روى الراغب الأصفهاني في كتابه محاضرات الأدباء ج 7 ص 213 ، والراغب الأصفهاني للعلم هو قرين الغزالي في العلم عندهم ( عند المخالفين ) له مقام عال جدا ..
يروي عن ابن عباس قال : كنت أسير مع عمر ابن الخطاب في ليلة وعمر على بغل وأنا على فرس فقرأ آية فيها ذكر علي ابن ابي طالب
بدأ عمر يقرأ القرآن وهو راكب على بغله وأبن عباس الى جواره راكب على فرسه وهما يسيران ليلا ... فقرأ عمر آية فيها ذكر علي ابن ابي طالب ! كأنه قرأ آية اليوم أكملت لكم دينكم آية الإكمال ، كأنه قرأ آية الإنذار يوم الدار وأنذر عشيرتك الأقربين ، كأنه قرأ آية الولاية إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويأتون الزكاة وهم راكعون ، كأنه قرأ آية التطهير ، كأنه قرأ آيات سورة الإنسان ، كأنه قرأ الآية الكريمة وإنه لدينا في أم الكتاب لعلي حكيم أو آية هذا صراط علي مستقيم وما أشبه من هذه الآيات المباركات التي نزلت في حق علي صلوات الله وسلامه عليه .
فقرأ آية فيها ذكر علي ابن أبي طالب عليهما السلام فقال : أما والله يا بني عبد المطلب .... يخطب ابن عباس بإعتباره من بني عبد المطلب ابن هاشم
لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر !
فقلت في نفسي ( ابن عباس يقول ) لا أقالني الله إن أقلته .... لا أترك عمر ابن الخطاب مادام قد أقر على نفسه في هذه الليلة في ساعة الصفاء هذه وقال بأن عليا أحق بهذا الأمر منه ومن أبي بكر ، حينما قرأ الآية التي فيها ذكر علي ابن ابي طلب من مجموعة الآيات
فقلت : أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين ، وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما الأمر منا دون الناس
ابن عباس يقول لعمر ، أنت تقول بأن عليا أولى بهذا الأمر منك ومن ابي بكر وأنت الذي قمت وصاحبك أبا بكر بالوثوب لإقتناص الخلافة وإزاحة علي وأفرغتما الأمر منا دون الناس يعني إستبعدتمونا نحن أهل البيت
فقال : اليكم يا بني عبد المطلب أما إنكم أصحاب عمر ابن الخطاب
عمر هنا غضب فقال لإبن عباس إليكم يا بني عبد المطلب يعني غربوا وجوهكم عني ، إبتعدوا عني ، إتقوا غضبي وشري ... لما يقول المرء للشخص الآخر اليك عني فمعناه أنه أبعد نفسك عني وإلا يحل عليك غضبي
اليكم يا بني عبد المطلب أما إنكم أصحاب عمر ابن الخطاب يعني احذروا ولا تلعبوا مع عمر ابن الخطاب ، لا تقل هذا الكلام ... مقصود كلام عمر لأبن عباس أنه إياك أن تكرر هذا الأمر ثانية ... إياك ، فأنا عمر ابن الخطاب
فتأخرت وتقدم هينهة ... يقول لما سمعت منه هذا الأمر ورأيت بوادر غضب عمر تأخرت بفرسي وجعلته يتقدم علي بفرسه حتى يبتعد عني ولأبتعد عنه هنيهة برهة من الزمن
فقال : سر لا سرت ... غضب أيضا مرة أخرى وقال سر لا سرت
وقال : اعد علي كلامك
خلي اسمع ماذا قلت مرة أخرى فأعد علي ، فقلت : إنما ذكرت شيئا فرددت عليه جوابه ولو سكت لسكتنا
ابن عباس يقول لعمر ، أنت ذكرت شئيا عينا وأنا أجبتك عليك ، أنت قلت أما والله يا بني عبد المطلب لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر مني ومن أبي بكر ، فانا رددت عليك وقلت لك أنت تقول ذلك يا أمير المؤمنين وأنت وصاحبك وثبتما وأفرغتما الأمر منا دون الناس .. فإذن كان جوابا على ما ذكرته أنت ولو سكت لكنا أيضا قد سكتنا
فقال : إنا والله ما فعلنا الذي فعلناه عن عداوة ... ولكن إستصغرناه
يريد عمر هاهنا أن يبرر جريمته في إزاحة علي عليه السلام عن الخلافة مع أنه عالم بأنه أولى منه ومن صاحبه بها ، فيريد أن يوهم ابن عباس ومن يسمع هذا القول من ابن عباس أنه لم يصنع هذا الصنيع عن عداوة شخصية لعلي ابن أبي طالب ... لا ، أبدا
نفس الكلام الذي ورد في رواية ابن عساكر .. لما ندقق ، فنظن أن القوم إستصغروا صاحبكم إذ لم يولوه أموركم ... في أحيانا معينة أو عادة عمر هكذا أنه الشيء الذي هو يختلقه والشيء الذي هو يعتقد به ينسبه الى آخرين ، كما في قضية إهانة وأصل ونسب رسول الله صلى الله عليه واله التي ذكرناها .. هو صاحب القول ألا أن محمدا مثله كشجرة نبتت في كبى أو في كناسة ( في مزبلة والعياذ بالله ) ولكن يقول في روايات أخرى يقول سمعت قوما يقولون هكذا ، ينسب الأمر الى آخرين
فهنا في رواية ابن عساكر يقول يا ابن عباس أظن ان القوم إستصغروا صاحبكم إذ لم يولوه أموركم وأما في رواية الراغب الأصفهاني فمع أن كلامه أيضا لأبن عباس ولكن في واقعة أخرى فأنه يعترف بأنه هو الذي أستصغر ! هو وصاحبه ومن معهما
وقلنا هذا صغير لا يصلح للخلافة ، فكم كان عمر علي عليه السلام ؟ حينما إستشهد النبي الأكرم صلى الله عليه واله ... نحوا من ثلاثين سنة
شيء يزيد على الثلاثين ، أما ابن صهاك وابن أبي قحافة وغيرهم كان يقال لهم شيوخ قريش ، أبو بكر وعمر يقال لهما الشيخان لأن رسول الله صلى الله عليه واله لما إستشهد كان عمر كل واحد منهما بحدود الستين بل أكثر من الستين بقليل
فكأن أبا بكر وعمر يعني عمرهما ضعف عمر علي عليه السلام وسنهما ضعف سن علي عليه السلام فكأنهما والداه
فلذلك إستصغروه وقالوا هذا صغير السن .. حدث شاب يافع .. ثلاثين سنة فماله والخلافة .. أما نحن فكبار قريش .. نحن شيوخ قريش والأحق بالخلافة
وخشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها
كلمة مهمة جدا من عمر ابن الخطاب ... يقول السبب الأول أننا قلنا أنه صغير وليست عنده خبرة كافية للحكم والخلافة .. والذي هذا رد عليه ابن عباس في رواية ابن عساكر بأنه كيف إستصغرتموه والله تعالى لم يستصغره إذ بعثه بسورة براءة وعزل أبو بكر وعمر أقر هناك وقال الصواب تقول
والسبب الثاني يقول خشينا أن لا يجتمع عليه العرب وقريش لما قد وترها ! بعد النبي صلى الله عليه واله علي ابن أبي طالب إذا تولى الحكم كل هذه القبائل تثور عليه لأنه قد وترها .. يعني بينه وبينهم ثارات
علي سيفه دخل في كل القبائل بسبب حروب رسول الله صلى الله عليه واله ، علي قتل من بني أمية وقتل من بني المغيرة وقتل من بني فلان وبني فلان قتل من هؤلاء ،فهؤلاء يكرهون عليا .. يعتبرونه قاتل أبائهم .. قاتل أجدادهم .. قاتل أعامهم .. فكيف يتحملونه أميرا عليهم ؟
لا يتحملون .. لا يتحمل المرء أن يبايع الرجل الذي قتل أباه !
أما نحن فليس بيننا وبينهم ثارات عمر ما قتل أحدا منهم وأبو بكر ما قتل أحدا منهم وعثمان ما قتل أحدا .. لأنهم كانوا دائما هؤلاء الثلاثة أوائل الفرارين من كل معركة وغزوة ولم يقتلوا حتى إنسانا واحدا
أما علي عليه السلام مثلا في معركة بدر التي وقعت بين قريش وبين الجيش الإسلامي .. علي عليه السلام نصف قتلى المشركين هو قتلهم وبقية قتلى المشركين قتلهم الآخرين .. هو وحده نصف قتلى المشركين في معركة بدر هو الذي قتلهم والنصف الثاني كان قد نوزع على سائر المسلمين فقتلوهم
فلا يتحملون .. دماء توجد بين علي وبين قريش والقبائل والعرب
قال ابن عباس : فأردت أن أقول ولكن لم اقل .. لأن عمر كان غاضبا يشتمني ويقول سر لا سرت وأما أنكم أصحاب عمر ابن الخطاب واليكم عني يا بني عبد المطلب وأحذروا من اللعب معي
فأردت أن أقول : كان رسول الله صلى الله عليه واله يبعثه فينطح كبشها ( يعني أعاظم الرجال المقاتلين من المشركين والكفار كبشها هنا يعني دلالة على المقاتل الشرس من قبل الكفار من الجيش المعادي )
كان رسول الله صلى الله عليه واله يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره أفتستصغره أنت وصاحبك
ابن عباس يقول انا أردت هذا ولكن لم أقل ، فاردت أن أقول كان رسول الله يبعثه فينطح كبشها فلم يستصغره ولم يعتبره صغيرها في تلك الوقائع الجسام أفتستصغره أنت وصاحبك .. من أنتما في قبال رسول الله صلى الله عليه واله ؟
فقال عمر : لا جرم فكيف ترى ؟.. والله ما نقطع أمرا دونه ولا نعمل شيئا حتى نستأذنه
عمر هنا يقول لا جرم يعني ليس علينا جريمة ولا تعدي نحن لم نتعدى ولم نجرم ولم نظلم . فكيف ترى الأمر الآن أننا لا نقطع أمرا دونه يعني لا نبرم امرا من أمور الحكم إلا بمشاورة علي عليه السلام ولا نعمل شيئا حتى نستأذنه .. ألم يكن عمر هو القائل لولا علي لهلك عمر ؟ ألم يسجل التأريخ عشرات الموارد التي رجع فيها عمر الى علي عليه السلام ؟ ونزل على حكمه .. في الوقائع في الأحداث في المعضلات ... ألم يكن يشاور عليا ؟
فيريد عمر أن يقول لأبن عباس نحن لم نتعدى .. صحيح هو أولى ولكن بسبب هذين الأمرين أنه صغير وانه بينه وبين العرب وقبائلها ثارات فأننا أزحناه عن الخلافة ومع ذلك لم نظلم ولم نتعدى ولم نجرم لأننا لا نقطع أمرا دونه ولا نعمل شيئا حتى نستأذنه .
لا علاقة لنا الان برد ذرائع عمر التي ساقها هاهنا ، فأن كل مجرم من المجرمين يحاول حينما يحاكم في المحاكم ويمكن ملاحظة هذا الشيء ، أن يورد أي ذريعة كانت وأن يتحجج بأي حجة كانت ؟ مهما بلغت جريمته من فداحة وبشاعة يقدم الذرائع ويقدم حجج .. كل يتحجج
فلا علاقة لنا الآن برد هذه الحجج الواهية التي جاء بها عمر ابن الخطاب ولكن ما يهمنا في المقام فقط هو تصريحه في هذا النص الخطير الذي رواه أحد كبار علماء المخالفين وهو الراغب الأصفهاني صاحب المحاضرات يصرح فيه بأن عليا أولى بالأمر منه ومن أبي بكر !
ونترك لعمر ولمحبي عمر نترك لهما الذرائع التي جاء بها عمر ابن الخطاب هم فليعالجوها
وبالمناسبة .. نود أن نشير الى أمر ربما يجهله بعض الناس ، أن قسما من المخالفين وخصوصا المتصوفة منهم ( الصوفية منهم ) هؤلاء بناءا على هذه النصوص التي هي بهذا المعنى .. بهذا المحتوى .. رويت عن عمر ابن الخطاب فأن هؤلاء بنوا إعتقادهم على هذه المسألة ؟
وهي أن الخليفة الحقيقي بعد رسول الله صلى الله عليه واله كان عليا لكنه كان خليفة في الباطن وان عمر ابن الخطاب وأبا بكر وكذا عثمان كانوا خلفاء في الظاهر ! وكان بين خليفة الظاهر وخليفة الباطن كان هنالك إتصال سري
ينسقان بينهما الأمور ويتشاوران في الأمور ويخضع الخليفة الظاهر للخليفة الباطن .. هكذا يقول المتصوفة أو قسم منهم
فلما تسأل الصوفية أنه ماذا تفعل مع كل هذه الدلائل والحجج المروية في الحديث والسيرة والتأريخ التي تثبت أن عليا عليه السلام هو الخليفة وهو أمير المؤمنين حقا .. الأمير الشرعي بعد رسول الله صلى الله عليه واله ؟ وهذا يستلزم منكم أن تسقطوا عدالة ابي بكر وعمر وعثمان إذ كانوا قد وثبوا على حق علي عليه السلام وأخذوه ؟
فيقولون لكم أنه لا ! كان هؤلاء في واقع الأمر يعملون تحت إمرة علي .. كانوا معتقدين بإمامة علي ، الى هذه الدرجة
هؤلاء معتقدون بإمامة علي لكن بسبب أن عليا مرفوض من قبل العرب ، فهم جعلوا أنفسهم ولاة خلفاء في الظاهر وكان الخليفة الحقيقي الذين يرجعون اليه في السر هو خليفة الباطن .. هو علي ابن أبي طالب !
من اين جاؤوا بهذا ؟ بناءا على هذه النصوص وهذه الإعترافات من عمر ؟
يقول والله ما نقطع أمرا من دونه ولا نعمل شيئا حتى نستأذنه .. يقولون هذه الكلمات مشعرة بأن عمر كان يأتمر بأمر علي ويعتقد بإمامته ولكن في السر !
وكل هذا طبعا جاؤوا به حتى لا يسقطوا عدالة ابي بكر وعمر وعثمان .. لا يجرموا أبا بكر وعمر وعثمان .. فقط يحاولون أن يجمعوا بين ألنقيضين بأي نحو من الأنحاء ، وأن لا يلتزموا بالمنهج الإسلامي الصحيح الذي يوجب على كل إنسان أن يبرأ ممن يراه ظالما مغتصبا لحق الآخرين .. والقضية سهلة وبسيطة
أنت عندك بيت جاء رجل وأخذ بيتك وأخذ حقك فهل يعتبر ذلك الذي أخذ بيتك ظالما أم لا ؟ المنهج الإسلامي يقول هو ظالم .. مجرم .. يتبرأ منه
فإذا ثبت لدينا أن الخلافة من حق عليا عليه السلام ، فهي نفس المعادلة .. من جاء وأخذ هذا الحق من علي هو ظالم مجرم تجب البراءة منه .