كلمته في الحفل التأبيني لوالده

كلمة الشهيد العقيد الحاج ( كمال احمد الراوي )

في الحفل التأبيني لوالده  العلامة الشيخ (احمد محمد أمين الراوي)

المقام في المدرسة العلمية الدينية في سامراء / 1966 م

 

           والدي العزيز  .....

      يا من ربيتني وعلمتني وهديتني الصراط المستقيم، يا من نصحتني وأرشدتني ووعظتني كما وعظت آلاف المسلمين في كل يوم، يا من ثبت في نفسي قبساً من روحك الطاهرة الزكية التي صعدت الى ربها راضية مرضية .

  يا من ألهمتني الصبر والمثابرة، ووجهتني الوجهة الصحيحة، وضربت لي الأمثال الكثيرة العملية في جودك وكرمك، وعلمك وفطنتك، وسمو مكرمتك وحكمتك، وصفاء قلبك وحلمك، ونبلك وعظمتك، منذ الطفولة ونصائحك القيمة الثمينة لا أنساها ,ومن نعومة أظفاري وعظاتك وإرشاداتك لا أزال اذكرها وأعمل بمقتضاها.

   كنت تعلمني كيف أعبد ربي واحمده، كما عَلَّمت الكثيرين، وأفنيت عمرك الغالي لإرشاد الناس، والصلاة فيهم وحثهم على التقوى والعبادة، أربعون عاماً في زاويتك العلمية في المدرسة الدينية في سامراء، وأنت في جد وعمل متواصل بين الصلاة والصوم والتهجد والعبادة، وأنت في تكية العلم والعمل؛ توعظ الناس وتدرس طلبة العلم والدين، وتخطب في المسلمين بصراحتك المعهودة، سيلاً في الحكم والأحاديث بغزارة علمك فتياً ووعظاً، ومدرساً وإماما؛ أمين فتوى ورئيس حلقة, تذكر الله في كل لحظة, آناء الليل وأطراف النهار.

    أغدقت به مريديك وحضور مجلسك، وتلامذة طريقتك الرفاعية،  وطلبة مدرستك الخالدة، والفقراء والمساكين، جوداً وكرماً ونصحاً وتنقيهاً، علمتهم أمور دينهم ودنياهم وحاربت الكفر والإلحاد بسيف مصلت من التقوى والعبادة,لا تأخذك بالله لومة لائم، وقفت بوجه الطغاة والظالمين، وأعلنت الجهاد على الكافرين والملحدين .وان أنسى لا أنسى نصيحتك لي قبل ربع قرن، حينما قلت لي بالحرف الواحد (( أقول لك يا ولدي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، مخاطباً بعض أصحابه ( من حديث طويل من جملة هذه الكلمات " اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" وأقول لك أطع الله ورسوله وأمراءك من المؤمنين، عملاً بقوله تعالى (( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ففي ذلك انتكاء أمور الدنيا والدين، وان اختل في ذلك أي ركن من هذه الأركان، فلا دنيا ولا دين, فاسأل الله أن يبصرك بهذه الحقائق لتعمل بها، لتنتظم أمور دينك ودنياك، وتكون من السعداء إن شاء الله تعالى في الدارين، وممن له السمعة الطيبة بين الفريقين، وتحافظ على نسبك وانتسابك، في حالة بعدك واقترابك، وتحافظ على أدبك مع أعدائك وأحبابك، وتركن مهما أمكن الى العفو عن المسيء، وتصل من قطعك، وتطعم من حرمك، عملاً بقوله تعالى : (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين ).

    وأنصحك أن تقف عند حدك، وتباشر أمورك حسب إمكانك بنفسك، وإياك والتيه والمرح، فقد نهى الله تعالى عن ذلك في محكم كتابه العزيز بنص قوله :(ولا تمشي في الأرض مرحاً، انك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً، كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ). واحرص على صلة رحمك، والالتفاف مع أقاربك كيفما كانوا، لأنهم الركن الشديد لك، واليه الإشارة بقوله تعالى ( لوان لي بكم قوة او آوي الى ركن شديد ) وأكثر المفسرين رحمهم الله، قالوا: المراد بالركن الشديد هو العشيرة، ولو أطلقت عنان القلم في هذا الميدان لضاق المجال ولكن قد قيل ( ما قل وقر خيرٌ مما كثر وفر ) والله الموفق والمعين )) انتهى-

    هذه نبذة من كلام المرحوم الوالد، وهذا قبس من أنواره الساطعة، هذه دررك اللامعة ورياحينك الآلفة، جعلت فداك من أب رحيم، رءوم حنون, ومن عالم نحرير، ولكنك زاهد متقشف، نذرت مالك للغير، وعلمك للكبير والصغير, ما بخلت بعلم أو مال, ولا قترت في أي حال من الأحوال, بكاك القريب والغريب, وحزن عليك القاصي والداني, وفقدك العلم والدين, لقد قال لي المغفور له الشهيد السيد الرئيس (عبد السلام محمد عارف ) عندما قابلته لأرفع آيات الشكر، لتعزيته لنا بفقد والدنا وبمصابنا الجلل، لقد فقد الاسلام والمسلمين ركناً من أركان الدين بوفاة المرحوم، وقد لمست عظم محبة المسلمين له وخاصة أهل سامراء، تغمده الله برحمته الواسعة، واسكنه فسيح جناته .

 

ولدك الحزين كمال الدين

عن مجلة صوت الإسلام البغدادية / العدد / 1 ، السنة /3 الصادر في 24 / تموز / 1966 م