مدونات احفاد الشيخ واسباطه

اكبر أحفاد الشيخ احمد الراوي

متحدثاً عن جده في ذكرى مرور نصف قرن على رحيله

الأستاذ صباح هاشم الراوي([1])

  قبل نصف قرن وفي ليلة ٥ / اذار سنة ١٩٦٦، توفي جدي الشيخ السيد احمد محمد أمين الراوي الرفاعي، عميد المدرسة العلمية الدينية في سامراء، واحد كبار علماء الدين في العراق. ولا يسعني الى ان اسطر شيئاً من ذاكرتي عنه. ولعلي أبدء بما ذكره هو رحمه الله عن نفسه ( إني من ولادة بلدة عنه([2]) ولم اضبط ولادتي بيقين، حيث ان الوالد قد أثبتها بمجموعة فقدت مني ولم أتخطر ضبطها بيقين فلا ضرورة لذلك)([3]) .

   جلس المرحوم جدنا لقراءة وحفظ القران الكريم وهو في سن الخامسة حين اصطحبه والده رحمه الله بنفسه الى ( المُلا حسين الساعي ) ([4]) الذي أولاه اهتماما بالغا، حيث لم يدع احد الطلبة المتقدمين الإشراف على تدريسه، بل قام هو وبنفسه على الرغم من تقدمه بالسن بتدريسه، وعند وفاة المُلا المذكور لم يكمل جدي حُسن الخط وضبط حركات القران الكريم، فدرس عند تلميذ المرحوم المُلا حسين المتقدم ( المُلا صادق ) قرابة السنة، ختم فيها القران الكريم وتحسنت طريقة استنساخه. كما وقرء على يد هذا المُلا مقاصد الامام النووي ( في فقه الشافعية ) وفي المقصد الأول ومنه العقائد الإسلامية التي حفظها عن ظهر قلب. بعدها أخذ يكرر ما حفظه من القران الكريم بين يدي جده لامه المرحوم المبرور السيد حسن الخضر([5])، الى أن أصبح من حفظة القران الكريم وهو في سن الثامنة.

   بعدها دخل المدرسة الابتدائية في المدرسة الوحيدة في مدينة عنه، الكائنة قبالة ( سراي الحكومة ) ولم يكن في ذلك التاريخ مدرسة رسمية غيرها، وكان مدرسها رجل من أهالي خانقين اسمه ( الشيخ محمد صالح ). كان التدريس في هذه المدرسة حسب المنهج باللغة التركية، ولكن غالبية الدروس كانت في الفقه والتجويد ورسالة الأخلاق مما يطابق نهج المسلمين، كما توجد في المنهج ايضا دروس في الحساب والجغرافية والترجمة بين اللغة العربية والتركية وحسن الخط.

   وبعد إكمال الابتدائية انتقل الى بغداد في أواخر السنة السادسة عشر بعد الثلاثمائة والألف الهجرية،

وباشر بالقراءة على يد المرحوم المبرور الشيخ ابراهيم الراوي([6])، المدرس الأول في مدرسة السيد سلطان علي،

وكذلك على يد مدرسها الثاني السيد احمد شاكر أفندي الالوسي، حيث درس على يده فقه الحنفية.

بعدها بعدة أشهر درس في مدرسة العدلية على مدرسها الشيخ عبد الجليل أفندي ال الجميل([7]) ، فقرأ على يده مقدمات علم الصرف والمنطق.

 انتقل بعدها من جامع السيد سلطان علي للإقامة في جامع حسين باشا الكائن في محلة الحيدر خانه وذلك لتلقي العلم على المشايخ المتواجدين آنذاك،

حيث باشر الدرس على يد المرحوم الشيخ علي أفندي الخوجه([8])، أمين الفتوى في بغداد.

 كما تلقى العلم على يد نائب الشريعة المحمدية في مدينة بغداد المحمية، الشيخ عبد الوهاب([9]) في مدرسة الخاتون .

 أما الشيخ المرحوم سعيد أفندي النقشبندي فقد قرء عليه كتاب جمع الجوامع

. كما درس على يد الشيخ محمد سعيد أفندي مدرس مدرسة نائلة خاتون كتاب التحفة في شرح المنهاج .

 اما كتاب شرح العقائد النفيسة فقد درسه على يد الشيخ السيد يحيى الوتري.

  حيث بقي على هذا الحال لمدة ثمان سنوات مترددا على هؤلاء الذين كانوا مشايخ الزمان حينه، والذين أجازوه الإجازة العامة للتدريس .

  وفي السنة الثامنة والعشرين بعد الثلاثمائة والألف الهجرية، جاء الوالي ناظم باشا الى بغداد، وكان قاضيها في ذلك التاريخ السيد عاصم بيك، اللذان أصدرا أمرا حكوميا بتعيين قضاة بجميع الألوية والأقضية وحتى النواحي، يختارونهم من المفتين والمدرسين بعد اجتياز الاختبارات الشفوية والتحريرية. كانت هيئة الاختبار تتألف برئاسة قاضي بغداد الأنف الذكر، وعضوية كل من المشايخ المرحوم عبد الرحمن القرداغي، والمرحوم غلام رسول الهندي، والمرحوم سعيد أفندي النقشبندي، والمرحوم عبد الوهاب النائب، والسيد عيسى الوتري، والشيخ علي أفندي الخوجه أمين الفتوى، والسيد يوسف الالوسي. دامت المقابلة وتحرير الإجابة عن الأسئلة وقتا قارب صلاة المغرب ( اي منذ الصباح الى المغرب كما ذكر جدي المرحوم في مذكراته )، ولم يستطع الآخرون إكمال أجوبتهم بل باتوا الى اليوم التالي في نفس المكان، عدا الشيخ عبد الجليل أفندي ال الجميل، الذي أتمها مع جدي المرحوم. وبعد النجاح نظمت شهادات تشير الى ان الرجل الممتحن فلان ابن فلان قد اثبت الأهلية للقضاء والإفتاء والتدريس، وقد سجلت في المحكمة الشرعية في بغداد.

    اقترح قاضي بغداد الشيخ عاصم بيك رئيس الهيئة ان يكون جدي المرحوم قاضيا في العزيزية ونظمت الأوراق حسب الأصول وارسلت الى الآستانة في البريد. وقبل وصول الجواب تم تعيين قاض في المحل المذكور وكان تركيا. عادت الأوراق الى بغداد وتم تعيين المرحوم جدي قاضيا في ناحية ( شوفه مليحه ) التابعة للواء الديوانية، وأقام بها ما يقارب السنه ثم اصبح قاضيا في قضاء المسيب .

   بعد احتلال بغداد وسقوط الدولة العثمانية العلية، رافق المرحوم جدي الجيش العثماني المنسحب حتى وصل الى دير الزُّور التي تعين فيها قاضيا ايضا.

   وفي عام ١٩٢١ وبعد تنصيب الملك فيصل الاول على العراق اصبح المرحوم قاضيا في الكوت، ونقل بعدها الى خانقين ثم الى شهربان . أُحيل على التقاعد من القضاء عام ١٩٢٦ وأسندت اليه إدارة المدرسة العلمية الدينية في سامراء وبقي في منصبه هذا لحين وفاته عام ١٩٦٦ .

    وقد سبق لي ان ذكرت تفصيلات عامة عن حياته في هذه المدرسة وطرق تدريسه وتأثيره في المجتمع، واذكر هنا ان المجالس في عمان والتي يحضرها الشيخ عبد الملك السعدي او أخيه، لطالما يلهجان في ذكر فضائل المرحوم الشيخ احمد الراوي على علماء الدين في العراق وفي العالم العربي . كما أودّ الإشارة الى ان ما يقارب نصف علماء العراق الدينيون قد تخرجوا من تلك المدرسة العريقة، وحاولوا هم ان يتبنوا مشاريع ضخمة أسوة بتلك المدرسة، وعلى سبيل المثال مدرسة الشيخ العالم الجليل المرحوم عبد العزيز السالم السامرائي، الذي تمكن من فتح مدرسة علمية دينية في الفلوجة، كانت حاضنه للدين الحنيف وخرجت نخبه من خيرة علماء العراق منهم ( ال السعدي ) .

   وأخيرا فقد جلب انتباهي تقديم المرحوم جدي لنفسه في ذكرياته حيث يقول ( إني السيد احمد ال السيد محمد أمين ال المرحوم المبرور السيد الحاج عبد الغفور نجل العالم الفاضل التقي الورع الفقيه السيد خضر ال المرحوم المبرور الشهم الغيور ذي الجاه الممدود السيد محمود نجل الصالح المحبب السيد الشيخ رجب نجل الهمام الذي كان لدين الله ناصر السيد الشيخ عبد القادر ال ولي الله بشهادة التواتر المنقب السيد الشيخ رجب الراوي الكبير دفين جبل رأوه ونسبه الشريف ثابت بالتواتر متصلا بسيد الوجود صلى الله عليه وسلم من السادة الحسينيين عليهم رحمة رب العالمين . فأحمد ربي واشكره على ذلك واسال الله ان يحفظني من الزيغ والزلل ويثبتني على الاقتداء بسلفي الصالح ناهجا منهجهم الكريم بحرمة سيد المرسلين أمين)

([1]) الأستاذ صباح هاشم احمد الراوي: وهو اكبر أحفاد الشيخ، نشأ في دار جده بسامراء، من رجال التربية والتعليم، مدرس لغة انكليزية، وشغل منصب مدير للعديد من المدارس الثانوية في بغداد وعنه وغيرها قرابة نصف قرن. كما عمل في السلك الدبلوماسي، بالسفارة العراقية في الهند أوائل السبعينات من القرن الماضي. 

([2]) بلدة عنه : من أقدم أقضية العراق . وعانه بالألف والنون معناها الجماعة من حمر الوحش التي تواجدت هناك . وكان اسمها السومري ( Anatho) وهي بلده بين هيت والرقة، تعد من أعمال الجزيرة يطوف فيها خليج من الفرات كثيرة الأشجار والنخيل والثمار والكروم ولها قلعة حصينة.

([3]) كان المرحوم المبرور جدي لا يميل إطلاقا الى ذكر تاريخ الولادة وكان لا يجيب عن من يسال عن ذلك. ولذلك لم يكن مرحبا بل مستاء عندما سأله أخي الدكتور زهير عن عمره، إلا أن الشيخ يونس السامرائي قد ذكر بان ولادته كانت عام ١٣٠٠ هجري، ( ينظر: تاريخ مدينة سامراء / الجزء الثالث) ، وقد ورد في كتاب أعلام العراق الحديث بان ولادته ووفاته كانت (١٣٠٠ هجري / ١٣٨٦ هجري ) ( ١٨٨٣/١٩٦٦ ميلادي ) ، ( ينظر: باقر أمين الورد المحامي في كتابه ( إعلام العراق الحديث - ١٨٦٩/ ١٩٦٩)). وعلى ما يبدوا فان مصدر معلومات الأخير مستقاة من كتاب ( لُب الألباب)، ( ينظر: لُب الألباب ، للعلامة محمد صالح السهروردي / ج ٢ / صفحه ٣٢٩).

([4]) ورد ذكره في مذكرات جدي المرحوم الشيخ احمد الراوي

([5]) السيد حسن الخضر : وهو عّم جدنا المرحوم محمد أمين وجد المرحومين ابراهيم ( والد الأخ معروف ) وجد عبد العزيز ( والد الدكتور زوبع ) وجد المرحوم ( يحيى ابو هلال) . وكان المرحوم السيد حسن الخضر يختم القران في كل يوم من ايام شهر رمضان المبارك.

([6]) الشيخ ابراهيم الراوي : وهو العالم الجليل جليس السجادة الرفاعية حيث درس على يده فقه الشافعية ( شرح المنهج للقاضي زكريا الأنصاري).

([7]) الشيخ عبد الجليل أفندي ال الجميل: كان عالما فاضلا . وهو عميد أسرة ال الجميل المعروفة ومنهم السياسي حسين جميل المحامي . وهذه العائلة من عوائل بغداد المعروفة واصلها من مدينة عنه . وينتمي الى هذه العائلة الشاعر المعروف حافظ جميل.

([8]) درس على يده كتاب ( الدر المختار).

([9]) حيث درس جدي على يده كتاب ( المطّول ).