قصة فهد ابن صليبيخ وقصيدته، التي رد عليها عبدالله الأشقر
كان فهد بن صليبيخ أحد العاملين في طاقم الخدمة في قصر الحكومة الحائلية (برزان). وهو من العبيد الذين منحهم حريتهم الأمير سعود العبدالعزيز الرشيد (أمير حائل من 1908 إلى 1920). وكان ابن صليبيخ معروفا بضعف ولاءه للأمراء الرشيد، وسبق له أن تخلى عن العمل في برزان (وهذا من حقوقه) وهاجر إلى سوريا وقضى فيها فترة من الزمن ثم عاد إلى حائل، لكنه ترك العمل في برزان مرة أخرى وهاجر إلى بعض العشائر البدوية في الشمال وقضى بضعة أشهر، فقرر الرجوع ثانية إلى حائل سنة 1920، وفي رحلته عائدا إلى حائل، وقبل أن يصل الحدود الحائلية الشمالية هجم عليه لصوص من البدو ونهبوا جمله وبندقيته وما معه من نقود، فلما وصل إلى حائل اتجه فورا إلى الأمير ليطلب منه النجدة والعون، فوجد أن الأمير سعود العبدالعزيز الرشيد قد توفي قبل مجيئه بأيام، وأن الأمير عبدالله المتعب الرشيد (وعمره 14 سنة) قد اختير أميرا لحائل مع مجلس وصاية.
دخل ابن صليبيخ على الأمير عبدالله المتعب، والقى قصيدة يستنجده فيها ويطلب منه أن يوجّه قوة من الجيش الحائلي نحو تلك الجماعة البدوية الأجنبية فيما وراء الحدود، لاستعادة جمله وبندقيته وما نهب منه. وتضمنت قصيدته أبياتا في مدح الأمير عبدالله المتعب، وهذه عادة الشعراء في مدح من يحتاجون إليه، فلما انتهى من قصيدته، رد عليه الأمير عبدالله المتعب الرشيد ردا بارعا، إذ قال له: الله يسلمك! وهذا يعني: "شكراً على القصيدة"، ولم يكن هذا ما ينتظره ابن صليبيخ بل كان ينتظر توجيها من الأمير لمساعدته. والراجح أن الأمير رد عليه بهذا الرد، إما بتوجيه من مجلس الوصاية لأن حائل آنذاك كانت تخوض حروبا دفاعية ضد العدوان السعودي وليست متفرغة لمساعدة شخص تافه سرق البدو أمتعته، أو أن الأمير لم يدرك مطلب ابن صليبيخ لصغر سنه، أو أن الأمير أراد من تلقاء نفسه أن يتخلص من ابن صليبيخ المعروف بعدم ولاءه وذلك برفض الاستجابة لمطلبه.
فامتلأ قلب ابن صليبيخ بالحقد والكراهية ضد حائل والأمير عبدالله المتعب، لكنه كان من الجبناء فلم يعبّر عن مشاعره تجاه ما حدث، بل هاجر إلى سوريا وذلك في أوائل عام 1921م والتحق هناك بالجيش الفرنسي الاستعماري في سوريا، وبعد مرور نحو عشرة أشهر، جاءه نبأ سقوط حائل في يد الاحتلال السعودي في 2 نوفمبر 1921م، وعندئذٍ أخرج ابن صليبيخ ما في صدره من أحقاد كان يخفيها، فبسقوط حائل أصبح بإمكانه أن يهاجم الأمراء الرشيد والدولة الحائلية، فوضع قصيدته المشهورة، ومن أبياتها -مع الشرح بعد كل بيت-:
يا نجد من سماك نجد غوى سماك
هو ليه ما سماك يا أم البلاوي
يا نجد (ويقصد حائل) من سماك نجدًا لم يوفق في تسميتك
وكان يجب أن يسميك: ذات المصائب
عسى الذي سوى رسومك وسواك
يرسل عليك من الميازين هاوي
وأدعو الله الذي صنع تضاريسك وأرضك
أن يرسل عليك نجما من السماء (نيزك) ليدمرك
حتى نريح ويسفه القلب طرياك
بلا رجا طليان ربق وتلاوي
حتى نستريح منك ونتوقف عن التفكير بك
ولا نبقى في رجاء تلك الخراف عديمة القديمة (يقصد الأمراء الرشيد)
يوم إن "ابن مقرن" بسيفه تولاك
خلى سنامك والردوف متساوي
-وقد شعرت بالسعادة- عندما استولى عليكِ "ابن سعود" بسفك الدماء -يا حائل-
وقد دمرك ومحا أمجادك وقضى على رفعتك وتميزك وجعلك مثل باقي أنحاء نجد المنحطّة
ركب عليك وطوّعك لين خلاك
أطوع من النضو الذلول اللحاوي
لقد أخضعك "ابن سعود" بالقوة الغاشمة حتى فقدتِ -يا حائل- كل قوتك
وأصبحت كالناقة المطواعة التي لا تستطيع مخالفة صاحبها -فيا لسعادتي-
بعد أن وضع ابن صليبيخ قصيدته الشامتة بحائل والتي أسعدت أعداء حائل وتسابقوا على نشرها، غضب معظم الشعراء ذوي الأخلاق الرفيعة سواء كانوا من حائل أو من محبي حائل، لأن قصيدة ابن صليبيخ تسيء إلى الشعر والشعراء عامة، بغض النظر عن اساءته لحائل ولأمراء حائل. فالشعراء الأولون كانوا يدافعون عن الشعر ويحافظون على سمو أهدافه، فيردّون على أي شاعر يخالف الضوابط والأخلاقيات التي تحفظ للشعر مكانته، حتى لا ينحطّ ويصبح غرضا يتلاعب به توافه الشعراء لتحقيق مصالحهم.
فرد عليه ابن رشيدان، ورد عليه فهد المارك، لكن ابن صليبيخ كان قد وصل قعر الانحطاط لذلك فإنه لم يتوانَ عن الرد على أولئك الشعراء الذين ردّوا عليه فهاجمهم بقصائد مليئة بالبذاءة التي لم يسبق لها مثيل، واتهمهم بما يسيء لسمعتهم كقوله عن فهد المارك إنه "مجرد خادم خصصه سيده لجلب العاهرات والقوادة وممارسة الدعارة"، وأراد ابن صليبيخ من هذا الانحطاط غير المسبوق في لغة الشعر أن يخيف باقي الشعراء من الرد عليه، ونجح في ذلك لفترة من الزمن وخاف أكثر الشعراء من الرد على قصيدته حتى لا يهاجمهم بمثل هذه الوقاحة. ولكن البطل الشعري عبدالله الصالح الأشقر لم يكن من هؤلاء الشعراء، بل كان رجلا شجاعا لم يخف من انحطاط ابن صليبيخ، فردّ عليه ردا قاصما رفيعا في ألفاظه ومعانيه فلم يتمكن ابن صليبيخ من الرد عليه بل إنه ترك الشعر تماما وتوارى عن الأنظار في الشام حتى هلك.ط