فهرس الأحاديث والسيرة النبوية
١. مكانةُ النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم بين أنبياءِ الله ورُسُلِه
٢. صفحة مُشْرقة من السيرة النبوية العَطِرة
٣. خُطْبة حِجّة الوداع
٤. حديث جامع
٥. حديث قدسي جامع
٦. كيفية بدء الوحي
٧. موتُ إبراهيم وكسوفُ الشمس
٨. نصيحة طبية نبوية
٩. في الجسد مُضْغة
١٠. جبريل أتاكم يُعلّمكم دينَكم
١١. من نَفَّسَ عن مؤمن كُربَة
١٢. الناس معادن
١٣. كُلُّ المُسلمِ على المُسلم حرام
١٤. في فضائل القرآن الكريم
١٥. كُلّكُمْ راعٍ وكُلّكُمْ مسؤولٌ عن رعيّته
١٦. مُسيءُ النهار ومُسيءُ الليل
١٧. أضعف الإيمان
١٨. انصُر أخاك ظالماً أو مظلوما
٩ ١. حديث قدسي: لو أنّ أوّلَكُم وآخرَكُم
٢٠. حديث شريف عن الرفق بالحيوان
١ ٢. خُطبة النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم في الأنصار يومَ حُنَيْن
٢٢. حديث قُدْسي: مَن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي
٢٣. حديث عن اختيار الزوجة المناسبة
٢٤. أتَدرون مَنِ المُفلِس؟
٢٥. سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ بظلّهِ يومَ لا ظلَّ إلّا ظِلُّهُ
٢٦. حديث قدسيّ: ما زالّ العبدُ يَتقرَّبُ إليّ
١. مكانةُ النبيّ محمد صلّى الله عليه وسلّم بين أنبياءِ الله ورُسُلِه
شاءَ اللهُ تعالى لِحِكْمةٍ لا يعلمُها إلّا هو أن يختمَ وَحْيَ السماء إلى أهل هذه الأرض برسالة محمد (صلعم) وأنْ يجعلَ القرآن الكريمَ خاتَمَ كتُبِهِ المُنَزَّلة. وشاءت حكمتُه أيضاً أن يختار لهذه الرسالة الخاتمة يتيماً من بني عبد المُطَّلب وأمّيّاً لم يكن يقرأ أو يكتب لا بلغته العربية ولا بغيرها من اللغات. وكنتُ قد تناولتُ في منشور سابق أميّةَ النبي محمد(صلعم) وقلتُ إنّ أمّيّتَه ثابتة تاريخياً وثابتة بنص القرآن وثابتة بِحُكْمِ المنطق، وسُقتُ للتدليل على ذلك براهينَ وأدلّةً دامغةً لا يعترضُ عليها إلّا مُكابرٌ أو مُعانِدٌ للحقّ (انظر القرآن معجزة النبيّ الخالدة في القسم المعنون "تأمّلات في القرآن الكريم").
ولا شكَّ عندي أنّ أنبياءَ الله ورُسُلَهُ جميعاً عبادٌ مُكْرَمون عند بارئهم، ولكنَّ هذا لا ينفي أنّ الله تعالى شاء، ولا رادَّ لمشيئته، أن يختصَّ بعضَ أنبيائه ورُسُلِهِ بِجُمْلةِ مَزايا وكرامات لم تُعْطَ لغيرهم من الأنبياءِ والرُّسُلِ. وتفضيلُ اللهِ لبعض الرُّسُلِ على بعض ثابت بنصٍ قرآنيٍّ قَطْعِيّ الدلالة وهو: "تِلْكَ الرُّسُلُ فَضّّلْنا بعضَهُمْ على بعضٍ منهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ ورَفَعَ بعضَهُمْ دَرَجاتٍ" (البقرة: ٢٥٣).
ومن الواضح أنّ اللهَ تعالَى اخْتصَّ خاتَمَ الأنبياءِ والمرسلينَ بعدد كبيرمن الكرامات والامتيازات نذكرُ منها، على سبيل المثال لا الحَصْر، ما يلي:
١- عُموم رسالة محمد (صلعم)، والدليلُ على ذلك قولُهُ تعالى: "وما أرسلناكَ إلّا رحمةً للعالَمين" (الأنبياء: ١٠٧) وقولُهُ "وما أرسلناكَ إلّا كافةً للناسِ بشيراً ونَذيراً" (سبأ: ٢٨). ولمْ يُرْسَلْ أيُّ رسولٍ قبلَ محمدٍ (صلعم) بدءاً بآدم وانتهاءً بعيسى عليهما السلام إلّا إلى عشيرته وقومه.
٢- جعلَ اللهُ القرآنَ الكريمَ آخرَ الكُتُب المنزّلة مُصَدِّقاً لها ورقيباً عليها في آنٍ معاً فقال: "وأنْزَلْنا إليكَ الكتابَ بالحقِّ مصدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ منَ الكتابِ ومُهَيْمِناً عليهِ" (المائدة: ٤٨). ومعنى ذلك أنّه إذا اختلفت روايةُ الخَبَرِ في التوراة والأناجيل وسائر الكُتُب المنزّلة عن روايته في القرآن يُؤخَذُ برواية القرآن ولا يُعْتَدُّ برواية تلك الكتب.
٣- أعْلَى اللهُ تعالى منزلةَ محمدٍ (صلعم) بأنّ قَرَنَ اسمَ نبيِّه الخاتَم باسمه العَلِيِّ في كلّ أَذانٍ يُرفَعُ وفي كُلّ صلاةٍ مفروضة وغير مفروضة، وأكَدَّ الله ذلك بقوله للنبي: "ورَفَعْنا لك ذِكْرَكَ" (الشَّرْح: ٤)، كما أمَرَ عبادَه المؤمنين بالصلاة على النبي الكريم كُلّما ذُكِرَ اسمُهُ، فقال: " إنّ اللهَ وملائكتَهُ يُصَلّونَ على النبيِّ يا أيُّها الذينَ آمنوا صَلّوا عليهِ وسَلِّموا تسليما" (الأحزاب: ٥٦)، وناهِيكَ بهذا من تشريفٍ وتكريمٍ لشخصِ النبيّ.
٤- أوتيَ النبيُّ مَقامَ الشفاعةِ كما هو ثابت في الأحاديث النبوية الصحيحة واستناداً إلى الآية الكريمة: "ومِنَ الليلِ فَتَهَجَّدْ بهِ نافلةً لكَ عَسَى أن يبعثَكَ رَبُّكَ مَقاماً محموداً" (الإسراء: ٧٩). ويُجْمِعُ المفسِّرون على أنّ المُراد بالمقام المحمود هُوَ مَقامَ الشفاعة يوم القيامة.
٥- خاطبَ اللهُ جميعَ أنبيائه ورُسُلِه بدءًا بآدم وانتهاءً بعيسى عليهما السلام بأسمائهم المجرّدة من أيّ لقب أو كُنْيَة أو صفة أخرى تميّزهم عن باقي الأنبياء، فقال: "ويا آدمُ اسْكُنْ أنتَ وزوجُكَ الجنّةَ" (الأعراف: ١٩)؛ "يا نوحُ اهْبِطْ بسلامٍ مِنّا وبركاتٍ عليكَ" (هود: ٤٨ )؛ "ونادَيناهُ أنْ يا إبراهيمُ قدْ صَدَّقْتَ الرؤيا" (الصافّات: ١٠٥)؛ "يا موسَى لا تَخَفْ إنّي لا يخافُ لديَّ المُرْسَلون" (النمل: ١٠)؛ "يا زكريّا إنّا نُبشِّرُك بِغلامٍ اسمُهُ يَحْيَى" (مريم: ٧)؛ "يا يَحْيَى خُذِ الكتابَ بقُوّة" (مريم: ١٢)؛ "إذ قالَ اللهُ يا عيسى إنّي مُتَوفّيكَ ورافعُكَ إليَّ" ( آل عِمْران: ٥٥). قاعدة مطَّردة في كلّ القرآن الكريم: نِداءٌ وخِطابٌ من الله لجميع الأنبياء والرسل، بِمَنْ فيهم أُولو العزمِ من الرسُل كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى، بأسمائهم المجردة من أيّ صفة أخرى.
لقد وردَ إسمُ "محمد" (صلعم) أربعَ مرّات واسم "أحمد" مَرّةً واحدةً في القرآن الكريم في مَعْرِض الإخبار، لا في معرض الخطاب والنداء، كما في الآية الكريمة: "وما محمدٌ إلّا رسولٌ قد خَلَتْ مِنْ قبلِهِ الرُّسُلُ" (آل عِمْران: ١٤٤)؛ "ومبشِّرًا برسولٍ يأتي مِنْ بعدي اسمُهُ أحمد" (الصف: ٦)، ولكن لمْ يُنادِ اللهُ نبيَّه ولو مرَّةً واحدةً باسم محمد أو أحمد، بل دائماً بصيغة "يا أيُّها النبيُّ" أو "يا أيُّها الرسولُ". ولا يخفَى على مَنْ يعرفُ أساليبَ العرب في الكلام ما في صيغة الخطاب هذه من التوقير والتبجيل والإكبار لشخصه الكريم.
٦- زَكّى اللهُ أخلاقَ النبيّ فقال: " وإنّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عظيم" (القلم: ٤)، وأيُّ شهادةٍ أكبرُ من هذه الشهادة، وزَكَّى عقلَهُ فقال: "ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وما غَوَى" (النجم: ٢)، وزَكَّى لسانَهُ فقال: "وما يَنْطِقُ عن الهَوَى" (النجم: ٣)، وزَكَّى بَصَرَهُ فقال: "ما زاغَ البصرُ وما طَغَى" (النجم: النجم: ١٧)، وزَكَّى فؤادُهُ فقال: " ما كَذبَ الفؤادُ ما رَأَى" (النجم: ١١)، وزَكَّى مُعَلِّمَهُ جبريل عليه السلام فقال: "نَزَلَ بهِ الروحُ الأمينُ على قلبِكَ لِتكونَ من المُنْذِرين" (الشعراء: ١٩٣-١٩٤)، وزَكَّى أُمَّتهُ فقال: "كنتُمْ خيرَ أُمّةٍ أُخْرِجتْ للناسِ تأمرونَ بالمعروفِ وتَنْهَوْنَ عنِ المُنْكَرِ وتؤمنونَ بالله" (آل عِمْران : ١١٠)، وزَكَّى أهلَ بيته فقال: "إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجْسَ أهلَ البيتِ ويُطَهِّرَكُمْ تطهيرا" (الأحزاب: ٣٣).
بمِثْلِ هذه الأدلّة والنصوص والقرائن تتبيّنُ مكانةُ النبيّ محمد الرفيعة والمميّزة عند خالقه.
٢. صفحة مُشْرقة من السيرة النبوية العَطِرة
في السنة الثامنة من هجرة رسول الله إلى يثرب، عادَ صلّى الله عليه وسلم فدخلَ مكةّ فاتحاً مُظَفّراً، وكان أهلُ مكة قد اجتمعوا أمام الكعبة المشرَّفة ينتظرون مصيرَهم وما سيحلّ بهم بعدَ هزيمتهم. وقفوا ينظرون وكأنَّ على رؤوسهم الطير وقد امتلأت قلوبهم فزعاً وهلعاً يفكرون فيما سيصنع بهم رسولُ الله، وهم الذين افتَنّوا في إيذائه والتنكيل بالمستضعفين من أتباعه وحاصروه في شِعْب أبي طالب ثلاث سنين، وتآمروا على قتله واضطروه إلى الفرار مع صاحبه أبي بكر الصديق من مكة أحبّ بقاع الأرض على قلبه، وعذّبوا أصحابه بأبشع أشكال التعذيب وسَلَبوهم ممتلكاتِهم وأجْلَوْهُم عن ديارهم.
توجّه صلّى الله عليه وسلّم نحوَ الجموع المحتشدة وسألهم:
"يا معشرَ قُريش، ما تَرَوْنَ أنّي فاعلٌ بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابنُ أخٍ كريم. فقال: اذهبوا فأنتمُ الطُّلقاء".
وجاء في مكان آخر من كتب السيرة أنّه قال لهم: " أقولُ لَكُمْ كما قالَ يوسُفُ لإخوته: لا تثريبَ عليكم اليومَ يغفرُ اللهُ لَكُمْ".
انظرْ كيفَ قابلَ هذا النبي الكريم، صاحبُ الأخلاق النبيلة، إساءاتِهم بالعفو والصفح والحِلْم ولم يفكّر ولو للحظة واحدة في الانتقام منهم وهو أقدرُ ما يكون على ذلك. ولكنّ الذي يعرف شيئًا عن الشمائل المحمدية والسيرة النبوية لا يستغربُ مِثْلَ هذا التصرُّف النبيل من نبيّ لم يُرْسلْهُ اللهُ إلّا رحمةً للعالمين وقال فيه: "لقدْ جاءَكُمْ رسولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عزيزٌ عليهِ ما عَنِتُّمْ حريصٌ عليكُمْ بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم" (التوبة: ١٢٨).
اللهمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على الرحمة المُهْداة.
٣. خُطْبة حِجّة الوداع
تُعَدُّ خطبةُ حِجّة الوداع وثيقةً تاريخيةً هامّةً أرست ركائزَ المجتمع الإسلامي الناشئ، وكانت منارةً يُهتدَى بها في السلم والحرب وتجسيدًا لأصول المعاملة والقيم الأخلاقية لِما حَوَتْهُ من أصول الأحكام في الاقتصاد والسياسة وشؤون الأسرة والأخلاق والنظام الاجتماعي.
أَلْقَى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم هذه الخطبة الشهيرة في التاسع من شهر ذي الحِجّة من السنة العاشرة للهجرة، وهو اليوم الذي يُسمَّى "يوم عرفة"، على جبل الرحمة في عرفات. وقد تُوفِّيَ عليه الصلاة والسلام بعد هذه الحجة بنحو ثلاثة أشهر فكانت الحجة الأولى والأخيرة له. وحضر الخطبة على ما تروي كتبُ السيرة آلاف الصحابيين ومنهم ربيعة بن أميّة بن خَلَف الذي كان يردّد بصوته الجَهْوَرِيّ كلَّ ما كان الرسول الكريم يقولُهُ لإسماع حشود الحجيج.
وفيما يلي مقتطفات مِمّا جاء في تلك الخطبة:
"أيّها النّاس، اسمعوا منّي أُبيِّنْ لَكُمْ، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكُم بعد عامي هذا في موقفي هذا. أيّها النّاس، إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم إلى أنْ تَلْقَوْا ربَّكم كحُرْمةِ يومِكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هلْ بلّغتُ؟ اللهُمّ فاشْهَد. فمَنْ كانت عندَهُ أمانةٌ فَلْيُؤدِّها إلى مَنْ ائْتمنَهُ عليها. وإنَّ رِبا الجاهلية موضوع (أي مَلْغِيّ)، ولكن لَكُمْ رؤوسُ أموالكم لا تَظْلِمون ولا تُظْلَمون، وإنّ دماء الجاهلية موضوعة. ألا هل بلّغتُ؟ اللهُمّ فاشهدْ.
أيّها النّاس، إنّ الشيطان قد يئسَ أنْ يُعبَدَ في أرضكم هذه، ولكنّهُ رضيَ أنْ يُطاعَ فيما سِوَى ذلك مِمّا تَحْقِرون مِنْ أعمالكم فاحْذَروهُ على دِينكم.
أيّها النّاسِ إنّما النسيءُ زيادةٌ في الكُفر يُضَلُّ به الذين كَفَروا يُحِلّونَهُ عامًا ويُحرّمونه عامًا.
أيّها النّاس، استوصوا بالنساء خيرًا . إنّكم إنّما أخذتموهنّ بأمانة اللهِ واسْتحللتم فروجَهُنّ بكلمة الله فاتّقوا اللهَ في النساء. ألا هل بلّغتُ؟ اللهُمّ فاشهدْ.
أيّها النّاسِ إنّما المؤمنون إخوة ولا يحِلُّ لامْرِئٍ مالُ أخيه إلّا عن طِيبِ نَفْسٍ منه. فلا تَرْجِعُنَّ كُفّارًا يَضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعض، فإنّي تركتُ فيكم ما إنْ أخذتم به لن تَضِلّوا بَعْدَه - كِتابَ اللهِ وسُنّةَ نبيّه. ألا هل بلغتُ؟ اللهُمّ فاشْهَدْ.
أيّها النّاسِ إنّ ربَّكم واحد وإنّ أباكم واحد. كلُّكم لِآدمَ وآدمُ مِنْ تراب. وليس لعربيّ فضلٌ على عَجَمِيّ إلّا بالتقوى.
أيّها النّاس، إنّ اللهَ قَسَمَ لكُلّ وارث نصيبَهُ مِنَ الميراث، ولا يجوزُ لوارثٍ وصيّة ولا يجوزُ وصيّةٌ في أكثرَ مِنْ ثُلُث. ألا هل بلّغتُ؟ اللهُمّ فاشْهَدْ. قالوا: نَعَمْ. قال: فَلْيُبلِّغِ الشاهدُ الغائبَ والسلام عليكم ورحمة الله".
ولمّا فرغَ مِنْ خطبته صلّى الله عليه وسلّم نزلَ عليه قولُهُ تعالَى: " اليومَ أكملتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأتْمَمْتُ عليكُمْ نعمتي ورَضِيتُ لكمُ الإسلامَ دِينا" (المائدة: ٣). ويُرْوَى أنّ الخليفة عمر رضيَ اللهُ عنه لمّا سمعَ هذه الآية بَكَى، فقيل له: ما يُبْكيك؟ قال: إنّه ليس بعد الكمال إلّا النقصان.
٤. حديث جامع
من الأحاديث الشريفة الصحيحة الجامعة لأصول المعاملة الحسنة والأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة ولشروط الإيمان الحق قولُ النبي صلى الله عليه وسلم:
"أحبُّ النّاسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناس. وأحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ سرورٌ تُدخِله على مُسلم، أو تَكشِفُ عنه كُرْبةً، أو تطردُ عنه جُوعاً، أو تَقْضي عنه دَيْناً، ولَأنْ أمشيَ مع أخٍ لي في حاجةٍ أَحَبُّ إليَّ من أنْ أعتكفَ في هذا المسجد (يعني المسجد النبوي) شهراً. ومَن كَفَّ غضبَهُ سَترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومن كَظمَ غيظَهُ، ولو شاءَ أن يُمْضيَهُ أمضاهُ، ملأ اللهُ قلبَهُ يومَ القيامة رضاً، ومَنْ مَشَى مع أخيه في حاجةٍ حتى يُثْبتها له أثْبتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يومَ تَزِلُّ الأَقدامُ، وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسدُ العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ".
٥. حديث قدسي جامع
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما يَرْويهِ عن ربّه عزَّ وجلَّ:
"يا ابنَ آدمَ لا تَخافَنَّ مِنْ ذي سلطانٍ ما دامَ سلطاني باقيًا، وسلطاني لا يَنْفدُ أبدًا. يا ابنَ آدمَ لا تَخْشَ مِنْ ضِيقِ الرِّزقِ وخزائني ملآنة، وخزائني لا تَنْفدُ أبدًا. لا تطلبْ غيري وأنا لكَ، فإنْ طلبتني وجدتَني، وإنْ فُتَّني فُتُّكَ وفاتَكَ الخيرُ كلُّهُ. يا ابنَ آدمَ خلقتُكَ للعبادة فلا تلعَبْ، وقَسَمْتُ لكَ رزقَكَ فلا تتعَبْ. فإنْ أنتَ رضِيتَ بِما قسمتُهُ لكَ أرَحْتُ قلبَكَ وبدنَكَ وكنتَ عندي محمودًا، وإنْ لمْ تَرْضَ بِما قَسَمْتُهُ لكَ، فَوَعِزَّتي وجلالي لَأُسلِّطَنَّ عليك الدنيا تركضُ فيها رَكْضَ الوحوشِ في البرّيَّة ثُمَّ لا يكونُ لك منها إلّا ما قَسمتُهُ لكَ وكنتَ عندي مذمومًا. يا ابنَ آدمَ خلقتُ السمواتِ السبعَ والأراضي السبْعَ ولمْ أَعْيَ بِخَلْقِهنَّ، أَيُعْييني رغيفُ خبزٍ أسوقُه لكَ بلا تعب؟ يا ابنَ آدمَ إنّني لمْ أَنْسَ مَنْ عصاني، فكيفَ مَنْ أطاعني وأنا ربٌّ رحيم وعلى كُلِّ شيءٍ قدير؟ يا ابنَ آدمَ لا تسأَلْني رزقَ الغدِ كما لم أطالِبْكَ بعملِ الغد. يا ابنَ آدمَ أنا لكَ مُحِبّ فبحقّي عليكَ كُنْ لي مُحِبًا".
٦. كيفية بدء الوحي
رَوَى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
"أوّلُ ما بُدِئَ به رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلّمَ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مِثْلَ فَلَقِ الصبح، ثُمَّ حُبِّبَ إليه الخَلاءُ وكان يخلو بغارِ حِراء، فيتحَنّثُ فيه -وهو التعبُّد- الليالي ذوات العدد قبلَ أنْ ينزعَ إلى أهله يتزوّدُ لذلك، ثُمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها حَتَّى جاءهُ الحقُّ (وفي رواية أخرى "حتى فَجَأَهُ الحقُّ) وهو في غار حراء، فجاءه المَلَكُ فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغَطَّني (أي ضَمّني وعَصَرَني) حتى بلغَ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأْ، فقلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فغَطَّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأْ، فقلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فغَطَّني الثالثة ثم أرسلني فقال: "اقرأْ باسمِ رَبِّكَ الذي خَلَق، خَلَقَ الإنسانَ من عَلَق، اقرأْ وربُّكَ الأكرم، الذي علَّمَ بالقلم، علّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ".
فرجعَ بها رسولُ الله يرجفُ فؤادُه، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: زمّلوني زمّلوني، فزَمَّلوهُ حتى ذهبَ عنه الرَّوْعُ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: "لقد خشيتُ على نفسي"، فقالت خديجة: "كَلّا واللهِ ما يُخْزيكَ اللهُ أبداً: إنّكَ لَتصلُ الرَّحِمَ، وتحملُ الكَلَّ، وتَكْسبُ المعدومَ، وتَقْري الضيفَ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ".
٧. موتُ إبراهيم وكسوفُ الشمس
اتفقَ أنْ حدثَ كسوفٌ للشمس حينَ تُوفِّيَ إبراهيمُ الطفل ابنُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهلَّلَ بعضُ الناس وكبّروا ورأوا في ذلك معجزةً كونيةً وكأنَّ السماءَ حزنت لِحُزنِ النبي على موت إبراهيم فانكسفتْ لذلك. فماذا كان موقفُ الصادق المصدوق من هذا التهريج؟ ما كانَ أيسَرَها فُرصةً ينتهزها النبيُّ الكريم لإثبات صِدْق دعواهُ تلقّي الوحي من ربّ السماء! لكنّ النبي الصادق الأمين غَضِبَ من هذا الكلام، فقال جملته المشهورة التي وَرَدتْ في كُتُبِ السيرة النبوية:
"إنّ الشمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللهِ لا تنكسفانِ لموتِ أحدٍ ولا لحياتهِ".
هكذا نتوقّعُ أن يكونَ ردُّ نبيّ صادق اصطفاهُ اللهُ من بين خَلْقِهِ لتبليغ رسالته الخاتمة إلى الناس كافّةً.
٨. نصيحة طبية نبوية
قالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم:
"ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطنه. بِحَسْبِ ابنِ آدمَ لُقَيْماتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فإنّ كان لا مَحالةَ فثُلُثٌ لطعامهِ وثُلُثٌ لشرابهِ وثُلُثٌ لِنَفَسِهِ".
ما أصَحَّ هذا الحديثَ الشريف وما أنفعَهُ وما أرخصَ هذه الوصفةَ الطبية! كلامٌ جديرٌ أن يُكْتَب بماء الذهب ويُعلَّقَ على جدران كل بيت، ولا سيما في المطابخ وغُرَف الأكل حيثُ يَكْثُرُ الطعامُ، حتّى يظلَّ ماثلاً في أذهاننا جميعًا.
٩. في الجسد مُضْغة
قالَ النبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم:
"ألا وإنَّ في الجسَدِ مُضْغةً إذا صَلَحتْ صَلَحَ الجسدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسدُ كُلُّهُ، ألا وهي القلب".
(حديث متفق عليه)
صلاحُ العملِ إذاً مرتبطٌ بصلاحِ القلبِ وفسادُهُ بفساده. فالمرءُ إذا صَلَحَ قلبُهُ لم يبقَ فيهِ إرادةٌ لِغَيْرِ اللهِ تعالَى، وصَلَحتْ جوارِحُهُ فلم تتحركْ إلّا لله وبِما يُرْضي اللهَ عزّ وجلَّ قولاً وعَمَلاً.
ومعلومٌ أنّ الإيمانَ قولْ وعملٌ ونِيّةٌ، وأنّ صلاحَ الباطن يؤثرُ في صَلاح الظاهر. ومِمّا يدلُّ على ذلك قولُ النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم فيما رواهُ مُسْلِم: "إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وأموالِكُمْ، ولكنْ ينظُرُ إلى قلوبكِم وأعمالِكم".
١٠. جبريل أتاكم يُعلّمكم دينَكم
قال أميرُ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللهُ عنه:
"بينما نحن عند رسول الله عليه الصلاة والسلام ذاتَ يوم إذ طلعَ علينا رجُلٌ شديدُ بياضِ الثياب شديدُ سواد الشعر لا يُرَى عليه أثرُ السفَر، ولا يعرفه مِنّا أحدٌ، حتى جَلَسَ إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام، فأسندَ رُكْبتيه إلى ركبتيه ووضعَ كَفّيه على فخذيه، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. فقال الرسولُ عليه الصلاة والسلام: الإسلامُ أنْ تشهدَ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ، وأنّ محمداً رسولُ الله، وتُقيم الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيتَ إن استطعتَ إليه سبيلا. قال: صدقتَ. فعَجِبْنا كيف يسألهُ ويُصدِّقُهُ. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال النبي: أن تؤمن بالله وملائكته وكُتُبه ورُسُله واليوم الآخر، وتؤمن بالقَدَر خيرِه وشَرِّه. قال صدقتَ. قال: فأخبرني عن الإحسان. قال النبي: أنْ تعبدَ اللهَ كأنك تراهُ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنّه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال النبي: ما المسؤولُ عنها بأعْلَمَ من السائل. قال: فأخبِرْني عن أمارتها. قال النبي: أن تلدَ الأمَةُ ربّتَها، وأنْ تَرَى الحُفاةَ العُراةَ رِعاءَ الشاءِ يتطاولون في البُنْيان.
قال عمر: ثُمّ انطلقَ، فلبثتُ مَليّاً. ثُمّ قال لي: يا عمر أتدري من السائل؟ قلتُ: اللهُ ورسولُهُ أعلمُ. قال: فإنّهُ جبريل أتاكم يُعلّمكم دينَكم".
١١. من نَفَّسَ عن مؤمن كُربَة
قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ نَفَّسَ عن مُؤمِنٍ كُرْبَةً من كُرَبِ الدنيا نَفَّسَ اللهُ عنه كُرْبَةً من كُرَبِ يومِ القيامة، ومَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرة، ومَنْ سَتَرَ مُسْلماً سَترَهُ اللهُ في الدنيا والآخرة، واللهُ في عَوْنِ العبدِ ما كانَ العبدُ في عَوْنِ أخيه".
(رواهُ مُسْلِم في صحيحه)
١٢. الناس معادن
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"الناسُ مَعادنُ كَمعادنِ الفضّةِ والذَّهَبِ. خِيارُكُمْ في الجاهليةِ خِيارُكُمْ في الإسلام إذا فَقِهوا، والأرواحُ جنودٌ مُجنَّدةٌ فما تَعارَفَ منها ائْتَلَفَ وما تَناكَرَ منها اخْتَلَفَ".
١٣. كُلُّ المُسلمِ على المُسلم حرام
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلُّ المُسْلمِ على المُسْلمِ حَرام: دمُهُ ومالُهُ وعِرْضُهُ".
وقال أيضا: " المُسْلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ مِنْ يَدِهِ ولسانِهِ".
ولا يظنَّنَّ أحدٌ أنَّ هذين الحديثين ينطبقان على المسلمين دُونَ غيرهم من أتباع الديانات الأخرى .فهذا فهمٌ سقيمٌ ومحدودٌ لا يتفقُ مع ما نعرفه عن هَدْيِ النبي الكريم الذي أرسله اللهُ رحمةً للعالمين.
يصوّرُ هذان الحديثان الشريفان أدقَّ تصوير ما تعانيه المجتمعات العربية في وقتنا الحاضر من آفات اجتماعية تُقَوِّضُ الأسسَ التي تقوم عليها المجتمعات الصالحة. وكأنَّ هذين الحديثين يتنبّآنِ بما سيؤول إليهِ الحالُ عندنا من تَفَشِّي ظاهرة العنف، والقتل لأتْفَهِ الأسباب، وسلب الأموال، والاعتداء على الأعراض، والسباب والشتم، والطعن والغيبة والنميمة.
إن كنا مسلمين حقّاً فعلينا أن نأخذَ بما أمرنا اللهُ ورسولُهُ به وأن ننتهيَ عمّا نُهِينا عنه. فالإيمان الأجوف الذي لا يؤيده العملُ لا قيمةَ له البتّةَ لا عند الله ولا عند العباد.
١٤. في فضائل القرآن الكريم
قالَ النبيُّ صلّى اللهُ وسلّمَ عن القرآن الكريم في حديثٍ رواهُ التِّرْمِذيُّ عن عليّ بن أبي طالب كرّمَ الله وجهَهُ:
"فيهِ نبأُ ما قبلَكُمْ، وخبرُ ما بعدَكُمْ، وحُكْمُ ما بينَكُمْ، وهو الفَصْلُ ليس بالهَزْل، مَنْ تَرَكَهُ مِن جَبّارٍ قَصَمَهُ اللهُ، ومَنِ ابْتَغَى الهُدَى في غيرِه أضَلّّهُ اللهُ، وهو حَبْلُ اللهِ المَتين، وهو الذكرُ الحكيم، وهو الصراطُ المستقيم، وهو الذي لا تَزيغُ به الأهواء، ولا تَلْتَبسُ به الألسِنة، ولا يشبعُ منهُ العلماء، ولا يخلُقُ على كثرةِ الرَّدّ، ولا تنقضي عجائبُهُ، مَنْ قالَ بهِ صَدَقَ، ومَنْ عَمِلَ بهِ أُجِرَ، ومَنْ حَكَمَ به عَدَلَ، ومَنْ دعا إليه هُدِيَ إلى صراط ٍمستقيم".
وعن عبداللهِ بنِ مسعود رضي اللهُ عنه عن النبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّمَ قال:
"إنّ هذا القرآنَ مأدُبَةُ اللهِ فاقْبَلُوا مأدبتَهُ ما استطعتم، إنّ هذا القرآنَ حبلُ اللهِ المتين، والنورُ المُبين، والشِّفاءُ النافع، عِصْمَةٌ لِمَنْ تَمسَّكَ به، ونجاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّم، ولا يَزيغُ فَيُسْتَعْتَب، ولا تنقضي عجائِبُهُ، ولا يَخْلُقُ مِنْ كثرة الردّ، فاتْلُوهُ فإنَّ اللهَ يَأْجُرُكُم على تِلاوته بكل حرفٍ عَشْرَ حسنات".
١٥. كُلّكُمْ راعٍ وكُلّكُمْ مسؤولٌ عن رعيّته
عن ابن عُمَر رضي الله عنهما عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال:
"كُلّكُمْ راعٍ وكُلّكُمْ مسؤولٌ عن رعيّته، فالأميرُ الذي على النّاسِ راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيّته، والرَّجُلُ راعٍ على أهل بيته وهو مسؤولٌ عنهم، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ بَعْلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبدُ راعٍ على مالِ سيّده وهو مسؤولٌ عنه، ألا فَكُلّكُمْ راعٍ وكُلّكُمْ مسؤولٌ عن رعيّته" .
١٦. مُسيءُ النهار ومُسيءُ الليل
قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلم:
"إنّ اللهَ عزَّ وجلَّ يبسطُ يدَهُ بالليلِ ليتوبَ مُسيءُ النهار، ويبسطُ يدَهُ بالنهار ليتوبَ مُسيءُ الليل حتّى تطلعَ الشمسُ من مغربها".
١٧. أضعف الإيمان
من الأحاديث الصحيحة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
"من رأى منكم منكراً فَلْيُغيِّرْهُ بيده، فإن لم يستطعْ فبلسانه، فإن لم يستطعْ فبقلبه وذلك أضعفُ الإيمان".
فالمسلم، عزيزي القارئ، مُطالَبٌ بالتصدي للأمور المنكرة في مجتمعه، كلٌّ على قدر وسعه وطاقته. فأضعف وسائل مقاومة المنكر والتصدي له هو إنكاره في القلب وكراهته إن لم يملك المرء وسائل أخرى أكثر فعاليةً كالقوة أو الوعظ باللسان.
١٨. انصُر أخاك ظالماً أو مظلوما
١- عن أنَس رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
"انصُرْ أخاكَ ظالماً أو مظلوماً"، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ أنصُرُهُ إذا كان مظلوماً. أرأيتَ إنْ كان ظالماً كيفَ أنصُرُهُ؟ قال: "تحْجِزُهُ أو تَمْنعُهُ من الظلم فذاكَ نصرُهُ".
٢- ومن الأحاديث المُتَّفقِ عليها ما رواه أنس رضي الله عنه من أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يؤمِنُ أحدُكُمْ حتّى يُحبَّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ".
٣- عن أبي هُرَيْرَة رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:
"حقُّ المسلم على المسلم خمسٌ: ردُّ السلام، وعيادةُ المريض، واتِّباعُ الجنائز، وإجابةُ الدعوة، وتشميتُ العاطس".
(مُتَّفق عليه)
وشَمَّتَ العاطسَ، أي دعا له بالخير كأنْ يقولَ له: يَرحَمُكَ الله.
٩ ١. حديث قدسي: لو أنّ أوّلَكُم وآخرَكُم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويهِ عن ربّهِ:
"لو أنّ أوّلَكم وآخِرَكم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتْقَى قلبِ رجُلٍ واحد ٍمنكم ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً، يا عبادي لو أنّ أوّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم كانوا على أَفْجَرِ قلبِ رجُلٍ واحد ما نَقَصَ ذلك من مُلْكي شيئاً، يا عبادي لو أنّ أوّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مَسْأَلَتَهُ ما نَقصَ ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقُصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ، يا عبادي إنما هي أعمالُكم أُحصيها لكمْ ثُمَّ أُوفِّيكم إيّاها فمَنْ وَجَدَ خيراً فَلْيَحْمَدِ اللهَ ومَنْ وَجَدَ غَيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلّا نَفْسَهُ".
٢٠. حديث شريف عن الرفق بالحيوان
من الأحاديث المتفق عليها التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما أنّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتدَّ عليه العطشُ فوجدَ بئراً فنزل فيها فشربَ، ثمَّ خرجَ فإذا كلبٌ يلهثُ يأكلُ الثَّرَى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغَ هذا الكلبُ من العطش مثلَ الذي كان قد بلغ مني، فنزلَ البئرَ فملأَ خُفَّهُ ماءً، ثمَّ أمسكهُ بفيه حتّى رَقِيَ فسقَى الكلبَ، فشكرَ اللهُ له فغفرَ له فأدخله الجنّةَ". قالوا: يا رسولَ الله وإنَّ لنا في البهائمِ أجراً؟ فقال: "في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ ".
١ ٢. خُطبة النبي صلّى اللهُ عليه وسلّم في الأنصار يومَ حُنَيْن
يُروَى في كتب السيرة أنه لمّا أصاب رسولُ الله الغنائمَ يومَ حُنَيْن وقَسّمَ للمؤلفةِ قلُوبُهم من قريش وسائر قبائل العرب ما قسّمَ ولم يُعطِ الأنصارَ شيئاً من تلك الغنائم وَجَدَ الأنصارُ في أنفسهم حتّى قال قائلٌ منهم: " لَقِيَ، واللهِ، رسولُ اللهِ قومَهُ". فطلب رسولُ اللهِ من سعد بن عبادة أن يجمعَهُمْ له، فلما اجتمعوا له أتاهم رسولُ الله فحَمَدَ اللهَ وأثنَى عليه بما هو أهلُهُ، ثم قال:
"يا معشرَ الأنصار: ما قالةٌ بلغتْني عنكم ومَوْجِدةٌ وجدتموها عليَّ في أنفسكم؟ ألَمْ آتِكُمْ ضُلّالاً فهداكم اللهُ، وعالةً فأغناكم الله، وأعداءً فألّفَ بين قلوبكم؟ قالوا: بلى، للهِ ولرسوله المَنُّ والفَضْلُ. ثُمَّ قال: ألا تُجيبونني يا معشرَ الأنصار؟ قالوا: وبماذا نُجيبُكَ يا رسولَ الله؟ للهِ ولرسوله المَنُّ والفَضْلُ. قال: أمَا واللهِ لو شِئْتُم لَقُلْتُم فَصَدَقْتُمْ ولَصُدِّقْتُم: أتَيتَنا مُكذَّباً فَصَدَّقْناكَ، ومخذولاً فنَصَرْناكَ، وطريداً فآوَيْناكَ، وعائلاً فآسَيْناكَ. أَوَجَدْتُمْ في أنفسِكم يا معشرَ الأنصار في لُعاعَةٍ من الدنيا تأَلَّفْتُ بها قوماً لِيُسْلِموا ووَكَلْتكم إلى إسلامكم؟ ألا تَرْضَوْنَ يا معشرَ الأنصار أنْ يذهبَ الناسُ بالشَّاءِ والبعيرِ وتَرْجِعوا برسول الله إلى رِحالِكُمْ؟ فَوالذي نفسُ محمدٍ بيده لولا الهجرةُ لكنتُ امْرَأً من الأنصار، ولو سَلكَ الناسُ شِعْباً وسَلَكَتِ الأنصارُ شِعْباً لَسَلَكْتُ شِعْبَ الأنصار. اللهمَّ ارْحَم الأنصار وأبناءَ الأنصار وأبناءَ أبناءِ الأنصار".
فبَكَى القومُ حتى أخْضَلُوا لِحاهُمْ وقالوا: رَضِينا برسول الله قِسْماً وحظّاً. ثم انصرفَ رسولُ اللهِ وتفرَّقوا.
_____________________
شرح المفردات:
وجد في نفسه مَوْجِدةً: غضِبَ ولمْ يُبدِ غضبَهُ. ما قالةٌ: ما اسم استفهام والقالة هي الإشاعة أي القول الذي يتناقلُه الناس. عالة (جمع عائل): فقراء. لُعاعة: بقية يسيرة من كل شيء، وفي المثل: "الدنيا ساعة ومتاعُها لُعاعة". الشّاء (جمع الشاة): الغنم والضأن. رِحال (جمع رَحْل): ما يوضَع على ظهر البعير للركوب وكل شيء يُعَدُّ للرحيل من وعاء ومتاع وغيره. شِعْب: طريق ضيّق بين جبلين. أَخْضَلوا لِحاهُم: بَلّوها بالدمع.
٢٢. حديث قُدْسي: مَن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيما يَرْويهِ عن ربّه عزَّ وجلَّ:
"يقولُ اللهُ عزّ وجلّ: مَنْ ذكرني في نفسه ذكرتُهُ في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خيرٍ منه، ومن تَقرَّبَ إليَّ شِبْراً تقرّبتُ منه ذِراعاً، ومن تقرّبَ منّي ذِراعاً تقرّبتُ منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتَيْتُهُ هَرْوَلةً".
٢٣. حديث عن اختيار الزوجة المناسبة
من الأحاديث المشهورة التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما وغيرهما من رواة الحديث قول النبي صلّى الله عليه وسلم:
"تُنكَح المرأة لأربعٍ: لمالِها ولجمالِها ولحسَبِها ولدِينها فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداكَ".
مما لا شكَّ فيه أنَّ الجمال يأسر قلوب غالبية الناس وعيونهم، وأن المال كذلك من المُغريات التي تصعب مقاومتها، وخاصةً في مجتمعنا الإستهلاكي المعاصر، وأن الحسب له أهميته عند بعض الناس، ولكن ينبغي أن يكون دين المرأة لمن يبحث عن زوجة صالحة هو المعيار الذي يعلو على سائر المعايير المذكورة. ولكن إذا اجتمع في المرأة ذات الدين جمالٌ أو مالٌ أو حسبٌ أو جميع هذه الأشياء كان خيراً إلى خير وبركة إلى بركة.
وأما عبارة " تربت يداك" فهي في الأصل دعاء معناه "لصقت يداك بالتراب من شدة الفقر"، ولكن العرب استعملته بمعنى إنكار الأمر، أو تعظيمه، أو الحثّ على فعله.
٢٤. أتَدرون مَنِ المُفلِس؟
كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم جالساً مع أصحابه، فسألهم: "أتدرون مَنِ المُفلِسُ؟ قالوا: المفلِسُ فينا مَن لا درهمَ له ولا متاعَ. فقال: إنَّ المفلسَ مِن أمَّتي يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شَتم هذا، وقَذفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسَفكَ دمَ هذا، وضَربَ هذا. فيُعطَى هذا من حسناتِه وهذا من حسناتِه. فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبل أن يَقضيَ ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ".
٢٥. سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ بظلّهِ يومَ لا ظلَّ إلّا ظِلُّهُ
من الأحاديث النبويّة المتفق عليها التي رواها البخاري ومُسْلم في صحيحيهما الحديث التالي:
"سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ بظلّهِ يومَ لا ظلَّ إلّا ظِلُّهُ: الإمامُ العادل، وشابٌّ نشأَ في عبادة الله، ورجُلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجد، ورَجُلانِ تَحابّا في اللهِ اجتمعا عليه وتَفرّقا عليه، ورجُلٌ دَعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصب وجمال فقال إنّي أخاف اللهَ، ورجُلٌ تَصدّقَ بصَدقة فأخفاها حتى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ ما تُنْفِقُ يمينُهُ، ورجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خالياً ففاضتْ عيناهُ".
٢٦. حديث قدسيّ: ما زالّ العبدُ يَتقرَّبُ إليَّ
قالَ رسولُ الله صلّى اللهُ عليه وسلّم فيما يرويهِ عن ربّهِ:
"ما زال عبدي يتقرّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ كنتُ سَمْعَهُ الذي يسمعُ به وبصرَهُ الذي يُبْصرُ به ويدَهُ التي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ التي يمشي بها وإنْ سألني لأُعْطِيَنَّهُ وإنْ استعاذني لأُعيذَنَّهُ، وما تَردَّدْتُ عن شيء ٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدي عن نَفْسِ المؤمنِ يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مَساءَتَهُ" .