مقال عن اسباب اغتياله

نشرت جريدة الجمهورية الشعبية  المقال التالي بعددها  /78 الصادر في  25 / 3 / 2014 

كانوا رجالاً لا يخافون في الله لومة لائم

الشهيد العقيد كمال أحمد الراوي

أعدم للتخلص من العناصر التي لا تنسجم مع قيادة حزب البعث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   تخرج المرحوم الشهيد من الكلية العسكرية الملكية (الدورة 24) عام 1948 برتبة ملازم (صنف مدفعية) وتدرج في الرتب العسكرية وما يناسبها من مراكز، ولم يكن من الذين يتقلدون الرتب جزافاً ، ويقول دائماً : أنّ من يحمل رتبةً ليست من استحقاقه يقل احترامه خصوصاً في الجيش.

   والده الشيخ أحمد عزّت محمّد أمين شيخ علماء سامراء الذي يمتد نسبه إلى الشيخ رجب الراوي الرفاعي والذي يرتقي نسبه إلى سيد الشهداء الإمام الحسين (ع) .

   كان الشهيد العقيد كمال الراوي لا يؤمن بزجّ الجيش بالسياسة، وكان رحمه الله يمقت الحزبية والتحزّب طيلة حياته، ولذٰلك ناصبه العداء كل الضباط الذين ركبوا قطار الأحزاب، خصوصاً ضباط دورته أمثال صبحي عبد الحميد وصالح مهدي عماش وغيرهم.

  أصبح رئيساً لإحدى الهيئات التحقيقية مع البعثيين بعد محاولتهم الإنقلابية بتاريخ 4/9/1964 على عهد الرئيس عبد السلام محمد عارف، ولعل ذٰلك كان سبباً مباشراً للتخلص منه .

  تصدى لمحاولة القوميين الناصريين الإنقلابية الأولى التي تزعمها العميد الركن الطيار عارف عبد الرزّاق رئيس الوزراء وقائد القوة الجوية، والتي باءت بالفشل عام 1965 وبتاريخ 15/9/1965 على وجه التحديد، في ذٰلك التاريخ الذي حضر فيه الرئيس عبد السلام عارف مؤتمراً للقمة في المغرب، أصبح آمراً لكتيبة الإستمكان (الوحدة الوحيدة في الجيش العراقي آنذاك التي تدعى بهذا الاسم) وآمراً لمعسكر الوشاش في ذات الوقت .

   

     تصدى بحزم وعزم لمحاولة القوميين الناصريين الإنقلابية الثانية، في الثلاثين من حزيران عام 1966، بالتعاون مع سعيد الصليبي قائد موقع بغداد وآمر الانضباط العسكري في حينه، والعقيد الركن بشير الطالب آمر لواء الحرس الجمهوري، ما أدى إلى فشلها، وتم اعتقال كل المتآمرين ومن ضمنهم صبحي عبد الحميد، والعقيد الركن هادي خماس، والعقيد محمد مجيد، والعقيد الركن عرفان عبد القادر وجدي ، وعبد الكريم فرحان، ومعظم تنظيم القوميين الناصريين , يقول صبحي عبد الحميد في كتابه الموسوم (مذكرات العراق في سنوات الستينيات 1960- 1968): أنّ المعتقلين باتوا ليلتين في الانضباط العسكري ونقلوا بعدها إلى مدرسة المشاة في معسكر الوشاش حيث تم تعيين المقدم كمال الراوي آمراً للمعتقل وكان حينذاك يشغل منصب آمر كتيبة المدفعية الضخمة.

     بعدها أصبح المرحوم العقيد كمال الراوي عضواً في الهيئة التحقيقية مع هؤلاء، والتي ترأسها العميد أحمد النعيمي، وعضوية الحاكم المدني أكرم الخضار.  أدّى دوره في هذا إلى أن يكون أحد أركان النظام العارفي الثاني، وعضواً في المجلس الوطني، مما أثار أصحاب النفوس الضعيفة أمثال عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية، الذي كان في محاولة لسرقة مفاهيم قومية واشتراكية من أفكار حزب البعث والحركات القومية الأخرى، وتكوين تنظيم حزبي جديد في الجيش، يعاضده في ذٰلك العقيد الركن إبراهيم عبد الرحمٰن الداوود آمر لواء الحرس الجمهوري الجديد .

  وكما ذكرنا سابقاً أنّ الشهيد العقيد كمال الراوي كان يقف ضد فكرة إقحام الجيش في السياسة وبهذا يكون موقفه مع أفكار النايف بالضد .

  كان المرحوم الرئيس عبد الرحمٰن عارف ضعيفاً، وكان يثق بالمقدم الركن عبد الرزاق النايف ثقةً عمياء، أدّت بنظامه إلى الزوال في نهاية الأمر , تمكن هذا الأخير بالتأثير على رئيس الجمهورية وجعله يعتقد بأنّ وجود المرحوم كمال الراوي خطراً عليه وعلى نظامه لكي يخلو له الجو للتآمر على نظام عارف مع قيادة حزب البعث .

      وهكذا وبعد نجاح انقلاب 17 تموز 1968 أبعد عن بغداد والعراق إلى سوريا وفي محافظة السويداء حيث أصبح آمراً لمدفعية الجبهة الشرقية .

  وبدأت في هذه الفترة (أي بعد الإنقلاب بأربعة أشهر) سيناريوهات تكتيكية بدأت باغتيال نصّار الحاني وزير الخارجية بطريقةٍ غريبة، والعقيد المظلي عبد الكريم ومصطفى نصرت، والقصة الغريبة التي التصقت به المشابهة لقصة اغتيال فؤاد الركابي المفبركة من قبل مكتب العلاقات العامة آنذاك .

  وهكذا تستمر سلسلة المحاكمات إثر محاولات انقلابية مزعومة هدفها التخلص من العناصر المعادية والطموحة، ذات المواقف الصلبة، والتي لا تنسجم إطلاقاً مع قيادةٍ يحكمها حزب البعث .

     لقد تصور النظام في حينها أنّ إلصاق التهم الباطلة، ومنها التجسس لحساب الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران، والتآمر للإطاحة بنظام الحكم ، بأنّ ذٰلك ينطلي على كل ذي بصيرة ، كان آخرها إدعاء النظام بمحاولةٍ انقلابية ٍ يقودها متآمرون طموحون مدعومون من إيران، بزعامة عبد الغني الراوي أذيعت على الملأ في كانون الثاني عام 1970 .

     

     تشكلت محكمة هزيلة قامت بإعدام (43) شخصية عراقية أصيلة ونبيلة، كان من بينهم الشهيد العقيد كمال الراوي، الذي لم يكن يتصور في يومٍ ما ولا في الخيال، أن يقف متهماً أمام هيئة محكمة يرئسها النائب الضابط طه ياسين رمضان، والذي كان بمعيته يوم كان آمراً لكتيبة المدفعية /32 المرابطة في دربندخان , لذا فقد تعامل مع المحكمة باستهزاء واحتقار وعصبية، أدّت إلى إطلاق الرصاص صوبه ليلتحق بقافلة الشهداء التي ضمت العديد، منهم اللواء مدحت الحاج سري شقيق العقيد المرحوم رفعت الحاج سري أحد أبرز قيادات تنظيم الضباط الأحرار , والعميد الركن فاضل مصطفى والعميد جابر حسن حداد والمحامي راهي الحاج عبد الواحد سكر ابن أحد زعماء ثورة العشرين، والعميد محمد فرج والعقيد الركن صالح مهدي السامرائي والعميد رشيد مصلح , كانوا رجالاً  لا يخافون في الله لومة لائم ، رحمهم الله برحمته الواسعة وأسكنهم فسيح جناته . 

 

( رابط الى صفحة تضمنت معلومات اخرى عن الشهيد بضمنها رسالة وتوصية شعرية من والده العلامة الشيخ احمد الراوي)

(رابط الى صفحة تضمنت بعض الاثار الشعرية للشهيد ومنشوراته في الصحف في الستينات من القرن الماضي )