فهرس الطرائف والنوادر
١. الأصمعي وشيخ أعرابيّ
٢. قصة الأصمعيّ مع أعرابيّ عن آية قرآنية
٣. قصة عجيبة عن حِلْم مَعْن بن زائدة
٤. بديهةُ أبي تَمّام
٥. الحسن البصري والحمّال
٦. أجمل وصية من أُمّ لابنتها
٧. من نوادر الأعراب
٨. الأعمى والسِّراج
٩. من أجمل الأدعية في الرِّزْق
١٠. من نوادر البخلاء
١١. من نوادر الفقهاء والخلفاء
١٢. من نوادر الفقهاء
١٣. من طرائف الشعراء
١٤. فقيهان يتجادلان عن لُبس السواد بحضرة هارون الرشيد
١٥. بين معاوية ورجل من الأنصار
١٦. الأعرابيّ وطبق التِّين
١٧. أيُّ أولادِك أحبُّ إليكِ؟
١٨. الأعرابية وجَرْوُ الذئب
١٩. النَّحويّ والمَلّاح
٢٠. أنتم أحقُّ مِنّي بالسؤال
١. الأصمعي وشيخ أعرابيّ
حَكَى الأصمعيُّ قال: ضلّت لي إبلٌ فخرجتُ في طلبها وكان البردُ شديداً، فالتجأتُ إلى حيٍّّ من أحياء العرب، وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخٌ مُلْتَفٌّ بكساء وهو يرتعدُ من البرد وينشدُ:
١- أيا ربِّ إنَّ البَردَ أصبحَ كالحاً
وأنتَ بحالي يا إلهيَ أعلمُ
٢- فإن كنتَ يومًا في جهنمَ مُدْخِلي
ففي مثلِ هذا اليومِ طابَتْ جهنّمُ
قال الأصمعي: فعجبتُ من فصاحته وقلتُ له: يا شيخ، أما تستحي تقطعُ الصلاةَ وأنت شيخ كبير؟ فأنشد يقول:
١- أيطمعُ ربي أنْ أصليَ عارياً
ويكسوَ غيري كِسْوَةَ البردِ والحرِّ
٢- فواللهِ ما صليتُ ما عشتُ عارياً
عِشاءً ولا وقتَ المغيبِ ولا الوِتْرِ
٣- ولا الصبحَ إلا يومَ شمسٍ دفيئةٍ
وإن غيّمتْ فالويلُ للظهرِ والعصرِ
٤- وإن يَكْسُني ربي قميصاً وجُبَّةً
أُصَلِّ لهُ مهما أعيشُ مِنَ العمرِ
قال: فأعجبني شعرُهُ وفصاحتُهُ فنزعتُ قميصاً وجُبّةً كانا عليّ ودفعتهما إليه وقلتُ له: إلبسهما وقُمْ فَصَلّ ِ، فاستقبلَ القبلةَ وصَلَّى جالساً وجعلَ يقول:
١- إليكَ اعتذاري مِنْ صلاتيَ جالساً
على غَيْرِ طُهرٍ مُومِياً نحوَ قِبْلَتي
٢- فما لي بِبَرْدِ الماءِ يا ربِّ طاقةٌ
ورِجْلايَ لا تَقْوَى على ثنْيِ رُكْبتي
٣- ولكنني أستغفرُ اللهَ شاتياً
وأقْضيكَها يا ربِّ في وَجْهِ صَيْفَتي
٤- وإنْ أنا لمْ أفعلْ فأنتَ مُحَكَّمٌ
بِما شئتَ مِنْ صَفْعي ومِنْ نَتْفِ لِحْيَتي
قال الأصمعيُّ: فعجبتُ من فصاحتِه وضحكتُ عليه وانصرفتُ.
(المصدر: المُسْتَطْرَف في كُلِّ فَنٍّ مُسْتَظْرَف لشهاب الدين الأَبْشِيهي)
٢. قصة الأصمعيّ مع أعرابيّ عن آية قرآنية
قال الأصمعيّ:
كنتُ أقرأُ "والسّارقُ والسّارقةُ فَاقْطَعوا أيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللهِ واللهُ غَفورٌ رحيمٌ"، وكان بِجَنْبي أعرابيّ فقالَ: كلامُ مَنْ هذا؟
فقلتُ: كلامُ الله.
قال: أَعِدْ، فأعدْتُ.
قال: ليسَ هذا كلامَ الله، فانتبهتُ فقرأتُ: "والسارقُ والسارقةُ فاقْطَعوا أيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللهِ واللهُ عزيزٌ حكيمٌ".
فقال: أَصَبْتَ.
فقلتُ: أتقرأُ القرآن؟
قال: لا.
قلتُ: فَمِنْ أينَ عَلِمْتَ؟
فقالَ: يا هذا، عَزَّ فَحَكَمَ فَقَطَعَ، ولوْ غَفَرَ ورَحِمَ لَمَا قَطَعَ".
(المصدر: الكشكول لبهاء الدين العاملي)
٣. قصة عجيبة عن حِلْم مَعْن بن زائدة
رَوَى ابنُ العماد الحنبلي في كتابه شَذَرات الذَّهَب في أخبارِ مَنْ ذَهَب أنّه لما ولّى أبو جعفر المنصور معنَ بن زائدة على اليمن تذاكرَ جماعةٌ فيما بينهم أخبارَ معن وحِلْمَهُ وطُولَ أناتِهِ وكَرَمَهُ وبالغوا في ذلك. وكان بينهم أعرابيٌّ أخذَ على نفسه أن يُغضبه، فوعدوه مائةَ بعير إن هو نجح في إغضاب معن. ودخل الأعرابي على معن ولم يُسلّم عليه، فلم يُعِرْهُ معن انتباهَهُ، وأنشأ الرجل يقول:
أتذكرُ إِذ لحافُكَ جلدُ شاةٍ
وإذ نعلاكَ من جِلْدِ البعيرِ
قال معن: أذكره ولا أنساه والحمد لله. فقال الأعرابي:
فسبحانَ الذي أعطاكَ مُلْكاً
وعلّمكَ الجلوسَ على السريرِ
فقال معن: إن الله يُعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء. فقال الأعرابي:
فلستُ مُسَلِّماً ما عشتُ دهراً
على معنٍ بتسليمِ الأميرِ
فقال معن: السلامُ سُنَّةٌ يا أخا العرب.
فقال الأعرابي:
سأرحلُ عن بلادٍ أنتَ فيها
ولو جارَ الزمانُ على الفقيرِ
فقال معن: إنْ جاورتَنا فمرحباً بالإقامة وإن جاوزتنا فمصحوباً بالسلامة.
فقال الأعرابي:
فَجُدْ لي يا ابْنَ ناقصةٍ بمالٍ
فإنّي قد عزمتُ على المَسيرِ
فقال معن: أعطوهُ ألفاً تُخفّف عنه مَشاقَّ الأسفار. فأخذها الأعرابي وقال:
قليلٌ ما أتيْتَ بهِ وإنّي
لَأطمعُ منكَ في المالِ الكثيرِ
فَثَنِّ فقد أتاكَ المُلْكُ عفواً
بلا رأيٍ ولا عقلٍ مُنِيرِ
فقال معن: أعطوه ألفاً ثانيةً ليكونَ عنا راضياً.
فتقدّمَ الأعرابيُّ منه وقال:
سألتُ اللهَ أنْ يُبقيكَ ذُخْراً
فما لكَ في البريّةِ من نظيرِ
فمنكَ الجودُ والإفضالُ حقّاً
وفَيْضُ يديكَ كالبحر الغزيرِ
فقال معن: أعطيناه لهَجْونا ألفين فأعطوه لمديحنا أربعة. فقال الأعرابي: بأبي أيها الأمير ونفسي. كنتُ في صفاتك بين مُصدّق ومُكذّب، فلمّا بلوتُك صَغّر الخُبْرُ الخَبَرَ. وما بعثني على ما فعلتُ إلّا مائةُ بعير جُعلتْ لي على إغضابكَ. فقال له الأمير: لا تثريبَ عليك وزاد في إكرامه.
٤. بديهةُ أبي تَمّام
من عَجيب ما رُويَ في البديهة حِكايةُ أبي تَمّام الطائي حينَ أنشدَ أحْمَدَ بْنَ المعتصم قصيدتَه التي مطلعُها:
ما في وُقوفِكَ ساعةً من باسِ
تَقْضي حُقوقَ الأَرْبُعِ الأدْراسِ
بحضرة أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكنديّ، وهو فيلسوفُ العرب. فلّما وصلَ في إنشادهِ إلى البيت التالي:
إقْدامُ عَمْرٍو في سَماحةِ حاتِمٍ
في حِلْمِ أحْنَفَ في ذكاءِ إياسِ
قالَ له الكنديُّ: ما صنعتَ شيئًا، شَبّهتَ ابنَ أمير المؤمنين وولِيَّ عهد المسلمين بصعاليك (وفي رواية أخرى بأجْلاف) العرب. ومَنْ هؤلاء الذين ذَكَرْتَهم؟ وما قَدْرُهُم؟ فأطرقَ أبو تَمّام يسيرًا وقال:
لا تُنْكِروا ضَرْبي لَهُ مَنْ دونَهُ
مَثَلًا شَرودًا في النَّدَى والباسِ
فاللهُ قدْ ضَرَبَ الأقَلَّ لِنُورِهِ
مَثَلًا مِنَ المِشْكاةِ والنِّبْرِاسِ
وقد قِيلَ إنَّ الكنديَّ لمّا خرجَ أبو تمّام قال: هذا الفَتَى قليلُ العُمر لأنّهُ ينحتُ مِنْ قلبه وسيموتُ قريبًا . فكان كذلك.
(المصادر: العُمْدة في صناعة الشِّعْر ونقده لابن رشيق القيرواني. والقصة مرويّةٌ أيضا في أخبار أبي تمّام للصُّولي، وثمرات الأوراق في المحاضرات لابن حُجّة الحَمَويّ وغيرهما من المراجع).
فائدة: عمرو هو عمرو بن مَعْدِيكَرِب وكان مشهورًا بشجاعته في الحروب، وحاتم هو حاتم الطائي الذي ضُرِبَ المثلُ بِكَرَمه، وأحْنَف هو أحنفُ بن قيس وكان معروفًا بِحِلْمِهِ وسِعَة صدره، وإياس هو إياس بن معاوية المُزْني وكان قاضيًا اشتُهِر بِتَوَقُّدِ ذكائهِ ورَجاحةِ عقله وفِطْنته.
يُشير أبو تمّام في البيتين الأخيرين إلى قوله تعالى في الآية ٣٥ من سورة النور: "اللهُ نورُ السماواتِ والأرضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجةٍ الزُّجاجةُ كأنّها كوكبٌ دُرّيّ" إلى آخر الآية.
٥. الحسن البصري والحمّال
استأجرَ الحسنُ البصري يومًا حَمّالًا ليحملَ متاعَهُ من السوق إلى البيت، فكان يسمعه يُردّدُ وهو في الطريق كلمتين لا يَزيدُ عليهما: "الحمدُ للهِ، أستغفرُ اللهَ". فلمّا وَصلَ إلى بيته أعطى الحمّالَ أجرَهُ وسأله عن سبب ترديده العبارتين فأجابه:
"أنا في حياتي كُلِّها مع الله بين أمرينِ : نِعَمُ اللهِ عليَّ تستحقُ منّي الحمد، وتفريطي في حقّ الله يستحق منّي الاستغفار".
فضرب الحسن البصري كَفًّا بكفٍّ وقال: "حَمّالٌ أفقهُ منكَ يا حسن".
———————————
الحسن البصري (٢١-١١٠ للهجرة) إمام وقاضٍ ومُحدّث من كِبار علماء التابعين ومن أبرز الشخصيات في عصر صَدْر الإسلام.
٦. أجمل وصية من أُمّ لابنتها
وصيّةُ أمامة بنت الحارث الشيْباني لابنتها أمّ إياس عَشيَّةَ زَفافِها إلى عمرو بن حجر أمير كندة
أَيْ بُنيّة!
إنّ النصيحةَ لو تُرِكتْ لِفَضْلِ أدبٍ تُرِكَتْ لذلكَ منكِ، ولكنّها تنبيهٌ للغافِل ومَعونةٌ للعاقل.
أَيْ بُنَيَّة!
إنّكِ غداً سَتُفارقينَ البيتَ الذي فيهِ نشأتِ والعُشَّ الذي فيهِ دَرَجتِ إلى بيت ٍلمْ تَعْرفيه وقَرِينٍ لمْ تَألَفيه، فكوني لهُ أمَةً يَكُنْ لكِ عبداً.
أَيْ بُنَيَّة!
لوْ أنَّ المرأةَ اسْتَغْنتْ عن الزَّوْجِ لغِنَى أبَوَيْها وشِدّةِ حاجَتِهِما إليها كُنتِ أغْنَى الناس عنه، ولكنَّ النساءَ للرِّجالِ خُلِقْنَ ولَهُنَّ خُلِقَ الرِّجال.
أَيْ بُنَيَّة!
احْفَظي عَنّي عَشْرَ خِصالٍ تَكُنْ لكِ ذُخْراً. أُولاها وثانِيَتُها المعاشرةُ بالقناعة وحُسْنِ الطّاعة. وأمّا الثالثةُ والرابعة فالتَّفَقُّدُ لِموْضِعِ عَيْنَيْه ولِمَوْقِعِ أنْفِه فلا تَقَعُ عَيْنُهُ منكِ على قبيح ولا يَشُمُّ منكِ إلّا أطيبَ رِيح. وأمّا الخامسةُ والسادسة فالتعَهُّدُ لِوقتِ طعامِه والْهُدُوُّ عِندَ مَنامِه، فإنَّ حَرارةَ الجوعِ مَلْهَبَة وتنغيصُ النَّوْم مَغْضَبة. وأمّا السابعةُ والثامنة فالتدبيرُ لِمالِه والإرْعاءُ على حَشَمِهِ وعِيالِه. وأمّا التاسعةُ والعاشرة فَألّا تُفْشي لهُ سِرّا ولا تَعْصِي لهُ أمْرا، فَإنّكِ إنْ أفْشَيْتِ سِرَّه لمْ تَأمَني غَدْرَه، وإنْ عَصَيْتِ أمْرَه أَوْغَرْتِ صَدْرَه.
خارَ اللهُ لكِ في أمرِكِ.
(المصدر: بلوغُ الأرَب في معرفةِ أحوال العَرب لمحمود شكري الألوسي)
——————————
شرحُ المفردات:
أَيْ بُنَيّة. أَيْ حرفُ نِداء، وبُنيَّة صيغة تصغير يُرادُ بها التودُّد. لِفَضْلِ أدب: لزيادة أدب. دَرَجَ الصبيُّ: دَبَّ أو مَشَى بِبُطْءٍ وتَمَهُّل. أَرْعَى عليه إرْعاءً: كانَ عَطوفاً عليه رَفِيقاً به. حَشَمُ الرجُل: خَدَمُهُ ومَن يَتْبعونه في السرّاء والضرّاء مِنْ أهْلٍ أو أصدقاء أو جيران. أوْغَرْتِ صدرَهُ: أشْعلته غيظاً وحِقْداً. خارَ اللهُ لكِ في أمرِكِ: جَعَلَ لكِ الخيرَ فيه.
٧. من نوادر الأعراب
١- سقط أعرابي عن بعير له فانكسرت ضلع من أضلاعه، فأتى الجابرَ يستوصفه فقال له: خذ تمراً فانزعْ أقماعه ونُواه واعجنه بسمن ثم اضمده عليه. قال الأعرابي: إي بأبي أنت، من داخل أم من خارج؟ قال الجابر: من خارج ، فقال الأعرابي: لا أبا لشانِئكَ هو من داخل أنفعُ لي. قال الجابر: ضعه حيث تعلم أنه أنفع.
(المصدر: عيون الأخبار لابن قُتَيبة)
٢- غزا أعرابي مع النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما رأيتَ مع رسول الله في غزاتك هذه؟ قال: وضع َعنا نصفَ الصلاة وأرجو في الغزاة الثانية أن يضع عنا النصفَ الباقي.
(المصدر: العقد الفريد لابن عبد ربه)
٣- قال الأصمعي: سمعتُ أعرابياً وهو يقول في الطواف : اللهم اغفر لأمي. فقلت له: ما لكَ لا تذكر أباكَ؟ فقال: أبي رجلٌ يحتال لنفسه، وأما أمي فبائسة ضعيفة.
(المصدر: البيان والتبيين للجاحظ)
٤- صلّى أعرابيّ خلفَ إمام فقرأ: "فلن أبرحَ الأرضَ حتى يأذنَ لي أبي"، ووقف وجعل يردّدها، فقال الأعرابي: يا فقيه، إذا لم يأذنْ لك أبوك في هذا الليل نظل وقوفاً إلى الصباح؟ ثم تركه وانصرف.
(المصدر: المستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي)
٥ - قيل لأعرابي: أُتُحسنُ أن تدعو ربَّكَ؟ قال: نعم، ثم قال: اللهم إنّك أعطيتَنا الإسلامَ من غير أنْ نسألَكَ، فلا تَحْرِمنا الجنَّةَ ونحنُ نسألك.
( المصدر: المستطرَف في كلّ فنٍّ مُستظرَف للأبشيهي)
٨. الأعمى والسِّراج
قال بعضُهم: خرجتُ ليلةً من قرية لبعض شأني، فإذا أنا بأعمى على عاتقه جرة وبيده سراج فلم يَزَلْ حتى انتهى إلى النهر وملأ جرته وعاد. فقلتُ له: يا هذا، أنت أعمى والليل والنهار عندك سواء، فما تصنع بالسراج؟ قال: يا كثيرَ الفُضول حملتُه لأعمى القلب مثلك يستضيءُ به لئلا يعثرَ في الظلمة فيقع عليَّ ويكسر جرتي.
(المصادر: نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري، وأخبار الأذكياء لابن الجَوْزيّ)
٩. من أجمل الأدعية في الرِّزْق
قال الأصمعيّ:
"سمعتُ أعرابيةً بعرفات وهي تقول: اللهُمّ إنْ كان رزقي في السماء فأنْزِلْهُ، وإنْ كانَ في الأرضِ فأَخْرِجْهُ، وإنْ كانَ نائياً فَقَرِّبْهُ، وإنْ كانَ قَريبًا فَيَسِّرْهُ، وإنْ كانَ قليلًا فَكَثِّرْهُ، وإنْ كانَ كثيرًا فبارِكْ لي فيه".
(المصادر: المجالسة وجواهر العِلم للدِّينَوَري، والبيان والتبين للجاحظ، وربيع الأبرار ونصوص الأخيار للزَّمَخْشري)
١٠. من نوادر البخلاء
١- قال رجلٌ لبعض البخلاء: لِمَ لا تدعوني إلى طعامك؟ قال: لأنك جيّدُ المضغِ سريعُ البلع، إذا أكلتَ لقمةً هيّأتَ أخرى. فقال: يا أخي أتريد إذا أكلتُ عندكَ أن أصليَ ركعتين بين كل لقمتين؟
(المصادر: نهاية الأرب للنُّوَيْري، ومحاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني)
٢- قيل لبعضهم: ما يكسوك محمد بن يحيى؟ فقال: واللهِ لو كان له بيتٌ مملوءٌ إبراً وجاء يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء والملائكةُ ضُمَناء يستعير بها إبرةً ليخيطَ بها قميصَ يوسف الذي قُدَّ من دُبُر ما أعاره إياها، فكيف يكسوني؟
( المصدر: المستطرَف في كلّ فنٍّ مُستظرَف للأبشيهي)
٣- طبخ بعضُ البخلاء قِدْراً من الطعام وجلس يأكل مع زوجته فقال: ما أطيبَ هذا الطعام لولا كثرة الزِّحام! فقالت: وأيُّ زحامٍ وما ثَمَّ إلا أنا وأنت؟ قال: كنتُ أُحبُّ أن أكونَ أنا والقِدْر.
( المصدر: نهاية الأرب للنُّوَيْريّ)
١١. من نوادر الفقهاء والخلفاء
١- قال رجلٌْ لإياس بن معاوية: لو أكلتُ التمرَ تضربني؟ قال: لا. قال: لو شربتُ قِدْراً من الماء تضربني؟ قال:لا. قال شراب التمر (يعني النبيذ) أخلاطٌ منها، فكيف يكون حراماً؟
قال إياس: لو رميتُك بالتراب أيوجِع؟ قال:لا. قال: لو صببتُ عليك قِدْراً من الماء أينكسرُ عضوٌ منكَ؟ قال:لا. قال: لو صنعتُ من الماء والتراب طوباً فجفَّ في الشمس فضربتُ به رأسكَ، كيف يكون؟ قال: ينكسر الرأس. قال إياس: ذاك مثلُ هذا.
( المصدر: محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني)
٢- كان يجلس إلى أبي حنيفة رجلٌ يطيل الصمت فأعجب ذلك أبا حنيفة، فأراد أن يبسطه فقال له : يا فتى ما لَكَ لا تخوض فيما نخوض فيه؟ فقال الفتى: متى يحرم على الصائم الطعام؟ فقال أبو حنيفة: أنت رجلٌ أعرفُ بنفسك.
(المصدر: أخبار الحمقى والمغفلين لابن الجوزي)
٣- في الأثر أنّ رجلاً اعترض المأمون فقال: أنا يا أمير المؤمنين رجل من العرب. قال: ليس بعجب. قال وإني أريد الحج. قال: الطريق أمامك نَهْج ( أي بَيّنًٌ واضح). قال: وليس لي نفقة. قال: سقط الفرضُ عنك. قال: يا أمير المؤمنين إني جئتُكَ مُستعطياً، لا مُستفتياً، فضحك وأمَرَ له بِصِلةٍ.
(المصدر: زهر الربيع لنعمة الله الجزائري)
١٢. من نوادر الفقهاء
١- سأل رجل الشعبي (وهو فقيه معروف) عن المسح على اللحية فقال: خَلِّلْها. قال الرجل: أتخوّف الا أبلها. فقال الشعبي: إنْ تخوفتَ فانَقَعْها من أوّل الليل.
(المصدر: المُراح في المُزاح لبدر الدين الغزّي).
٢- جاء رجل إلى بعض الفقهاء فقال له: أنا رجل أعبد اللهَ على مذهب أبي حنيفة وإني توضأت وصليت، فينما أنا في الصلاة أحسست ببلل في سراويلي يتزلق فشممته فإذا رائحته كريهة. قال الفقيه: عافاك الله، خريتَ بإجماع المذاهب.
(المصدر: المُستطرَف في كل فنّ مُستَظرَف للأبشيهي)
٣- جاء رجل إلى أبي حنيفة فقال له: إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر أغتسل فإلى القبلة أتوجّه أم إلى غيرها؟ فقال له: الأفضل أن يكون وجهك إلى جهة ثيابك لئلا تُسرَق.
(المصادر: المُراح في المُزاح لبدر الدين الغزّي. والخبر، على اختلاف في اللفظ، في محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني).
٤- وقع بين الأعمش وامرأته وحشةٌ، فسأل بعضَ أصحابه من الفقهاء أن يُرضيها ويُصلح بينهما، فدخل إليها وقال: إنّ أبا محمد شيخ كبير فلا يُزهّدنّكِ فيه عمشُ عينيه ودقةُ ساقيه وضعفُ ركبتيه ونَتَنُ بطنه وبَخَرُ فِيهِ وجمودُ كفّه. فقال له الأعمش: قُمْ قبّحكَ اللهُ، فقد أريتَها من عيوبي ما لم تكن تعرفه.
(المصدر: محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني)
٥- دخل مجنون إلى الحمّام وكان بغير مئزر فرآه أبو حنيفة وكان في الحمام فغمض عينيه. فقال له المجنون: متى أعماكَ اللهُ؟ فقال له أبو حنيفة: حينَ هُتِكَ سِترُكَ.
(المصادر: المستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي. وانظر كتاب الأذكياء لابن الجوزي، وزهر الربيع لنعمة الله الجزائري حيث وردَ الخبرُ منسوباً إلى الشعبيّ)
٦- قال أبو حنيفة للأعمش وأتاه عائداً في مرضه: لولا أن أُثقل عليك أبا محمد لعُدتكَ واللهِ في كل يوم مرتين. فقال له الأعمش: والله يا ابْنَ أخي أنت ثقيلٌ عليَّ وأنت في بيتك، فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين؟
(المصادر: العقد الفريد لابن عبد ربه. والخبر في بهجة المَجالس وأُنس المُجالِس للإمام أبو عمر يوسف بن عبدالله النمري القرطبي)
١٣. من طرائف الشعراء
١- قالت إمرأة لبشّار بن بُرْد: أيُّ رجُلٍ أنتَ لو كنتَ أسودَ اللحية والرأس! قال بشار: أما عَلِمْتِ أنّ بيضَ البُزاة أثمنُ من سُود الغِربان؟ فقالت له: أمّا قولُكَ فحَسَنٌ في السمع ومَنْ لكَ بأنْ يَحْسُنَ شَيْبُكَ في العين كما حَسُنَ قَوْلُكَ في السمع. فكان بشار يقول: ما أفحمني قطُّ غَيْرُ هذه المرأة.
(المصدر: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني)
٢- جاءَ إبراهيم بنُ سَيّابة إلى بشّار بن بُرْد فقال له: ما رأيتُ أعمى إلّا وقد عُوَّضَ من بصره إمّا الحفظ والذكّاء وإمّا حُسْن الصوت. فأيُّ شيء عُوّضتَ أنتَ؟ فقال بشّار: ألّا أرى ثقيلاً مِثْلَك.
(المصادر: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. والخبر، على اختلاف في العبارة، في محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني، وذيل الأمالي لأبي علي القالي، ونهاية الأرب للنويري، وزهر الربيع لنعمة الله الجزائري).
٣- وَقفَ الكُميْتُ على الفرزدق وهو ينشد، والكميتُ يومئذ صبيّ، فقال له الفرزدق: يا غلام، أيسُرُّكَ أني أبوك ؟ فقال الكميت. أمّا أبي فلا أريد به بدلاً، ولكن يسرُّني أن تكون أمّي. فَحَصِرَ الفرزدق (أي لم يقدر على الكلام) يومئذ وقال: ما مرَّ بي مِثلُها قَطُّ.
(المصادر: الشعر والشعراء لابن قُتَيْبة، والعُمدة في صناعة الشعر ونقده لابن رشيق القيرواني)
٤- قال المأمون لمحمد بن الجهم: أنشِدْني بيتاً أوّلُه ذمٌّ وآخره مدحٌ أُوَلِّكَ كُورة (أي أجعلك والياً على بلدة)، فأنشده:
قَبُحتْ مناظرُهم فحين خَبَرْتُهمْ
حسُنتْ مناظِرُهم لِحُسْن المَخْبَرِ
فقال: زِدْني، فأنشد:
أرادوا لِيُخْفوا قبرَهُ عن عدوِّهِ
فطِيبُ تُرابِ القبرِ دَلَّ على القبرِ
(المصدر: العقد الفريد لابن عبد ربّه)
١٤. فقيهان يتجادلان عن لُبس السواد بحضرة هارون الرشيد
سأل الرشيد الأوزاعي عن لبس السواد فقال: لا أحرّمه ولكني أكرهه. قال ولمَ؟ قال: لأنه لا تُجلَى فيه عروس، ولا يلبّي فيه مُحرم، ولا يُكفَّنُ فيه ميت. فالتفت الرشيد إلى أبي يوسف وقال: وما تقول أنت في السواد؟ قال: يا أمير المؤمنين النورُ في السواد، فاستحسن الرشيد ذلك، ثم قال: وفضيلة أخرى يا أمير المؤمنين:. قال الرشيد: وما هي؟ قال أبو يوسف: لم يُكتَب كتاب الله إلا به. فاهتز الرشيد لذلك.
(المصدر: نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري)
١٥. بين معاوية ورجل من الأنصار
قال معاويةُ يوماً: أيها الناس، إنّ اللهَ حَبَا قريشاً بثلاث، فقال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: "وأَنذرْ عشيرتَكَ الأقربين" ونحن عشيرته الأقربون. وقال تعالى: "وإنّهُ لَذِكْرٌ لكَ ولقومِكَ" ونحن قومه. وقال: "لإيلافِ قريش إيلافِهم رحلةَ الشتاءِ والصيف" ونحن قريش. فأجابه رجلٌ من الأنصار فقال: على رِسْلِكَ يا معاوية، فإنّ الله تعالى يقول:"وكَذَّبَ بهِ قومُكَ وهو الحقُّ" وأنتم قومُه. وقال تعالى:"ولمّا ضُرِبَ ابنُ مريمَ مَثَلاً إذا قومُكَ منهُ يَصِدُّون" وأنتم قومه. وقال تعالى:"وقال الرسولُ يا رَبِّ إنَّ قومي اتّّخَذوا هذا القرآنَ مهجورا" وأنتم قومه، ثلاثةٌ بثلاثةٍ ولو زدتَنا زِدناكَ.
(المصدر: المستطرف في كل فنّ مستظرف للأبشيهي)
١٦. الأعرابيّ وطبق التِّين
أقبل أعرابي يريد رجُلاً وبين يدي الرجُل طبقُ تين. فلما أبصر الأعرابيَّ غطّى التينَ بكسائه والأعرابيُّ يلاحظه، فجلس بين يديه فقال له الرجل: هل تُحسِنُ من القرآن شيئاً؟ قال: نعم أقرأُ، فقرأ "والزيتونِ وطُورِ سِينين". قال الرجلُ للأعرابي: فأين التين؟ فقال الأعرابي: التين تحتَ كِسائك.
(المصدر: أخبار الأذكياء لابن الجوزي)
١٧. أيُّ أولادِك أحبُّ إليكِ؟
:سُئِلت أعرابيةٌ: أيُّ أولادِكِ أحبُّ إليكِ؟ فقالت
."الصغيرُ حتّى يَكْبُر، والغائبُ حتّى يعود، والمريضُ حتّى يَشْفَى"
١٨. الأعرابية وجَرْوُ الذئب
رَوَى الأصمعيُّ أنّ أعرابيّةً وجدتْ جَرْوَ ذِئبٍ وليدًا، فأشفقت عليه وحملته إلى بيتها وتعهّدتهُ بالرعاية والعناية، فأخذتْ تسقيهِ من حليب شاةٍ كانت عندها حتّى كبر الذئب. وذاتَ يوم عادت الأعرابية إلى بيتها فوجدت الذئبَ قد أكلَ شاتَها، فأنشأت تقول:
١- بَقَرْتَ شُوَيْهَتي وفَجَعْتَ قلبي
وأنتَ لِشاتِنا وَلدٌ ربيبُ
٢- غُذِيتَ بِدَرِّها ورَبِيتَ فينا
فمَنْ أنْباكَ أنّ أباكَ ذِيبُ
٣- إذا كانَ الطباعُ طِباعَ سُوءٍ
فلا أدبٌ يُفيدُ ولا أديبُ
( المصدر: حياة الحيوان الكُبْرى للدَّمِيريّ)
١٩. النَّحويّ والمَلّاح
حُكيَ أنّ نحويّاً ركبَ في سفينة، فقال للملّاح: هل تعرف شيئاً من النحو؟ قال: لا. قال: ذهبَ نصفُ عُمركَ. فلمّا اضطربت السفينةُ واشتدّت الريحُ وكادت السفينةُ تغرق قالَ المَلّاحُ للنحويّ: هل تعرفُ السباحة؟ قال: لا. قال: ذهبَ جميعُ عُمرك.
(المصدر: زّهْرُ الربيع لنعمة اللّه الجزائريّ)
٢٠. أنتم أحقُّ مِنّي بالسؤال
وقفَ سائلٌ على بابِ قوم فقالوا: يفتحُ اللهُ لكَ. فقال: كِسرة. فقالوا: ما نقدرُ عليها. قال: فقليلٌ من بُرٍّ أو فولٍ أو شعير. قالوا: لا نقدرُ عليه. قال: فقطعةُ دُهنٍ أو قليلُ زيتٍ أو لبن. قالوا: لا نجدهُ. قال: فشُربةُ ماء. قالوا: ليس عندنا ماء. قال: فما جلوسُكُم ههنا؟ قوموا فاسألوا فأنتم أحقُّ منّي بالسؤال.
(المصدر: المستطرف في كل فنّ مستظرف للأبشيهي)