيرة في هذا الباب قولُهُ صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ اللهَ يُحِبُّ الرفقَ في الأمرِ كُلِّه"؛ وقولُهُ: "إنّ الرفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلّا زانَهُ ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلّا شانَهُ".
والتيسير في الأمور الدينية والدنيوية من إرشادات القرآن الكريم الواضحة ومن توجيهات نبيّ الإسلام العديدة. يقول الله تعالَى في كتابه العزيز: "وما جَعَلَ عليكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" (الحَجّ: ٧٨)؛ و"يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ"(البقرة: ١٨٥).
ومن الأحاديث المشهورة في هذا الموضوع قولُهُ صلّى الله عليه وسلّم:
"إنَّ اللهَ يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كما يُحِبُّ أنْ تُؤْتَى عزائمُهُ" (والعزائم هي الأوامر والشرائع) وفي رواية أخرى"كما يَكرهُ أنْ تُؤْتَى معصيتُهُ".
وعن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت: "ما خُيِّرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم بينَ أمرَيْنِ إلّا أخذَ أيسرَهُما ما لمْ يَكُنْ إثمًا".
وها هُوَ الله تعالَى يَمُنُّ على المؤمنين بأن بَعثَ فيهم رسولًا حريصًا على عَدَمِ إعْناتهم والتضييق عليهم في أُمور الدِّين فيقول عَزَّ مِن قائل: "لقدْ جاءكُمْ رسولٌ مِنْ أنفُسِكُمْ عزيزٌ عليهِ ما عَنِتُّمْ حريصٌ عليكُمْ بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم" (التوبة: ١٢٨).
ما أحوجَنا اليومَ إذًا إلى استحضار هذه الإرشادات والتوجيهات الجليلة والعمل بمقتضاها تيسيرًا على عامّة النّاسِ وتأليفًا لقلوبهم.
٣. الحَسَد
الحسدُ سُمٌّ ناقِع تَنْفُثُهُ نفسٌ مريضةٌ في قلب الحسودِ فَيُلوِّثُ دَمَهُ، ويُحْرِقُ قلبَهُ، ويُمِرُّ حياتَهُ، ويُعكِّرُ مِزاجَهُ، ويُقِضُّ مَضْجَعَهُ، فلا يهدأُ له بالٌ ولا ترتاحُ له نفسٌ ولا تسكنُ له جوارح. هذا هو الثمن الباهظ الذي يدفعهُ كُلُّ مَنِ ابْتُليَ بهذا الداء العُضال وقانا اللهُ شَرَّهُ ووبالَهُ وسوءَ عاقبته. والحسدُ كالحُبّ لا يَخْفَى وإنْ حاولَ الحاسدُ إخفاءَهُ لأنّه يبدو جَلِيًّا في عيون الحاسدين ووجوهِهم وكلامهم.
فطوبَى لِمَنْ رَضِيَ بما قُسِمَ له في هذه الدنيا، وأحبَّ الخيرَ لهُ ولغيره من الناس، وبَرِئ قلبُهُ ونفسُهُ من هذا الداء ومِمّا يُلازِمُه من الضغائن والأحقاد والإِحَن والكراهية التي تُفْسدُ النفوسَ كما يُفْسِدُ الخَلُّ العسلَ.
ومن أنفع النصائح للتعامل مع هذا الداء الخبيث قولُ الشاعر العباسي ابن المُعتزّ:
اصبِرْ على حَسدِ الحسودِ
فإنّ صبرَكَ قاتِلُهْ
فالنارُ تأكُلُ بعضَها
إنْ لمْ تَجِدْ ما تأكُلُهْ
ويُرْوَى البيتان أيضا لأبي تمّام. وفي رواية أخرى " كَيْدِ الحسود" بدلًا من "حسدِ الحسود".
٤. لا للتقليد الأعمى، نعم للأصالة والعَراقة
أصبحنا لا نُحْسِنُ في هذا العصر الذي نعيش فيه إلّا تقليدَ الغربيين في أعيادهم ومناسباتهم، وفي أسماء أبنائهم وبناتهم، وفي زِيّهم ولباسهم، وفي طعامهم وشرابهم، وفي موسيقاهم، وفي أمور أخرى كثيرة.
ما أحوجَنا إلى أنْ نترسَّمَ خُطاهُم ونحذوَ حَذْوَهم في ما ينفعنا ويُهذّب تصرفاتِنا وأخلاقَنا وفي تعامُلِ بعضنا مع بعض! أينَ نحنُ من الغربيين في جدّيتهم، وإتقان عملهم، وصِدْقهم قولاً وفِعلاً، ورؤاهم وتخطيطاتهم المستقبلية، وتربية أولادهم، واحترامهم للتعددية بكافة أشكالها، ورُقِيِّهم في الخطاب والحوار مع من يخالفونهم في الرأي، ومراعاة مشاعر الآخرين، واهتمامهم بذوي الحاجات الخاصة في الأماكن العامة، وحرصهم على نظافة بيئتهم، وبُعْدِهِم عن التطفُّل والتدخل في ما لا يعنيهم من شؤون الغير وعن الغشّ والنفاق والمجاملات الزائفة والنميمة والغِيبة والحسد إلى غير ذلك من آفات مجتمعاتنا العربية الإسلامية التي لا ينكرها إلّا مُعاند أو مُكابِر.
علينا مواكبة ما يستجدُّ من تطورات في مختلف مناحي الحياة المعاصرة مع الحفاظ في الوقت نفسه على أصالة حضارتنا وعراقة تقاليدنا وهويتنا العربية والإسلامية التي ينبغي أن ترتكز على التسامح ونبذ التعصب والتزمُّت والعنف بكافة صُوره وأشكاله.
٥. المعاناة وسِرُّ الإبداع والعبقرية
الألمُ أشبهُ ما يكون بِأتونٍ تنصهرُ فيه مشاعرُنا وأفكارُنا فيضمحلُّ ويتلاشَى منها ما كان زَبَداً وخَبَثاً ويَبْقَى منها ما كانَ جوهراً أصيلاً. والألم هو الذي يُفجِّرُ يَنْبوعَ العاطفة والفكر والعبقرية والإبداع في مختلف الفنون والمجالات، ولا سِيَّما في الشعر والكتابة الخَلّاقة والموسيقى والرسم والفلسفة.
وعن الألم يقول جبران خليل جبران في كتابه الشهير المُسمَّى "النبيّ":
"إنّما الألمُ هو القشرةُ التي تُغَلِّفُ إدراكَكُمْ. وكما يتحتّمُ على النواةِ أنْ تنفلقَ كيما يبدو قلبُها للشمس كذلكَ يتحتّمُ عليكم أن تعرفوا الألمَ". ويقول في مكان آخر من هذا الكِتاب:
"أليسَ النايُ الذي يَشْجوكُمْ بألحانهِ عَيْنَ الخشبةِ التي حَفَرَت السكّينُ أحْشاءَها؟"
ويقول نزار قبّاني عن الألم:
يا شامُ إنّ جِراحي لا ضِفافَ لها
فامْسَحي عن جبيني الحُزنَ والتَّعَبا
أتيتُ مِنْ رَحِمِ الأحزانِ يا وطني
أقبّلُ الأرضَ والأبوابَ والشُّهُبا
ويقول أيضاً:
حَمَلْتُ شِعْري على ظهري فأتْعَبَني
ماذا مِنَ الشِّعْرِ يَبْقَى حِينَ يَرْتاحُ
٦. مواد للتفكير
في مُعْتَرَك الحياة المعاصرة الصاخبة التي تسير بخُطًى حَثيثة ويجري فيها الناس جَرْيَ الذئاب لكسب قوتهم وقوت عائلاتهم ويتهافتُ بعضُهم على الماديّات تهافُتَ الفراشِ على النور يندُرُ أن تجدَ منهم مَن يخلو إلى نفسه ولو سُوَيْعات ٍ من ليل أو نهار ليتأملَ ويتفكرَ في المسائل الوجودية والفلسفية والدينية الكبرى ويتوقفَ لحظات ليسأل نفسه:
هل العقل، وهو وسيلتُنا الوحيدة للتفكّر واكتساب المعرفة وفهم المسائل الفلسفية العويصة، قادرٌ على كشف الحقائق المطلقة وإيصالنا إلى ما يشبه اليقين؟ من أين جئتُ إلى هذا العالم؟ وأين كنتُ قبل أن أُخلَقَ؟ وما هي الغاية من وجودي على هذا الكوكب؟ وما الحكمةُ من حياة يتبعها موتٌ مُحقَّق؟ومن هو الله الذي خَلَقَ كلَّ شيء من العدم المَحْض؟ وكيفَ تُخلَقُ الأشياءُ من العدم بكلمة "كُنْ"؟ وماذا كان اللهُ يفعل وأينَ كان قبل خلق الكون وكل ما فيه من موجودات؟ وكيف تُفْهَمُ سرمديةُ الخالق بلا بداية له ولا نهاية؟ وأين مكانُ الروح من الجسد؟ وعلى أي هيئة وبأيّ شكل يُبعثُ الناسُ بعد الموت؟ وما معنى خلود الكفار والعصاة وأضرابهم في النار على أفعال أو جرائم ارتكبوها خلال حياة قصيرة عاشوها لا تُقاس بالأبدية؟ وإلى أين يَتّجه هذا الكونُ المُتمدِّد بِسُرَع تفوقُ الخيال؟ وما الحكمة من وجود كون تعجز عن تَصَوُّر حجمه وأبعاده حتى أكبرُ عقول علماء الفيزياء الفلكية؟ وهل هناكَ مخلوقات تُشبهنا على كواكبَ أخرى في مجرّتنا أو حتى في المجرات البعيدة جداً عنا، وهل يُجازَوْنَ مِثْلنا على أعمالهم؟
تلك هي بعضُ المسائل الفلسفية الكبرى التي كانت ولا تزال تُدَغْدغُ عقولَ العُلماء والفلاسفة والمُفكّرين ورجال الدين إلى يومنا هذا.
٧. سِحْرُ الكلمات
نحن شعبٌ يعيش على الكلمة، ويعشق الكلمة، وتَأسِرُهُ الكلمة، ويثور بالكلمة، ويتحمّس بالكلمة، ويناضل بالكلمة، ويُفَدّي وطنَهُ وزُعماءَهُ بالكلمة، ويُعينُ بالكلمة، ويتعاطف بالكلمة، ويتغنّى بالكلمة، ويُسَرُّ بالكلمة، ويَأْلَمُ بالكلمة.
كلماتٌ من فوقها كلماتٌ مِنْ فوقها شعارات، وعن أيْمانها هُتافات وعن شَمائلها نِداءات.
نُقاوِمُ ونقاتلُ ونحرّر أوطاناً بالكلمات، ونَنامُ ونَصْحو على الكلمات.
ما أعظمَ سِحْرَ الكلمات وما أشَدَّ وَقْعَها في نفوسنا!
لو كان للكلمات والشعارات كلُّ هذا الأثر النفْعي، أو لو كانت الكلمات تَكفينا، لكُنّا على غير ما نحن عليه اليوم من سوء الأحوال وتَرَدّيها، وضياع القيَم والمبادئ، وفساد الأخلاق، وسوء التربية، والتكالبُ على حُطام الدنيا، وقِلّة التراحُم والتَوادّ، وتفشّي العنف والقتل، والتباغض، والتحاسد، والاغتياب، والخوض في أعراض الناس والتدخُّل في أمورهم الشخصية وفي حياتهم الخاصة.
الأمم المتقدمة والمتحضرة التي سبقتنا أشواطاً في جميع مجالات الحياة لم تَكْتَفِ في إرساء نُظُمها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالنصوص الدينية والقانونية والتشريعية، وإنمّا بذلت كل الجهود واتخذت جميع الإجراءات اللازمة لإخراج تلك النصوص والمبادئ إلى حَيِّز التنفيذ، فنَعِمَ مواطنوها بالرخاء الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي، وبالحرية والديمقراطية، وبالعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وبجميع ما يتمنَّوْنُهُ في بلاد تحرصُ في المقام الأول على مصلحتهم وتطويرهم ونَمائهم ورفاههم وصحّتهم وأمْنهم.
أختمُ كلامي بهذه الآية الكريمة التي تلخّص فَحْوَى رسالتي:
"وقُلِ اعْمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ ورسولُهُ والمؤمنونَُ وسَتُرَدّونَ إلى عالِم ِالغَيْبِ والشّهادةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنتمْ تَعْمَلون" (التوبة، الآية ١٠٥).
٨. من آفات مجتمعنا العربي في إسرائيل
المُتتبع لأحوالنا ونمط حياتنا في هذا البلد تُزعجه أمورٌ كثيرةٌ وتصدمه ظواهرُ اجتماعية عديدة قَلّما نُشاهدها في سائر مجتمعات عالمنا المتحضر وحتى غير المتحضر. من جُمْلة هذه الأمور طريقة تنظيم الأعراس وطولها ونفقاتها الباهظة على جميع أفراد المجتمع وما يترتب على ذلك من إزعاج ومضايقات للناس.
وظاهرة العنف المستشري والمتزايد ينبغي أن تُقِضَّ مَضْجَعَ كل حريص على مصلحة مجتمعنا وأن تُلتَمس لها الحلول الكفيلة بالحد منها والقضاء عليها.
وسوء تربية الأجيال الناشئة من أخطر القضايا التي ينبغي أن تسترعي انتباهَ الآباء والأمهات والمُربّين والمعلمين ورجال الدين والمسؤولين، وأن يحرصوا على إيجاد الحلول المناسبة لها.
وقلة التسامح والتراحم والتوادّ، وانتشار التنافر والتحاسد والتباغض والغيرة والقطيعة حتى بين أبناء وبنات الأسرة الواحدة، وتقديم المصالح الفردية على المصالح العامة، والتمسك بقشور الدين دُونَ لُبابه وجوهره، والتكالب على عَرَضِ الدنيا الفانية كلها أمور خطيرة جديرة باهتمام كل غيورعلى تهذيب نفوس الناس وصلاح المجتمع وأفراده.
وأخيراً نحن شعب يُتْقِنُ فَنَّ التغنّي بشعارات رنّانة لا رصيدَ لها البتَّةَ من التطبيق على أرض الواقع. فكم من كاتبٍ، ومن خطيبٍ، ومن رجل دين، ومن رجل سياسة، ومن مُعلّم ينادي بأمور ويُطالبُ غَيْرَهُ بتطبيقها وهو أوّل من لا يعبأ بتطبيقها في حياته اليومية وفي تعامله مع أفراد أسرته ومع عامة الناس، فيكونُ حالُهُ كحال الذي يقولُ فيه الشاعر:
وغَيْرُ تَقِيٍّ يأمُرُ الناسَ بالتُّقَى
طبيبٌ يُداوي الناسَ وهوَ مَريضُ
وعِظَةُ الفمِ دُونَ العمل مسألةٌ غاية في الخطورة، وقد حذّرنا منها اللهُ تعالى في كتابه العزيز بقوله:
"يا أيُّها الذينَ آمنوا لِمَ تقولونَ ما لا تفعلون. كَبُرَ مَقْتاً عند اللهِ أن تقولوا ما لا تفعلون"(الصف: الآيتان ٢ و٣).
أصلحَ اللهُ أحوالَنا وهدانا سبيلَ الرشاد.
٩. من الأقوال المأثورة للإمام علي كرّم اللهُ وجهَه
١ - كُلُّ وِعاءٍ يَضيقُ بِما جُعِلَ فيه إلّا وِعاءَ العِلْمِ فإنّهُ يَتّسعُ به.
٢ - الصحةُ تاجٌ على رؤوس الأصِحّاء لا يراه إلّا المَرْضَى.
٣ - الغِنَى في الغُربة وطن، والفقرُ في الوطن غُربة.
٤- إذا أقبلت الدنيا على أحد أعارته محاسنَ غيره وإذا أدبرت سلبته محاسنَ نفسه.
٥ - ا لصبرُ صبران: صبرٌ على ما تكره وصبرٌ عمّا تُحِبّ.
٦ - أهلُ الدنيا كرَكْبٍ يُسارُ بهم وهم نيام.
٧ - الناسُ أبناءُ الدنيا ولا يُلامُ الرجلُ على حُب أُمّه.
٨ - دولةُ الباطلِ ساعة ودولةُ الحقّ إلى قيام الساعة.
٩ - مَن لانت كلمتُه وَجبت محبّتُه.
١٠ - ما أكثرَ العِبَر وأقلَّ الاعتبار!
١١ - صدرُ العاقل صندوقُ سرّه.
١٢ - في تقلب الأحوال علمُ جواهر الرجال.
(من كتاب نَهْج البلاغة)
١٠. من فلسفة جبران خليل جبران
١- أولادكم ليسوا بأولادكم، إنهم أبناءُ أشواق الحياة وبناتُها.
٢- كلما أمعن الحزنُ حَفْراً في كيانكم اتسع المجالُ فيكم للفرح. أليس النايُ الذي يشجوكم بألحانه عَيْنَ الخشبة التي حفرتِ السكينُ أحشاءَها؟
٣- إنكم لأشبهُ ما تكونون بين حزنكم وفرحكم بكفّتي ميزان. فلا تستوي الكفتان وتستقران في حالة واحدة إلا إذا كانتا فارغتين.
٤- الحياةُ لا يحصرها زمان. فليس أمس سوى ذكرى اليوم، والغدُ ليس سوى حلم اليوم.
٥- الحُبّ لا يَمْلِكُ ولا يُطيقُ أن يكونَ مملوكاً.
٦- العطاءُ حاجة من حاجات الثمرة مثلما الأخذُ حاجة من حاجات الجذر.
٧- آلامكم هي الدواء المر الذي يصفه الطبيب فيكم لأنفسكم المريضة.
(من كتاب "النبيّ" لجبران خليل جبران، ترجمة ميخائيل نُعيمة)
١١. الفيسبوك وما أدراكَ ما الفيسبوك؟
من الأمور اللافتة للنظر على الفيسبوك أنك تقرأ لكثير من الناس يومياً كلاماً مكروراً أو مُبْتَذلاً أو تافهاً مُفْرَغاً من أي مضمون لا يُقدِّم في حياتكَ شيئاً ولا يُؤخّر، ولا يُفيدك من قريب ولا من بعيد، يخلو من الفائدة والطرافة والجِدّة فترى اللايكات تنهالُ عليه انهيالاً، فَتَعْجَب من ذلك، ثُمّ لا يلبث أن يزولَ العجب ويُعْرَفُ السبب، فإذا المُعجَبُ به أُنثى تعرضُ عليك رأياً أو فلسفةً في الحياة لا فَضْلَ لها فيها إلّا النَّسخ الحرفيّ الأمين، أو فتاةٌ أخرى تستعرضُ مَفاتنَها وتُعرّي أجزاءً من جسدها الرخيص لتقتنصَ إعجابَ الشباب وتُشبِعَ غرورَها. ألهذا الحد بلغت بنا التفاهة وتبلُّد الحس وقلة التمييز بين الغثّ والسمين، وبين ما يستحق القراءة وما لا يستحق، وبين ما يُثْرينا وما يُهْدِرُ وقتَنا وطاقاتِنا؟
وفي المقابل، تقرأ بين الفَيْنةِ والفينةِ لبعض الأشخاص مُدوَّناتٍ ومنشوراتٍ جديّةً تُنيرُ الفكر، وتُثْري النفس، وتوسّع المَدارك وآفاق المعرفة فلا يتعدّى عددُ من يقرؤُها أو يُعلّق عليها أصابعَ اليد الواحدة.
الفيسبوك، أعزّائي القُرَّاء، لم يُخْلَقْ للكلام الفارغ والتُّرَّهات والثرثرة والمجاملات الزائفة، والتباهي على الناس، وإفْشاء أسرار البيوت، والمشادّات الكلامية، والمُقابَحات وما شابهَ ذلك.
ففي هذا العصر الذي نعيش فيه والذي يُلاحَظُ فيه عُزوفُ السواد الأعظم من الناس عن مُطالعة الكتب، ينبغي أن يكونَ الفيسبوك وسيلةً هامّة وفعّالة من وسائل نشر المعرفة والثقافة بمختلف أشكالها، وإيصال المعلومات المفيدة، والأخبار الطريفة، وتبادل التهاني في المناسبات السعيدة، وتكوين صداقات جديدة، وتبادل الآراء ووجهات النظر في أمور تهم الناسَ على الصعيد المحلي والقطري والعالمي.
١٢. رحلةُ الأيام
حياتُنا على هذه الأرض أشبهُ ما تكون برحلة قد تطولُ وقد تَقْصُرُ . خيرُ زادِها صِدقُ الإيمان، وتقوى الله، وصالح الأعمال، وسلامة القلوب، وصفاء النوايا، وحُبّ الخير للناس، والكلمة الطيبة، ومعاملة الناس بالحُسْنى، والرأفةُ بالعباد. فإذا تسلحتَ بهذه الأدوات هانت عليك مَشاقُّ السفر، ووعورةُ المسالك، وبُعْدُ الشُّقّة، ومرارةُ الحياة وهمومُها، وحصلتَ في نهاية المِشوار على تأشيرة دخول إلى جَنّةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ فيها ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سَمِعتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بشر.